الموقع ما يزال قيد التجربة
اقرأ في الملف
استهلال حنينُ الجِذع إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله
هذا الملف «شعائر»
التعرّف على أقسام المعجزات قطب الدين الراوندي (الخرائج والجرائح)
معجزات النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله في شرح منظومة الطباطبائي العلامة السيد حسن اللواساني (نور الأفهام)
معجزات النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله في حديث الإمام الكاظم عليه السلام رواية الحِمْيَري القمّي (قرب الإسناد)
لزوم معرفة النبيّ المبعوث صلّى الله عليه وآله الإمام الشيخ كاشف الغطاء (كشف الغطاء)
استهلال
كان في مسجد النبيّ صلّى الله عليه وآله جِذعٌ، وكان صلّى الله عليه وآله
إذا خطب فتَعِب أسنَدَ إليه ظهره، فلمّا اتُّخِذ له مِنبرٌ حَنَّ الجذع، فدعاه صلّى الله عليه وآله،
فأقبل يَخُدّ الأرض.. والنّاس حوله ينظرون إليه، فالتزمه وكلّمه فسكن، ثمّ قال له: عُدْ إلى مكانك - وهم يسمعون - فمرّ.. حتّى صار في مكانه، فازداد المؤمنون يقيناً وفي دِينهم بصيرة،
وكان هنالك المنافقون وقد نقلوه، ولكنّ الهوى يُميت القلوب!
(الخرائج والجرائح لقطب الدين الرّاوندي؛ وأخرجه: البيهقي في دلائل النبوّة بعدّة طُرُق. ورواه: البخاري في صحيحه، وابن الجوزي في الوفا بأحوال المصطفى)
هذا الملف
الإعجاز – كما يقول الحكماء وأكابر اللّسان العربيّ – هو العجز عن الإتيان بما لا يقدر البشر عليه. وهو أيضاً ما تقصر الأفهام عن إدراكه. ولكن يُدرك من الإعجاز على قدر ذوق المؤمن به.
ومعجزات نبيّنا الأعظم محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هي شأنٌ إلهيٌّ مخصوصٌ به، وليس لبقيّة البشر إلّا المعصومين من آله عليهم السلام أن ينالوه.
والمعجزة الكبرى التي أنعم الله تعالى بها على رسوله المصطفى صلّى الله عليه وآله هي القرآن المجيد الذي تنزّل على فؤاده؛ حيث لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه.
هذا إلى معجزات كثيرة مَنَّ سبحانه بها على رسوله وخاتَم أنبيائه ليُذكّر الناس بالربوبيّة، وبأنه تعالى وحده عزّت قدرته له الخلقُ والأمر.
وإذا كانت المعجزات هي من قبيل اللّطف والتكريم لعبده ورسوله صلّى الله عليه وآله، فالإعجاز ليس مقصوداً لذاته، وإنّما لغاية إلهية مقدّسة هي تيسير البعثة والتمهيد للرسالة وهداية الناس إلى صراط الحقّ وبلوغ حُسن العاقبة. ولهذا كانت المعجزة النبوية الشريفة بمثابة تنبيه وإرشاد وتمييز بين النبيّ صلّى الله عليه وآله وسائر الناس.
معجزات النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله هي مدار موضوعات هذا الملف الذي تقدّمه «شعائر» إلى القرّاء الكرام، وقد تضمّن إحاطة إجمالية بالمقصود من المعجزة النبوية وأقسامها وما رُوي عن أهل البيت عليهم السلام حولها.
«شعائر»
التعرّف على أقسام المعجزات
_____ الفقيه قطب الدين الراوندي _____
في هذه المقتطفة من كتاب (الخرائج والجرائح) للعلّامة الفقيه قطب الدين الراوندي، إطلالة إجماليّة على أقسام المعجزات النبويّة، كما أجمع عليها العلماء المسلمون استناداً إلى القرآن الكريم والروايات المنقولة عن أئمّة الهدى عليهم السلام.
اعلم أنّ معجزات النبيّ عليه وآله السلام على أقسام:
منها: ما انتشر نقْله وثبتَ وجوده عامّاً في كلّ زمانٍ ومكانٍ حين ظهوره، كالقرآن الذي بين أيدينا، نتلوه ونسمعه ونكتبه ونحفظه، لا يُمكن لأحدٍ جحده، إنّه هو الذي أتى به نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله، وإنّما دخلت الشبهة على قومٍ لم ينكشف لهم وجه إعجازه.
والقسم الثاني على أقسام:
* منها: ما رواه المسلمون وأجمعوا على نقله، وكان اختصاصهم بنقله، لأنّهم كانوا هم المشاهدين لذلك، وظهرت بين أيديهم في سفَرٍ كانوا هم المصاحبين له، أو في حضَرٍ لم يحضره غيرهم، فلذلك انفردوا بنقلها، وهم الجماعة الكثيرة التي لا يجوز على مثلها نقل الكذب بما لا أصل له.
والثاني من هذه الأقسام، ما شاهده بعض المسلمين فنقلوه إلى حضرة جماعتهم، وكان المعصوم وراءه، فلم يوجَد منهم إنكار لذلك، فاستُدلّ بتركهم النكير عليهم على صدقهم، لأنّهم على كثرتهم لا يجوز عليهم السكوت على باطلٍ ومنكَر يسمعونه فلا ينكرونه، ولا منع، كما لا يجوز أن ينقلوا كذباً، ولا رغبة ولا رهبة هناك تحملهم على النقل والتصديق.
* ومنها: ما ظهر في وقته صلوات الله عليه قبل مبعثه تأسيساً لأمره.
* ومنها: ما ظهر على أيدي سراياه في البلدان البعيدة، إبانة لصدقهم في ادّعائهم بنبوّته، لأنّهم ممّن لا تظهر منهم المعجزات، إذ لم يكونوا من أوصيائه، فيعلم بذلك تصديقه في دعواهم له.
* ومنها: ما وجدت في كتب الأنبياء قبله من تصديقه ووصفه بصفاته، وإظهار علاماته والدلالة على وقته ومكانه وولادته، وأحوال آبائه وأمهاته.
* ومن معجزاته أيضاً: أخلاقه ومعاملاته وسيرته وأحواله الخارقة للعادة.
* ومن معجزاته أيضاً: شرائعه التي لا تزداد على طول البحث عنها، والنطق فيها، إلّا حُسناً وترتيباً وإتقاناً وصحّةً، واتّساقاً ولطفاً.
ومعجزاته صلّى الله عليه وآله التي ظهرت في حياته، على أنحاء ومراتب:
* فمنها: ما ظهرتْ عليه قبل مبعثه للتأنيس والتمهيد والتأسيس.
* ومنها: ما ظهرت عليه بعد مبعثه لإقامة الحجّة بها على الخَلق.
* ومنها: ما ظهر من دعواته المستجابة.
* ومنها: ما ظهر من إخباره عن الغائبات، فوُجد كلّها صدقاً.
* ومنها: ما أخبر به ثمّ ظهر بعد وفاته صلّى الله عليه وآله.
معجزاتُ النبيّ الأعظم في شرح منظومة الطباطبائي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ العلامة السيد حسن الحسيني اللّواساني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(نور الأفهام في علم الكلام) للسيد حسن الحسيني اللواساني (ت: 1400 للهجرة) كتابٌ استدلاليّ يختصّ بأُصول الدين - أي التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد - جاء شرحاً للمنظومة الأخلاقية والكلامية (أُرجوزة مصباح الظلام في علم الكلام) وهي من نظم السيّد محمّد باقر الطباطبائي (ت: 1331 للهجرة) أحد أحفاد السيد علي الحسيني الحائري (صاحب الرياض).
يتضمّن هذا القسم من الملف حول معجزات النبيّ صلّى الله عليه وآله نصّين:
الأوّل: عبارة عن أبيات من منظومة السيّد الطباطبائي، حول معجزات النبيّ صلّى الله عليه وآله، يليها أبياتٌ أُخَر في التفريق بين المعجزة والسّحر أو الكهانة.
والثاني: شرح السيد اللواساني للأبيات المفرّقة بين المعجزة والكهانة.
* تعداد بعض معجزات رسول الله صلّى الله عليه وآله، كما وردت في منظومة السيد الطباطبائي:
وما جَرى بأمرِه في الشجرةْ |
جَرياً على ما اقترحتْه الفَجَرةْ |
وسبّح اللهَ الحصى في كفّهِ |
وفاضَ ماءُ البئر بعد جفّهِ |
ونطق الذئبُ بأنّه نبي |
عند ابن أوس في مقالٍ معجبِ |
ورُدّت الشمس وسلّم الشّجر |
وشقَّ قلبَ الكُفر في شَقِّ القمر |
أوما له فشقّه نصفين |
تصرّفاً في العين لا في العين |
ويوم خيبر شفى عينَ الهُدى |
بِريقه يوم أتاه أرمدا |
* وممّا قاله في التفريق بين المعجزة والكهانة، وإثبات نبوّة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، هذه الأبيات، وهي الآتي شرحها.
وحجّةُ النبيّ في دعواه |
معجزةٌ تُعجِز من سواه |
فمَن أتى بخارقٍ يطابقْ |
تحدّياً فهو النبيّ الصادقْ |
ما لم يجد معارضاً فيُبدي |
نظيره ويبطلُ التحدّي |
وميز أهل الفنّ أولى مائزِ |
بين فنون السحر والمعاجزِ |
وهو مع الدعوة لا يجتمعْ |
فإنّ لطف الله منه يمنعْ |
ربُّ الورى أرسلَ سيّد الورى |
إلى الورى مبشّراً ومُنذرا |
محمّدٌ خير نبيّ مرسل |
أرسله مع الكتاب المنزل |
في فترةٍ دارت رحى الجهالةْ |
فيها فعمّت الورى ضلالةْ |
قد عكفوا فيها على الأوثانِ |
وأعرضوا عن طاعة الرحمنِ |
فقام فيهم داعياً برفقِ |
يهديهم إلى سبيل الحقِّ |
برهانُه قرآنه وهل تركْ |
للمبتغي برهانه مثار شَكْ |
الفرق بين المعجزة والكهانة
_____ العلّامة السيّد حسن الحسيني اللواساني _____
اعلم أنّه لا بدّ في ثبوت النبوّة ومعرفة صدق المدّعي لها من حجّة واضحة، وبرهان قاطع «وحجّة النبيّ في دعواه» ظهورُ «معجزة» على يده «تُعجز من سواه» عن المعارضة بمثلها.
ويُشترط في تميّزها عن السحر والكهانة وأمثالهما من الأباطيل أُمور خمسة:
أحدها: أن لا يكون إبداعها بالبحث والتعلّم والفكر والتجارب كما في الآلات المخترعة في هذه الأعصار للحروب الدامية، أو لاستماع الأخبار من البلاد النائية، أو للسفر إلى الأقطار البعيدة في الجوّ والبرّ والبحر، ظهراً وبطناً؛ فإنّها ليست بمعجزة.
ثانيها: دعوى النبوّة من مبدعها (مدّعيها). وبذلك يحترز من الخوارق الّتي تظهر على أيدي السحرة والكهنة وأمثالهم. وأنّ من فضل الله تعالى ولطفه بعباده منعَ أُولئك الفسقة عن دعوى تلك المنزلة الرفيعة. كما أنّ رحمته سبحانه منعت عن ظهور الخوارق على يد المدّعي الكاذب.
ولو أنّ المبدع لها أشرف على تلك الدعوى، لامتنع عليه ظهورها. ولعلّ بعضهم علم ذلك فامتنع عن دعوى النبوّة.
ثالثها: مطابقتها للدعوى أو لما يُقترح عليه، فلو كانت مخالفة لذلك لم تكن بمعجزة، كما يُحكى مثل ذلك عن مسيلمة الكذّاب عندما سألوه مسْح يده على عين أرمد للشفاء، ولمّا أجابهم إلى ذلك عميت العين بمسحه من وقته وساعته. وسألوه أيضاً لمعارضة معاجز النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أن يبصق في بئر قليل النبع حتّى يكثر نبعها ويفيض ماؤها، فلمّا أجابهم إلى ذلك وبصق فيها يبست من حينها، وغار ما كان فيها من الماء القليل.
رابعها: أن تكون [المعجزة] مقرونة بالمغالبة والتحدّي، فيستشهد بها المدّعي على نبوّته، وإلاّ فلا عبرة بغيرها من الخوارق على تقدير ظهورها على يده. ولقد أجاد السيّد [محمّد باقر الطباطبائي] رحمه الله في الإشارة إلى تلك الشروط كلّها في بيت واحد بقوله:
«فمن أتى بخارق يطابق» دعواه مع كون ما أتى به «تحدّياً فهو النبيّ الصادق». فإنّ لفظ «أتى» باعتبار أفراده ربّما يستفاد منه كون فاعله منفرداً في إبداعه، من غير اشتراك أحد معه بالبحث والتعليم، كما ربّما يستفاد منه أيضاً كون الإتيان به ارتجالياً من غير سبق تروّ منه ولا تجربة.
خامسها: أن لا يوجد في عصره من يعمل مثل عمله، أو يأتي بخارق مثل «ما» أتى به. و«لم يجد معارضاً فيبدي» من المعاجز «نظيره، ويبطل التحدّي» منه.
ولا يذهب عليك أنّ «ميز أهل الفنّ» من السحر والكهانة «أولى مائز» وأصدق شاهد على الفرق «بين فنون السحر والمعاجز» فإنّهم أسرع إدراكاً، وأدقّ نظراً في التمييز بينها. أما بلغك إيمان سحَرة فرعون بمعجزة الكليم عليه السلام، من حين ظهورها سريعاً بلا تروّ ولا شكّ ولا التماس دليل منه عليه السلام ولا برهان؟
وعليه، فالشروط المذكورة إنّما تكون أدلّة تميّز لغيرهم ممّن لا يعرف الفرق بين السحر والمعجزة «وهو» أي السحر كما عرفت «مع الدعوة» النبوية «لا يجتمع» بمنع تكوينيّ منه تعالى رحمةً منه على عبيده «فإنّ لطف الله منه يمنع» حيث إنّ مقتضى لطفه بهم المحافظة على نواميسه المقدّسة عن مماثلة الباطل لها.
فيجب عليه سبحانه المنع عن صدور الخوارق على يد المدّعي الكاذب؛ دفعاً لمحذور الإغراء بالجهل، ثمّ محذور نقض الغرض، لوضوح قبحهما ثمّ وضوح براءة ساحة قُدسه تعالى عن كلّ قبيح كما عرفت فيما تقدّم "..".
إثبات رسالة نبيّنا الأعظم محمّد الخاتم صلّى الله عليه وآله المعصومين
والكلام في ذلك في مقامين:
المقام الأوّل في وجوده وظهوره في عصره ودعواه النبوّة، وذلك لا يحتاج إلى بسط مَقال، أو إقامة برهان، بعد إطباق الملل، واتّفاق كلمة الكلّ على ذلك على اختلافهم في الأديان، وتشتّتهم في الأقطار.
وإن أنكر كثير منهم نبوّته كطوائف اليهود والنصارى والمجوس والبراهمة وعبدة الأصنام وسائر فرق الكفّار من المشركين والمُلحدين، ولكن لم يختلف اثنان منهم في أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في العصر الكذائي وادّعى النبوّة لنفسه، وتبعه جماعة من قومه، وأنّ بلوغ ذلك فوق حدّ التواتر الموجب للعلم القطعي لمِن أوضح الواضحات.
المقام الثاني في إثبات نبوّته صلّى الله عليه وآله وسلّم، فنقول:
لا شبهة عندنا أنّ الله تعالى «ربّ الورى» أرسل بالنبوّة «سيّد الورى» وأشرف أهل الأرض والسماء «إلى الورى» كافّة من الجنّ والإنس، وكلّ من يليق أن يبعث إليه رسول.
وإنّما بعثه إليهم «مبشّراً» للمطيع منهم بالنعيم «ومنذراً» للعاصي منهم بالجحيم. وهو «محمّد خير نبيّ مرسل» بإجماع فرق المسلمين عامّة.
وقد «أرسله» الله تعالى «مع الكتاب المنزل» من لدنه سبحانه، وهو الفرقان الّذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ فصّلت:42.
وكان ذلك «في فترة» وانقطاع من الرسل، بحيث «دارت رحى الجهالة» بين الخلائق «فيها» أي في تلك الفترة «فعمّت الورى» بأجمعهم «ضلالة» شديدة، وكفر عظيم. وذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ..﴾ المائدة:19.
وطول المدّة بين بعثته صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين ارتفاع المسيح عليه السلام بما يقرب من 600 سنة، والناس «قد عكفوا فيها» أي أقاموا «على» عبادة «الأوثان»، مأخوذ من قوله تعالى: ﴿..يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ..﴾ الأعراف:138، «وأعرضوا» جلّهم بل كلّهم «عن طاعة الرحمن»، إلى أن بلغوا في الجهل والضلال مرتبة الوحوش والبهائم والأنعام، بل صاروا أضلّ منهم في الظلم والطغيان.
ومن الواضح أنّ هداية مثلهم إلى الحقّ والإيمان برفض العادات القبيحة، وترك ما انتشأوا عليه خَلَفاً عن سَلَفٍ، من ارتكاب الفواحش المنكرة، وترك ما اختمرت عليه طبائعهم من الأخلاق السيّئة الرديئة، وتبديلها بالمكارم الحسنة الجيّدة، أشقّ وأصعب من هداية مَن سبقهم من الأُمم السالفة أُولي الألباب، وأرباب الكتب والأديان.
«فقام فيهم» ذاك النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على وحدته ويُتمه وقلّة ذات يده من حطام الدنيا، «داعياً» لهم إلى الله تعالى «برفق» من البيان، من غير غلظة في الخطاب، ولا تخويف لهم بالعشيرة والقوّة، ولا تطميع لهم في الزخارف الدنيوية.
وأخذ «يهديهم إلى سبيل الحقّ» ولم يألُ جهداً في وعظهم وإرشادهم، وتعليمهم المعارف الدينية، والعلوم الحقّة الإلهية. وهو، صلّى الله عليه وآله وسلّم، أُمّي لم يقرأ ولم يكتب، ولم يتعلّم لدى معلّم غير ربّه الأعلى تبارك وتعالى.
وقد علمت الأُمم كلّهم ذلك لم ينكره أحد منهم، وعلموا أيضاً أنّ قومه لم يألوا جهداً في تكذيبه وسبّه وضربه وطرده، والسعي في قتله وهلاكه، وهم فراعنة العرب وأصحاب العدّة والعدد. فلم يُثنِه عن عزمه شيء من ذلك، ولم يثبّطه عن دعوته لهم أذاهم وقبائح أفعالهم، ولم يزل مُجدّاً في عمله غير خائف من سطواتهم، ولا هارباً ولا جزعاً عند مهاجماتهم عليه. ثمّ أتى على طبق دعواه بمعاجز شتّى كثيرة، كانشقاق القمر بإشارته، وسَيره في ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وغير ذلك ممّا هو مذكور في كتب الأحاديث الصحيحة، وثبت بالتواتر التفصيلي أو الإجمالي بحيث لم يبقَ مجال للشكّ فيها، فضلاً عن إنكارها.
معجزة القرآن
ثمّ امتاز صلّى الله عليه وآله وسلّم، عن سائر الأنبياء عليهم السلام، بأعظم المعاجز، وهو «برهانه» الواضح، و«قرآنه» الكريم الّذي لا يَبلى على مرور الدهور، وتبدلّ العصور، ولا يزداد على كرور الأزمنة إلى يوم النشور إلاّ ضياءً وصفاءً.
«وهل ترك» ذاك المعجز الخالد «للمبتغي» أي الطالب برهانه «مَثار شكّ» أو مظنّة شبهة؟
وذلك لأنّ العاقل البصير كلّما غار متأمّلاً في بحار هذا القرآن العظيم لم يزدد إلاّ بهتاً فيه وإعجاباً به. ولا غرو فإنّه الترياق الأكبر، والكبريت الأحمر، وفيه المعاجز العجيبة والخواصّ الغريبة، وهو يجلّ عن التشبيه بالطّود الأشمّ، أو بالبحر الخضمّ علوّاً ورفعة، أو سعةً وعظَمة، وأنّ ما حواه من المواعظ والزواجر مأخذ كلّ خطيب مصقع، ومصدر كلّ واعظ مفقع.
وكذا ما فيه من معالم الحلال والحرام، وسائر ما شرع من الأحكام منهل كلّ حاذق فقيه، ومغرف العالِم النبيه.
وإنّ من حياض بلاغته ذاق البلغاء البلاغة، وبمعرفة بعض ما فيه من الأساليب الفاخرة والمعاني العالية باهى الأُدباء، وتفاخروا بإدراك الفصاحة، وأنّه لهدى للإنس والجانّ وفيه بيّنات من الفرقان.
وهو نور يتوقّد مصباحه، وضياء يتلألأ صباحه، ودليل لا يخمد برهانه، وحقّ لا يخذل أعوانه وحبل وثيقة عروته، وجبل منيعة ذروته.
وهو للصدور شفاء، وللقلوب دواء.
وأنّه لَإمامٌ يقتدي بِسمَته المقتدون، وعلَمٌ يهتدي بهديه المهتدون، فيه رياض الحِكم وأنوارها، وينابيع العلوم وبحارها. ".."
وبالجملة إنّ هذا القرآن العظيم فيه آيات محكمات هنّ أُمّ الكتاب، وأُخر متشابهات، وفيه ناسخ ومنسوخ، ومجمل ومبيّن، وعامّ وخاصّ، ومطلق ومقيّد، وأحكام وفرائض، وسنن وقصص، ومواعظ وحكم، ومجازات واستعارات، وحقائق بيّنات، وأمثال وحكايات.
وهو أشرف من جميع الكتب السماوية الّتي أُنزلت على الأنبياء السابقين، وأميز من الصحف المرسلة للرسل المكرّمين، في فصاحة اللفظ، وبلاغة المعنى، واستيفاء الدقائق، وبيان الحقائق، وحُسن النظم، وجودة الأُسلوب، وكثرة الرموز، والإشارة إلى العلم المكنوز، وخفايا الأسرار الّتي لا يدركها إلّا الأطهار الّذين أدركوا الموازنة بين عالَمي الغيب والشهود.
وقد حوى من العلوم ما لا يُحيط بحقائقها علم البشر، ولا يدرك كنهها إلّا الراسخون في العلم، وهم الملهَمون منه تعالى بعلم ما في الكون من الخير والشرّ.
وذلك مضافاً إلى ما فيه من الاعتدال في آياته الّتي ليست بنظمٍ ولا نثرٍ ولا رجزٍ ولا شعرٍ ولا خطبٍ ولا سجعٍ، وما فيه أيضاً من الحجج القاطعة، والبراهين الساطعة على وجود الصانع تعالى ووحدانيته، وأوصافه المقدّسة، والحشر والنشر، وسائر وقائع يوم القيامة.
وكذا ما فيه من الأدلّة على نبوّة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، كآيات التحدّي وما حواه من وقائع القرون السالفة؛ كقصّة أصحاب الكهف، وذي القرنين، وموسى عليه السلام والخضر عليه السلام، وأمثالها ممّا لم يكن يعرفها إلاّ الخواصّ من أحبار اليهود.
وما اشتمل عليه أيضاً من الأخبار بالحوادث المستقبلة، والأُمور المغيّبة، كغلبة الروم على الفرس، وعدم تمنّي اليهود للموت ونظائرهما، والإخبار عن ضمائر بعض المنافقين من الصحابة.
وكذا ما اشتمل عليه من أسرار العلوم وأنواع المعارف، وجوامع الكلِم، ولوامع الحكم الّتي قصُرت الأوهام عن الإحاطة بها، وكلّت الأفهام عن إدراك حقائقها. فمهما تغلغل الأديب البارع في رياض فنونها، وتعمّق في بحار نكاتها ودقائقها، انفتح له باب المعرفة بما لم يكن يعرفه قبل ذلك من المسالك الموصلة إلى مقفلاتها، والمدارك الكاشفة له عن جُمل مشكلاتها، وظهرت له معالمُ أدرك بها ما كان قد خفيَ عليه من رشحاتٍ سائلةٍ من عيون خزائنها، ولاحت له لوائح من معرفة الشدائد من صعابها، وعندئذ يستخرج بغوّاص عقله على قدر غوره وفهمه شيئاً يسيراً من جواهر بحورها، ويقتبس بالزناد القادح من فكره جزءاً قليلاً من ضوء أنوارها. وإنّ ذلك كلّه أُمورٌ لا يعرفها إلاّ الكُمّل من العلماء الراسخين في العلم والمعرفة، والمعظّم من أهل الفنّ والدراية. وتراهم بعد الدقّة الكاملة، والتفكّرات العميقة في أسراره ومغازيه، معترفين بالعجز عن البلوغ إلى أقصى المراد، مُذعنين بالقصور عن فهم حقائق ما أفادوا، لم يزالوا من الإعجاب به في ازدياد خاضعين لقوله سبحانه: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ ص:54.
وبالجملة، إنّ هذا الكتاب الكريم لَهُو من المعاجز المتجدّدة شيئاً فشيئاً، والغرائب المعجبة الحادثة يوماً فيوماً. وكم فيه من دواعي التلاوة والتكرار ومرغّبات لقراءته أو استماعه في الليل والنهار من سهولة مخارجه، وبهجة رونقه، وسلاسة نظْمه، وحُسن قبوله، وغير ذلك من خصائصه. وإنّك تراه في سورة قصيرة ينتقل القارئ فيه من وعدٍ إلى وعيدٍ، ومن القَصص إلى المثل، ومن الحِكَم إلى الجدل. وأمثال ذلك ممّا لم يوجَد شيء منه في الكُتب السماوية السابقة، فضلاً عن غيرها.
معجزات النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله في حديث الإمام الكاظم عليه السلام
أعظمُها كتابُه المُهَيمن
ـــــــــــــــ الفقيه الشيخ عبد الله الحِمْيَري القمّي ــــــــــــــــــــــــــ
الروايات الشريفة المنقولة عن أئمة أهل بيت النبوّة عليهم السلام حول معجزات النبيّ صلّى الله عليه وآله كثيرة، وهي الأصدق ممّا يُروى في كُتب الحديث، ذلك أنها متّصلة بالتواتر بالسلسلة الشريفة من أهل العصمة وصولاً إلى النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله.
في ما يلي، ثبتٌ بعددٍ من المعجزات النبويّة ورد في رواية طويلة عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، نقلناها عن كتاب (قُرب الإسناد) للشيخ الجليل أبي العباس عبد الله بن جعفر الحِميَري القمّي، من أعلام القرن الهجري الثالث.
روى الحِميَري القمّي في (قرب الإسناد) عن الحسن بن ظريف، عن معمّر، عن الرضا عليه السلام، عن أبيه موسى بن جعفر عليه السلام. قال:
«كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ [الصّادق] عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَاتَ يَوْمٍ - وَأَنَا طِفْلٌ خُمَاسِيٌ- إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: أَنْتَ ابْنُ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ؟
قَالَ لَهُمْ: نَعَمْ.
قَالُوا: إِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آتَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَوُلْدَهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَجَعَلَ لَهُمُ الْمُلْكَ وَالْإِمَامَةَ، وَهَكَذَا وَجَدْنَا ذُرِّيَّةَ الْأَنْبِيَاءِ لَا تَتَعَدَّاهُمُ النُّبُوَّةُ وَالْخِلَافَةُ وَالْوَصِيَّةُ، فَمَا بَالُكُمْ قَدْ تَعَدَّاكُمْ ذَلِكَ وَثَبَتَ فِي غَيْرِكُمْ وَنَلْقَاكُمْ مُسْتَضْعَفِينَ مَقْهُورِينَ لَا تُرْقَبُ فِيكُمْ ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ؟!
فَدَمَعَتْ عَيْنَا أَبِي عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ لَمْ تَزَلْ أُمَنَاءُ اللهِ مُضْطَهَدَةً مَقْهُورَةً مَقْتُولَةً بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالظَّلَمَةُ غَالِبَةٌ، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ الشَّكُورُ.
قَالُوا: فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَأَوْلَادَهُمْ عَلِمُوا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيمِ، وَأُوتُوا الْعِلْمَ تَلْقِيناً، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِأَئِمَّتِهِمْ وَخُلَفَائِهِمْ وَأَوْصِيَائِهِمْ، فَهَلْ أُوتِيتُمْ ذَلِكَ؟
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ادْنُ يَا مُوسَى. فَدَنَوْتُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي ثُمَّ قَالَ: اللّهُمّ أَيِّدْهُ بِنَصْرِكَ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ. ثُمَّ قَالَ: سَلُوهُ عَمَّا بَدَا لَكُمْ.
قَالُوا: وَكَيْفَ نَسْأَلُ طِفْلًا لَا يَفْقَهُ؟
قُلْتُ: سَلُونِي تَفَقُّهاً وَدَعُوا الْعَنَتَ.
قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنِ الْآيَاتِ التِّسْعِ الَّتِي أُوتِيَهَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ.
قُلْتُ: الْعَصَا، وَإِخْرَاجُهُ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ بَيْضَاءَ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَرَفْعُ الطُّورِ، وَالْمَنُّ وَالسَّلْوَى آيَةً وَاحِدَةً، وَفَلْقُ الْبَحْرِ.
قَالُوا: صَدَقْتَ، فَمَا أُعْطِيَ نَبِيُّكُمْ مِنَ الْآيَاتِ اللَّاتِي نَفَتِ الشَّكَّ عَنْ قُلُوبِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟
قُلْتُ: آيَاتٌ كَثِيرَةٌ، أَعُدُّهَا إِنْ شَاءَ اللهُ، فَاسْمَعُوا وَعُوا وَافْقَهُوا.
(أَمَّا أَوَّلُ ذَلِكَ): أَنْتُمْ تُقِرُّونَ أَنَّ الْجِنِّ كَانُوا يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَمُنِعَتْ فِي أَوَانِ رِسَالَتِهِ بِالرُّجُومِ وَانْقِضَاضِ النُّجُومِ، وَبُطْلَانِ الْكَهَنَةِ وَالسَّحَرَةِ. ".."
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ سَيْفَ بْنَ ذِي يَزَنَ حِينَ ظَفِرَ بِالْحَبَشَةِ وَفَدَ عَلَيْهِ وَفْدُ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ وَوَصَفَ لَهُمْ صِفَتَهُ، فَأَقَرُّوا جَمِيعاً بِأَنَّ هَذَا الصِّفَةَ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. فَقَالَ: هَذَا أَوَانُ مَبْعَثِهِ، وَمُسْتَقَرُّهُ أَرْضُ يَثْرِبَ وَمَوْتُهُ بِهَا.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أَبْرَهَةَ بْنَ يَكْسُومَ قَادَ الْفِيَلَةَ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ لِيَهْدِمَهُ، قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنَّ لِهَذَا الْبَيْتِ رَبّاً يَمْنَعُهُ، ثُمَّ جَمَعَ أَهْلَ مَكَّةَ فَدَعَا، وَهَذَا بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ، فَأَرْسَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ وَدَفَعَهُمْ عَنْ مَكَّةَ وَأَهْلِهَا.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أَبَا جَهْلٍ، عَمْرَو بْنَ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيَّ، أَتَاهُ - وَهُوَ نَائِمٌ خَلْفَ جِدَارٍ- وَمَعَهُ حَجَرٌ يُرِيدُ أَنْ يَرْمِيَهُ بِهِ، فَالْتَصَقَ بِكَفِّهِ.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أَعْرَابِيّاً بَاعَ ذَوْداً [الذّود من الإبل: ما بين الثّلاث إلى العشر] لَهُ مِنْ أَبِي جَهْلٍ فَمَطَلَهُ بِحَقِّهِ، فَأَتَى قُرَيْشاً وَقَالَ: اعْدُونِي عَلَى أَبِي الْحَكَمِ فَقَدْ لَوَى حَقِّي، فَأَشَارُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالُوا: ائْتِ هَذَا الرَّجُلَ فَاسْتَعْدِهِ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَهْزَؤونَ بِالْأَعْرَابِيِّ.
فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ اعْدُنِي عَلَى عَمْرِو بْنِ هِشَامِ فَقَدْ مَنَعَنِي حَقِّي.
قَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ مَعَهُ فَدَقَّ عَلَى أَبِي جَهْلٍ بَابَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُتَغَيِّراً. فَقَالَ لَهُ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: أَعْطِ الْأَعْرَابِيَّ حَقَّهُ. قَالَ: نَعَمْ.
وَجَاءَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللهُ خَيْراً، انْطَلَقَ مَعِي الرَّجُلُ الَّذِي دَلَلْتُمُونِي عَلَيْهِ، فَأَخَذَ حَقِّي.
فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالُوا: أَعْطَيْتَ الْأَعْرَابِيَّ حَقَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: إِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نُغْرِيَكَ بِمُحَمَّدٍ، وَنَهْزَأَ بِالْأَعْرَابِيِّ. قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، دَقَّ بَابِي فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ:
أَعْطِ الْأَعْرَابِيَّ حَقِّهُ، وَفَوْقَهُ مِثْلُ الْفَحْلِ فَاتِحاً فَاهُ كَأَنَّهُ يُرِيدُنِي، فَقَالَ: أَعْطِهِ حَقَّهُ، فَلَوْ قُلْتُ: لَا، لَابْتَلَعَ رَأْسِي، فَأَعْطَيْتُهُ.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ قُرَيْشاً أَرْسَلَتِ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ بِيَثْرِبَ إِلَى الْيَهُودِ، وَقَالُوا لَهُمَا: إِذَا قَدِمْتُمَا عَلَيْهِمْ فَسَائِلُوهُمْ عَنْهُ، وَهُمَا قَدْ سَأَلُوهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا: صِفُوا لَنَا صِفَتَهُ، فَوَصَفُوهُ. وَقَالُوا: مَنْ تَبِعَهُ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: سَفلَتُنَا.
فَصَاحَ حَبْرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: هَذَا النَّبِيُّ الَّذِي نَجِدُ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَنَجِدُ قَوْمَهُ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَهُ.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ قُرَيْشاً أَرْسَلَتْ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي طَلَبِهِ، فَلَحِقَ بِهِ فَقَالَ صَاحِبُهُ: هَذَا سُرَاقَةُ يَا نَبِيَّ اللهِ، فَقَالَ: اللّهُمّ اكْفِنِيهِ، فَسَاخَتْ قَوَائِمُ ظَهْرِهِ [الظّهر: الحيوان الّذي يُركب]، فَنَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ خَلِّ عَنِّي بِمَوْثِقٍ أُعْطِيكَهُ أَنْ لَا أُنَاصِحَ غَيْرَكَ، وَكُلَّ مَنْ عَادَاكَ لَا أُصَالِحُ. فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللّهُمّ إِنْ كَانَ صَادِقَ الْمَقَالِ فَأَطْلِقْ فَرَسَهُ. فَانْطَلَقَ فَوَفَى وَمَا انْثَنَى بَعْدَ ذَلِكَ.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ وَأَزيَدَ بْنَ قَيْسٍ أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَقَالَ عَامِرٌ لِأَزيَدَ: إِذَا أَتَيْنَاهُ فَأَنَا أُشَاغِلُهُ عَنْكَ فَأَعْلِهِ بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَيْهِ قَالَ عَامِرٌ: يَا مُحَمَّدُ خَائِرْ [كذا، وفي نسخة حائر]. قَالَ: لَا، حَتَّى تَقُول أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى أَزيَدَ، وَأَزْيَدُ لَا يُخْبِرُ شَيْئاً.
فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ نَهَضَ وَخَرَجَ وَقَالَ لِأَزْيَدَ: مَا كَانَ أَحَدٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَخْوَفَ عَلَى نَفْسِي فَتْكاً مِنْكَ، وَلَعَمْرِي لَا أَخَافُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ لَهُ أَزْيَدُ: لَا تَعْجَلْ، فَإِنِّي مَا هَمَمْتُ بِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ إِلَّا وَدَخَلَتِ الرِّجَالُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، حَتَّى مَا أُبْصِرُ غَيْرَكَ، فَأَضْرِبُكَ؟!
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أَزيَدَ بْنَ قَيْسٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ اجْتَمَعَا عَلَى أَنْ يَسْأَلَاهُ عَنِ الْغُيُوبِ فَدَخَلَا عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَلَى أَزْيَدَ فَقَالَ: يَا أَزْيَدُ، أَتَذْكُرُ مَا جِئْتَ لَهُ يَوْمَ كَذَا وَمَعَكَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ؟ فَأَخْبرهُ بِمَا كَانَ فِيهِمَا، فَقَالَ أَزْيَدُ: وَاللهِ مَا حَضَرَنِي وَعَامِراً أَحَدٌ، وَمَا أَخْبَرَكَ بِهَذَا إِلَّا مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ نَفَراً مِنَ الْيَهُودِ أَتَوْهُ، فَقَالُوا لِأَبِي الْحَسَنِ جَدِّي: اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى ابْنِ عَمِّكَ نَسْأَلُهُ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَعْلَمَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: وَمَا يُرِيدُونَ مِنِّي؟ فَإِنِّي عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللهِ، لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي رَبِّي، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لَهُمْ. فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَتَسْأَلُونِّي عَمَّا جِئْتُمْ لَهُ أَمْ أُنَبِّئُكُمْ؟ قَالُوا: نَبِّئْنَا، قَالَ: جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: كَانَ غُلَاماً مِنْ أَهْلِ الرُّومِ ثُمَّ مَلَكَ، وَأَتَى مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَمَغْرِبَهَا، ثُمَّ بَنَى السَّدَّ فِيهَا. قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كَذَا.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ الْأَسَدِيَّ أَتَاهُ فَقَالَ: لَا أَدَعُ مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ شَيْئاً إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ادْنُ يَا وَابِصَةُ، فَدَنَوْتُ.
فَقَالَ: أَتَسْالُ عَمَّا جِئْتَ لَهُ أَوْ أُخْبِرُكَ؟ قَالَ: أَخْبِرْنِي.
قَالَ: جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ. قَالَ: نَعَمْ. فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا وَابِصَةُ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ بِهِ الصَّدْرُ، وَالْإِثْمُ مَا تَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وجَالَ فِي الْقَلْبِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ أَتَاهُ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَدْرَكُوا حَاجَتَهُمْ عِنْدَهُ قَالَ: ائْتُونِي بِتَمْرِ أَهْلِكُمْ مِمَّا مَعَكُمْ، فَأَتَاهُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِنَوْعٍ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: هَذَا يُسَمَّى كَذَا، وَهَذَا يُسَمَّى كَذَا، فَقَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ بِتَمْرِ أَرْضِنَا، فَوَصَفَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ، فَقَالُوا: أَدَخَلْتَهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ فُسِحَ لِي فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا.
فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا خَالِي وَبِهِ خَبَلٌ، فَأَخَذَ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ – ثَلَاثاً - ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَبَرَأَ. وَأَتَوْهُ بِشَاةٍ هَرِمَةٍ، فَأَخَذَ أَحَدَ أُذُنَيْهَا بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَصَارَ مِيسَماً، ثُمَّ قَالَ: خُذُوهَا فَإِنَّ هَذَا السِّمَةَ فِي آذَانِ مَا تَلِدُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَهِيَ توَالدُ وَتِلْكَ فِي آذَانِهَا مَعْرُوفَةٌ غَيْرُ مَجْهُولَةٍ. ".."
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ تَوَجَّهَ إِلَى الشَّامِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ مَعَ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحِيَالِ بحيراء الرَّاهِبِ نَزَلُوا بِفِنَاءِ دَيْرِهِ، وَكَانَ عَالِماً بِالْكُتُبِ، وَقَدْ كَانَ قَرَأَ فِي التَّوْرَاةِ مُرُورَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِهِ، وَعَرَفَ أَوَانَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ فَدُعِيَ إِلَى طَعَامِهِ، فَأَقْبَلَ يَطْلُبُ الصِّفَةَ فِي الْقَوْمِ فَلَمْ يَجِدْهَا، فَقَالَ: هَلْ بَقِيَ فِي رِحَالِكُمْ أَحَدٌ؟
فَقَالُوا: غُلَامٌ يَتِيمٌ. فَقَامَ بحيراء الرَّاهِبُ فَاطَّلَعَ، فَإِذَا هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ نَائِمٌ وَقَدْ أَظَلَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: ادْعُوا هَذَا الْيَتِيمَ، فَفَعَلُوا وَبحيراء مُشْرِفٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَسِيرُ وَالسَّحَابَةُ قَدْ أَظَلَّتْهُ، فَأَخْبَرَ الْقَوْمَ بِشَأْنِهِ وَأَنَّهُ سَيُبْعَثُ فِيهِمْ رَسُولًا وَيَكُونُ مِنْ حَالِهِ وَأَمْرِهِ. فَكَانَ الْقَوْمُ بَعْدَ ذَلِكَ يَهَابُونَهُ وَيُجِلُّونَهُ.
فَلَمَّا قَدِمُوا أَخْبَرُوا قُرَيْشاً بِذَلِكَ، وَكَانَ عِنْدَ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فَرَغِبَتْ فِي تَزْوِيجِهِ، وَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، وَقَدْ خَطَبَهَا كُلُّ صِنْدِيدٍ وَرَئِيسٍ قَدْ أَبَتْهُمْ، فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لِلَّذِي بَلَغَهَا مِنْ خَبَرِ بحيراء.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ أَيَّامٌ أَلَّبَ عَلَيْهِ قَوْمهُ وَعَشَائِرهُ، فَأَمَرَ عَلِيّاً أَنْ يَأْمُرَ خَدِيجَةَ أَنْ تَتَّخِذَ لَهُ طَعَاماً فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ أَقْرِبَاءَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَدَعَا أَرْبَعِينَ رَجُلًا فَقَالَ: (هَاتِ) لَهُمْ طَعَاماً يَا عَلِيُّ، فَأَتَاهُ بِثَرِيدَةٍ وَطَعَامٍ يَأْكُلُهُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ فَقَدَّمَهُ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: كُلُوا وَسَمُّوْا، فَسَمَّى وَلَمْ يُسَمِّ الْقَوْمِ، فَأَكَلُوا وَصَدَرُوا شَبْعَى.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: جَادَ مَا سَحَرَكُمْ مُحَمَّدٌ، يُطْعِمُ مِنْ طَعَامِ ثَلَاثِ رِجَالٍ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، هَذَا وَاللهِ هُوَ السِّحْرُ الَّذِي لا بعده.
فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ثُمَّ أَمَرَنِي بَعْدَ أَيَّامٍ فَاتَّخَذْتُ لَهُ مِثْلَهُ وَدَعْوَتُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ فَطَعِمُوا وَصَدَرُوا.".."
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَتَتْهُ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَتَنَاوَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الذِّرَاعَ وَتَنَاوَلَ بِشْرٌ الْكُرَاعَ، فَأَمَّا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَاكَهَا وَلَفَظَهَا وَقَالَ: إِنَّهَا لَتُخْبِرُنِي أَنَّها مَسْمُومَةٌ. وَأَمَّا بِشْرٌ فَلَاكَ الْمُضْغَةَ وَابْتَلَعَهَا فَمَاتَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأَقَرَّتْ، وَقَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا فَعَلْتِ؟ قَالَتْ: قَتَلْتَ زَوْجِي وَأَشْرَافَ قَوْمِي، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ مَلِكاً قَتَلْتُهُ، وَإِنْ كَانَ نَبِيّاً فَسَيُطْلِعُهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى ذَلِكَ.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَحْفِرُونَ وَهُمْ خِمَاصٌ، وَرَأَيْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَحْفِرُ وَبَطْنُهُ خَمِيصٌ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي فَأَخْبَرْتُهَا فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا هَذِهِ الشَّاةُ وَمِحْرَزٌ مِنْ ذُرَةٍ.
قَالَ: فَاخْبِزِي. وَذَبَحَ الشَّاةَ وَطَبَخُوا شِقَّهَا وَشَوَوْا الْبَاقِيَ، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اتَّخَذْتُ طَعَاماً فَائْتِنِي أَنْتَ وَمَنْ أَحْبَبْتَ، فَشَبَّكَ أصَابِعَهُ فِي يَدِهِ ثُمَّ نَادَى: أَلَا إِنَّ جَابِراً يَدْعُوكُمْ إِلَى طَعَامِهِ.
فَأَتَى أَهْلَهُ مَذْعُوراً خَجِلًا فَقَالَ لَهَا: هِيَ الْفَضِيحَةُ قَدْ حَفَلَ بِهِمْ أَجْمَعِينَ.
فَقَالَتْ: أَنْتَ دَعْوَتَهُمْ أَمْ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ. قَالَتْ: فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ.
فَلَمَّا رَآنَا أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ عَلَى الشَّوَارِعِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْمَعَ التَّوَارِيَ- يَعْنِي قِصَاعاً كَانَتْ مِنْ خَشَبٍ - وَالْجِفَانَ، ثُمَّ قَالَ: مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الطَّعَامِ؟ فَأَعْلَمْتُهُ،
فَقَالَ: غَطُّوا السِّدَانَةَ وَالْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ، وَاغْرِفُوا وَأَخْرِجُوا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ وَغَطُّوا. فَمَا زَالُوا يَغْرِفُونَ وَيَنْقُلُونَ وَلَا يَرَوْنَهُ يَنْقُصُ شَيْئاً حَتَّى شَبِعَ الْقَوْمُ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، ثُمَّ أَكَلَ جَابِرٌ وَأَهْلُهُ وَأَهْدَوْا وَبَقِيَ عِنْدَهُمْ أَيَّاماً.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَتَاهُ عَشِيَّةً وَهُوَ صَائِمٌ فَدَعَاهُ إِلَى طَعَامِهِ، وَدَعَا مَعَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا أَكَلُوا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: نَبِيٌّ وَوَصِيٌّ، يَا سَعْدُ أَكَلَ طَعَامَكَ الْأَبْرَارُ، وَأَفْطَرَ عِنْدَكَ الصَّائِمُونَ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ. فَحَمَلَهُ سَعْدٌ عَلَى حِمَارٍ قَطُوفٍ وَأَلْقَى عَلَيْهِ قَطِيفَةً، فَرَجَعَ الْحِمَارُ وَإِنَّهُ لَهِمْلَاجُ مَا يُسَايِرُ.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِي الطَّرِيقِ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ وَشَلٍ بِقَدْرِ مَا يروي الرَّاكِبَ وَالرَّاكِبَيْنِ، فَقَالَ: مَنْ سَبَقَنَا إِلَى الْمَاءِ فَلَا يَسْتَقِيَنَّ مِنْهُ.
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ دَعَا بِقَدَحٍ فَتَمَضْمَضَ فِيهِ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ، فَفَاضَ الْمَاءُ فَشَرِبُوا وَمَلَؤُوا أَدَوَاتِهِمْ وَمَيَاضِيَهِمْ وَتَوَضَّأوا. فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَئِنْ بَقِيتُمْ، أَوْ بَقِيَ مِنْكُمْ، لَيَتَّسِعَنَّ بِهَذَا الْوَادِي بِسَقْيِ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ مَائِهِ، فَوَجَدُوا ذَلِكَ كَمَا قَالَ.
(وَمِنْ ذَلِكَ): إِخْبَارُهُ عَنِ الْغُيُوبِ، وَمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، فَوُجِدَ ذَلِكَ مُوَافِقاً لِمَا يَقُولُ.
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ أَخْبَرَ صَبِيحَةَ اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْرِيَ بِهِ، بِمَا رَأَى فِي سَفَرِهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضٌ وَصَدَّقَهُ بَعْضٌ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا رَأَى مِنَ الْمَارَّةِ وَالْمُمْتَارَةِ وَهَيَآتِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ وَمَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْتِعَةِ، وَأَنَّهُ رَأَى عِيراً أَمَامَهَا بَعِيرٌ أَوْرَقُ، وَأَنَّهُ يَطْلُعُ يَوْمَ كَذَا مِنَ الْعَقَبَةِ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. فَغَدَوْا يَطْلُبُونَ تَكْذِيبَهُ لِلْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَهُ لَهُمْ، فَلَمَّا كَانُوا هُنَاكَ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَذَبَ السَّاحِرُ، وَأَبْصَرَ آخَرُونَ بِالْعِيرِ قَدْ أَقْبَلَتْ يَقْدُمُهَا الْأَوْرَقُ فَقَالُوا: صَدَقَ، هَذِهِ نَعَمْ قَدْ أَقْبَلَتْ.".."
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ الْأَنْصَارِيِّ مَرَّتْ بِهِ أَيَّامَ حَفْرِهِمُ الْخَنْدَقَ، فَقَالَ لَهَا: إِلَى أَيْنَ تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ: إِلَى عَبْدِ اللهِ بِهَذِهِ التَّمَرَاتِ، فَقَالَ:
هَاتِيهِنَّ. فَنَثَرَتْ فِي كَفِّهِ، ثُمَّ دَعَا بِالْأَنْطَاعِ وَفَرَّقَهَا عَلَيْهَا وَغَطَّاهَا بِالْأُزُرِ، وَقَامَ وَصَلَّى، فَفَاضَ التَّمْرُ عَلَى الْأَنْطَاعِ، ثُمَّ نَادَى: هَلُمُّوا وَكُلُوا. فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَحَمَلُوا مَعَهُمْ وَدَفَعَ مَا بَقِيَ إِلَيْهَا.".."
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَأَتَاهُ قَوْمٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لَنَا بِئْراً إِذَا كَانَ الْقَيْظُ اجْتَمَعْنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ تَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهِ حَوْلِنَا، وَقَدْ صَارَ مَنْ حَوْلَنَا عَدُوّاً لَنَا، فَادْعُ اللهَ فِي بِئْرِنَا. فَتَفَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي بِئْرِهِمْ، فَفَاضَتِ الْمِيَاهُ الْمَغِيبَةُ فَكَانُوا لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى قَعْرِهَا – بَعْدُ - مِنْ كَثْرَةِ مَائِهَا.
فَبَلَغَ ذَلِكَ مُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابَ فَحَاوَلَ ذَلِكَ فِي قَلِيبٍ قَلِيلٍ مَاؤُهُ، فَتَفَلَ الْأَنْكَد فِي الْقَلِيبِ فَغَارَ مَاؤُهُ وَصَارَ كَالْجَبُوبِ [الجبوب: وجه الأرض].".."
(وَمِنْ ذَلِكَ): أَنَّ أُمَّ جَمِيلٍ امْرَأَةَ أَبِي لَهَبٍ أَتَتْهُ حِينَ نَزَلَتْ سُورَةُ (تَبَّتْ) وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ [بَعْضُ أَصْحَابِهِ]، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ أُمُّ جَمِيلٍ مُحْفَظَةٌ - أَيْ مُغْضَبَةٌ - تُرِيدُكَ وَمَعَهَا حَجَرٌ تُرِيدُ أَنْ تَرْمِيَكَ بِهِ. فَقَالَ: إِنَّهَا لَا تَرَانِي. فَقَالَتْ [لِلرَّجُل]: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: حَيْثُ شَاءَ اللهُ. قَالَتْ: لَقَدْ جِئْتُهُ، وَلَوْ أَرَاهُ لَرَمَيْتُهُ، فَإِنَّهُ هَجَانِي، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِنِّي لَشَاعِرَةٌ. فَقَالَ [الرّجُلُ]: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ تَرَكَ؟ قَالَ: لَا، ضَرَبَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَاباً.
(وَمِنْ ذَلِكَ): كِتَابُهُ الْمُهَيْمِنُ الْبَاهِرُ لِعُقُولِ النَّاظِرِينَ، مَعَ مَا أُعْطِيَ مِنَ الْخِلَالِ الَّتِي إِنْ ذَكَرْنَاهَا لَطَالَتْ.
***
فَقَالَتِ الْيَهُودُ: وَكَيْفَ لَنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا كَمَا وَصَفْتَ؟
فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى [الكاظم] عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَكَيْفَ لَنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ مَا تَذْكُرُونَ مِنْ آيَاتِ مُوسَى عَلَى مَا تَصِفُونَ؟
قَالُوا: عَلِمْنَا ذَلِكَ بِنَقْلِ الْبَرَرَةِ الصَّادِقِينَ.
قَالَ لَهُمْ: فَاعْلَمُوا صِدْقَ مَا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، بِخَبَرِ طِفْلٍ لَقَّنَهُ اللهُ مِنْ غَيْرِ تَلْقِينٍ، وَلَا مَعْرِفَةٍ عَنِ النَّاقِلِينَ.
فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّكُمُ الْأَئِمَّةُ الْقَادَةُ وَالْحُجَجُ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ.
فَوَثَبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيَّ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي (..) ثُمَّ كَسَاهُمْ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَوَهَبَ لَهُمْ وَانْصَرَفُوا مُسْلِمِينَ».
لزومُ معرفة النبيّ المبعوث
______ الإمام الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء ______
ينطوي هذا المقال على جانبٍ مهمّ في التعرّف العقلي والقلبي على النبيّ المبعوث رحمةً للعالمين. وهو ممّا يلزم على كلّ مسلمٍ أن يتوفّر عليه لتعزيز معرفته بنبيّه الأعظم صلّى الله عليه وآله.
نشير إلى أنّ هذا النص مقتطف من كتاب العلّامة الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء الموسوم بـ (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء).
قد تبيّن أنّ طريق معرفة أوامر الله ونواهيه لا يُتوصّل إليها إلّا بواسطة الأنبياء، وأنّ معرفتهم لا يُتوصّل إليها إلا بشهادة الآيات والمعجزات.
فمن الواجب العينيّ على كلّ مكلَّفٍ أن يجدّ ويجتهد في معرفة النبيّ المبعوث لإبلاغ الأحكام، وتمييز الحلال والحرام، والمنكرُ له منكرٌ لثبوت الأحكام الشرعية، نافٍ لوجوب الطاعة والخدمة لربّ البريّة، وهو على حدّ الكفر بالربوبيّة.
وقد دلَّت المعجزات الباهرة والبراهين الظاهرة على أنّ النبيّ المبعوث إلينا، والمفروض طاعته من الله علينا أعلى الأنبياء قدراً، وأرفع الرُّسل في الملأ الأعلى ذكراً، الَّذي بَشّرت الرُّسل بظهوره، وخُلقت الأنوار كلّها بعد نوره؛ محمّد المختار، وأحمد صفوة الجبّار، ذو الآيات والظاهرة والمعجزات المتكاثرة، الَّتي قصُرت عن حصرها ألسُن الحُسّاب، وكَلَّت عن سطرها أقلام الكتّاب: كانشقاق القمر، وتظليل الغمام، وحنين الجِذع، وتسبيح الحصى، وتكليم الموتى، ومخاطبة البهائم، وغرْس الأشجار على الفور في القِفار، وإثمار يابس الشجر، وقصّة الغزالة مع خِشفيها، وخروج الماء من بين أصابعه، وانتقال النخلة جملةً ثمّ رجوعها، وانتقالها نصفاً بعد نصفٍ إليه، وشفاء الأرمد لمّا تفلَ في عينيه، ويقظته بعد نوم عينيه، وإخبار الذراع له بأنّه مسموم، وانتصاره بالرعب بحيث يخافه العدوّ من مسير شهرَين، وأنّه لا يمرّ بشجرٍ ولا حَجرٍ إلّا سجدَ له، وبَلْع الأرض الحدثين من تحته، وعدم طول قامة مَن حاذاه على قامته، وأنّ إبصاره من خلفه كإبصاره من أمامه، وإكثار اللبن في شاة أُمّ معبد، وإشباع الجمّ الغفير من الطعام القليل، وطيّ البعيد إذا توجّه إليه، ونزول المطر عند استسقائه، ودعائه على سُراقة فغاصت قوائم فرسه، ثمّ عفا عنه فأُطلقت، ودعائه على عامر بن الطفيل وزيد لمّا أرادا قتله، فهلك عامر سريعاً، وقُتل زيد بصاعقة، واتّساع القدح الضيّق لدخول كفّه فيه عند وضوئه، وانفجار الماء من بئر دارسة لوقوع ماء وضوئه فيها، وانفجار ماء بئر أُخرى لا ماء فيها وسَقيُ ألف وخمسمائة منه، وعماء عيون الجيش لرميه بكفٍّ من تراب، وردّ عين بعض أصحابه بعد سقوطها إلى محلَّها واستقامتها فيه، وتسبيح الطعام في يديه، وارتعاش الحكَم بن العاص حتّى مات لاستهزائه به، وعمى الناظر إلى عورته، وبرَصُ امرأة خطبها من أبيها فاعتذرت كاذبة بأنّها برصاء فصارت برصاء، وتأثير قدميه في الأرض الصلبة، وعدم تأثيرهما في الرخوة، وإضاءة جبينه كالقمر المنير، وإضاءة أصابعه كالشموع، وعدم ظهور الظلّ له إذا وقف في ظلّ الشمس أو ضوء القمر، وعدم علوّ الطيور عليه، وعدم وصول الذباب والبقّ إلى بدنه... ونبات الشعر على رؤوس الأقرعين بوضع يده عليها، وإعطائه الجريدة لبعض أصحابه عِوضَ سيفه فصارت سيفاً بإذن الله، وإعطائه عرجوناً لشخص في ليلة مظلمة فأضاء، ونبات الشجر في فم الغار، وتعشيش الحمامَين، ونسْج العنكبوت فيه، ومسْح ضرع شاةٍ لا لبنَ فيها فدرّت، ودعواه النصارى إلى المباهلة فعلموا صدقه، وأبوا ودفعوا الجزية، وحصول المهابة له في القلوب مع حُسن أخلاقه، وبشاشته وتواضعه، بحيث لم يتمكَّن أحد من إمعان النظر إلى وجهه، ولم ينظر إليه كافرٌ أو منافقٌ إلّا ارتعش من الخوف، وإطاعة الشمس له في التأنّي في الغروب مرّة، وفي الطلوع أخرى، وإطاعة الشجرة له فجاءت في الأرض وسلّمت عليه، ودعائه على بعضٍ اجترأ عليه بأنّ اللَّه يسلَّط عليه كلباً من كلابه، فسلَّط عليه أسداً فقتله، وبخور عرقه الشريفة أطيب من كلّ عطر، وحدوث الطيب من ماء بئر لوقوع البصاق من فيهِ فيه، وإعطائه جوامع الكلِم، وتهنئة أمّه من السماء وما رأت من كراماته حين الحمل وبعد الولادة، وإخبار الأحبار عنه قبل ولادته بسنين، وتزلزل إيوان كسرى عند ميلاده، حتّى سقط منه أربع عشرة شرفة، وغوص بُحيرة ساوة، وخمود نار فارس ولم تخمد قبل بألف سنة، واضطراب الأحبار والرهبان عند ولادته حتّى رآه بعضهم، ورأى خاتَم النبوّة بجسمه الشريف فحذّر اليهود منه، وقال لهم: إنّه نبيّ السيف.
الإخبار عن آخر الزمان
وإخباره بالمغيّبات، كإخباره عن عترته الطاهرة واحداً بعد واحد، وما يجري عليهم من القتل والسَّبي من بني أُميّة وبني العبّاس، وإخباره عن أهل النهروان، وإخباره عن وقعة صفّين، وعن قتل عمّار، وأنّه تقتله الفئة الباغية، وأنّ آخر شرابه من الدنيا ضياح من لبن، وإخباره عن وقعة الجمل، وخروج عائشة على عليّ عليه السلام، ونباح كلاب الحَوْأَب عليها.
وإخباره عن خلفائه الاثني عشر، وإخباره عن دوام مُلك النصارى، وإخباره عن عليٍّ عليه السلام من أنّه يقتَل بضربة في شهر رمضان على أمّ رأسه فتُخضب شيبته من الدماء، وإخباره عمّا يجري عليه، وعلى الزهراء عليهما السلام بعد موته.
وإخباره بقتل الحسن عليه السلام بالسُّمّ، وقتل الحسين عليه السلام في كربلاء بعد شهادة أصحابه غريباً وحيداً، وإخباره عن ما يجري على وَلَدِه الرضا عليه السلام في طوس، ودفنه فيها، وإخباره لجابر بملاقاة الباقر عليه السلام، وإخباره بموت أبي ذرّ وحيداً غريباً.
وإخباره بشهادة جعفر الطيّار، وزيد، وعبد الله بن رواحة في وقعة مؤتة، وإخباره بقتل حبيب بن عديّ في مكّة، وإخباره بأنّ ملك المسلمين يأخذ على أطراف الأرض، وإخباره بالمال الَّذي أخذه عمّه العباس في مكَّة، وإخباره بالظَّفَر بخيبر...
وإخباره بموت النجاشي حين موته فصلَّى عليه بالمدينة، وإخباره بقتل الأسود الكذّاب ليلة قتله، وهو بصنعاء اليمن.
وإخباره بأنّ واحداً من أصحابه - وكانوا مجتمعين - يكون من أهل النار، فارتدّ واحدٌ منهم وقُتل، وإخباره بقتل أُبيّ بن خلف الجمحي فقُتل.
وإخباره يوم بدر بمصارع أصحابه وتعيين مواضعها على نحو ما وقع، وإخباره بأنّ فاطمة عليها السلام أسرع لحوقاً به من أهل بيته، وإخبار نسائه بأنّ أطولهنّ يداً في الصدقات أوّل لاحقةٍ به.
وإخباره عن الأنبياء السابقين، وعمّا في الكُتب المنزلة عليهم من ربّ العالمين، مع أنّه كان يتيماً لم يُودع عند المعلّمين، وأميّاً لا يعرف كتب العربيّة، فضلًا عن كتب المتقدّمين.
وإخباره عن أُمّته بأنّها تنتهي فِرقها إلى ثلاثة وسبعين، وإخباره عن صحيفةٍ كُتبت ودُفنت في الكعبة، وإخباره عن مقدار دولة بني أُميّة، وإخباره بِعُقد السحر الملقاة في البئر، وإخباره عن بعض أسرار نسائه.
وإخباره بعدم إيمان كفّارٍ بأعيانهم، وإخباره عمّن رجع عن جيش أُسامة، وإخباره عن موت شخصٍ نجا من خارج فجاء وكشف عنه، فرؤيت أفعى في ثيابه، فسأله هل تصدّقت؟ فقال: نعم، فقال: «دَفَعَتْ عنكَ الصَّدَقة» إلى غير ذلك.
0
أيـــــــــــــــــــــــــن الرَّجبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ يستحب في شهر رجب قراءة سورة التوحيد عشرة آلا مرة..
يدعوكم المركز الإسلامي- حسينية الصديقة الكبرى عليها السلام للمشاركة في مجالس ليالي شهر رمضان لعام 1433 هجرية. تبدأ المجالس الساعة التاسعة والنصف مساء ولمدة ساعة ونصف. وفي ليالي الإحياء يستمر المجلس إلى قريب الفجر. نلتمس دعوات المؤمنين.