سيادة
الزهراء عليها السلام
المنزلة العظمى في كتاب الله العزيز
ـــــــــــــــــــــــــــ
السيد هاشم الهاشمي ـــــــــــــــــــــــــــ
يعرض
السيّد هاشم الهاشمي في أحد أبحاثه آراءَ جمعٍ من العلماء المسلمين من أهل السُنّة
في مسألة مقام الزهراء عليها السلام، مقارنةً بغيرها؛ كالسيّدة مريم التي صرّح
القرآن بتفضيلها على العالمين، والسيّدتين خديجة بنت خويلد وآسية بنت مزاحم
اللّتَين جعلتْهما الروايات مع الزهراء ومريم، عليهما السلام، من فُضليات النساء،
مقسّماً الروايات التي وردت في هذا الخصوص إلى ثلاثة أقسام.
في
هذه المقالة المختصرة من البحث المشار إليه نورد القسمَين الأوّلَين..
القسم الأوّل: ما
يفيد مشاركتها لغيرها في الفضل. وهي الأحاديث التي
تدلّ على أنّ الزهراء عليها السلام بالإضافة إلى مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد
وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون سيّدات نساء العالمين وسيّدات نساء أهل الجنّة.
منها: ما رواه الترمذي
بإسناده إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: « حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ
الْعَالَمِينَ: مَرْيَمُ بنتُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ
بنتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ».
ومنها: ما رواه أحمد
بإسناده إلى ابن عبّاس قال: خطّ رسول الله صلّى الله عليه وآله في الأرض أربعة
خطوط، قال: أتدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلّى
الله عليه [وآله] وسلّم: « أَفْضَلُ
نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بنتُ
مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ بنتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بنتُ
عِمْرَانَ».
القسم الثاني:
ما يُفيد تفضيل فاطمة الزهراء عليها السلام على غيرها، سواء بإفرادها في
لقب «سيّدة نساء العالمين» أو «سيّدة نساء أهل الجنّة» وما شاكلهما،
أو بالتنصيص على تقدّمها على بقية النساء. وهي أحاديث عديدة:
منها: ما رواه البخاري
عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ».
ومنها: ما رواه الحاكم
بإسناده إلى حذيفة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: «نَزَلَ مِنَ السَّماءِ
ملَكٌ فَاسْتَأْذَنَ اللهَ أنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ، لَمْ ينزِلْ قبلَها، فَبَشَّرَني
أَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
ومنها: ما رواه الحاكم
بإسناده إلى عائشة أنّ النبيّ قال وهو في مرضه الذي توفّي فيه: «يَا فَاطِمَةُ
أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ العالَمينَ وَسَيِّدَةَ
نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وسَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنينَ».
فإنّ ظهور هذه
الأحاديث يدلّ على تقدّمها على مَن سواها، وخصوصية التقدّم إنّما تنبعث من إفرادها
دون مَن سواها في الذكر والفضل والسيادة، وخصوصاً مع ملاحظة بعض القرائن المُلْتَفّة
بالخبر، منها أنّ الآية التي تذكر اصطفاء مريم، عليها السلام، على نساء العالمين
وردت ضمن سورة مريم وهي مكّية بالاتّفاق، وأحاديث كون فاطمة، عليها السلام، سيّدة نساء
العالمين صدرت عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، في المدينة بلا شكّ، ومنها مجيء
الملَك وتبشيره النبيّ صلّى الله عليه وآله بأنّ فاطمة، عليها السلام، هي سيّدة
نساء أهل الجنّة، فإنّ السيادة في الجنّة يتبع مقام السيادة والقرب من الله تعالى في
الدنيا، وهذا ما تقتضيه مناسبة قدوم ملَك من السماء لإتحاف النبيّ صلّى الله عليه
وآله بهذه البشارة.
روايات
أهل السُنّة الناصّةُ على التفضيل
إلّا أنّه توجد مجموعة
من الأحاديث النبويّة أكثرُ ظهوراً ممّا سبق، حيث تقوم بالتفضيل في مسألة السيادة
بين العوالم، أي إنّ تفضيل الزهراء، عليها السلام، له شمول زمانيّ يعمّ كلّ
الأزمنة بما في ذلك فترة السيّدة مريم، عليها السلام، أمّا تفضيل مريم بالسيادة
فهو مخصوص بنساء أهل زمانها فقط.
* وممّا يشهد بذلك ما
رواه ابن شاهين البغدادي المتوفّى سنة 385 للهجرة بإسناده عن عمران بن حصين قال: خرجتُ
يوماً فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قائم، فقال لي: يا عِمْرانُ،
إِنَّ فاطِمَةَ مَريضَةٌ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَعودَها؟ قال: قلت: فداك أبّي وأُمّي،
وأيّ شرفٍ أشرفُ من هذا؟ قال: فانطلق رسول الله صلّى الله عليه [وآله]، وسلّم
فانطلقت معه حتّى أتى الباب (ثم ساق الحديث إلى أن قال):
فقال لها [رسول الله
صلّى الله عليه وآله]: «يا بُنَيَّةُ اصْبِري. مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ قال
لها: يا بُنَيَّةُ: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ العالَمينَ؟
قالت: يا لَيْتَها
يا أَبَتِ، فَأَيْنَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ؟
قال لها: أَي بُنَيَّةُ،
تِلْكَ سَيِّدَةُ نِساءِ عالَمِها، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِساءِ عالَمِكِ، وَالّذي بَعَثَني
بِالحَقِّ، لَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَيِّداً في الدُّنْيا وَسَيِّداً في الآخِرَةِ، لا
يُبْغِضُهُ إِلّا كُلُّ مُنافِقٍ».
* وروى أحمد بن ميمون
في فضائل عليّ، وكذلك الرافعي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: «أَوَّلُ شَخْصٍ
يَدْخُلُ الجَنَّةَ فاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ؛ وَمَثَلُها في هَذِهِ الأُمَّةِ مَثَلُ
مَرْيَمَ في بَني إِسْرائيلَ». وهذا الحديث فيه إشارة إلى اختصاص كلّ واحدة
منهما بعالمها الخاصّ.
* وروى محبّ الدين
الطبري والسيوطي عن ابن عساكر بإسناده إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «أَرْبَعُ
نِسْوَةٍ سَيِّداتُ ساداتِ عالَمِهِنَّ: مَرْيَمُ بْنُتُ عِمْرانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ
مُزاحِمٍ، وَخَديجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَأَفْضَلُهُنَّ
عالَماً فاطِمَةُ». وهذا الحديث في عين ذِكر التفصيل في السيادة بين العوالم
نصّ على أفضليّة فاطمة على غيرها من النساء من حيث العالَم، وهذا كافٍ في الدلالة
على المطلوب.
ونقل ابن شهر آشوب عن
عائشة وغيرها عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «يا فاطمةُ أبشِري، فإنَّ
اللهَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ العالَمينَ وَعَلى نِساءِ الإِسْلامِ، وَهُوَ خَيْرُ
دِينٍ».
كلام
الآلوسي في تفضيل الزهراء عليها السلام
واستناداً إلى
الأحاديث السابقة وغيرها ذهب جَمعٌ من أعلام أهل السنّة إلى أنّ الزهراء، عليها
السلام، أفضل من بقيّة النساء، وفي هذا يقول شهاب الدين الآلوسي في تفسير الآية
الدالّة على اصطفاء مريم على نساء العالمين ما يلي: «... والذي أَميلُ إليه أنّ
فاطمة البتول أفضلُ النساء المتقدّمات والمتأخّرات من حيث أنّها بَضعة رسول الله
صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، بل ومِن حيثيات أُخَر أيضاً، ولا يعكّر على ذلك الأخبار
السابقة لجواز أن يُراد بها أفضليّة غيرها عليها من بعض الجهات وبحيثيّة من
الحيثيات، وبه يُجمع بين الآثار، وهذا سائغ على القول بنبوّة مريم أيضاً، إذ البَضعية
من روح الوجود وسيّد كلّ موجود لا أراها تقابَل بشيء، وأين الثريّا من يد المتناوِل،
ومن هنا يُعلم أفضليّتها على عائشة...».
ثمّ قال: «وبعد هذا كلّه،
الذي يدور في خلَدي أنّ أفضل النساء فاطمة، ثمّ أمّها، ثمّ عائشة، بل لو قال قائلٌ
إنّ سائر بنات النبيّ صلّى الله تعالى عليه [وآله] وسلّم أفضلُ من عائشة لا أرى
عليه بأساً...وقد سُئل الإمام السَّبكي عن هذه المسألة فقال: الذي نختاره ونَدين
الله تعالى به أنّ فاطمة بنت محمّد صلّى الله تعالى عليه [وآله] وسلّم أفضل، ثمّ
أمّها...».
كلام
أعلام السنّة في تفضيل الزهراء عليها السلام
يقول السيّد عبد
الحسين شرف الدين، قدّس سره، الشريف في كتابه الذي ألّفه في خصوص هذا الموضوع
(الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء): «وقد وافقَنا في تفضيلها جمهور من المسلمين،
وصرّح به كثير من المحقّقين، ونقل ذلك عنهم غيرُ واحد من العلماء الباحثين المتتبّعين،
كالمعاصر النّبهانيّ، حيث قال في أحوال الزهراء من كتابه (الشرف المؤبّد) ما هذا
لفظه: وصرّح بأفضليّتها على سائر النساء حتّى على السيّدة مريم كثيرٌ من العلماء
والمحقّقين، منهم التقيّ السبكيّ، والجلال السيوطيّ، والبدر الزركشيّ، والتقيّ
المقريزيّ، قال: وعبارة السبكيّ حين سُئل عن ذلك: الذي نختاره وندين به أنّ فاطمة
بنت محمّد أفضل. قال: وسُئل عن مثل ذلك ابنُ أبي داود فقال: إنّ رسول الله صلّى
الله عليه وآله قال: "فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنّي"، ولا أعدِلُ ببَضعة
رسول الله أحداً. ونقل المناوي هذا عن جمع من السلَف فراجع».
وأضاف السيّد شرف الدين في موضع آخر من كتابه: «وحسبُك في تفضيلها بالخصوص
ما أخرجه الطبرانيّ في ترجمة إبراهيم بن هاشم من (معجمه الأوسط) عن عائشة: ما رأيتُ
أحداً قطّ أفضلَ من فاطمة غيرَ أبيها. وسند هذا القول إلى عائشة صحيحٌ على شرط
البخاريّ ومسلم...
وأخرج ابن عبد البرّ في ترجمة الزهراء من (استيعابه) بالإسناد إلى ابن عمير
قال: دخلتُ على عائشة فسألتها: أيّ الناس أحبُّ إلى رسول الله صلّى الله عليه
وآله؟ قالت: فاطمة. قلت: فَمِن الرجال؟ قالت: زوجُها.
وأخرج في ترجمتها من (الاستيعاب) أيضاً عن بريدة قال: كان أحبّ الناس إلى
رسول الله من النساء فاطمة، ومن الرجال عليّ».