أجوبة
المقدّس الشيخ بهجت على أسئلة في العبادات والمعاملات
تَرْكُ المعصية أصلُ الإيمان
_____
إعداد: «شعائر» _____
يتضمّن هذا الحوار مع شيخ الفقهاء العارفين الشيخ محمد
تقي بهجت قدّس سرّه
رحلة آفاقية في تزكية النفس والتوجيهات العبادية
والأخلاقية، فضلاً عن تناوله جملة من القضايا التي يواجهها المؤمن في أعماله
ويومياته.
نشير إلى أننا أعددنا هذا الحوار من الأسئلة التي
وُجِّهت إليه قدّس سرّه وجُمعت فيما بعد في كتابٍ عنه صدر تحت عنوان: (كتاب
الناصح)، وما بين الأهلّة في سياق الإجابات هي توضيحات من معدّ الكتاب.
س: كيف ينالُ الإنسان حضورَ القلب؟
ج:
إن كان المقصود تحصيل حضور القلب، فهو
يحصل بالنوافل والعبادات المستحبّة، ومن جملتها أداء الصلاة جماعة بدلاً من
الفرادى. وتحصيل حضور القلب يتحقّق بأن لا يضغط المرء على نفسه في أوقات الغفلة
وعدم حضور القلب، وأن لا يفقده اختياراً في أوقات الحضور.
س: نرجو من سماحتكم أن تبيّنوا لنا التعليمات لعلاج الصفات
النفسانيّة الكريهة، وتحصيل حضور القلب في الصلاة؟
ج:
إنّ إصلاح الصلاة مستلزمٌ لإصلاح الظاهر
والباطن والابتعاد عن المنكرات الظاهريّة والباطنيّة، ومن طُرق إصلاح الصلاة التوسّل
الجادّ بوليّ العصر، عجّل الله تعالى فرجه
الشريف، حين الشروع في الصلاة: «وَبِمُوالاتِكُم
تُقبَلُ الطّاعَةُ المُفتَرَضَة». [كما في الزيارة الجامعة الكبيرة]
س: هناك شخص، ولسببٍ ما،
يشعر بحضور القلب أثناء انفراده بالصلاة أكثر، ولكن في صلاة الجماعة يشعر بالكسل،
فأيّهما يختار؟
ج:
يختار صلاة الجماعة. (سُئل سماحته هذا
السؤال في موردٍ آخر فأجاب: لا يتّخذ صلاة الفرادى عادة).
س: ألتمس النُّصح والنصيحة من سماحتكم.
ج:
أعطوا أهمية للواجبات خصوصاً الصلاة،
وابتعدوا عن المحرّمات.
س: نرجو من سماحتكم أن تبيّنوا لنا ما نُقل عن السيّد القاضي قدّس
سرّه، أنّ الإنسان إذا التزم بالصلاة أوّل الوقت فإنّه يصل إلى المقامات العالية،
هل يُشترط في ذلك أن تكون الصلاة مع حضور القلب؟
ج:
لا، الالتزام بهذا الأمر نفسه يأتي بحضور
القلب، يعني إذا ترك الإنسان أشغاله أوّل وقت الصلاة وذهب لأدائها، هذا هو نفسه
يأتي بحضور القلب، اليوم يأتي شيءٌ من حضور القلب للإنسان، وغداً يأتي مقدارٌ آخر.
س: إذا كان في ذمّة المكلّف صلاة قضاء، واستيقظ في السَّحَر، فهل
الأفضل أن يصلّي صلاة الليل أو صلاة القضاء؟
ج:
الأفضل أن يأتي بصلاة القضاء وصلاة الليل
معاً، ولو أنّه يصلّي صلاة الليل في ذلك الوقت، وفيما بعد صلاة القضاء.
في التبليغ وطلب
العلم
س: إلى أيّ حدّ يجب أن يطّلع الطلّاب على أحداث اليوم، وإلى أيّ
حدّ يجب أن يتدخّلوا في المسائل السياسيّة؟
ج:
الأهمّ من كلّ شيء للطلّاب هو الدراسة
والبحث.
س: نظراً إلى حاجة المجتمع الحاليّة إلى الطلَبة الحوزويّين والجامعيّين،
فالشابّ الذي صمّم على التحصيل، إلى أيّهما يجب أن يعطي الأولويّة؟
ج:
نظراً إلى أنّ علم الدين اجتهاداً أو
احتياطاً أو تقليداً هو واجبٌ عينيّ، وباقي العلوم هي واجبٌ كفائيّ، فالأولويّة هي
للعلوم الدينيّة.
س: أرجو أن ترشدوني في مجال التبليغ.
ج:
إذا لم يتجاوز المبلّغ اليقينيّات فلن
يندم. وعلى المبلّغ أن يربط المؤمنين بـ «الثّقلَين»، أو أن يُحكم هذا
الاتّصال. فإذا أصبح الناس مع «الثّقلَين» في المسلّمات، فإنّهم سوف
يعقّبون بتعلّم النتائج والمستخرجات الصحيحة منهما.
وأن
يقتصروا [أي الخطباء والقرّاء] في المدائح والمصائب والمعارف على كُتب العلماء أو [كتاب
العالم] المقبول لديهم، وأن يكتفوا في الأحاديث بالكُتب المعتبرة المعروفة.
وأصبح
متعارفاً أن يأتوا بهذا حفظاً (عن ظهر قلب)، ويلزم من ذلك حرمان الناس الكثير (من
المعارف)، وعلى المبلّغ أن يقوم بالتبليغ مع التكرار.
الأَولى
أن يتمّ قراءة ما عدا الأحاديث من كتب العلماء المقبولة (يقصد سماحته أن تكون
قراءة المطالب – التي هي عدا الروايات - في أثناء المجلس من الكتاب نفسه)، وأن
يختاروا ما هو الأحسن، وبالنسبة للأحاديث أن يقرؤوها من الكتب المعروفة المعتبرة
للشيعة... حتّى تكون الإفادة والاستفادة على النحو الأحسن والأكمل، والله الموفّق
للصواب والحمد لله والصلاة على محمّدٍ وآله.
س: ما حكم التبليغ في الجامعات حيث إنّ الوسط المحيط هناك غير
ملائمٍ لذلك؟
ج:
لا يوجد هناك مكان يمتنع فيه تبليغ
الحقائق، لكن إذا كان المعاندون موجودين في العمل، يجب العمل على نحو تثبيت الدّين
الحقّ، ولا يُعتنى بالأشخاص المنحرفين عن الدّين الحقّ.
س: إذا أرادت إمرأة أن تكسب العلم والمعرفة، من أين تبدأ، وأيّ
كُتب تقرأ؟
ج:
أوّل كتاب يُمكن أن يُستفاد منه في
المعارف والأخلاق، هو كتاب (معراج السعادات) للشيخ أحمد النراقي قدّس
سرّه.... [بعد ذلك] لتقرأ كتاب (جامع
السعادات) للشيخ مهدي النراقي قدّس سرّه،
وفي الوقت الذي تصل هذا الحدّ للآخر لتقرأ كتاب (إحياء الإحياء) (أي كتاب المَحجّة
البيضاء في تهذيب الإحياء للفيض الكاشاني قدّس سرّه). هذه هي كلّها مراتب، كلّ
واحدة عندما يستغني عنها الإنسان ينتقل إلى المرتبة الأخرى.
س: نرجو من سماحتكم أن تبيّنوا ما مدى تأثير قراءة الفلسفة
والعرفان النظري في السلوك إلى الله؟
ج:
هذه العلوم [يخوض فيها] بعد علم الكلام،
وبعد أن يحفظ العقائد بشكلٍ صحيح ومُسَلَّم واستدلاليّ، بحيث لا يمكن أن تُسلب منه
أصول الدين، فلا يتمكّن أحدٌ مطلقاً أن يسلبها منه. بعد هذه المرحلة يصبح النظر في
تلك الكتب مفيداً، فضلاً عن أنّه جائز.
أمّا
بالنسبة لغير الأشخاص الذين يستدلّون ويمكنهم الاستدلال على ردّ المطالب
[الشُّبُهات]، وأن يردّوا السقيم ويأخذوا بالصحيح، فلا يصلح لهم (قراءة هذه الكتب)
أبداً، وإذا حصل وانحرف يكون التسبيب بيده والتقصير عليه.
س: منذ فترة وأنا أشعر بأنّ إيماني بدأ بالضعف، وأحياناً لا
أُصلّي، وقد ضعف توجّهي في الصلاة، فماذا أفعل؟
ج:
إنّ قوّة الإيمان في الجانب النظري ترتبط
بدراسة علم الكلام، وفي الجانب غير النظري ترتبط بالعمل بالمعلومات. وحفظ الصلاة
يكون أنّه في آنِ التمكُّن يصرف نفسه عن التخيّلات الأخرى، ولا يضيّع هذا الانصراف
اختياراً، ولا يعتني بغير آنِ التمكّن.
في الأخلاق والكمال
الإنساني
س: أنا أرغب في بلوغ المقامات السامية، فماذا ينبغي عليّ أن أعمل؟
ج:
العجب من بعض الفضلاء حيث إنّ النعمة
الأسمى والأسهل ميسورة لهم، ومع هذا يتعقّبون النعم الأدنى ﴿..أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي
هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ..﴾ البقرة:61؛
فمثلاً إنّ «الصّلاة مِعراجُ المؤمن»، وهي طريق ميسَّر للكلّ، لكنّهم
ينصرفون عن هذا العروج في الصلاة مع سهولته، ويفحصون عن المرتبة التي لا ينالونها.
جعلنا
الله في مَن لا يفعل ولا يترك إلّا بذكره ورضاه، إنّه قريبٌ مجيب، والصلاة على
محمّدٍ وآله الطاهرين أجمعين.
س: هل يجوز القيام ببعض الرياضات مثل وضع الحصاة تحت اللسان حتّى
لا يتكلّم الإنسان كثيراً، أو أنّ هذا غير جيّد؟
ج:
يجب أن يسعى الإنسان لكي يأتي بهذه
الرياضة باختياره، لا أن يُضطَر إليها. (يقصد سماحته: ينبغي للإنسان أن يترك
الكلام الفارغ باختياره، لا بالإجبار ووضع الحصاة تحت اللسان).
س: نرجو أن ترشدونا ماذا نفعل حتّى تكون عاقبتنا خيراً؟
ج:
ليجعل بدايته خيراً، ثمّ يطلب حسن العاقبة
بالدعاء. (يقصد سماحته أنّ عمل مَن يطلب حُسن العاقبة يكون على مرحلتين: الأولى أن
يكون عمله في البداية – أي الدنيا - خيراً، وبعدها لا يعتمد على عمله فحسب، بل
يسأل الله تعالى بالدعاء والتوسّل أن يرزقه بفضله حُسن العاقبة)
س: أنا عازم على تحصيل القُرب من الله وعلى أن يكون لي سلوك إليه
تعالى، فما السبيل لذلك؟
ج:
إذا كان الطالب صادقاً، فتَرْكُ المعصية
كافٍ ووافٍ للعمر كلّه، حتّى لو كان ألف سنة.
س: شخص قد سمعت الكثير في وصفه، ويقال إنّه قام بعمل في السياق
العرفاني ووصل إلى منازل. وقد أعطاني برنامجاً، مثلاً: أن أذكر يوميّاً على الأقل
ألف مرة «لا إله إلّا الله» أو أسعى أن أكون دائماً على وضوء و.. . هل يجوز أن
أعمل طبق توصياته أو لا؟ وهل تُعتَبَر هذه البرامج من العرفان؟
ج:
أنتم اعملوا طبق وظائفكم الشرعيّة، وراعوا
المستحبّات والمكروهات إلى الحدّ الذي تستطيعون، لا إلى الحدّ الذي يوجِد إشكالاً
في حياتكم، وبالطبع الكون على وضوء دائماً هو من الأمور التي ورد التأكيد عليها،
والإكثار من التهليل أيضاً له آثار كثيرة.
س: نرجو من سماحتكم أن تبيّنوا لنا، هل فضيلة اللعن أكثر أم
الصلوات؟
ج:
اللّعن هو تخلية والصلوات هي تحلية، «أوّلاً اكنس البيت، وبعدها أطلب الضيف». [ترجمة مثل فارسي]
س: ما هو كمال الإنسان
في نظركم؟ وما هي أسبابه؟ وإذا كان في هذا الزمان شخص يمكن اعتباره مثالاً في هذا
المجال، فنرجو أن تدلّنا عليه.
ج:
إنّ كمال الإنسان في العبوديّة، وسبب
العبوديّة ترك المعصية في الاعتقاد والعمل. الفرد الكامل هو المُرشد، وفي هذا
العصر الفرد الكامل هو وليّ العصر عجّل الله تعالى
فرجه الشريف، وطريق الوصول إلى إرشاداته، إدامة
التوسّلات المعروفة من قبيل: قراءة الزيارة المأثورة بنيّة صادقة وبدون تشكيك،
وأداء صلواته الخاصّة عليه السلام، وكلّ ما يؤدّي إلى التحبّب إلى الله وأوليائه.
س: أرجو أن تعطونا دستوراً عمليّاً حتّى نعمل به وننال الدرجات
العالية باللطف الإلهي؟
ج:
عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أَلَا
أُخْبِرُكُم بِدَائِكُم مِن دَوَائِكُم؟
قلنا:
بَلى يا رسول الله.
قال:
دَاؤكُم الذُّنوب، ودَواؤكم الاستغفار».
كَرِّر
– مهما استطعت - كلمة «أستغفرُ الله» باعتقادٍ كامل ومن صميم القلب، مع
الالتزام بلوازمها الحقيقيّة المعلومة.
س: كيف ترون سماحتكم مستقبلي؟
ج:
المستقبل ليس معياراً، بل المعيار هو
العاقبة، إذا تعبّد المرء في البدء (الدنيا) بترك معصية المعبود في الاعتقاد
والعمل، فهو في العاقبة من المقرّبين.
س: أرجو من سماحتكم أن تدعو لي للتوفيق في الأمور المعنويّة.
ج:
هذا الأمر دوائيّ، لا دعائيّ! (أي أنّه
يجب أن يداوي نفسه بترك المعاصي والتوبة من الذنوب والعمل وفق أحكام الشرع المقدّس،
لا أن يكتفي بطلب الدعاء فحسب).
س: بعض الطلّاب من لبنان يرجعون إلينا ويطلبون منّا الموعظة
والإرشاد إلى المسائل الأخلاقيّة، ويسألون عن طريق تهذيب النفس، لذا نستدعي منكم
أن ترشدونا في هذا الأمر المهمّ.
ج:
من أعظم ما ينفع في هذا الأمر، أن تُذَكِّر
كلّ يوم - مَن يحضر معكم - برواية واحدة من روايات الأخلاق الشرعيّة في جهاد النفس
من جهاد (الوسائل)، وفي باب آداب العِشرة من حجّ (الوسائل)، مع التدبّر والتأمّل
والبناء على العمل بالمعلوم. (المقصود كتاب وسائل الشيعة للحرّ العاملي).
س: ماذا نفعل حتى يزداد اليقين عندنا؟
ج:
في كلّ مرتبة يكون فيها الإنسان، لا يُفلتها
من يده، ولا ينصرف عن هذه المرتبة، ويفعل ذلك برجاء أن يترقّى في تلك المراتب.
س: لا قدرة لي على البقاء مستيقظاً بين الطّلوعَين، ماذا أفعل
لأبقى مستيقظاً؟
ج:
نَم جالساً.
س: ماذا يجب أن نعمل لرفع الخمول والكسل في العبادة؟
ج:
اشتغلوا بالعبادة المستحبّة في أوقات
النشاط، واقتصروا على الواجبات في أوقات الكسل.
س: هل من الواجب أن يتعلّم أصحابُ المِهَن الأحكام المتعلّقة
بشغلهم؟ وهل يكون اشتغالهم محرّماً في حالة التقصير؟ وفي هذه الحالة هل يكون دخلُهم
مشروعاً؟
ج:
تعلُّم المسائل التي هي مورد ابتلاء في كلّ أمر واجبٌ تكليفاً، لكن وضعاً ما دام
لم يفعل محرّماً يكون دخله حلالاً.