مراقبات شهر محرّم الحرام
سفينةُ الحسين في اللُّجَج أسرع
_____ إعداد: «شعائر» _____
*
«عزيزٌ عَلَيَّ أبا عبدِ الله»،
عزاءٌ أقامه رسول الله صلّى الله عليه وآله، يومَ ولادة الحسين عليه السلام، ولنا
في جدّه صلّى الله عليه وآله، أسوةٌ حسنة.
*
للتسع الأوائل من المحرّم خصوصية في الصوم والدعاء والصلاة، ولليلة العاشر منه
ويومها الأليم الأعمال الخاصّة، فلا نحرم أنفسنا من هذا الموسم العظيم، إنْ في
تقرّبنا من أهل بيت العصمة عليهم السلام، أو بالدمعة الّتي تطفئ بحاراً من الذنوب.
*
شهر محرّم شهر رسول الله صلّى الله عليه وآله بامتياز: «حسينٌ منّي وأنا مِن حُسين»، فرحم الله مَن أحيا عاشوراء، وهاجر
إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله مع الحسين عليه السلام.
قال الشيخ
جعفر التستري في (الخصائص الحسينية): «إنّ في الحسين عليه السلام خصوصيّة في
الوسيلة إلى الله تعالى اتّصف بسببها بأنّه بالخصوص بابٌ من أبواب الجنّة، وسفينة
للنجاة، ومصباحٌ للهدى. فالنبيّ والأئمّة عليهم السلام كلّهم أبواب الجنان؛ لكنّ
باب الحسين أوسع. وكلّهم سُفن النجاة، لكنّ سفينة الحسين مجراها في اللّجج الغامرة
أسرع، ومرساها على السواحل المُنجية أيسر. وكلّهم مصابيح الهدى؛ لكنّ الاستضاءة
بنور الحسين أكثر وأوسع. وكلّهم كهوف حصينة؛ لكنّ منهاج كهف الحسين أسمح وأسهل.
هلمّوا
إلى هذه الأبواب الحسينية فـ ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ﴾ الحجر:46، وإلى مرساة السفينة الحسينية فـ
﴿..ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ
رَحِيمٌ﴾ هود:41.
ولتكتحل
أعينكم بنور الحسين عليه السلام، الناظر إليكم، ثمّ ازدادوا شوقاً، وصمّموا العزم
على ذلك».
الليلة الأولى
* حول
مراقبات الليلة الأولى، يقول السيّد ابن طاوس في (إقبال الأعمال): «وفي هذه العشر
[عشر محرّم الأولى] كان أكثر اجتماع الأعداء على قتل ذرِّيّة سيِّد الأنبياء صلوات
الله عليه وآله، والتّهجُّم بذلك على كَسْر حُرمة الله جلَّ جلالُه، وكَسْر حُرمة
رسوله عليه السلام، صاحبِ النِّعم الباطنة والظَّاهرة، وكسر حرمة الإسلام
والمسلمين ".." فينبغي مِن أوَّل ليلة من هذا الشَّهر أن يظهر على
الوجوه والحركات والسَّكَنات شعار آداب أهل المصائب المعظَّمات في كلِّ ما يتقلَّب
الإنسان فيه، وأن يَقصد الإنسان بذلك إظهار المُوالاة لأولياء الله، والمُعاداة
لأعاديه».
* صلوات الليلة
الأولى: انظر باب: «كتاباً موقوتاً» من هذا
العدد.
اليوم الأوّل: يَحزنون لِحزنِنا
* في أوّل أيام
المحرّم على الموالي أن يستشعر الحزن في قلبه، إذ أنّه من علامات الإيمان، حيث
يقول الشيخ جعفر التستري في (الأيام الحسينية) ما ملخّصه: «إذا وجدْتَ قلبَك يعتصر
في هذا اليوم ويستولي عليك البكاء، من دون أن يطرقَ سمعَك شيءٌ، فَلَكَ البُشرى
إذاً، فهذه علامةُ
الإيمان.
إنّ حقيقة الإيمان لا
تحصلُ إلّا نادراً، وعلامةُ حصول الحقيقة هي هذا الحزن وهذا الشّجَن. وهذه علامةٌ –
إنْ وُجِدت – تدلّ على فوزنا بمرتبة (الذّوبان) في الولاية، ونكون عندها مصداق قول
المعصوم عليه السلام: (شيعَتُنا خُلِقوا مِنْ فاضِلِ طينَتِنا، وَعُجِنوا
بِماءِ وِلايَتِنا)، ويكون قلبُك قد اتّخذَ طريقاً إلى الأئمّة عليهم السّلام،
إذ اليوم هو أوّلُ أيّام أحزانهم».
* وفي (مصباح
المتهجّد) للشيخ الطوسي تأكيدُ استحباب صيامِ الأيّام
التّسعة من أوّل محرّم، وفي اليوم العاشر يُمسِك عن الطّعام والشّراب إلى بعد
العصر، ثمّ يفطر بقليلٍ من تربة الحسين عليه السّلام.
وروى السّيّد ابن طاوس
فضلاً لصوم شهر المحرّم كلّه، وأنّه يعصمُ صائمَه من كلِّ سيِّئة.
اليوم الثالث: تيسير
الصعب
اليوم الثّالث يومٌ مبارَك، فيه كان خلاص
يوسف عليه السلام من الجُبِّ، فمَن صامه يَسَّرَ الله له الصَّعب وفَرَّج عنه
الكَرب. رُوِي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: «مَنْ صامَ اليومَ الثّالثَ من
المحرّم استُجيبتْ دعوتُه».
اليوم التّاسع: بِأَبِي المُستَضْعَفُ الغَريب!
* عن الإمام الصّادق عليه السلام: «تَاسوعاء
يومُ حُوصِر فيه الحسين عليه السلام وأصحابُه بكربَلاء، واجتمع عليه خَيلُ أهل
الشّام وأناخوا عليه، وفَرِحَ ابنُ مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخَيل وكَثرتها،
واستَضْعفوا فيه الحسين عليه السلام وأصحابَه، وأيقنوا أنّه لا يأتي الحسينَ عليه
السلام ناصرٌ ولا يمدُّه أهلُ العراق».
ثمّ قال عليه السلام: «بأبي
المُستضعَفُ الغريب»!
* ومن
مستحبّات اليوم التاسع الصوم، كما روى السيّد ابن طاوس في (الإقبال) عن ابن عبّاس،
قال: إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد، فإذا أصبحتَ من تاسعِه فَأَصبِحْ صائماً.
قال
الرّاوي: قلتُ: كذلكَ كانَ يصومُ محمّدٌ صلّى الله عليه وآله؟
قال ابن
عبّاس: نعم.
ليلة عاشوراء: إحياؤها بالعبادة
تأَسّياً بسيّد الشهداء عليه السلام
هي ليلة
المواساة لأهل البيت عليهم السلام، ومن آدابها ما أورده السيّد ابن طاوس في
(الإقبال)، قال: «هذه اللّيلة أحياها مولانا الحسين صلوات الله عليه
وأصحابه بالصّلوات والدّعوات، وقد أحاط بهم الزنادقة، ليَستبيحوا منهم النّفوسَ
المُعظّمات، وينتهكوا منهم الحُرمات، ويسبوا نساءهم المصونات.
فينبغي
لِمن أدرك هذه اللّيلة، أن يكون مواسياً لبقايا أهل آية المباهلة وآية التّطهير،
في ما كانوا عليه في ذلك المقام الكبير، وعلى قدم الغضب لله جلَّ جلاله ورسوله
صلوات الله عليه، والموافقة لهما في ما جرت الحال عليه، ويتقرّب إلى الله جلّ
جلاله بالإخلاص، من موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه».
ومن أعمال هذه اللّيلة:
1)
الإحياء:
رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن أحيا ليلة عاشوراء فكأنّما عَبَدَ
الله عبادةَ جميع الملائكة، وأَجرُ العامل فيها كأجرِ سبعين سنة».
وفي (المراقبات) للملكي
التبريزي: «..ثمّ إنّه يتأكَّد البيتوتة ليلة العاشر عند قبر الإمام الحسين عليه
السلام، فَمن (زاره وبات عند قبره ليلة العاشورا حتّى يُصبح حشرَه الله
ملطَّخاً بدم الحسين عليه الصلاة والسّلام..»، كما في الرّواية عن الإمام
الصادق عليه السلام.
2) الصّلاة: ثلاث صلوات مرويّة عن النّبيّ صلّى الله
عليه وآله في ليلة العاشر. [انظر: «كتاباً
موقوتاً» من هذا العدد]
اليوم العاشر: إقامةُ سُنَن المصائب
* من
آداب يوم العاشر من المحرّم ما ذكره الشيخ المفيد في (مسارّ الشيعة)، قال:
«جاءت الرواية عن الصادقين عليهم السلام باجتناب الملاذّ، وإقامة سُنن المصائب،
والإمساك عن الطعام والشراب إلى أن تزول الشمس، والتغذّي بعد ذلك بما يتغذّى به
أصحاب أهل المصائب، كالألبان وما أشبهها دون اللذيذ من الطعام والشراب.
* ويستحبّ
فيه زيارة المشاهد، والإكثار فيها من الصلاة على محمّد وآله عليهم السلام،
والابتهال إلى الله تعالى باللعنة على أعدائهم.
* ورُوي
أنّ مَن زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء فكأنّما زار الله تعالى في عرشه.
".."
* وروي
أنّ مَنْ زارَه في هذا اليوم؛ غفر اللهُ له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
* وروي: مَن
أراد أن يقضيَ حقّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وحقّ أمير المؤمنين وفاطمة
والحسن عليهم السلام، فليَزُرِ الحسينَ عليه السلام في يوم عاشوراء».
أعمال يوم عاشوراء
1) زيارة الحسين عليه السّلام: عن الإمام الباقر عليه
السّلام، قال: «مَنْ زَارَ
الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِما السَّلامُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنَ المُحَرَّمِ
حَتَّى يَظَلَّ عِنْدَهُ بَاكِياً، لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ يَلْقَاهُ بِثَوَابِ
ألْفَيْ حِجَّةٍ وألفَيْ عُمَرْةٍ
وَأَلْفَيْ غَزْوَةٍ..».
2) زيارة عاشوراء: قال الإمام الباقر عليه السّلام: «إنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَزُورَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِهَذِهِ
الزِّيارَةِ مِنْ دارِكَ فَافْعَلْ..».
3) قراءة (التَّوحيد) ألف مرّة في هذا اليوم، ورُوي
أنَّ الله تعالى ينظر إلى مَن قَرأها نظر الرّحمة.
4) أن يقول ألف مرّة: «اللَّهُمَّ الْعَنْ
قَتَلَةَ الحُسَيْنِ عليه السّلام».
5) قراءة زيارة وارث [أنظر: مفاتيح
الجنان، أعمال اليوم العاشر من محرّم]
6) صلاة من أربع
ركعات بكيفيّةٍ خاصّة، يليها دعاءٌ. أوردها الشّيخ الطّوسيّ في
(مصباح المتهجّد) برواية عبد الله بن سنان عن الإمام الصّادق عليه السلام، ذاكراً في آخرها
جزيلَ ثوابها. [انظر: باب بصائر من العدد 68 من شعائر]
زيارة عاشوراء: لا توازيها طاعةٌ من الطاعات
عن صالح
بن عقبة، عن أبيه، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «مَنْ زَارَ الحُسَيْنَ
بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنَ المُحَرَّمِ حَتَّى
يَظَلَّ عِنْدَهُ بَاكِياً، لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ يَلْقَاهُ
بِثَوَابِ ألْفَيْ حِجَّةٍ، وَألْفَيْ عُمْرَةٍ، وَألْفَيْ غَزْوَةٍ، ثَوَابُ
كُلِّ حِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَغَزْوَةٍ كَثَوَابِ مَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ وَغَزَا
مَعَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّم، وَمَعَ الْأئِمَّةِ
الرَّاشِدِين عليهم السلام.
قَالَ
الراوي: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَا لِمَنْ كَانَ فِي بَعِيْدِ الْبِلَادِ
وَأقَاصِيهَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ المَصِيرُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؟
قَالَ
عَلَيهِ السَّلامُ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ:
- بَرَزَ
إلَى الصَّحْرَاءِ أوْ صَعِدَ سَطْحاً مُرْتَفِعاً فِي دَارِهِ، وَأوْمَا الَيْهِ
بِالسَّلَامَ.
- وَاجْتَهَدَ
فِي الدُّعَاءِ عَلَى قَاتِلِيْهِ.
- وَصَلَّى
مِنْ بَعْدُ رَكْعَتَيْنِ.
- وَلْيَكُنْ
ذَلِكَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَبْلَ أنْ تَزُولَ الشَّمْسُ.
- ثُمَّ
لْيَنْدُبِ الحُسَيْنَ عليه السلام، وَيَبْكِيهِ وَيَأمُرُ مَنْ فِي دَارِهِ
مِمَّنْ لَا يَتَقِيهِ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ.
- وَيُقِيمُ
فِي دَارِهِ المُصِيْبَةَ بِاظْهَارِ الجَزَعِ عَلَيْهِ.
- وَليُعَزِّ
بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِمُصَابِهِمْ بِالحُسَيْنِ عليه السلام. وَأنَا الضَّامِنُ
لَهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعَ ذَلِكَ.
قُلْتُ:
جُعِلْتُ فِدَاكَ، أنْتَ الضَّامِنُ ذَلِكَ لَهُمْ وَالزَّعِيمُ؟
قَالَ:
أنَا الضَّامِنُ وَأنَا الزَّعِيمُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِك».
* وحول فضل زيارة عاشوراء وآدابها، يقول الفاضل المازندراني في كتابه (شرح
زياة عاشوراء): «لمّا كَانت هذِهِ الزّيارة الشّريفة قَد وُعِد عليها أجرٌ عظيمٌ،
وثوابٌ جسيمٌ، فصارت بحيث لا توازيها طاعةٌ من الطّاعات، ولا تُدانيها قربةٌ من
القربات، فلا بدّ من الاهتمام في المحافظة على شروطِها وقيودها المُعتبرة أو
المحتملة، لِئلَا يَفوت ذلك الثّوابُ بِفوتِ قيدٍ مِن القُيودِ، وإن كَان العملُ
الفاقد لذلك القيدِ أيضاً عملاً من الأعمالِ المَندُوبة، وزيارةً مِن الزِّياراتِ
المُطلقة مُوجِبةً للأجرِ والثَّواب، لَكِن لَا ذلِك الثَّواب الموعود، بَل
أجَرَاً مَا، وَثَواباً مَا..».
اليوم الخامس والعشرون: شهادةُ الإمام زين العابدين عليه السلام
* أيُّ
سرٍّ في سيّد الساجدين المحمّديين، فإذا هو المُدّخر لوراثة وارثِ النبيّين؟
يتجلّى بعض الجواب في ما رواه أئمّة الحديث عن سرّ النّبوّات والخلق أجمعين حول
هذا المشهد من مشاهد القيامة: «إذا كانَ يومُ القيامة، يُنادَى: أين زينُ
العابدين؟ فكأنّي أنظرُ إلى ولدي عليّ بن الحسين بن أبي طالب، يَخْطُر بين
الصُّفوف».
* في هذا
اليوم من سنة 95 هجريّة كانت شهادة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما
السلام، وينبغي في هذا اليوم زيارته عليه السلام بقراءة «الزيارة الجامعة» أو
زيارة «أمين الله»، وغيرهما من زيارات المعصومين عليهم السلام.