شيخ الإسلام النائيني
من زعماء
الثورة على الإنكليز
____ سليمان بيضون
____
* من
أعلام فقهاء الإمامية في القرن الرابع عشر الهجري، وأحد كبار مراجع التقليد في
النجف الأشرف.
* مجدّد
في علم أصول الفقه، وذو قدم راسخة في الحكمة والفلسفة، ومن أدباء اللغتين العربية
والفارسية.
* أحد
داعمي الحركة الدستورية في إيران، ومن معارضي تدخل الاحتلال البريطاني في شؤون
العراق.
* أُعدّت
هذه الترجمة استناداً إلى مصادر عدّة منها: أعيان الشيعة، ونقباء البشر، وموسوعة
طبقات الفقهاء.
|
هو الشيخ الميرزا محمّد
حسين، ابن عبد الرحيم النائيني. ولد في «نائين» عام 1277 هجرّية، وهي بلدة من نواحي
«يزد»، تبعد عنها عشرين فرسخاً، أي حوالى 100 كلم، وتتبع لإدارة «أصفهان». نشأ بها
وتعلّم فيها أوّليات العلوم، ثمّ هاجر إلى «أصفهان» فأكمل فيها المُقدّمات، ثمّ حضر
على كبار العلماء فيها.
وفي سنة 1303 للهجرة
هاجر إلى العراق، فدرس مدّة في «سامرّاء»، ثمّ انتقل إلى «كربلاء» وبقي فيها عدّة سنين،
ثمّ تحوّل إلى «النجف».
قال السيّد الأمين في
(أعيان الشيعة): «كان أبوه يلقّب بشيخ الإسلام في أصفهان، وهو لَقَب سلطاني، وكذلك
آباؤه من قبله، وبعد وفاته لُقِّب به أخوه الأصغر، أمّا هو فكان شيخَ الإسلام بحقّ
لا بفرمان سلطاني؛ كان عالمِاً جليلاً فقيهاً أصوليّاً حكيماً عارفاً أديباً متقناً
للأدب الفارسي، عابداً مدرّساً مقلَّداً في الأقطار».
مسيرته
العلمية
وقال السيّد في
(الأعيان) أيضاً: «قرأ أوّل مبادىء العلوم في نائين، وفي سنة 1293 أو 95 هاجر إلى
أصفهان فقرأ على الشيخ محمّد باقر ابن الشيخ محمّد تقي صاحب (حاشية المعالم)، وعلى
الميرزا محمّد حسن النجفي، والميرزا أبي المعالي، والشيخ محمّد تقي المعروف بـ«آقا
نجفي»، وفي سنة 1300 سافر شيخه الشيخ محمّد باقر المذكور إلى العراق وتوفّي، وبقي المترجم
في أصفهان إلى أواخر سنة 1302، ثمّ هاجر إلى العراق ودخل سامرّاء في المحرم سنة
1303، وقرأ فيها على الميرزا السيّد محمّد حسن الشيرازي الشهير إلى سنة وفاته 1312،
وفي أثناء إقامته بسامّراء توفّي والده الشيخ عبد الرحيم وبقي هو في سامراء مدّة بعد
وفاة الميرزا الشيرازي مع جماعة من تلاميذ الشيرازي؛ كالسيّد محمّد الأصفهاني، والميرزا
الشيخ محمّد تقي الشيرازي، والسيّد إسماعيل صدر الدين العاملي الكاظمي، والميرزا حسين
النوري وغيرهم ".." ثمّ هاجر المترجم من سامرّاء إلى كربلاء وبقي فيها مدّة،
ثمّ هاجر إلى النجف ".." وكان الملا كاظم الخراساني قد استقلّ بالتدريس
[في النجف] في حياة أستاذه الميرزا الشيرازي وزادت حلقة درسه بعد وفاة أستاذه المذكور،
وكان يعقد في داره مجلساً خاصّاً لأجل المذاكرة في مشكلات المسائل يحضره خواصّ أصحابه
فكان المترجم يحضر معهم ولم يحضر درس الملّا كاظم العام، وبعد وفاة الملّا كاظم استقلّ
بالتدريس، وبعد وفاة الميرزا محمّد تقي الشيرازي رأس وقُلّد في سائر الأقطار هو والسيّد
أبو الحسن الأصفهاني واستقامت لهما الرياسة العلمية في العراق بل انحصرت فيهما».
جهاده السياسي
اجتمع الميرزا
النائيني في النجف بـ«الشيخ محمّد كاظم الخراساني» المعروف بـ «الآخوند» وصاحب
(كفاية الأصول)، وصار من أعوانه وأنصاره في مهمّاته الدينية والسياسة، ومن أعضاء «مجلس
الفتيا» الذي كان يعقده مع بعض خواصّ أصحابه.
ولما قامت نهضة «الدستورية»
في إيران سنة 1324، وكان زعيمها الشيخ الخراساني وقف معه الميرزا النائيني جنباً إلى
جنب، فكان من أكبر الدعاة إليها، وألّف بالفارسية كتابه (تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة).
ولمّا احتل الإنجليز العراق
بعد الحرب العالمية الأولى وأقاموا فيصلاً ملكاً على البلاد وقرّروا فتح مجلس نيابي
وتعيين وزراء للدولة، كان الميرزا النائيني وبعض معاصريه كالسيّد «أبو الحسن الأصفهاني»
والشيخ مهدي الخالصي، والسيّد محمّد الفيروزآبادي معارضين لهذه الإجراءات. وإثر
الاضطرابات الحاصلة استقرّ رأي الميرزا والأصفهاني على السفر إلى إيران وأقاما في قم،
فاحتفى بهما زعيمُها الديني يومذاك الشيخ عبد الكريم اليزدي الحائري، وأمر تلاميذه
بالحضور عليهما، فكانت لهما مجالس تدريس حافلة، ثمّ لمّا ارتفعت القلاقل وانتظمت الأمور
عادا إلى النجف الأشرف ورأسا معاً ونهضا بأعباء الزعامة الروحية.
براعته
في علم الأصول
قال الشيخ الطهراني في
(نقباء البشر): أمّا هو [الميرزا النائيني] في الأصول فأمرٌ عظيم، لأنّه أحاط بكلّياته،
ودقّقه تدقيقاً مدهشاً، وأتقنه إتقاناً غريباً، وقد رنّ الفضاءُ بأقواله ونظرياته
العميقة، كما انطبعت أفكار أكثر المعاصرين بطابع خاصّ من آرائه، حتّى عُدّ مجدّداً
في هذا العِلم، كما عُدّت نظرياتُه مماثلةً لنظريات شيخنا الخراساني صاحب (الكفاية)،
وكان لبحثه ميزةً خاصّة: دِقّة مسلكه وغموض تحقيقاته، فلا يحضره إلّا ذوو الكفاءة من
أهل النظر، ولا مجال فيه للناشئة والمتوسّطين لقصورهم عن الاستفادة منه، ولذلك كان
تلامذتُه المختصّون به هم الذي تُعلّق عليهم الآمال، وهكذا كان».
تلاميذه
تتلمذ على يد الميرزا
النائيني عدد من كبار العلماء ومراجع التقليد، ومن هؤلاء التلامذة:
السيّد أبو القاسم الخوئي،
والشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني، والشيخ موسى الخوانساري وغيرهم. جاء في (موسوعة
طبقات الفقهاء): «حضر بحثَه ثلّةٌ من العلماء، أبرزهم: السيّد جمال الدين بن حسين الگلبايگاني،
وموسى الخوانساري، ومحمّد علي الجمالي الكاظمي، وحسين بن علي الحلّي، والسيّد محمود
الشاهرودي، والسيّد أبو القاسم الخوئي، والسيّد حسن البجنوردي، والميرزا باقر الزنجاني،
والسيّد علي نقي النقوي».
مؤلّفاته
وضع الميرزا النائيني مؤلّفات
أكثرها في أصول الفقه، ومنها:
1- حاشية على (العروة الوثقى)
في الفقه، للسيّد محمّد كاظم الطباطبائي (مطبوعة).
2- رسالة فتوائية لعمل
المقلّدين (مطبوعة).
3- رسالة (في اللباس المشكوك).
4- رسالة (في أحكام الخلل
في الصلاة).
5- (أجوبة مسائل المستفتين)
جمعها بعض تلاميذه.
6- رسالة (في التعبّدي
والتوصّلي).
7- رسالة (في المعاني الحرفية).
8- رسالة (في التزاحم والترتيب).
9- رسالة (في قاعدة لا
ضرر).
10- رسالة (في الشرط المتأخّر).
11- تقريرات بحثه في الأصول
المسمّى (أجود التقريرات)، لتلميذه السيّد أبو القاسم الخوئي في مجلّدين، وعليها تعليقة
منه.
12- (تنبيه الأُمّة وتنزيه الملّة) في لزوم مشروطية (دستورية)
الدولة المنتجة لتقليل الظلم على أفراد الأُمّة وترقية المجتمع، ألّفه بالفارسية في
أوائل الحركة الدستورية في إيران.
ولتلاميذه عدّة مؤلفات
اكتسبوا فوائدها من محاضرات درسه، منها (فوائد الأصول) وهو تقريرات درسه بقلم الشيخ
محمّد علي الكاظمي الخراساني، و(كتاب الصلاة) وهو تقريرات درسه بقلم الشيخ محمّد تقي
الآملي، و(منية الطالب في حاشية المكاسب) وهو تقريرات دروسه بقلم الموسوي الخوانساري.
كلمات
بحقّه
* (موسوعة طبقات
الفقهاء): «كان الميرزا النائيني متضلّعاً من الأدب الفارسي والعربي، ذا قدم راسخة
في الحكمة والفلسفة، ماهراً في أصول الفقه محقّقاً فيه، وله فيه آراء مبتكرة».
* الشيخ آغا بزرك الطهراني:
«مجتهد خالد الذكر، من أعاظم علماء الشيعة وأكابر المحقّقين».
* السيّد محمّد صادق بحر
العلوم: «شيخنا وأستاذنا، الحجّة الفقيه الأصولي، شيخ المجتهدين والمرجع الأعلى، الشيخ
ميرزا محمّد حسين النائيني الغروي طاب ثراه ".." وكنتُ ممّن استفاد من مجلس
درسه العالي في أصول الفقه، وكان يدرّس ليلاً في مسجد الهندي، يحضر عنده مئات من أهل
العلم..».
وفاته
قال الشيخ الطهراني في
(نقباء البشر): «اعتلّ جسمه في الأواخر ونهكت قواه، فذهب إلى بغداد للمعالجة، وقد اعتنت
به الحكومة العراقية كثيراً، وعيّنت له قصراً، وخصّصت أطبّاء رسميّين لمباشرته، ولم
يُجْدِهِ ذلك، وقد عُدتُه هناك في أواخر أيّامه، وتوفّي يوم السبت 26 جمادى الأولى
سنة 1355 للهجرة، وشُيّع جثمانه في النجف، فكان يوماً مشهوداً، وتولّى تغسيله علَمُ
العلم والتّقى الشيخ علي القمّي، وصلّى عليه الحجّة الأكبر السيّد أبو الحسن
الأصفهاني، ودُفن في الحجرة الخامسة على يسار الداخل إلى الصحن الشريف [مقام
الأمير عليه السلام] من باب السوق الكبير، وقد فجع الإسلام به، وأقيمت له فواتح لا
تُعَدّ ولا تُحصى، وأبَّنَه الحجّة الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء بكلمة نُشرت في
جريدة «الكرخ» في العدد التأبيني الخاصّ، ورثاه جمعٌ كثير، منهم تلميذاه الشيخ عبد
الحسين البغدادي، والسيّد علي نقي النقوي، [كذلك] الشيخ محمّد على اليعقوبي، والشيخ
محمّد رضا المظفر، والشيخ عبد المنعم الفرطوسي، والسيّد محمود الحبّوبي، والسيّد معلم
الحلّي، والسيّد مهدي الأعرجي وغيرهم، وأقيمت له حفلة أربعينية كبرى، وقال النقوي في
آخر مرثيّته له مؤرّخاً عام وفاته:
وحيث زاد الأسى نادى
مؤرّخه
|
مضى حسين فحاكى طفَّهُ
النجفُ
|
فكان عمره حين الوفاة نحو
82 سنة».
مراثيه
رُثي الميرزا
النائيني بمراث كثيرة، فمن قصيدة الشيخ محمّد علي اليعقوبي قوله:
بَكَى البَلَدُ الأمينُ عَلَيْكَ
شَجْواً
|
فَجاوَبَ صَوْتَهُ البَلَدُ الحَرامُ
|
وَراعَ الخَطْبُ فارِسَ فَاسْتَشاطَتْ
|
وَشَاطَرَتِ العِراقَ بِهِ الشّامُ
|
وعَمَّ بِكَ الأَسى شَرْقاً وَغَرْباً
|
كَما عَمَّتْ مَواهِبُكَ الجِسامُ
|
ومن قصيدة
الشيخ محمّد رضا المظفّري قوله:
أُبيح الحِمى لا السَّيْفُ سيف ولا
الفمُ
|
غَداةَ قَضى فيه الإمامُ المُعَظَّمُ
|
ولن تَرْفَعَ الرَّأْسَ الرِّجالُ
كَرامَةً
|
إِذا لم يُرَقْ مِنْ تَحْتِ أَقْدامِها
الدَّمُ
|
نَعاهُ لنا النّاعي فَقُلْنا صَواعِقُ
|
قَصَفْنَ رُبوعَ العِلْمِ قالَ: وَأَعْظَمُ
|
وَأَقْطابُ فَضْلٍ أَرْشَدَ اللهُ
أَمْرَهُمْ
|
بِهِمْ يُرْتَجى أن يخلِفَ النجمَ
أَنْجُمُ
|
ومن قصيدة
الشيخ عبد الحسين الحلّي قوله:
أَعِرْني لِساناً أَوْ فَدَعْني وَما
بيا
|
فقد أَخْرَسَ الخَطْبُ المُمِضُّ
لِسانيا
|
مَضى لا مَضى مَنْ كانَ في اللهِ
فانِيا
|
فخَلَّدَ ذِكْراً في البَرِيَّةِ
باقيا
|
سَتَنْسى الكَرى بَعْدَ الحُسَيْنِ
مَحاجري
|
وتَأْلَفُ فَيْضَ الدَّمْعِ يَنْصَبُّ
فانيا
|
ومن قصيدة
السيّد محمود الحبّوبي قوله:
سَكَتَ اللِّسانُ فيا دموعُ تكلّمي
|
فَلَقَدْ أحالَ إِلَيْكِ مَنْطِقَهُ
فمي
|
قَدْ لا يُطيقُ مُفَوَّهٌ شَرْحَ
الأسى
|
وَتُطيقُ ذَلِكَ دَمْعَةُ المُتَأَلِّمِ
|
فَعَنِ الدُّموعِ خُذوا أَحاديثَ
الأسى
|
مَشْروحةً لا مِنْ فَمِ المُتَكَلِّمِ
|
ومن قصيدة
الشيخ عبد المنعم الفرطوسي:
غُرورٌ كُلُّها هذي الحياةُ
|
وَما فيها لِمُعتَبِر عِظاتُ
|
عَلَيْنا للأَسى سِمةٌ لِوجهٍ
|
مَضى، وَعَلَيْهِ للتَّقْوى سِماتُ
|
ومن قصيدة
السيّد مسلم الحلّي قوله:
يا دَهْرُ جئتَ بِها فما شِئْتَ اصْنَعِ
|
لم تُبقِ في قَوْسِ الرَّدى مِنْ
مَنْزَعِ
|
رُزْءٌ تَخارَسَتِ المَقاوِلُ دونَهُ
|
وَتَصامَمَتْ أُذنُ الرِّجالِ فَلا
تعي
|
ومن قصيدة
السيّد مهدي الأعرجي قوله:
ألا يا ميّتاً يبكيه دينُ ال
|
هُدى شَجْواً وَيَنْعاهُ الكتابُ
|
رَحَلْتَ فذي العُلى ثَكْلى وهذي
|
رُبوعُ العِلْمِ مُقفرةٌ يَبابُ
|
دَوارِسُ بَعْدَ فَقْدِكَ موحِشاتٌ
|
عَلى أَكْنافِها نَعَبَ الغُرابُ
|
كَأَنَّ سَريرَ نَعْشِكَ فُلْكُ نوحٍ
|
لَهُ دَمْعُ الوَرَى بَحْرٌ عُبابُ
|