حقوقُ الإنسان في الإسلام
سيادةُ
العدل، وصيانة كرامة المخلوقين
ـــــــــــــــــــــــــــــ إعداد:
«شعائر» ـــــــــــــــــــــــــــــ
تحتلّ مسألة حقوق الإنسان - يوماً بعد آخر - أهمّية
متزايدة في العالم المعاصر. وقد ظهرت منظّمات عالمية أخذت على عاتقها الدفاع عن حقوق
الإنسان وفق منظورها الخاصّ، ووفق أهداف ومصالح الجهات المموّلة لها، وقد اتُّخذت قضية
حقوق الإنسان في غالب الأحيان سلاحاً سياسياً تستخدمه الدول المستكبرة ضدّ الدول الإسلامية
التي ترفض الدوران في فلَكها والخضوع لهيمنتها. وأخذت هذه القوى تسخّر - لهذه الغاية
- الأقلام المأجورة، وتستخدم دُور النشر والطباعة لترويج بضاعتها هذه لأغراض تسويقية.
كذلك أخذ زعماء وعلماء الديانات المحرّفة، يستغلون هذه القضية الحسّاسة خدمة لأغراضهم
التبشيرية، ويظهرون دياناتهم بمظهر المدافع الحقيقي عن حقوق الإنسان، والإيحاء بأنهم
أول من نادى بحقوق الإنسان، وصاغ بنودها.
إنّ مدرسة الإسلام قد سَبقت المدارس الأخرى في إيلاء
هذه القضية ما تستحقّ. خصوصاً وأنّ الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أعلن
عن المساواة بين البشر - وهو حقّ من أكبر الحقوق الأساسية للإنسان في كل زمان ومكان
- وذلك في خطبته التاريخية في حجة الوداع، قبل أيام قليلة من رحيله في السنة العاشرة
للهجرة. أي قبل أكثر من أربعة عشر قرناً!
عن أبي سعيد الخدريّ قال: خطَبنا رسول الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم في أوسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: «يا أيّها الناس!
إنّ ربّكم واحد، وإنّ أباكم واحد، ونبيّكم واحد، ولا فضلَ لعربيٍّ على عَجَميّ، ولا
لعَجميّ على عربيّ، ولا أحمرَ على أسود، ولا أسودَ على أحمر إلّا بالتّقوى..». وعنه صلّى الله عليه وآله أيضاً: «الناسُ سواءٌ
كأَسنان المِشط».
وبذلك أعلن صلّى الله عليه وآله وسلّم مبدأ المساواة
التامّة بين جميع أفراد النوع الإنسانيّ بصرف النظر عن اللغة واللون والجنس، وهذا المبدأ
لم ينبس به أحدٌ قبل ظهور الإسلام، لأنّ الناس كانوا يعتدّون بأجناسهم إلى أقصى حدّ،
حتّى كبار الفلاسفة منهم. ألم يقل أفلاطون: «إني لأشكر الله على ثلاث: أن خلقني إنساناً
ولم يخلقني حيواناً، وأن جعلني يونانياً ولم يجعلني من جنس آخر، وأن أوجدني في عهد
سقراط». بينما نجد العكس تماماً عند أول الناس إسلاماً أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه
السلام، كما جاء في عهده لمالك الأشتر - الذي يعدّ وثيقة تاريخية في غاية الأهمية:
«وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ... ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً
ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ،
وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْق».
إنّ غاية الإسلام الأساسية هي إقامة مجتمع سليم،
مبنيّ على أساس العدالة. ويتطلّب هذا التوجّه - بطبيعة الحال - الاهتمام برعاية الحقوق
المتبادلة بين أفراد المجتمع.
والملاحظ أنّ القرآن الكريم في تعبيره عن أداء حقّ
الغير أو حقّ الجماعة، تارةً يعبّر عنه بطلب الإحسان، كما في قوله تعالى: ﴿..وَأَحْسِنْ
كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ..﴾ القصص:77.
وتارةً أخرى يعبّر عنه في صورة أمر آخر كقوله تعالى:
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ الإسراء:35.
وقد يعبّر عن ذلك في صورة النهي كقوله تعالى: ﴿وَلَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ
لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
البقرة:188. كلّ ذلك من أجل أن يسود العدل، وتُصان حقوق الآخرين من المصادرة.
وجاء في رسالة الحقوق، المروية عن الإمام زين العابدين
عليه السلام - والتي يُمكن اعتبارها نموذجاً فذّاً في هذا الشأن - ما يكشف لنا بجلاء
عن نظرة الإسلام الشمولية للحقوق التي لا تقتصر على بيان حقوق الإنسان، بل تثبت الحقّ
لغير الإنسان أيضاً.
* من كتاب (الحقوق الاجتماعية في الإسلام)
إصدار «مركز الرسالة» في مدينة قمّ