الكتاب: «الطريقة المضمونة لخسارة الحرب: الولايات المتّحدة في
عصر الصراعات غير الرابحة»
The Right Way to Lose a War: America in an Age of Unwinnable Conflicts
تأليف: دومينك
تيرني
الناشر: «ليتل
براون»، نيويورك 2015م
تواجه الولايات المتحدة
الأميركية خلال السنوات الماضية «معضلة القوّة»، التي تجلّت ملامحها في
الهوّة الشاسعة بين القدرات العسكرية المتاحة لدولة هي الأكبر من حيث الإنفاق
العسكري، وامتلاك أحدث التقنيات العسكرية،
وبين عدم حسم الحروب الخارجية التي تورّطت فيها بصورة أدّت إلى تعاظم تكاليفها.
وفي الوقت ذاته، تكفّلت هذه الحروب غير الضرورية وغير المحسومة
بتقويض صورة الولايات المتحدة كقوّة عظمى متفرّدة تستطيع فرض إرادتها، لا سيّما مع ما آلت إليه
الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، بعد التدخّل الأميركي في أفغانستان والعراق.
وقد كانت هذه المعضلة
الأميركية موضع اهتمام أستاذ العلوم السياسية في «جامعة سوارثمور» دومينك تيرني، في كتابه المكوّن من عشرة
فصول، والذي ينطلق من فرضية رئيسية، مفادها أن القوّة الأميركية باتت محل شكّ الكثيرين
خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
فقد خاضت الولايات
المتحدة منذ ذلك الحين عدداً من الحروب، بدت فيها عاجزة عن تحقيق أهدافها، وكرّست
لما يُطلق عليه الكاتب «عصر الظلام»، وما ينطوي عليه من
تراجع للقدرات العسكرية الأميركية. ويعزّز تيرني وجهة نظره، من خلال مقابلات أجراها مع
عدد من العسكريّين، والسياسيّين الأميركيّين البارزين.
حروب بلا انتصارات
يشير المؤلف إلى أن التتبّع
التاريخي للمسار العسكري الأميركي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية يكشف عن
حقبة جديدة أطلق عليها تيرني «عصر الظلام»، إذ إنّ معظم الصراعات
التي خاضتها الولايات المتحدة، خلال تلك الحقبة، ظلّت قائمة لفترة زمنية طويلة أكثر ممّا كان متوقّعاً، وانطوت على
تكاليف باهظة لا يمكن تقبّلها، حيث فقدت الولايات المتحدة الكثير من الجنود في هذه
الصراعات، وتأثّرت أوضاعها الاقتصادية بالسلب، فضلاً عن تقويض «الصورة الأخلاقية
المثالية» للولايات المتحدة، وتنامي الكراهية لواشنطن وسياساتها في الكثير من دول
العالم.
فقد واجهت الولايات المتحدة
معاناة كبيرة في الحروب التي خاضتها منذ الحرب العالمية الثانية. ففي حرب كوريا، استمرّ القتال دون التوصّل
لنصر حاسم، وتمّ البحث عن مخرج من الصراع عبر مفاوضات استغرقت نحو عامين. وفي فيتنام، تعرّضت الولايات المتحدة
لخسائر فادحة في صراعٍ امتدّ لسنوات.
وخلال السنوات الماضية، تعرّضت الولايات المتحدة
لأكبر مأزقين في تاريخها، حينما قرّرت غزو أفغانستان والعراق. ففي تشرين أول 2001م، دخلت القوات الأميركية لأفغانستان
لتطرد «حركة طالبان» خلال شهرين من كابل، وهكذا بعد نحو 15 عاماً من الحرب، لا تزال الولايات المتحدة متورّطة في صراع لا
ينتهي، كلّفها أكثر من ألفي جندي
قتيل، وإصابة نحو 20 ألفا آخرين، علاوة على إنفاق أكثر من 600 مليار دولار على الحرب. ولم يعد أحد يتحدّث عن
انتصار حاسم.
حدث الأمر ذاته في العراق
عندما قرّرت واشنطن غزوه في آذار 2003م. وفي فترة وجيزة، أطاحت بنظام صدام حسين، ولكنها واجهت أوضاعاً
قاسية، فقد تعزّز النفوذ الإيراني، وتدفّق المقاتلون الأجانب إلى العراق. وبالتوازي مع ذلك، كانت
واشنطن تتحمّل تكاليف باهظة، حيث قتل 4500 جندي تقريباً، وأصيب نحو 30 ألفاً آخرين، وأنفقت أكثر
من تريليون دولار على الحرب.
(مجلة السياسة الدولية
– مصر)