ظهورُ الحقائق عند النَّزْع
يُشاهدُ
الإنسان، لدى سكَرات الموت والاحتضار، صورَ أعمالِه وآثارَها، ويسمع من ملَكِ
الموت بشارةَ الجنّة أو الوعيدَ بالنار. وكما أنّ هذه الأمور تنكشف عليه قليلاً،
كذلك تنكشف عليه الآثار التي تركتها أعماله وأفعاله في قلبه، من النورانيّة وانشراح
الصدر ورحابته، أو أضدادها أيضاً من الظلام والكدُورة والضغط والضِّيق في الصدر.
".."
إذا
كان (الإنسان) من أهل الإيمان والعمل الصالح، أُغدقت عليه من كرامات الحقّ المتعال
بقدر إيمانه وأعماله، ويراها لدى الاحتضار، فيَتوقُ إلى الموت ولقاء كرامات الحقّ
ويرتحل من هذا العالم مع البهجة والسرور والرَّوح والرَّيحان. ولا تطيق الأعين
المُلكيّة والذائقة المادّيّة رؤية هذه الكرامات ومشاهدة هذه البهجة والفرح.
وإنْ
كان من أهل الشقاء والجحود والكفر والنفاق والأعمال القبيحة والأفعال السيّئة،
انكشف عليه - بقدر نصيبه من دار الدنيا وما وفّره واكتسبه لنفسه منها - من آثار
السّخَط الإلهيّ والقهر، ونموذجاً من دار الأشقياء، فيدخل الذعر والهلَع في نفسه إلى
حدٍّ لا يكون عنده شيءٌ أبغضَ من التجلّيات الجلاليّة والقاهرة للحقّ المتعال. وتستولي
عليه، من جرّاء هذا البُغض والعداوة الشديدَين، الضغوظُ والظلامُ والصِّعاب
والعذاب، ولا يعرف حجمَها أحدٌ إلاّ الذات الحقّ المقدّس.
وهذه
المِحن تكون لمن كان من الجاحدين والمنافقين ومن أعداء الله وأعداء أوليائه في هذه
الدنيا. وينكشف على أهل المعاصي والكبائر، بقدر اجتراحهم السيّئات، نموذجٌ من جهنّمهم،
فلا يكون شيءٌ عندهم أبغضَ من الرحيل من هذا العالم، فيُرحَّلون بكلّ عنف وقسوة
وعذاب، وفي نفوسهم حسرات لم تتحقّق في هذه الأحوال.
ويستفاد
من هذا البيان أنّ الإنسان لدى الاحتضار والمعاينة، يشاهد ما كان فيه وهو غير واقف
عليه، رغم أنّه بذرَ بنفسه هذه المعاينة والمشاهدة في عالَم وجوده.
إنّ
الحياة الدنيويّة، كانت ستاراً ملقًى على عيوبنا، وحجاباً على وجه أهل المعارف،
وعندما يزاح هذا الستار، ويُخترق هذا الحجاب، يرى الإنسان نموذجاً ممّا أعدّه
لنفسه، وممّا كان فيه.
إن
الإنسان لا يرى في العوالم الأخرى من العذاب والعقاب، إلاَّ ما وفّره وهيّأه في
هذه الدنيا. ".."