الإمام الحسين ^{عليه السلام}: مَن لَحِقَ بي استُشهِد

مِن رفضِ البَيعة إلى الشهادة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* هلاك معاوية بن أبي سفيان في الشام، وجلوس ابنه يزيد على كرسي الخلافة، وطلب الأخير البيعة من الإمام الحسين عليه السلام:

لمّا مات معاوية منتصف رجب من سنة ستّين من الهجرة، عن عمر تجاوز سبعين سنة، وخلّف بعده ولده يزيد، كتب يزيد إلى ابن عمّه الوليد بن عتبة والي المدينة يأمره بأخذ البيعة من الحسين بن عليّ قبل أن يعلم أهل المدينة بالأمر، ولا يرخّص له في التأخّر عن ذلك، ويقول: «إنْ أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه»، ثمّ بعث الوليد إلى الحسين عليه السلام في الليل فاستدعاه، قبل أن يفشوَ الخبر.

صار الحسين عليه السلام إلى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم، فنعى الوليد معاوية، فاسترجع الحسين عليه السلام، ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه ليزيد. فلم يُرد الحسين عليه السلام أن يصارحه بالامتناع من البيعة، فقال له: «إنّي أراك لا تقنع أو تجتزئ ببيعتي سرّاً، حتّى أُبايعه جَهراً، فيعرف ذلك النّاسُ»، فقال له الوليد: أجل! انصرف على اسم الله حتّى تأتينا مع جماعة الناس. فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه، ولكن احبس الرجل، فلا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه.

فلمّا سمع الحسين عليه السلام، مروان، صارحهما حينئذٍ بالامتناع من البيعة، وأنّه لا يمكن أن يبايع ليزيد أبداً.

*خروج الإمام عليه السلام من المدينة:

قرّر الحسين عليه السلام أن يخرج من المدينة، فودّع قبر جدّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأمّه وأخيه عليهما السلام، وكتب وصيّة لأخيه محمّد بن الحنفية، جاء فيها: «وإنّي لمْ أخرج أَشِراً ولا بَطِراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لِطلبِ الإصلاح في أمّة جدّي صلّى الله عليه وآله وسلّم، أريدُ أنْ آمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المُنكَر، وأسيرَ بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمَن قبلني بِقبولِ الحقّ فالله أوْلى بِالحقّ، ومَن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتّى يقضي اللهُ بيني وبين القوم بالحقِّ، وهو خيرُ الحاكمين».  

* وصول الإمام الحسين عليه السلام إلى مكّة ولقائه بالناس:

توجّه الحسين عليه السلام في ليلة 28 رجب سنة 60 للهجرة، من المدينة المنوّرة قاصداً مكّة المكرّمة، مصطحباً معه في سفره أولاده وإخوته وأخواته وأولادهم، وجمعاً من أقربائه وأصحابه. وكان وصوله إلى مكّة في الثالث من شعبان، ففرح أهلها وكبار الصحابة فيها بحضوره، وصاروا يختلفون إليه بكرة وعشيّاً.

وأمضى الإمام في مكّة بقيّة شهر شعبان، وشهر رمضان، وشوّال، وذي القعدة، والأيّام الأُول من شهر ذي الحجّة الحرام. وهي من أطول مراحل الثورة الحسينية، ومع ذلك فهي من أقلّ مراحلها نصوصاً، ومعظم الحوادث التي سُجلّت اقتصرت على وقائع الأيام الأخيرة منها.

* وصول كُتب أهل الكوفة إلى الإمام عليه السلام:

لمّا بلغ أهل الكوفة موت معاوية، وامتناع الحسين عليه السلام من البيعة، عُقد اجتماع في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، أرسل المجتمعون إثره وفداً من قِبلهم إلى الإمام في مكّة. وبعد يومين انتدبوا قيس بن مسهّر الصيداوي وآخرين معهم نحو مائة وخمسين كتاباً من الرجل والاثنين والأربعة، والإمام يتأنّى ولا يجيبهم، وتواترت الكتب حتّى اجتمع عنده عليه السلام اثنا عشر ألف كتاب، ثمّ لبثوا يومين آخرَين، وسرّحوا إليه هاني بن هاني السبعي وسعيد بن عبدالله الحنفي، وكانا آخر الرسُل، وكتبوا إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن عليّ من شيعته من المؤمنين والمسلمين، أمّا بعد، فحيّهلا، فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، ثمّ العجل العجل، والسلام».

* إرسال الإمام ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة:

أجاب الإمام الحسين عليه السلام أهل الكوفة؛ فأرسل إليهم مسلم بن عقيل ليستخبر أوضاعهم، وبعث معه برسالةٍ لهم يقول فيها: «..وقد بعثتُ إليكم أخي وابنَ عمّي وثقتي من أهلِ بيتي، مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وقد أمرتُه أنْ يكتبَ إليّ بحالِكم ورأيِكم ورأي ذَوي الحِجى والفضل منكم..».

وأرسل الإمامُ سليمانَ بن رزين إلى البصرة، محمّلاً إيّاه الرسائل إلى رؤوس الأخماس فيها وأشرافها، يدعوهم إلى بيعته ونصرته، وممّا قاله لهم: «وأنا أدعوكم إلى كتابِ الله وسنّةِ نبيِّه، فإنّ السُّنّةَ قد أُميتَت، وإنّ البدعةَ قد أُحييت، فإنْ تَسمعوا قَولي وتُطيعوا أمري، أَهدِكم سبيلَ الرشاد».

 * مبايعة أهل الكوفة لمسلم، ثمّ خذلانهم له:

لمّا وصل مسلم إلى الكوفة نزل في دار هانئ بن عروة، فاجتمع أهلُها عنده، وبايعه خَلقٌ كثير حتّى امتلأ المسجد والسوق منهم، فكتب مسلم إلى الإمام أن يُقدم، قائلاً له: «إنّ جميع أهل الكوفة معك، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً، فعجِّل الإقبال حين تقرأ كتابي».

وفي تلك الأثناء عيّن يزيد عبيدَ الله بن زياد والياً على الكوفة، فحضر إليها قادماً من البصرة، واستطاع بدهائه أن يسيطر على الوضع في الكوفة ويستميل إليه الأشراف، الذين بادروا إلى تخذيل الناس عن مسلم بن عقيل. وفي الثامن من ذي الحجة اعتقل عبيدُ الله بن زياد هانيَ بن عروة وأودعه سجن قصره، وحاصر مسلماً الذي التجأ إلى بيت امرأة تدعى طَوعة، فوقعت بينه وبين مَن اجتمعوا عليه مبارزة وقتال، حتّى أمسكوا به وأخذوه للقصر، ثمّ قُتل وألقيت جثّته من أعلى القصر، وقُتل معه هاني وسُحبت جثّتيهما في الأسواق.

* خروج الإمام من مكّة قاصداً العراق:   

بلغ الإمام أنّ بني أميّة أرسلوا مَن يغتاله في مكّة، فأبدل حجّه إلى عمرة، وكتب لأخيه محمّد بن الحنفيّة: «يا أخي، قد خفتُ أنْ يغتالَني يزيدُ بن معاوية في الحَرَم، فأكون الذي يُستباحُ به حُرمة هذا البيت». وخرج في الثامن من ذي الحجة برفقة 82 شخصاً من أهل بيته وأنصاره متوجّهاً نحو الكوفة، وقال في ابتداء سيره: «خُطّ الموتُ على وُلدِ آدم مخطَّ القِلادةِ على جِيدِ الفتاةِ، وما أَوْلهَني إلى أسلافي اشتياقَ يعقوب إلى يوسف، وخُيِّرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه...».

* بلوغ الإمام خبر انقلاب أهل الكوفة:

في أحد المنازل في الطريق إلى الكوفة ويدعى «زبالة»، أخبر رسولٌ من أهل الكوفة الإمامَ عليه السلام باستشهاد مسلم بن عقيل، وكذلك هاني بن عروة، وقيس بن مسهّر، ثمّ وصله خبر شهادة عبد الله بن يقطر الذي كان قد أرسله الإمام عليه السلام بعد خروجه من مكّة إلى الكوفة حاملاً رسالته إلى مسلم بن عقيل. وعندما وصل خبر استشهاد أصحاب الإمام عليه السلام في الكوفة، أخبر أصحابه بذلك، وقال لهم: «قد خَذلتنا شيعتُنا، فمَن أحبَّ منكم الانصرافَ فليَنصرِف، ليس عليه منّا ذمام».

* الإمام يلتقي بطليعة الجيش الأموي:

بعد أن علم عبيد الله بن زياد بخبر توجّه الإمام الحسين عليه السلام نحو الكوفة، أرسل ألف فارس مدجّجين بالسلاح بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي ليقطعوا عليه الطريق، فيأخذوا منه البيعة أو يقاتلوه،  فخطب الإمام في جيش الحرّ وذكّرهم بما كتبوا له لِيقدِم عليهم، لكنّ الحرّ طلب من الإمام النزول على حكم يزيد، فقال له الحسين عليه السلام: «الموتُ أدنى إليكَ مِن ذلك». ثمّ قال لأصحابه: «قوموا فاركبوا»، يريد الانصراف ومتابعة طريقه نحو الكوفة، فحال الجيش بينهم وبين الانصراف، ثمّ جرى كلام طويل بين الإمام الحسين عليه السلام والحرّ، ومن ثمّ قال له الحرّ: «فإذا أبيتَ فخُذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردّك المدينة، لتكون بيني وبينك نصفاً حتّى أكتب إلى ابن زياد..».

* قافلة الإمام تصل إلى كربلاء:

وصل الإمام الحسين عليه السلام، إلى كربلاء في يوم الخميس الثاني من محرّم سنة 61 للهجرة، فأمَر بنصب الخيام فيها، وفي اليوم التالي قدِم عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس، وانضمّ إليه الحرّ بن يزيد الرياحيّ في الألف الذين معه. وأرسل ابن سعد رسولاً إلى الإمام يستفسره عن سبب مجيئه. فقال الإمام في جوابه: «كَتب إليَّ أهلُ مصركُم هذا أنْ أقدِم، فأمّا إذا كَرهوني فأنا أَنصرف عنهُم». فكتب ابن سعد إلى عبيد الله بن زياد يخبره بما جرى، فكتب إليه ابن زياد أن يطلب من الحسين عليه السلام البيعة ليزيد.

بعد ذلك حصل لقاءات بين الإمام الحسين عليه السلام، وبين عمر بن سعد، نصحه الإمام فيها بنصائح، لكن ابن سعد رفضها، ثمّ أرسل كتاباً إلى عبيد الله بن زياد يخبره برفض الحسين البيعة. فكتب ابن زياد في جواب عمر وبتوصية من الشّمر: «إنْ لم يستسلم الحسين فاقتله، وأركِض الخيلَ على صدرِه وظهره».

* توالي وصول جيش يزيد إلى كربلاء:

خطب ابن زياد في الكوفة، وعبّأ الناس لقتال الحسين عليه السلام، ثمّ جعل يُرسل العشرين رجلاً والثلاثين والخمسين إلى المائة، غدوة وضحوة ونصف النهار وعشيّة، من معسكر النخيلة يمدُّ بهم عمر بن سعد، حتّى تكامل عنده يوم السادس من المحرّم ثلاثون ألفاً ما بين فارسٍ وراجل. وفي اليوم التالي وصل الأمر من الكوفة بمنع الماء عن عسكر الإمام. فانتدب عمر بن سعد لهذه المهمّة 500 فارس، على رأسهم عمرو بن الحجّاج، وسيطروا على شريعة الفرات. ولكنّ العبّاس عليه السلام، قام ومعه بعض الأصحاب بإحضار مقدارٍ من الماء، ولكنّ الأمر صار متعذّراً بعد ذلك، فاشتدّ العطش بالحسين وأصحابه.

* ليلة اليوم العاشر:

في اليوم التاسع من المحرّم، وصل شمر بن ذي الجوشن إلى كربلاء على رأس خمسة آلاف رجلٍ، معه كتاب من ابن زياد إلى عمر بن سعد يأمره فيها بمقاتله الإمام الحسين عليه السلام، وقتله. عندها نادى عمر بن سعد: «يا خيل الله اركبي وأبشري»، فركب في الناس ثمّ زحف نحو معسكر الإمام بعد صلاة العصر، فأرسل الإمام إليه أخاه العباس يطلب أن يؤخّرهم إلى الغد ليصلّي ويناجي ربّه، فقبل ابن سعد.

ولمّا حلّ الظلام ليلة العاشر، اغتنم الإمام وأصحابه الوقت فقضوا تلك الليلة بالدعاء والمناجاة والاستغفار، فباتوا بين تالٍ للقرآن وآخر راكعٍ وساجدٍ، فكان لهم دويّ كدويّ النحل.

* يوم الفجيعة:

لمّا أصبح الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، وكان يوم الجمعة، صلّى بأصحابه صلاة الصبح، وقام خطيباً فيهم، فحمِد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنَّ الله تعالى قد أذِنَ في قتلِكُم وقتلي في هذا اليوم، فعَليكُم بالصَّبرِ والقِتالِ».

ثمّ قام بتنظيم صفوف جيشه، وكانوا 32 راكباً و40 راجلاً، فجعل زهير بن القين على ميسرة الجيش، وجعل حبيب بن مظاهر على ميمنته، وأعطى الراية لأخيه العباس، وجعل الخيام من خلفهم، وحفر من حولها خندقاً وملأه بالحطب والقصب وأشعلها، كي تكون حائلاً دون وصول أعداء الله إليها.

ثمّ تقدّم الإمام نحو القوم في نفرٍ من أصحابه، ووقف يخطب فيهم يعظهم ويذكّرهم، لكنّهم كانوا مصرّين على قتله، فلم يكن منهم إلّا أن قالوا له: «ما ندري ما تقول، ولكن انزل على حكم بني عمّك».

ثمّ إنّ عمر بن سعد وضع سهمه في كبد قوسه ورمى به نحو أصحاب الحسين عليه السلام، وقال: «اشهدوا أنّي أوّل من رمى»، فرمى أصحابه كلّهم بأجمعهم في أثره رشقة واحدة. فنادى الحسين عليه السلام في أصحابه، قائلاً لهم: «قوموا يا كِرام، هذه رُسُل القومِ إليكُم». فقام أصحاب الحسين عليه السلام، وتوجّهوا نحو الميدان ووقع قتال دامٍ بين القوم، حتّى استُشهد حوالي خمسين رجلاً منهم.

وعند زوال الشمس من ذلك اليوم العاشر، جاء أبو ثمامة الصائديّ يؤذِن الحسين عليه السلام بحلول وقت الصلاة، فقال له: «ذكرتَ الصّلاةَ جعلكَ اللهُ من المُصلّين الذّاكرين، نعم هذا أوّلُ وقتِها». وقام الحسين عليه السلام إلى الصلاة في نحو نصفٍ من أصحابه، حتّى صلّى بهم صلاة الخوف.

وبعدما أتمّ الإمام صلاته تكلّم مع أصحابه بكلامٍ موجز، وذكّرهم بانتظار الجنّة لهم واشتياق أهلها للقائهم، وقال لهم: «فَحامُوا عن دينِ الله، وذبُّوا عن حُرَمِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم». ثمّ بدأ أصحاب الحسين عليه السلام بالنزول إلى الميدان واحداً تلو الآخر، وبعد المبارزة والقتال سقطوا شهداء، وتهيّأ بنو هاشم للقتال، وكان أوّل المبارزين منهم عليّ الأكبر بن الإمام الحسين عليهما السلام، الذي نزل إلى الميدان فبارزهم ثمّ خرّ شهيداً، ومن بعده استشهد بقيّة آل هاشم، ومن جملتهم أبو الفضل العبّاس عليه السلام.

وفي تلك اللحظات الأخيرة استدعى الإمام عليه السلام طفله الرضيع، وبينما هو في حِجره، رماه أحد الأعداء ويدعى حرملة، بسهمٍ في عنقه ففار الدم منه، وعندئذٍ قال الإمام عليه السلام: «هوَّن عليَّ ما نَزَلَ بي أنّه بِعَينِ الله».

* الإمام الحسين عليه السلام صريعاً:

تقدّم الإمام عليه السلام إلى القوم مُصلتاً سيفه ودعا إلى البراز، فكان يقتل كلّ مَن برز إليه، وكان كلّما يشدّ على القوم يهربون من بين يديه، عندها صاح ابن سعد: «ويلكم أتدرون مَن تقاتلون!! هذا ابنُ الأنزع البطين، هذا ابنُ قتّال العرب، احملوا عليه من كلّ جانب».

ثمّ لم يزل، عليه السلام، يقاتل حتّى أنهكه التعب والعطش وكثرة الجراح، ووقف ليستريح، عندها رماه ملعونٌ بحجر أصابه في جبهته، فلمّا رفع الثوب ليمسح الدم رماه آخَر بسهمٍ أصابه في قلبه، ولمّا أعياه نزف الدم جلس على الأرض. قال السيّد بن طاوس في (اللهوف في قتلى الطفوف): «قال الراوي: وخرجت زينب من باب الفسطاط وهي تنادي: وا أخاهُ، وا سيِّداه، وا أهل بيتاه، ليت السّماء أَطبَقت على الأرضِ، وليتَ الجبال تَدكدَكَت على السَّهل.

قال: وصاح شِمر بأصحابه: ما تنتظرون بالرّجل. قال: وحملوا عليه من كلّ جانبٍ؛ فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى، وضرب الحسينُ عليه السلام زرعة فصرعه، وضربه آخرٌ على عاتقه المقدّس بالسيف ضربةً كبا عليه السلام بها لوجهه، وكان قد أعيا وجعل ينوء ويكبّ، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته، ثمّ انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره، ثمّ رماه سنان أيضاً بسهمٍ فوقع السهم في نحره، فسقط عليه السلام وجلس قاعداً، فنزع السهم من نحره وقرن كفّيه جميعاً، فكلّما امتلأتا من دمائه خضّب بهما رأسه ولحيته، وهو يقول: هكذا ألقى اللهَ مُخضباً بِدَمي، مغصوباً على حَقّي. فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه: انزل ويحك إلى الحسين فأرحه. قال: فبدر إليه خولي ابن يزيد الأصبحي ليحتزّ رأسه، فأرعد، فنزل إليه سنان بن أنس النخعي، فضرب بالسيف في حلقه الشريف، وهو يقول: والله إنّي لأجتزّ رأسَك وأعلمُ إنّك ابن رسول الله، وخير الناس أباً وأمّاً، ثمّ اجتز رأسه المقدّس المعظّم».

ثمّ نادى عمر بن سعد في أصحابه: مَن يوطئ الخيل ظهر الحسين وصدره؟ فانتدب منهم عشرة فداسوا الإمام عليه السلام بحوافر خيلهم، حتّى رضّوا صدره وظهره.

ولمّا رأت زينب الكبرى جسد أخيها سيّد الشهداء مضمّخاً بدمائه، نادت: «يا محمّداه صلّى عليك ملائكةُ السَّماء، هذا الحسينُ بالعَراءِ، مرمّلٌ بالدِّماءِ، مقطّعُ الأعضاءِ...».

وحُمل الرأس المبارك للإمام عليه السلام إلى الكوفة، وبعد عدّة أيّام من واقعة عاشوراء، حضر الإمام زين العابدين عليه السلام إلى كربلاء، وقام بدفن جسد الإمام وسائر الأصحاب في التراب، وعاونه في ذلك قومٌ من بني أسد.