فكر و نظر

فكر و نظر

منذ يوم

في معنى التواتر والأقوال فيه

لا يُشترط فيه العدد

في معنى التواتر والأقوال فيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــ السيّد علي عاشور العامليّ ـــــــــــــــــــــــــــــــ


في هذه المقالة المختصرة عن كتاب (الولاية التكوينيّة لآل محمّدٍ عليهم السلام، ص 13 -22) للعلّامة السيّد علي عاشور العامليّ، إطلالة على معنى «التواتر» في عُرف الفقهاء والمُحدّثين وعلماء الرجال، وطريق إثباته، ومناقشة جملة من العناوين المرتبطة به كوحدة القضيّة المخبَر عنها، وطبيعة العلم المتحصّل من طريق التواتر.

«شعائر»

 

الصحيح في ثبوت التواتر هو القطع بصدور القضيّة، ولو بانضمام القرائن، لأنّ المهمّ حصول العلم بتراكم الظنون. فمتى كان، صحّت القضيّة وثبت التواتر، وإن كان بانضمام القرائن.

قال الكتّاني في (نظم المتناثر): «المتبادر من كلامهم، وصرّح به غير واحدٍ، اشتراط إفادته له بنفسه، أو بقرائن لازمة له».

وقال بعد ذكر شروطه: «والصفات العليّة في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه..».

ويراد بالقرائن: التي لو وجدت لم يوجد العلم، والتي لا تعتبر سبباً مستقلاًّ لحصوله. نعم، قد تساعد عليه بإفادة الظنّ، ويبقى حصول العلم ناتجاً من تراكم الظنون للكثرة. وهي:

- إمّا قرائن راجعة للمخبِر (المتكلّم) ككونه ثقةً صدوقاً ورعاً.

- وإمّا للمخبَر (السامع) ككونه فطناً.

- وإمّا للمخبَر عنه (الواقعة) ككونها جليّة.

أمّا القرائن التي هي بنفسها توجد العلم واليقين، بلا الكثرة، فمخلّة بالتواتر.

كما لا يُشترط في التواتر صحّة الرواية واعتبارها، بل ولا ثقة الرواة، إذ المهمّ تراكم الظنون.

- قال الشهيد الأوّل في (شرح البداية): «التواتر هو: ما بلغت رواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادةُ تواطؤهم على الكذب، واستمرّ ذلك في الطبقات حيث تتعدّد؛ فيكون أوّله كآخره، ووسطه كطرفَيه، ولا ينحصر ذلك في عددٍ خاصّ.

وشرط العلم به:

- انتفاؤه اضطراراً عن السامع.

- وأن لا تسبق شبهةٌ إلى السامع، أو تقليدٌ ينافي موجب خبره.

- واستناد المخبرين إلى إحساس».

ونحوه عن السيّد الداماد في (الرواشح السماويّة).

* ومرادهم بالعادة: إمّا الملازمة العاديّة، وهي حصول القطع غالباً لكل إنسانٍ عاديّ لو توفّر لديه هذا العدد من الروايات، أمّا غير العادي فلا اعتبار به؛ كالمتلبّس بالشبهات أو صاحب الأغراض النفسيّة.

* وأمّا الاستحالة العاديّة، وهي عدم التخلّف عادةً في صدق القضيّة، كالطيران في الهواء، فهو ممتنع عادة وإن كان ممكناً عقلاً، وهذا بخلاف الاستحالة العقليّة كاجتماع النقيضَين.

* ومرادهم بانتفائه عن السامع: أن لا يكون لدى السامع علم بالقضيّة، إذ لو حصل لكان تحصيلاً للحاصل، ولما زاده التواتر علماً.

* ومرادهم بعدم الشبهة: أن لا يكون عند السامع اعتقاد العدم، إذ لو حصل لكان نفيه للقضيّة ليس من باب بطلان التواتر، بل لليقين المخالف والمعتقدات المنحرفة المسيطرة على مشاعره الحاصلة عنده قبل انعقاد التواتر.

- قال الإمام النسفيّ، كما في (شرح العقائد النسفيّة) للتفتازاني: «الخبر الصادق على نوعين: أحدهما: الخبر المتواتر؛ وهو الخبر الثابت على ألسنة قومٍ لا يتصوّر تواطؤهم على الكذب، وهو موجبٌ للعلم الضروري، كالعلم بالملوك الخالية في الأزمنة الماضية والبلدان النائية.

والنوع الثاني: خبر الرسول المؤيَّد بالمعجزة، وهو يوجب العلم الاستدلاليّ».

- وقال الحافظ ابن قدامة في (إثبات صفات العلو لله): «ليس من شرط التواتر الذي يحصل به اليقين أن يوجد التواتر في جزءٍ واحد، بل متى نقلت أخبار كثيرة في معنى واحد من طرق يصدّق بعضها بعضاً، ولم يأتِ ما يكذبّها أو يقدح فيها، حتّى استقرّ ذلك في القلوب واستيقنتها، فقد حصل التواتر وثبت القطع واليقين، فإنّا نتيقّن وجود حاتم وإن كان لم يرد به خبر واحد مرضيّ الإسناد...».

 

 

من شروط «التّواتُر»

- قال النوويّ في (زاد المسلم): «والعدد المُعيّن لا يشترط في التواتر، بل ما أفاد العلم كافٍ، والصفات العليّة في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه».

وقال في (قواعد التحديث): «لا يشترط في المخبرين به الإسلام».

- قال المحقّق القمّيّ في (القوانين): «... والحقّ أنّه لا يشترط فيه عدد معيّن، وهو مختار الأكثرين، فالمعيار هو ما حصل العلم بسبب كثرتهم، وهو يختلف باختلاف الموارد، فربّ عدد يوجب القطع في موضع دون الآخر».

على أنّه لو كان يشترط عدد مُعيّن لوجب الالتزام به، ولما كان للأعداد الأخرى وللخصوصيّات والصفات أثر، وهو خلاف الوجدان.

على أنّ العلماء من الناحية العمليّة لا يلتزمون بعددٍ معيّن كما هو معروف، بل يلاحظون القضيّة وموافقتها للكتاب والسُّنّة، وعدم مخالفتها للأصول المعتبرة والقضايا المسلّمة.

- وقال القاضي عيّاض في إثبات تواتر حنين الجذع لرسول الله صلّى الله عليه وآله: «وبدون هذا العدد يقع العلم لمن اعتنى بهذا الباب. والله المثبّت على الصواب».


حصول العلم من التواتر ونوعه

- قال المحقّق الحلّيّ: «وتحقيقه: إنّا إذا سمعنا بخبرٍ عن واحد فقد أفادنا ظنّاً، ثمّ كلّما تكرّر الإخبار بذلك قوي الظنّ حتى يصير الاعتقاد علماً». ونحوه عن الشيخين النراقيّ والنائينيّ.

وقال: «الحقّ أنّ الخبر المتواتر يفيد العلم الضروريّ، لأن جزمنا بوقوع الحوادث العظام، كوجود محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وكحصول البلدان الكبار، لا يقصر عن العلم بأنّ الكل أعظم من الجزء وغيره من الأوّليات، وهو حاصل للعوامّ ومن لم يمارس الاستدلال ولا يقبل التشكيك». ونحوه عن صاحب (الجواهر).

- وقال السيّد الداماد: «وهو لا محالة يعطي العلم البتيّ بمفاده».

* فيتبيّن أنّ حجّيّة التواتر ناشئة من تراكم الظنون في الأخبار حتّى يتكوّن القطع، وأنّه الاعتقاد المطابق للواقع، والذي حجّيته عقليّة بحكم العقل لا تُسلب عنه ولا تنفكّ، بخلاف الاطمئنان فهو علمٌ حكماً لا حقيقةً، وحجيّته عقلائيّة لإمكان سلبها عنه.

 

اختلاف الرواة وتحديد الطرق

ومن الأمور المهمّة في بحث التواتر هو عدم اتّحاد الرواة والسند ولو بفردٍ واحد. وهذا الاتّحاد قد يكون بالراوي الأوّل، أو بصاحب الكتاب الراوي، وقد يكون في وسط السلسلة، وقد يكون في الراوي الأخير الذي ينقل عن الإمام أو النبي صلّى الله عليه وآله. وما بين ذلك يرجع إلى واحد منهم.

وحدة القضيّة

ومن الأمور المرتبطة بالتواتر وحدة القضيّة، فلو كان في بعض الروايات إضافة إلى القضيّة التي يراد إثبات تواترها أمراً زائداً عنها، فهل يحكَم أيضاً بتواتر هذه القضيّة الجديدة، كما حُكم بتواتر القضيّة الأولى، أم تكون خارجة عن حدّ التواتر في مجموع الروايات؟ وعلى الثاني هل يُحكم بصحّتها أم لا؟

الصحيح عدم تواتر القضيّة الثانية، لأنّ الظنّ المتراكم دلّ على القضيّة الأولى.

وأما صحة القضية الثانية: فهو مرتبطٌ بنتيجة التواتر، فهل التواتر يُثبت القضية الأولى فقط... أم أن التواتر يُثبت إضافة إلى ذلك صحّة كلّ رواية رواية؟

ومن الواضح أن الرواية الواحدة قبل ثبوت التواتر لا يُحكَم بصحّتها (وبغضّ النظر عن المرجّحات الأخرى)، بل يظنّ بصحّتها بنسبة 10 بالمائة [إذا كان التواتر الحاصل على القضية بعشر روايات مثلاً]، وهكذا بقية الروايات، فيتراكم الظنّ ليصبح يقيناً، إلا إذا حُفّت بقرائن داخلية أو خارجية فبحسبها.

أما بعد حصول التواتر فهل تبقى النسبة 10 بالمائة أم تزداد؟

والذي يحكم به النظر الصحيح هو زيادة نسبة صحّة كلّ رواية بعد التواتر، ومن البعيد أن يلتزم ببقاء نفس النسبة وأن التواتر لا يؤثّر عليها بشيء.

إن قيل: التأثير لو سَلِم فيرجع لسلسلة السند والراوي؟

قلنا: لو سَلِم، فإنه يؤدّي إلى التأثير على المضمون. ولا نستطيع فصل التواتر عن الرواية ورواتها، ذلك أن تراكم الظنون سببه هو الظنّ الحاصل بصحّة كلّ قضية؛ والذي هو ناتجٌ عن رواية الرواة للقضية.

وإن أبيتم، فأن نلتزم بكون التواتر، لا أقلّ، قرينة فيزيد في نسبة صحّتها، أو يزيد في دقّة الراوي، لأن بعض أخباره قد ثبتت بالتواتر.

نعم، قد لا يحكم بصحّتها لمجرّد ذلك، ولكن إذا تكرّر ذلك في أكثر من رواية، أو حُفّت القضية الثانية بقرائن فإن للصحّة وجهاً وجيهاً...

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات