عظِّموا يومَ ولادة مَن هو أعظم من كلّ
نبيٍّ
____ السيّد ابن طاوس قدّس
سرّه* ____
اعلم أنّني وجدتُ أنّ
تعظيم كلّ زمانٍ ينبغي أن يكون على قدر ما جُعِلَ فيه من الفوائد والإحسان،
والمسلمون مطْبقون ومتّفقون أنّ النبيّ محمّداً صلّى الله عليه وآله أعظمُ مولود،
بل أعظمُ موجودٍ من البشر في الدنيا، وأرفعُ وأنفع من كلّ مَن انتُفع مِن الخلائق
بفِعاله ومقاله، فينبغي أن يكون تعظيم يوم ولادته على قدْر شرف نبوّته ومنفعته
وفائدته.
وقد وجدتُ النصارى
وجماعةً من المسلمين يعظّمون مولد عيسى عليه السلام تعظيماً لا يعظّمون فيه أحداً
من العالَمين، وتعجّبتُ كيف يقنع من يعظّم ذلك المولد من أهل الإسلام، أن يكون
مولد نبيّهم الذي هو أعظم من كلّ نبيّ دون مولد واحدٍ من الأنبياء؟ إنّ هذا خلاف
صواب الآراء.
ولعلّه لو حصل لواحدٍ من
العباد مولودٌ - بعدَ أن كان فاقداً للأولاد - لَوجدَ من السرور وتعظيم المولود
المذكور أضعاف مولد سيّد النبيّين وأعظمِ الخلائق عند ربِّ العالمين، وهذا خلاف
صفات العارفين وبعيدٌ عن قواعد المسعودين وأهل اليقين.
فاللهَ الله أيّها
العارفُ بالصواب، المحافظُ على الآداب، المراقبُ لمالك يوم الحساب، أن يكون يومُ
مولد خاتَم الأنبياء عندك دون مولد أحدٍ في دار الفناء.
وكُن ذلك اليوم عارفاً
ومعترفاً بفضل الله جلّ جلاله عليك وعلى سائر عباده وبلاده بالنعمة العظيمة بإنشاء
هذا المولود المقدّس وتعظيم ميلاده.
وتقرَّبْ إلى الله جلّ
جلاله بالصدَقات المبرورة، وصلوات الشكر المذكورة، والتهاني في ما بين أهل الإسلام،
وإظهار فضل هذا اليوم على الأيام، حتّى تعرفَه قلوبُ الأطفال والنساء.
ولا تقتدِ بأهل الكسالة
أو المتهاونين بأمر الجلالة، أو الجاهلين بحقوق صاحب الرسالة، فإنّ الواصف لأمرٍ من
غير أن يقوم بتعظيم قدْره، والمادحَ أحداً بشُكرٍ من غير أن يعمل بما مدحه من
شكره، ممّن يُكذِّب فعالُه مقالَه، وتَشهد عليه بالخُسران والخِذلان أعمالُه. فإنّ
الله جلّ جلاله وصف المعترفين بلسان مقالهم المخالفين لما يقولونه ببيان أفعالهم أنّهم
كاذبون مفتَرون ومنافقون، فقال جلّ جلاله: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا
نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ
يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ المنافقون:1.
فهل ترى نَفَعهم إقرارُهم للنبيّ صلوات الله عليه وآله برسالته لمّا كانت قلوبهم وأعمالهم
مكذِّبةً لمقالهم في حقيقته.
وما أعتقد أنّني أُحسن [أكثر من هذا]
أن أشرح لك كيف تكون في ذلك اليوم، وهذا الذي قد كتبتُه ونبّهتُ عليه هو المقدار
الذي هداني اللهُ جلّ جلالُه الآنَ إليه.
__________________
* عن (إقبال الأعمال)