وصيّة
الشهيد السيّد محمّد صادق الصدر قدّس سرّه
إلى بعض تلامذته
مجاهدةُ النفس بالعمل، والقلب
الشهيد السيّد محمّد صادق الصدر قدّس
سرّه أشهر
من نورٍ على علم؛ فهو الفقيه، الأصولي، المفسّر. وكان على درجة عالية من العرفان
والسلوك العملي. وكان يرى أنّ عرفاء هذا العصر هم: الإمام الخميني قدّس
سرّه، والسيّد عبد الأعلى السبزواري قدّس سرّه.
في ما يلي وصيّة وجّهها رضوان الله عليه إلى بعض
تلامذته، نوردها نقلاً عن كتاب (وصايا العرفاء).
أوّلاً:
حاول أن تكون على طهارة من الحَدَث من كِلا نوعَيه الأكبر والأصغر باستمرار، وارفع
الحدث بعد حصوله مباشرةً.
ثانياً:
حاول أن لا تسمع الراديو ولا تنظر إلى التلفزيون صورة ولا صوتاً بقصد مجرّد اللهو،
فإنّ اللهو مع الحاجة إليه يكفي فيه الكتب والعائلة والطعام والشراب والجهاد
الأصغر ونحوه، ولا ينبغي أن يشمل الراديو والتلفزيون، حتّى وإن كان الشيء الصادر
فيها حلالاً، فضلاً عمّا إذا كان حراماً.
ولكنّ
ممارستها المحلّلة بقصدٍ راجح لا بأس به، كما لو كان بقصد الاهتمام بأمور المسلمين
أو البحث عن عبرة أو موعظة مقصودة أو غير مقصودة لقائلها، أو الاطّلاع على قوانين
خلق الله سبحانه في الأرض والسماء، ولكن ذلك مهما كان لا ينبغي أن يحول دون الالتزام
(..) بالجهاد الأكبر على أيّ حال.
ويحسن التزامك بأمرَين؛ أحدهما عمليّ، والآخر
قلبيّ.
أمّا
العملي: فيحسن – أوّلاً - إكثار البكاء إمّا
خوفاً من الله سبحانه، أعني أسَفاً من الذنوب والعيوب وشوقاً إلى السلامة منها،
وإمّا حُزناً على مصائب الإمام الحسين عليه السلام، الذي هو رحمة الله الواسعة
وباب نجاة الأمّة.
وأنا
أعلم أنّ البكاء ليس ممّا يتيسّر دائماً، بل لعلّه متعذّر دائماً، إلّا أنّه يكفي
منه قصده أوّلاً، وممارسته ثانياً مع الإمكان في أوقات الخلوة وصفاء القلب.
كما
يحسن ثانياً: الإكثار من السجود الطويل نسبيّاً، ففي ذاكرتي من الحديث الشريف عن
ربيعة بن كعب السلمي، أنّه قال للنبيّ صلّى الله عليه وآله: أسألك مرافقتَك في الجنّة،
فقال صلّى الله عليه وآله: (أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ).
ويحسن
أن يكون الدعاء في السجود بهذا الدعاء المأثور: «إلهي عَصَيْتُكَ بِلِسَانِي ولَوْ
شِئْتَ وعِزَّتِكَ لأَخْرَسْتَنِي، وعَصَيْتُكَ بِبَصَرِي ولَوْ شِئْتَ وعِزَّتِكَ
لأَكْمَهْتَنِي، وعَصَيْتُكَ بِسَمْعِي ولَوْ شِئْتَ وعِزَّتِكَ لأَصْمَمْتَنِي، وعَصَيْتُكَ
بِيَدِي ولَوْ شِئْتَ وعِزَّتِكَ لَكَنَّعْتَنِي، وعَصَيْتُكَ بِرِجْلِي ولَوْ شِئْتَ
وَعِزَّتِكَ لَجَذَمْتَنِي، وعَصَيْتُكَ بِفَرْجِي ولَوْ شِئْتَ وعِزَّتِكَ لَعَقَمْتَنِي،
وعَصَيْتُكَ بِجَمِيعِ جَوَارِحِي الَّتِي أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ ولَيْسَ هَذَا
جَزَاؤكَ مِنِّي يا كَريم» ثمّ يقول ألف مرّة (العَفو).
فهذا
هو الالتزام العملي، وأمّا القلبي فيتكوّن من أربع صفات على الأقلّ: التوكّل،
والرضا، والأَناة، (بمعنى عدم استعجال العطاء)، والذِّكر المستمرّ مهما أمكن
(طبعاً الذكر القلبي).
ولكن
– وهذه مسؤوليّة لا بدّ من تحمّلها الآن - أن تعلم أنّ من كانت طاعاته قلبيّة تكون
ذنوبه قلبيّة أيضاً، ويحاسَب على الخطَرات، وتكون كربتُه منها شديدة، حتّى يأذن
الله بالفرَج، ويجعل الله لعبده فرجاً ومخرجاً، ولعلّ في الطاعات العمليّة
والقلبيّة المشار إليها ما يخفّف من حدّة ذلك، أو يزيله ولو نسبيّاً بإذن الله
تعالى.