خُلِق
من عظَمة جلال الله
هتكُ حرمة المؤمن من الكبائر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهيد المحراب السيّد عبد الحسين دستغيب * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اهتمّ الإسلام بنحوٍ
بالغ بشأن المؤمن وشرفه، وجعل حُرمتَه أعلى من كلّ الحُرمات، وهتْكَ حرمته من
كبائرِ الذنوب وبمنزلة سفك دمه، حتّى أنّ الله تعالى ربط المؤمن بنفسه في قوله تعالى:
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا..﴾ البقرة:257.
وكان الله ناصرَه وعونه،
كما في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا..﴾ محمد:11.
وأوجب على نفسه، تبارك
وتعالى، نصرة المؤمن: ﴿..وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الروم:47.
وقرنَ عزّته بعزّة الله
ورسوله: ﴿..وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ..﴾ المنافقون:8.
وأمر أشرف مخلوقاته، وهو
خاتم الأنبياء صلّى الله عليه وآله، بالتواضع للمؤمنين، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ
جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الشعراء:215.
إنّ انتسابَ المؤمن
وارتباطه بالله تعالى ظاهرٌ، وبديهيّ أنّ هَتْكَ حُرمة مَن يرتبط بعظيمٍ هو هتكٌ
لحرمة ذلك العظيم، كما في الحديث النبويّ الشريف: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ المُؤْمِنَ
مِنْ عَظَمَةِ جَلالِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَمَنْ طَعَنَ عَلَيْهِ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ
قَوْلَهُ فَقَدْ رَدَّ عَلى اللهِ».
ومن هنا يُعلم كم هو ذنبٌ
عظيم هتكُ حرمة المؤمن، ونذكر بعضاً من مصاديق هذا الذنب:
الاستهزاء
والسخرية
وهو بيان الغير أو عمله أو
وصفه أو خلقته بنحوٍ يُضحِك الآخرين، سواء كان ذلك بالقول أو بالعمل، بالإيحاء والإشارة
أو الكناية. ولا شبهة في أنّ ذلك من الكبائر، حيث جاء الوعيد عليه بالعذاب في
القرآن المجيد والروايات المستفيضة.
وجزاء هؤلاء المستهزئين
بالمؤمنين أمران: أحدهما أن يسخر الله منهم، والآخر العذاب
الأليم.
إنّ الله، تعالى، يُمهل
هؤلاء المستهزئين في الدنيا ويجعلهم في نعمة ورفاه، وحين يصلون إلى غاية الطغيان يُهلكهم
فجأة. والسخرية في هذا الأمر ناشئة من أنّ المهلة والرفاه ظاهرة، ولكنّه في
الحقيقة استدراج وهلَكة.
وأمّا في الآخرة: ﴿فَالْيَوْمَ
الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ المطففين:34.
قال تعالى في سورة (الحجرات):
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا
خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ
وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ..﴾ الآية:11.
وفي بعض التفاسير أن هذه
الآية نزلت في بعض نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله، لمّا سَخِرتا من أمّ المؤمنين
أمّ سلَمة، ورُوي أيضاً أنّهما سخرتا من صفيّة بنت حُيَي، يُعيّرانها بأبيها
الكافر، فأنزل الله تعالى: ﴿..ولا تَلمِزوا أنْفُسَكُم ولا تَنابَزوا بألألقابِ..﴾.
السبّ
والاحتقار
وهو نسبة الأمور القبيحة
إلى المؤمن ونداؤه بكلمات نابية، وفي اصطلاح الفقهاء يقال عن نسبة الزنا إليه أو
القول بأنّه ولد حرام «قذف»، ويُقال لباقي النسب القبيحة «سبٌّ» مثل: مرابي، ملعون،
خائن، فاسق، وأمثال ذلك ممّا يتضمّن الإهانة، والتحقير للمخاطب.
يقول الرسول الأكرم صلّى
الله عليه وآله :«سابُّ المُؤْمِنِ كَالمُشْرِفِ عَلى الهَلَكَةِ»،
ولعلّ المراد أنّ سبّ المؤمن اقتراب نحو الكفر والخروج من الدين، ذلك لأنّ عاقبة
الإصرار على الكبائر هي الكفر.
وهكذا قال صلّى الله
عليه وآله: «سِبابُ المُؤْمِنِ فُسوقٌ، وَقِتالُهُ كُفْرٌ، وَأَكْلُ لَحْمِهِ مَعْصِيَةٌ،
وَحُرْمَةُ مالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ».
وعن الإمام الباقر عليه
السلام أنّه قال: «ما مِنْ إِنْسانٍ يَطْعُنُ في عَيْنِ مُؤْمِنٍ إِلّا ماتَ بِشَرِّ
ميتَةٍ، وَكانَ قَمِنَاً – أي جديراً ومستحقّاً - أَلّا يَرْجِعَ إِلى خَيْرٍ».
وعن الإمام الصادق عليه
السلام: «مَنِ اسْتَذَلَّ مُؤْمِناً وَاسْتَحْقَرَهُ لِقِلَّةِ ذاتِ يَدِهِ وَلِفَقْرِهِ،
شَهَّرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى رُؤوسِ الخَلائِقِ».
تعنيف
المؤمن وذمُّه
عن الإمام الباقر عليه
السلام: «أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ إِلى الكُفْرِ أَنْ يُواخِيَ الرَّجُلَ عَلى
الدّينِ، فَيُحْصِيَ عَلَيْهِ عَثَراتِهِ وَزَلّاتِهِ لِيُعَنِّفَهُ بِها يَوْماً
مَا».
وعن الإمام الصادق عليه
السلام: «مَنْ أَنـَّبَ مُؤْمِناً أَنَّبَهُ اللهُ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ».
ولا يخفى أنَّ حُرمة
تعنيف المؤمن لا تتنافى مع النّهي عن المنكر، حيث إنّ النهي عن المنكر نصيحة،
وشفقة، وطلب الخير، وذلك غير التوبيخ والتعنيف.
قال الإمام الصادق عليه
السلام» :مَنْ
رَوى عَلى مُؤْمِنٍ رِوايَةً يُريدُ بِها شَيْنَهُ وَهَدْمَ مُرُوَّتَهُ لِيُسْقِطَهُ
مِنْ أَعْيُنِ النّاسِ، أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ وِلايَتِهِ إِلى وِلايَةِ الشَّيْطانِ،
فَلا يَقْبَلُهُ الشَّيْطانُ».
قال العلّامة المجلسيّ
في شرح هذا الحديث: «.. (مَنْ رَوى عَلى مُؤْمِنٍ..): بأن ينقل عنه كلاماً يدلّ على ضعف عقله وسخافة
رأيه... ويحتمل شموله لرواية الفعل أيضاً».
وقال في معنى (أخرجَه
اللهُ من ولايته..): «المراد المحبّة والنصرة، فيقطع الله عنه محبّته ونصرته
ويكله إلى الشيطان. وعدم قبول الشيطان له – كما في آخر الرواية - لأنّه ليس غرضه
من إضلال بني آدم كثرة الأتباع والمحبّين فيودّهم وينصرهم إذا تابعوه، بل مقصوده
إهلاكهم وجعلهم مستوجبين للعذاب؛ وذلك للعدواة القديمة بينه وبين أبيهم، فإذا حصل
غرضه منهم يتركهم، ويشمت بهم، ولا يُعينهم في شيء».
هجاء
المؤمن بالشعر أو النثر
يقول الشيخ الأنصاريّ
عليه الرحمة في (كتاب المكاسب): «هجاء المؤمن حرامٌ بالأدلّة الأربعة، لأنّه همزٌ
ولَمْز، وأكل اللّحم، وتعيير، وإذاعة سرّ، وكلّ ذلك كبيرة موبقة... ولا فرق في
المؤمن بين الفاسق وغيره.
وأمّا الخبر: (مَحِّصُوا
ذُنوبَكُمْ بِذِكْرِ الفاسِقينَ)، فالمراد به الخارجون عن الإيمان أو
المتجاهرون بالفسق. واحتُرز بالمؤمن عن المخالف [أي لنّاصبي]؛ فإنّه يجوز هَجْوُهُ
لعدم احترامه، وكذا يجوز هجاء الفاسق المبدِع لئلّا يؤخَذ ببدعته».
* مختصر من كتابه
(الذنوب الكبيرة)