وقتُ
طلوع الشّمس ومَغيبها
ساعتا الذِّكر من الغَفلة
ـــــــــــــــــــــــــــ
العلّامة المجلسيّ رحمه الله ـــــــــــــــــــــــــــ
رُوي
عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: «إِنَّ إِبْلِيسَ، عَلَيْه
لَعَائِنُ اللهِ، يَبُثُّ جُنُودَ اللَّيْلِ مِنْ حَيْثُ تَغِيبُ الشَّمْسُ
وتَطْلُعُ، فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ الله، عَزَّ وجَلَّ، فِي هَاتَيْنِ السَّاعَتَيْنِ
وتَعَوَّذُوا بِالله مِنْ شَرِّ إِبْلِيسَ وجُنُودِه، وعَوِّذُوا صِغَارَكُمْ فِي
تِلْكَ السَّاعَتَيْنِ؛ فَإِنَّهُمَا سَاعَتَا غَفْلَةٍ».
النصّ
الآتي مختصر عن تعليق العلامة المجلسي على هذا الحديث الشريف من شرحه على (الكافي)،
(مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ص 221- 223).
اعلم
أنّ الآيات المتكاثرة، والأخبار المتواترة، تدلّ على فضل الدعاء والذّكر، ولا سيّما
التهليل في هذين الوقتين، وكثيرٌ منها ظاهرها الوجوب، وإن لم يقل به صريحاً أحدٌ،
وفيه عِللٌ كثيرة:
الأولى:
شكرُ النِّعم التي مضت على الإنسان في اليوم الماضي، أو الليلة الماضية..
الثانية:
أنّه يستقبل يوماً أو ليلة يُمكن نزول البلايا والطوارق فيه، ويمكن أن يحصل له فيه
أنواع الفوائد الدنيويّة والأخرويّة، وأضدادها من البلايا والآفات، وهذان الوقتان
من أوقات التقديرات كما دلّت عليه الروايات، فلا بدّ له من تمهيد ما يستجلب له
الخيرات ويدفع عنه الآفات.
الثالثة:
أنّ في هذين الوقتين الفراغ للعبادة والذكر والدعاء أكثر من سائر الأوقات؛ ففي
الصباح لم يشتغل بأعمال اليوم، وفي المساء قد فرغ منها، ولم يشتغل بعدُ بأعمال اللّيل.
الرابعة:
أنّ فيهما تظهر قدرة الله الجليلة من إذهاب الليل والإتيان بالنهار، وبالعكس، مع
ما فيهما من المنافع العظيمة الدالّة على كمال حكمته ولطفه بعباده، فيستحقّ بذلك
ثناءً طريفاً وشكراً جديداً.
الخامسة:
أنّه يظهر في الوقتين ظهوراً بيّناً أنّ جميع الممكنات في معرض التغيُّر والتبدّل
والفناء، وأنّها مسخّرة لإرادة ربّ الأرض والسماء، وهو، سبحانه، باقٍ على حالٍ لا
يعتريه الزوال، فيتنبّه العارف المترقّي إلى درجة اليقين أنّه سبحانه المستحقّ
للتسبيح، والتهليل، والتحميد، والتمجيد.
السادسة:
أنّ في هاتين الساعتين تنادي جميع المخلوقات في الأرضين والسماوات، أنّها مخلوقة
مربوبة، مفتقرة إلى صانعٍ حكيم، منزَّهٍ عن صفات الحدوث والإمكان، وسِمات العجز
والنقصان، كما قال سبحانه: ﴿..وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..﴾ الإسراء:44.
فلمّا سمع العارفُ تسبيحهم بسمع اليقين والإيمان، ينبغي أن يوافقهم ويرافقهم
بالقلب واللّسان في ذلك.
السابعة:
أنّه ينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه كلّ يومٍ، بل كلّ ساعة، قبل أن يُحاسَب في
القيامة، كما ورد عنهم عليهم السلام: «حاسِبوا أنفُسَكُم قبلَ أنْ تُحاسَبوا،
وزِنُوها قبلَ أنْ توزَنوا»، لا سيّما في هذين الوقتين اللّذيْن هما وقتا صعود
ملائكة الليل والنهار، فعند المساء ينبغي أن ينظر ويتفكّر في ما عمل به في اليوم وساعاته،
فيستغفر ربّه ويحمده ويمجّده استدراكاً لما فات منه من الحسنات، واستمحاءً لما أثبت
في دفاتر أعماله من السيئات، وفي الصبح يتفكّر لما جرى في ليله من الغفلات وفات منه
من الطاعات، فتيلافى ذلك بالذكر والدعاء والاستغفار، ويتوب إلى ربّه المطَّلع على الخفايا
والأسرار.