من هي سيدة نساء
العالمين؟
بضعةُ
الرسول الأعظم وحقيقته
ــــــــــــــــــــــ
الشيخ محمّد جواد مغنية رحمه الله ــــــــــــــــــــــ
هذا النصّ المستعاد للعلامة المحقّق المغفور له الشيخ محمّد جواد
مغنية هو من المقاربات المميزة للصفات والخصائص الفاطمية العظيمة.
في المقالة التالية تأصيلٌ لصفة السيدة الزهراء عليها السلام: «سيدة
نساء العالمين»، وشرح لمقاصد هذه الصفة وأبعادها الملكوتية، اخترناها من الجزء
الثاني من (تفسير الكاشف) للعلامة الشيخ مغنية رحمه الله.
«شعائر»
خاطب الله، سبحانه،
السيّدة مريم عليها السلام بقوله: ﴿..وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ آل
عمران:42. وقد أحدثت هذه الآية اختلافاً بين
علماء المسلمين: هل مريم بنت عمران أفضل، أم فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله
أفضل؟
ذهب جماعة إلى أنّ خير
النساء أربع، وأحجموا عن المفاضلة بينهنّ، لحديث: «خَيْرُ نِساءِ العَالَمِينَ
أَرْبَعٌ: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ، وَآسيَةُ بِنْتُ مُزاحِمِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ،
وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّد». وهذا الحديث
مذكور في صحاح السنّة، ورأيته في تفسير الطبري، والرازي، والبحر المحيط، وروح
البيان، والمراغي، وصاحب المنار.
وقال آخرون: مريم أفضل
للظاهر ﴿..نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾.
وقال الشيعة وشيوخ من
السنّة: إنّ فاطمة أفضل، وننقل هذا القول عن جماعة من شيوخ السنّة، استناداً إلى
تفسير (البحر المحيط) لأبي حيّان الأندلسي عند تفسيره لآية: ﴿..وَاصْطَفَاكِ عَلَى
نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾. قال ما نصّه بالحرف: «قال بعض شيوخنا: والذي اجتمعت عليه
من العلماء أنّهم ينقلون عن أشياخهم أنّ فاطمة أفضل نساء المتقدّمات والمتأخّرات،
لأنّها بضعةٌ من رسول الله».
وممّا استدلّ به
القائلون بأفضليّة فاطمة عليها السلام، ما تواتر عن أبيها من طريق السنّة والشيعة:
«فَاطِمَة بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي».
أمّا قوله تعالى
لمريم: ﴿..وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾، فالمراد به عالَم زمانها،
لا كلّ زمان، وهذا التعبير معروف ومألوف، يقال: فلان أشعر الناس، أو أعلمهم،
ويُراد بذلك أنّه أشعر أو أعلم أهل زمانه، أو أبناء أمّته، ونظيره كثير في القرآن،
ومنه قوله تعالى عن بني إسرائيل: ﴿..وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ الجاثية:16.
ولا يختلف اثنان بأنّ المراد عالم زمانهم، فكذلك تفضيل مريم التي هي من بني
إسرائيل.
ومنه قوله تعالى:
﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى
الْعَالَمِينَ﴾ الأنعام:86،
ولا قائل بأنّ لوطاً أفضل من عيسى، أو مساوياً له في الفضل، ولا إسماعيل أفضل من
أبيه.
ومنه: ﴿إِنِّي
وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ..﴾ النمل:23،
أي كلّ شيءٍ في زمانها.
ونعود إلى النسوة
الأربع، وهنّ آسية، ومريم، وخديجة، وفاطمة، اللائي ورد الحديث بأنهنّ خير النساء،
ونقول: لو نظرنا إليهنّ صارفين النظر عن نصوص الكتاب والسنّة، لألفينا أنّ كلّ
واحدة منهنّ تختصّ بفضيلة دون غيرها من الصالحات الباقيات.
فآسية امرأة فرعون
آمنت بالله مخلصة له، لائذة به وحده، وهي في بيت شرّ العباد، ورأس الكفر والإلحاد،
وقد جاهرت بإيمانها منكرة على فرعون كفره وفساده، متحدّية ظلمه وطغيانه، فأوتد لها
الأوتاد، حتّى قضت شهيدة الحقّ والإيمان، ولم تكن هذه الكرامة لواحدة من الثلاث.
أمّا السيّدة مريم،
فقد كرّمها بولادة السيّد المسيح من غير أب، وما عُرفت هذه الكرامة لامرأة على وجه
الأرض.
أمّا السيّدة خديجة،
فإنّها أوّل مَن آمن وصدّق رسول الله، وصلَّت هي وعليّ بن أبي طالب مع الرسول
الأعظم، صلّى الله عليه وآله، أوّل صلاة أقيمت في الإسلام، وهي أوّل مَن بذل
الأموال لنصرة هذا الدين، ولولا أموالها، وحماية أبي طالب لمحمّد صلّى الله عليه
وآله، لقُضي على الإسلام في مهده، ولم يكن له عينٌ ولا أثر. ولم تكن هذه الكرامة
لغيرها من نساء العالمين.
أمّا فاطمة، فإنّها
بضعة من رسول الله، بل هي نفسه خَلْقاً وخُلقاً ومنطقاً وصلاحاً وتقًى، يرضيه ما
يرضيها، ويؤذيها ما يؤذيه، وهي أمّ الحسنين سيّدَي شباب أهل الجنّة، وعقيلة سيّد
الكونين بعد رسول الله، ولم تكن هذه الكرامة لأمّها خديجة، ولا لآسية ولا مريم
عليهنّ السلام.
أمّا التفاضل بين هذه
الكرامات، فإنّه تماماً كالتفاضل بين الورد والياسمين، واثنتين من الحور العين.
لكن يكفي أن تكون لفاطمة الزهراء واحدة من خصال أبيها، حتّى ترجّح على نساء
العالمين قاطبة من الأوّلين والآخرين، فكيف إذا كانت بَضعةٌ منه؟ إنّه أفضل
الأنبياء، وهي بضعة منه، فتثبت لها الأفضليّة.
وفي الجزء الخامس من (صحيح البخاري)، باب مناقب
قرابة رسول الله، أنّه صلّى الله عليه وآله قال: «فاطِمَةُ سيِّدَةُ نِساءِ أَهْلِ
الجَنَّةِ». وإذا كانت فاطمة بضعة من الرسول، فإنَّ بعلها عليّاً هو نفس رسول
الله، والدليل قوله تعالى: ﴿..أَنْفُسَنا..﴾، في آية المباهلة؛ الحادية والستّون
من سورة آل عمران.