الموقع ما يزال قيد التجربة
دروس من الخُطبة النبويّة
في استقبال شهر الله تعالى
مراقبات شهر رمضان المبارك
____ الشيخ حسين كوراني* ____
«موقعُ مفاهيم الخطبة النبويّة المباركة من ثقافة شهر رمضان وليلة القدر، هو موقعُ ثقافة شهر الله تعالى من منظومة الثقافة الإسلاميّة كما قدّمها القرآن الكريم، والحديث الشَّريف. فهي، إذاً، خلاصةُ الخلاصة، وسرُّ السِّرّ».
هذا المقال، يتناول شرح فقراتٍ من الخطبة المباركة، اخترناها من كتاب (إلى ضيافة الله مع رسول الله صلّى الله عليه وآله) للعلامة الشيخ حسين كوراني.
نشير إلى أن نصّ الخطبة المعتمد، ورد في (إقبال الأعمال) للسيد ابن طاوس، عن (بشارة المصطفى لشيعة المرتضى) لمحمّد بن أبي القاسم الطَّبَري ، بسنده عن الإمام الرضا عليه السلام.
«شعائر»
عندما نستقبلُ شهر رمضان المبارك، فنحن أمام ثلاثين يوماً هي سرُّ الزَّمن، ومُلتقى الأسرار: سرُّ الخَلق، والنُّبوات، وسرُّ كرامة الإنسان، «الهدى الإلهيّ»، وسرُّ استنزال القرآن الكريم، وسرُّ التّقدير، والقضاء، والإبرام.
في «شهر رمضان» يلتقي ما قبل الزّمان وما بعده، وفيه يؤسَّسُ لِحُسنِ العاقبة، لِيَتّصلَ المعادُ بالمبدأ في دروب القلب، مستضيئاً بنور العقل الكامل دليلاً إلى أعتاب العقل الأكمل؛ الشِّرعة والمنهاج.
إنّها فرصةٌ إلهيّة فريدة ينتظرُها أهلُها العارفون بأهميّتها، المُدرِكون لِعَظَمَتِها طيلةَ أحدَ عشر شهراً، ويحزنون لفِراقها، فكيف سنتعامل معها؟
ماذا تعني ضيافةُ الله عزَّ وجلَّ؟
ضيافةُ الله تعالى لنا تكشفُ عن تكريمنا. كلُّ ضيافةٍ تكشفُ، عادةً، عن تكريمِ صاحبِ الدعوةِ لِضُيوفه، وها قد دُعينا إلى ضيافةِ الرّحمن، وها نحنُ أيضاً أمامَ مظاهرِ تكريمٍ للصّائم لا تُضاهَى؛ الشّياطينُ مغلولة، وأبوابُ الجِنان مُفَتَّحَة، وأبوابُ النّيران مُغلَّقَة، أنفاسُنا تسبيح، ونومُنا عبادة، عملُنا مقبول، ودُعاؤنا مُستجاب، وفي كلّ ليلةٍ يمُنُّ الله تعالى على أعدادٍ كبيرة جدّاً بالرّحمة والمغفرة.
ومِن نِعَمِ الله سبحانه علينا أنّه وضع بين أيدينا خطبةَ رسولِه الأكرم، صلّى الله عليه وآله، لتكونَ منهاجاً نحاولُ من خلاله أن نُطهِّرَ أنفسَنا لِيُقبلَ شهرُ الله تعالى ونحن مُستحقُّون لوسام ضيافة الرّحمن، بفضلِه وكَرَمِه.
شرح فقراتٍ من الخطبة المباركة
«أَيُّها النّاسُ، إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ شَهْرُ اللهِ بِالبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ»: شهرُ مغفرةٍ مميّزة، تقصرُ العقول عن إدراكِها، ومُفتَتحُ موسم هذه الأشهر الثلاثة، بمستوى «أَعْطِني بِمَسْأَلَتي إِيّاكَ جَميعَ خَيْرِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ». فكيف سيكونُ منسوبُ الرّحمةِ ومستواها في شهر رمضان؟!
حقّاً عندما نجدُ في بعض الرّوايات أنّ الله، عزَّ وجلَّ، يعتقُ الملايين في أوّلَ ليلةٍ من شهر رمضان، وفي اللّيلة الثانية منه يُضاعف ذلك، وفي اللّيلة الثالثة يُضاعِفُ المُضاعَف، وهكذا.. فإذا كانت آخر ليلةٍ من شهر رمضان أعتقَ أضعافَ ما أعتقَ في كلِّ هذا الشّهر. فأيُّ رحمةٍ واسعةٍ، إذاً، هي هذه الرّحمة؟
«شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ الشُّهورِ»: هذه العبارة، عبارة «أَفْضَلُ الشُّهورِ» تكفي في بيانِ أنّ شهر رمضان هو الشهر الأهمّ والأفضل، فلماذا أكّد رسول الله صلّى الله عليه وآله هذا المعنى بعبارات أُخرى فقال: «وَأَيّامُهُ أَفْضَلُ الأَيّامِ، وَلياليهِ أَفْضَلُ اللَّيالي، وَساعاتُهُ أَفْضَلُ السّاعاتِ»: كأنّي به صلّى الله عليه وآله، يريد أن يقول: يا مَن لم ينتبِه، انتبِه جيّداً، إنّ شهر الله تعالى أفضلُ الشهور.
هذه حقيقة ينبغي أن تُدرِكَها بكلّ وجودك وكيانك؛ والأكثر من ذلك، يجب أن تَسْتَثْمِرَ ساعاتِهِ لأنّها أفضلُ السّاعات.
«هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فيه إِلى ضِيافَةِ اللهِ»: من المدعوّ؟ أنا.. صاحبُ السِّجِلّ الذي أعرف، والصّحائفِ السُّود! فهل ستكون هذه الدّعوة – مجرّد توجيهها - فرصةً لي لِأُعيدَ النَّظرَ في كلّ مجالاتِ علاقتي بربّي؟
يا لِسعادتي إنِ استطعتُ أن أكونَ مُؤدّباً في ساحة ضيافتِه، ويا لِشقائي إذا واصلتُ قلّةَ الأدبِ والجرأةِ على المعصية، بل والوقاحة في المحضرِ الرّبوبي، في حرمِ ضيافةِ الله عزَّ وجلَّ!
قبول الأعمال واستجابة الدعاء
«أَنْفاسُكُمْ فيه تَسْبيحٌ، وَنَومُكُمْ فيهِ عِبادَةٌ، وَعَملُكُمْ فيهِ مَقْبولٌ، وَدُعاؤُكُمْ فيهِ مُسْتَجابٌ»: وكم هو الشّقاء والتعاسة عندما يكون العطاء الإلهيّ بهذه الأبعاد، وتكون الضيافة الإلهيّة بكلّ هذا الحنان وهذه المحبّة، ثمّ يُعرض عنها المدعوُّ إلى الضّيافة، إمّا لأنّه لا يريد أن يصوم، أو لأنّه يريدُ أن يكون صومُه عاديّاً، أيْ عن الطّعام والشراب فقط، فلا يصوم عن المعاصي.
«فَاسْأَلوا اللهَ ربَّكم بنيّاتٍ صادِقَةٍ، وَقُلوبٍ طاهِرَةٍ أَنْ يُوفِّقَكُمْ لِصيامِهِ وَتِلاوَةِ كِتابِه»: لِنَجْعلْ آخر جمعة من شعبان فرصة للتدرّب على أن نسأل الله تعالى بنيّات صادقة وقلوب طاهرة، ولْيَكن الاستعداد الجادّ لكي نكون من أهل ضيافة الرّحمن.
«وَاذْكُروا بِجوعِكُمْ وَعَطَشِكمْ فيهِ، جوعَ يَوْمِ القِيامَةِ وَعَطَشَهُ»: هذا اليوم العظيم ينبغي أن يكون حاضراً في ذهن المسلم يفكّر فيه باستمرار، لأنّ من شأن ذلك أن يُصحّح مساره، ويردعه عن معصية الله تعالى. شِئنا أم أبينا، فإنّ كلّ نفَسٍ نتنفسُّه، يُدنينا من الآخرة بقدره، والمطلوب أن يذكّرنا جوعُنا وعطُشنا في شهر رمضان بجوع يوم القيامة وعطشه، ذلك اليوم العَبوس القَمْطَرير، الذي تبلغ مَواقفُه خمسين مَوْقفاً، وكلُّ مَوْقفٍ يمتدّ ألف سنة.
الصدقة وصلة الأرحام
«وَتَصَدَّقوا عَلى فُقَرائِكُمْ وَمَساكينِكُمْ»: يبدو أنّ المراد من الحثّ على الصَّدقة في شهر الله تعالى وعلى أبوابه، أن يتصدّق الإنسان لِيُوَفَّقَ لِصِيامِ هذا الشّهر وقيامِه، ويتدرَّبَ على البذل من ماله الذي يحبُّ، عادةً، ليتدرّب على العطاء مطلقاً، بما يشمل الشَّهادة.
«وَقِّروا كِبارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغارَكُمْ»: ما أعظمَ أن نتأدّبَ بأدبِ الإسلام في مختلف المجالات، فَلِلكبير حرمتُه، وإذا كان هذا الكبير صاحبَ شَيْبَةٍ، فإنّ لِصاحبِ الشَّيْبَة في الإسلام أهميّة خاصّة، لأنّه شابَ وهو يقول «لا إلهَ إلّا الله». ومهما كان توقيرُ الكبار مطلوباً، فإنّ رحمة الصِّغار مطلوبةٌ بدرجة أكبر، وكلٌّ بِحَسَبِه.
«وَصِلُوا أَرْحامَكُمْ»: نجدُ الحثّ على صِلة الرَّحِم في هذه الخطبة المباركة، أكثر من مرّة، وهو ما ينبغي أن يلفتنا إلى أهميّة إدراك التّرابط بين هذا الواجب وبين قبول الصّوم. لا يُمكن للإنسان الذي لا يخفقُ قلبُه بالحنان تجاه رَحِمِه، ولا يرحمُه، أن يطمع برحمة الله تعالى. مثلُ هذا صاحبُ قلبٍ قاسٍ، والقلوب القاسية بعيدةٌ عن الله عزّ وجلّ، ﴿.. فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ..﴾.
حفظ الجوارح
«وَاحْفَظوا أَلْسِنَتَكُمْ»: وهذا بيتُ القصيد، بل بيتُ الدّاء الذي تتفرّع منه أدواءٌ شَتَّى، وأمراضٌ عديدة، إنْ لم يكن الجميع. كم سيكون ندمُ أحدِنا عندما يرى أنّ لسانه أوصلَه إلى النّار، عندئذٍ يُدرك مرارة إطلاق العنان لِلسانه ليتحرّك كما يحلو له.
«وَغُضُّوا عَمّا لا يَحِلُّ النَّظرُ إليه أَبْصارَكُمْ»: لماذا لا نُشجّع عيوننا على الإقبال على ما لا ضررَ فيه ولا خيانةَ أو دناءة؟ العين.. هذه النّعمة الإلهيّة الكبيرة والخطيرة، لماذا نسمح لأنفسنا أن نستعملَها في الحرام فتجرّنا إلى النار. لماذا لا نُربِّي فينا مَلَكة استعمال عيوننا في الحلال والابتعاد بها عن الحرام.
«.. وعمّا لا يَحِلُّ الاسْتِماعُ إليه أَسْماعَكُمْ»: كما هو البصرُ البابَ الرئيس - بعد اللّسان - لِتَغذية القلب، كذلك هو السَّمْع. أصلُ مشاكل البشريّة في تغييب العقل، وأصلُ تغييب العقلِ في الانسياق للحواسّ، وأصلُ ذلك الانسياقِ اعتبارُ الأُذُنِ والعينِ الحَكَمَ والقاضي والعقلَ والضّمير. فهل نتعلّم أن نفكِّر قبل أن نتكلّم عمّا رأتْه العينُ وسَمِعَتْهُ الأُذُن؟
الدعاء والاستغفار وطول السجود
«وَارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَكُمْ بِالدُّعاءِ في أَوْقاتِ صَلواتِكُمْ، فَإِنَّها أَفْضَلُ السّاعاتِ، يَنْظُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فيها بِالرَّحْمَةِ إِلى عبادِهِ، يُجيبُهُمْ إِذا ناجَوْهُ، وَيُلَبِّيهِمْ إِذا نادَوْهُ، وَيَسْتَجيبُ لَهُمْ إِذا دَعَوْهُ»: أفضلُ ساعات هذا الشّهر هي أوقاتُ صلواتِنا، فمَن فاتَتْه في كلِّ شهرِ رمضان صلاةٌ واحدةٌ في أوّل الوقت، فإنّ خسارتَه كبيرة، لأنّ مِن المُمكن أنّه كان سيُستجابُ له دعاءٌ مهمٌّ في حاجةٍ من حوائجِه الكبيرة، وبِقَطْعِ النَّظر عن قضاءِ الحوائج، يخسرُ الثّوابَ العظيمَ الذي كان سيُضاف إلى رصيدِه بمُجرَّدِ أنّه صلَّى أوّلَ الوقت.
«أَيُّها النّاسُ، إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهونَةٌ بِأَعْمالِكُمْ فَفُكُّوها بِاسْتِغْفارِكُمْ»: أيُّها أصعب؟ أن يكتشف الإنسانُ أنّ بيتَه وعقاراتِه مرتَهنة، أو أنْ يكتشفَ أنّ نفسَه مرتَهنة؟ أمّا هذه النّفْس المرتَهنة بالمعاصي، فقد أتاحَ لنا الله تعالى بِمَنِّه وكَرَمِه، أن نتمكّن من فكاكِها بالاستغفار، بأنْ نستغفرَ الله تعالى من «كلّ قلبِنا»، ونعودَ إلى ربّنا ونتوبَ إليه توبةً نصوحاً صادقة.
«.. وَظُهورَكُمْ ثَقيلَةٌ مِنْ أَوْزارِكُمْ فَخَفِّفوا عَنْها بِطُولِ سُجودِكُمْ»: مَن اسْتَثْقَلَ طولَ السُّجود أو صَعُب عليه، فَلْيَتَذَكَّر مدى العلاقة بين طولِ السُّجود وشِدّة التّخفيف من الثِّقْل على ظهرِه، لِيكونَ ذلك دافعاً وحافزاً لِحَمْلِه على إطالةِ السُّجود. في الرِّوايات أنّ أقربَ ما يكون الإنسان إلى الله، عزّ وجلّ، عندما يكون ساجداً، وفي بعضها «وَهُو ساجِدٌ يَبْكي»، والحثُّ على السُّجود لا يكاد يُضاهيه حثٌّ آخر، وهو يكشفُ أنَّ السُّجودَ الطَّويلَ من أقصرِ الطُّرُق المُوصِلةِ إلى رضوان الله تعالى.
«وَاعْلَمُوا أنّ اللهَ عزَّ وجلَّ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أَنْ لا يُعذِّبَ المُصَلِّينَ، وَأَنْ لا يُرَوِّعَهُمْ بِالنَّارِ يَوْمَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمينَ»: إنّنا في شهر الله تعالى أمامَ فرصةٍ إلهيّة، فَلْنَبْذل كلَّ جهدٍ مُمكن لنكونَ «من المُصَلِّين» في هذا الشّهر العظيم، واللهُ عزَّ وجلَّ أكرمُ الأكرمين، فقد يَشملنا برحمتِه، ونُقبَل لِنكونَ من المُصلِّين دائماً.
ثواب إفطار الصائمين
«أَيُّها النّاسُ، مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صائِماً مُؤْمِناً في هَذا الشَّهْرِ، كانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَمَغْفِرَةُ ما مَضى مِنْ ذُنوبِهِ، فقيلَ يا رسول الله، وليس كُلُّنا يقدِرُ على ذلك، فقال صلّى الله عليه وآله: اتَّقوا النّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، إتَّقوا النّارَ وَلَو بِشُربَةٍ مِنْ ماء»: شاءَ الله، عزَّ وجلّ، برحمتِه الواسعة أن تكونَ ضيافتُه مَوْسماً للصَّفح الجميل، والتَّصدُّق علينا بالعتقِ بلا مَنٍّ. وشاءَ، سبحانُه، أن يكونَ أدنى عملٍ نقومُ به نبتغي منه تصحيحَ مسارِنا والتّقرُّب إليه، سبباً في عتقِنا من النّار التي نرمي أنفسَنا فيها بملءِ اختيارِنا.
تحسين الخُلُق واجتناب الغضب
«أَيُّها النّاسُ، مَن حَسَّنَ مِنْكُمْ في هَذا الشَّهْرِ خُلُقَه، كانَ له جَوازٌ عَلى الصِّراطِ يَوْمَ تَزِلُّ فيهِ الأَقْدامُ»: نتحاشى الكُفر، ونتحاشى الشِّرْكَ، والكَبائر، ونعتبرُ أنّ ذلك تَمامُ الإيمان، ولا نتنبَّهُ إلى الخطأ الكبيرِ الّذي وقعْنا فيه، فقادَنا إلى هذا الاستنتاج، وهو أنّنا نفصلُ بين الأخلاقِ والإيمان.
شهرُ الله تعالى مُناخٌ لتحسينِ الخُلُقِ فلا نجعلْهُ مُناخاً لتجذيرِ سُوء الخُلُق. إنّ الهمَّ الكبيرَ الذي ينبغي أن نحملَه طيلةَ هذا الشّهر العظيم، هو كيف يُمكنُنا أن نتخلَّصَ من الأخلاقِ السيّئة، وإذا لم نلتفتْ لذلك وأَرْخَيْنا لأنفسنا العِنان، فإنّنا تلقائيّاً، وبسبب هذه الغفلةِ والصّومِ والجوعِ، نُصبحُ نُستَثارُ بِسُرعةٍ أكبر، فنَغضب ونُكثرُ من التّصرّفاتِ المُنافية، وستكونُ النتيجة أنّنا - بدلَ أنْ نستثمرَ شهرَ الله تعالى، ونستفيدَ من الصّيام لِتَحْسينِ الخُلُق - نخرجُ من شهرِ رمضانَ وقد تجذَّر فينا سوءُ الخُلُق، والعياذُ بالله تعالى.
«وَمَنْ خَفَّفَ مِنْكُمْ في هَذا الشَّهْرِ عَمّا مَلَكَتْ يَمينُهُ خَفَّفَ اللهُ عَلَيْهِ حِسابَهُ»: عندما يكون الشَّخص حريصاً على اليُسر مع النَّاس، والحسابِ اليسير، فلا يُعقِّد الأمور بل يُسهِّلها، ولا يُضيِّق على غيره، بل يَعتمِد السُّهولة والتَّوْسِعَة، ويَتعامل بشَهامة ونُبْل، فإنَّ الله، عزَّ وجلَّ، يُخفِّف عليه حسابه.
«وَمَنْ كفَّ فيهِ شَرَّهُ، كَفَّ اللهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقاهُ»: عندما يَتَحدَّث عُلماء الأخلاق عن الأذى يُؤكِّدون أنّه من أخطر العَقَبات في طريق تزكية النَّفس. مَن أراد أن يُزكِّي نفْسَه فليس عليه إلّا أن يَكُفَّ أذاهُ عن الآخرين، ويتحمّل جَفاءَ الخَلْق وأذاهم. المهمّ أن لا يَصدر منه أيُّ أذًى يصيب الآخرين.
«وَمَنْ أَكْرَمَ فيهِ يَتيماً أَكْرَمَهُ اللهُ يَوْمَ يَلْقاهُ»: مطلوبٌ منَّا أن نهتمَّ بإكرام اليتيم والتَّحنُّن عليه. النُّقطة المركزيَّة التي تلتقي عندها نصوصٌ كثيرة - وهذا منها – هي أنّ على كلٍّ منّا أن يَحرصَ على وجود الرّحمة في قلبِه، وتنميةِ هذه الرّحمة.
«وَمَنْ وَصَلَ فيهِ رَحِمَهُ، وَصَلَهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقاهُ، وَمَنْ قَطَعَ فيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقاهُ»: مَن يَعمد إلى قَطْع رَحِمه في ضيافة الله، عزَّ وجلَّ، فقد أساء إساءةً يَستحقُّ معها أن يَقطعَ اللهُ رحمتَه عنه يوم يَلقاه!
طيلة شهر الله تعالى، ينبغي أن يكون الهمُّ الدّائمُ لِلمؤمن هو تَرمِيمُ علاقتِه بالأرحام، فالمؤمن يُريدُ الوُصولَ إلى التّقوى، وهي مقرونةٌ بِصِلَة الرَّحِم، فلا انفصالَ بينهما.
التطوّع بالنوافل والصلاة على النبيّ وآله
«ومَنْ تَطَوَّعَ فيه بِصَلاةٍ كَتَبَ اللهُ له بَراءَةً مِنَ النَّارِ»: شهرُ الله تعالى شهرُ الرَّحمة والمغفرة، ومِن مَظاهر الرَّحمة في هذا الشَّهر المبارَك، أنّ مَن صَلَّى صلاةً مُستحبّةً فَلَهُ هذا الثَّوابُ العظيم، يُمكنُنا أن نُطلَّ من خلال هذا النصّ على أهمّيَّة المُستحبّات في صياغة شخصيّة الإنسان.
«ومَنْ أدَّى فيه فَرْضاً كانَ لَهُ ثَوابُ مَنْ أَدَّى سَبْعينَ فَريضَةً فيما سِواهُ مِنَ الشُّهورِ»: يجب أن يَستحضِرَ القلبُ طيلة شهر الضّيافة الإلهيّة أنّ كلّ آداب الضِّيافة تَصُبُّ في تقوية علاقة المؤمن بالله تعالى، أي تَصبُّ في «التوجُّه» و«الإقبال على الله»، وهو جَوْهر الصَّلاة والسِّر.
«ومَن أكثرَ فيهِ مِنَ الصَّلاةِ عليَّ، ثَقَّلَ اللهُ ميزانَهُ يَوْمَ تَخِفُّ المَوازينُ»: بالإضافة إلى الخصوصيّات الكثيرة لهذا الذِّكر العظيم، فإنّ المجتمعَ الذي تكثُر فيه الصلاة على النبيّ وآله مُجتمَعٌ مُحصَّن، والبيت الذي تَكثُر فيه الصَّلاة على النبيّ وآله بيتٌ مُحَصَّن، كذلك الشَّخص الذي يُكثِر من الصَّلاة على محمّدٍ وآل محمّدٍ يُحَصِّن نفسه من مَسِّ الشَّيطان.
التضرّع والإكثار من تلاوة القرآن
«وَمَن قَرَأَ فيهِ آيَةً مِنَ القرآنِ كانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ القُرْآنَ في غَيْرِهِ مِنَ الشُّهورِ»: أهمُّ عملٍ في هذا الشَّهر هو الإكثارُ من تلاوةِ كتابِ الله تعالى. ليس أمراً عاديّاً أبداً أن يكونَ مَن قرأَ فيه آيةً من القرآن، فإنَّ له مثلَ أَجْرِ مَن ختمَ القرآنَ في غيرِه من الشُّهور. إنّه ثوابٌ عظيمٌ جدّاً.
«أيُّها النَّاس، إنَّ أبوابَ الجِنانِ في هذا الشَّهْرِ مُفتَّحَةٌ، فَاسْأَلوا رَبَّكُمْ أنْ لا يُغلِقَها عَلَيْكُمْ. وَأَبْوابَ النِّيرانِ مُغلَّقَةٌ، فَاسْأَلوا رَبَّكُمْ أنْ لا يَفْتَحَها عَلَيْكُمْ. وَالشَّياطينَ مَغْلولَةٌ، فَاسْأَلوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُسلِّطَها عَلَيْكُمْ»: يَكشفُ التأمُّلُ في النُّصوص حول شهر الله تعالى أنَّ كلَّ العناصر التي يُوفِّرُها الله تعالى في هذا الشهر الكريم، تَهدِفُ إلى تأمين المُناخ الأفضل للتَّوبة الصّادقة النَّصوح، والإقلاعِ عن إدمان المعاصي وأيِّ لَوْنٍ من ألوانِ تَعاطيها. فَلْيَغْتَنْمِ القلبُ الفُرصة. والتَّوسُّلُ الشَّرطُ والبابُ. ﴿.. وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ..﴾. (المائدة:35)
الورع عن محارم الله وموالاة أمير المؤمنين عليه السلام
«قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلَيْهِ السَّلامُ: فَقُمتُ وقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما أفضَلُ الأَعمالِ في هذا الشَّهرِ؟
فَقالَ: يا أبَا الحَسَنِ، أَفْضَلُ الأَعْمالِ في هذَا الشَّهْرِ الوَرَعُ عَن مَحارِمِ اللهِ عزَّ وجلَّ. ثُمَّ بَكى، فَقُلتُ: يا رَسولَ الله، ما يُبكيكَ؟ فَقالَ: يا عَلِيُّ، أَبْكي لِما يُسْتَحَلُّ مِنْكَ في هذا الشَّهْرِ، كَأَنّي بِكَ وَأَنْتَ تُصَلّي لِرَبِّكَ، وقَدِ انْبَعَثَ أشْقَى الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ، شَقيقُ عاقِرِ ناقَةِ ثَمودَ، فَضَرَبَكَ ضَرْبَةً عَلى فَرقِكَ (قَرنِكَ) فَخَضَّبَ مِنْها لِحْيَتَكَ.
قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، وذلِكَ في سَلامَةٍ مِنْ ديني؟
فَقالَ: في سَلامَةٍ مِن دينِكَ. ثُمَّ قالَ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: يا عَلِيُّ، مَنْ قَتَلَكَ فَقَد قَتَلَني، ومَن أَبْغَضَكَ فَقَدْ أَبْغَضَني، وَمَنْ سَبَّكَ فَقَد سَبَّني؛ لِأَنَّكَ مِنّي كَنَفْسي، وَرُوحُكَ مِنْ روحي، وَطِينَتُكَ مِنْ طينَتي. إنَّ اللهَ تَبارَكَ وَتَعالى خَلَقَني وَإيّاكَ، وَاصْطَفاني وَإيّاكَ، وَاخْتارَني لِلنُّبُوَّةِ وَاخْتارَكَ لِلإِمامَةِ، فَمَنْ أَنْكَرَ إِمامَتَكَ فَقَدْ أنكَرَ نُبُوَّتي. يا عَلِيُّ، أَنْتَ وَصِيِّي، وَأَبو وُلْدي، وَزَوْجُ ابْنَتي، وَخَليفَتي عَلى أُمَّتي في حَياتي وبَعْدَ مَوتي، أَمْرُكَ أَمْري وَنَهيُكَ نَهْيي. أُقْسِمُ بِالَّذي بَعَثَني بِالنُّبُوَّةِ وَجَعَلَني خَيْرَ البَرِيَّةِ، إنَّكَ لَحُجَّةُ اللهِ عَلى خَلْقِهِ، وَأَمينُهُ عَلى سِرِّهِ، وَخَليفَتُهُ عَلى عِبادِهِ»:
هذا هو ختامُ آخرِ خطبةِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله حولَ شهرِ رمضانَ المبارك، وهو التّفسيرُ النبويّ الأتمّ لآياتِ المودّة في القربى والتّطهير، والولاية، وأحاديث الثّقلين والغدير، وكلّ النّصوص.
كما هو عليٌّ عليه السلام قِبلةُ المُصلِّي وقلبُ الكَعبة، فلا صومَ إلّا إذا كان في سِرِّ نيّته والطّوِيِّة، ولايةُ الله تعالى، ونبوُّة سيّد النبيّين، من باب المودّةِ في القُربى، بابِ عليٍّ وأهلِ البيتِ عليهم السلام. هذا هو العمود الفقريّ لكلّ برنامجِ صومٍ حقيقيّ، وإلّا فَلا.
علامةُ الإيمانِ حُبُّ عليّ، وعلامةُ النِّفاقِ بُغضُ عليّ!
زاد الصائم
دعاء (يا عليُّ يا عَظيم) بعد كلّ فريضة
يا عَلِيُّ يا عَظِيمُ، يا غَفُورُ يا رَحِيمُ، أنْتَ الرَّبُّ العَظيمُ الَّذي ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ البَصيرُ، وهَذا شَهرٌ عَظَّمْتَهُ وكرَّمْتَهُ وشَرَّفْتَهُ وفَضَّلْتَهُ عَلى الشُّهورِ، وهُوَ الشَّهْرُ الَّذي فَرَضْتَ صِيامَهُ عَلَيَّ، وهُوَ شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أنْزَلْتَ فِيهِ القُرآنَ، هُدىً لِلنَّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الهُدَى والفُرْقَانِ، وَجَعَلْتَ فِيهِ لَيْلَةَ القَدْرِ وجَعَلْتَها خَيْراً ِمْن ألْفِ شَهْرٍ، فَيَا ذا المَنِّ ولا يُمَنُّ عَلَيْكَ، مُنَّ عَليَّ بِفَكاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، فِي مَنْ تَمُنُّ عَليْهِ، وأدْخِلْنِي الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ.
زاد الصائم
دعاء (أللَّهُمَّ أدخِلْ على أهل القبور السّرور..)
عَن النبيّ صلّى الله عليه وآله، أنّه قالَ: «مَن دعا بهذا الدُّعاء في رَمَضان بَعد كُلِّ فريضة غفر الله لَهُ ذنوبه إلى يَوم القيامة: اللّهُمَّ أَدْخِلْ عَلى أَهْلِ القُبُورِ السُّرُورِ، اللّهُمَّ أَغْنِ كُلَّ فَقِيرٍ، اللّهُمَّ اشْبِعْ كُلَّ جائِعٍ، اللّهُمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيانٍ، اللّهُمَّ اقْضِ دَيْنَ كُلِّ مَدِينٍ، اللّهُمَّ فَرِّجْ عَنْ كُلِّ مَكْروَبٍ، اللّهُمَّ رُدَّ كُلَّ غَرِيبٍ، اللّهُمَّ فُكَّ كُلَّ أَسِيرٍ، اللّهُمَّ أَصْلِحْ كُلَّ فاسِدٍ مِنْ أُمُورِ المُسْلِمِينَ، اللّهُمَّ اشْفِ كُلَّ مَرِيضٍ، اللَّهُمَّ سُدَّ فَقْرَنا بِغِناكَ، اللّهُمَّ غَيِّرْ سُوءَ حالِنا بِحُسْنِ حالِكَ، اللّهُمَّ اقْضِ عَنّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنِا مِنَ الفَقْرِ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ».
0
أيـــــــــــــــــــــــــن الرَّجبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ يستحب في شهر رجب قراءة سورة التوحيد عشرة آلا مرة..
يدعوكم المركز الإسلامي- حسينية الصديقة الكبرى عليها السلام للمشاركة في مجالس ليالي شهر رمضان لعام 1433 هجرية. تبدأ المجالس الساعة التاسعة والنصف مساء ولمدة ساعة ونصف. وفي ليالي الإحياء يستمر المجلس إلى قريب الفجر. نلتمس دعوات المؤمنين.