من تَوجيهات شيخ الفقهاء العارفين:
العقل يحكم باستمداد
القوّة من المُوجِد
هذه المقتطفات التي ننشرها تباعاً اخترناها من كتاب (النّاصح)
الذي يتضمّن توجيهات معنويّة ووصايا تمّ اقتباسها، بعناية، من كلمات شيخ الفقهاء
العارفين، المقدّس الشيخ بهجت رضوان الله تعالى عليه.
لا يَخفى على
أولي الألباب أنّ أساس الحركة في المخلوقات هو: «معرفة المحرِّك» الذي
تحتاج الحركة إليه، ومعرفة «ما منه الحركة»، و«ما إليه الحركة»، و«ما
له الحركة»؛ أي «البداية»، و«النهاية»، و«الغرَض»، حيث
إنّ الممكنات في حركةٍ مستمرّة آناً فآناً باتّجاه المقصد.
والفرق بين
العالم والجاهل هو في معرفة علاج الحوادث أو عدمه. والتفاوت في منازلهما في
العاقبة [أي القيامة]، بمقدار التفاوت في مراتب علمهما في البداية [أي الدنيا].
إذاً، لو عرفنا
المحرِّك، ووقفنا على حُسن تدبيره وحكمته من نظْم المتحرّكات، صار كلّ توجّهنا
وهمّنا إلى إرادته التكوينية والتشريعية، فطُوبى للعارف وإنْ كان أعلى الشهداء
مصيبةً وبلاءً، وتَعْسَاً للجاهل حتّى لو كان فرعون زمانه تنعُّماً.
في عاقبة هذه
الحركات يقول الجاهل: «لَيتني ما خُلقت»! ويقول العالم: «لَيتني سرتُ
نحو المقصد سبعين مرّة، ثمّ عدتُ وسرتُ مرّة أخرى، واستشهدتُ في سبيل الحقّ!».
إيّانا أن نرجع
من حياتنا بالندم؛ أقولها بصراحة. لو انقضى نصف عمر أيّ شخصٍ في ذكر المُنعم
الحقيقي، ونصفه الآخر في الغفلة، لاعتُبر نصف عمره حياةً له، والنصف الآخر موتاً
له.
«العارف بالله» يصير مطيعاً له، ويكون شغله وارتباطه به تعالى، ويعمل
بما يعلم أنّه موافقٌ لرضاه، ويتوقّف في ما لا يعلم، ويستعلم آناً فآناً، ثمّ يعمل
أو يتوقّف. فعمله ناشئٌ عن «الدليل»، وتوقّفه عن «عدم الدليل».
هل من الممكن
لقافلتنا أن تصل سالمة إلى المقصد، عبر هذه العقبة المليئة بالخطر، من دون التسلّح
بطاعة الله القادر؟
هل من الممكن
أن يكون وجودنا من الخالق، وقوّتنا من غيره؟
إذاً «فلا
قوّة نافعة باقية إلّا لأهل الله، ولا ضعف إلّا لغيرهم!».
والآن إذا صرنا
من أصحاب اليقين في هذه المرحلة، فعلينا لأجل تحقيق هذه الصفات والأحوال، أن نعلم
أنّ هذه الحركة المتحقّقة من أوّلها إلى آخرها، هي المخالفة لمحرّك الدّواعي
الباطلة، التي لو لم نعتنِ بها لكفى ذلك في سعادة الاتّصال برضى المبدأ الأعلى: «وَقَدْ
عَلِمْتُ أَنَّ أَفْضَلَ زادِ الرَّاحِلِ إِلَيْكَ عَزْمُ إِرادَة..».