طُولُ اغترابي بِفَرطِ الشّوقِ أضْناني
|
والبَيْنُ في غَمَراتِ الوَجْدِ أَلْقاني
|
يا بارقاً من نواحي الحيّ عارَضَني
|
إليكَ عنّي فقد هيّجْتَ أشْجاني
|
فما رأيتُك في الآفاقِ مُعترِضاً
|
إلّا وذكّرْتَني أهلي وأوطاني
|
ولا سمعتُ شجا الورقاءِ نائحةً
|
في الأَيْكِ إلّا وشَبَّتْ منه نيراني
|
كم ليلةٍ من ليالي البَينِ بِتُّ بها
|
أرعى النّجومَ بطَرْفي وهي ترعاني
|
كأنّ أيدي خطوبِ الدّهرِ، منذ نأوا
|
عن ناظري، كَحَّلتْ بالسُّهْد أجفاني
|
ويا نسيماً سرى من حَيِّهم سَحَراً
|
في طَيّه نَشْرُ ذاك الرَّنْدِ والبَانِ
|
أحييتَ مَيتاً بأرضِ الشامِ مُهجَتُهُ
|
وفي العراقِ له تَخْييلُ جُثمانِ
|
شابتْ نواصيَّ من وَجْدي فوا أسَفِي
|
على الشبابِ فَشَيْبي قبل إبّاني
|
يا لائمي وبهذا اللومِ تُزعِجُني
|
دَعْني فَلَومُك قدْ واللهِ أغراني
|
لا يسكُنُ الوجدُ ما دامَ الشّتاتُ ولا
|
تصفو المَشاربُ لي إلّا بِلُبنانِ
|
في رَبْعِ أُنسي الذي حلّ الشّتَاتُ بهِ
|
تمائمي وبه صَحْبي وخِلّاني
|
كمْ قدْ عهدتُ بهاتيك المَعاهِدِ مِنْ
|
إخوانِ صِدقٍ لَعمْري أيّ إخوانِ
|
وكم تقضّتْ لنا بالحيّ أزْمِنَةٌ
|
على المَسَرّةِ في كَرْمٍ وبُستانِ..
|
حتّى مَ دهري على ذا الهُونِ تُمسِكُني
|
هلّا جنحْتَ لِتَسْريحٍ بإحسانِ
|
أقسمتُ لولا رجاءُ القُرْبِ يُسعِفُني
|
فكُلّما مِتُّ بالأشواقِ أحياني
|
لَكِدتُ أقضي بها نَحبي ولا عجبٌ
|
كم أهْلَكَ الوَجدُ من شِيبٍ وشُبّانِ
|
يا جِيرةَ الحيّ قلبي بعدَ بُعدِكُمُ
|
في حَيرةٍ بينَ أوْصابٍ وأحزانِ
|
يمضي الزمانُ عليه وهو ملتزمٌ
|
بِحُبِّكمْ لم يُدَنِّسْهُ بِسُلْوانِ
|
باقٍ على العهدِ راعٍ للذّمامِ فما
|
يسومُ عهدَكُمُ يوماً بنسيانِ
|
فإنْ براني سَقَامي أو نأى رَشَدي
|
فلاعِجُ الشوقِ أَوهاني وأَلهاني
|
وإن بكَتْ مُقلَتِي بعدَ الفِراقِ دَمَاً
|
فمِنْ تَذَكُّرِكمْ يا خيرَ جيراني
|