حوار مع د. حداد عادل حول المكتبة الشخصيّة للإمام الخامنئي
دام ظلّه
الإمام قارئ
موسوعي للفكر الإسلامي والتراث العالمي
ــــــــــــــــــــــــــــــ أعدّه للنشر: سليمان
بيضون ــــــــــــــــــــــــــــــ
«لم يسبق أن جلستُ مع سماحة الإمام
الخامنئي وتحدّثت بشكل مستقلّ حول مكتبته ومجال مطالعاته؛ لأنّ هذا الموضوع يرتبط نوعاً
ما بحياته الشخصيّة، وما أقوله مستند إلى استنتاجات جمعتُها في ذهني خلال ثلاثين
سنة من الأُنس والمعرفة بسماحته».
هذا الكلام لمستشار الإمام الخامنئي
الدكتور غلام علي حدّاد عادل ورد في حديث مطوّل نشره «مكتب حفظ ونشر آثار الإمام
السيّد علي الخامنئي دام ظلّه» لمناسبة «أسبوع الكتاب والمطالعة» في
الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
في ما يلي تُعيد «شعائر» نشره
مختصراً وإعادة ترتيبه بصيغة حوارية مع الدكتور حداد عادل. مع الإشارة إلى أن
الترجمة إلى العربية من إعداد الموقع الإلكتروني التابع لـ«دار الولاية للثقافة
والإعلام».
* بحكم معرفتكم الخاصّة ولمدة طويلة بالإمام القائد دام
ظلّه، كيف وجدتم الخصائص المنهجية التي يعتمدها سماحته في قراءاته ومطالعاته
للإصدارات الجديدة؟
إنّ من خصائص سماحة
السيد القائد الخامنئي في المطالعة «المداومة». فإنّ سماحته - بغضّ النظر
عن المطالعة التي يقوم بها حول موضوعات البلد الرئيسيّة بحكم العمل – اعتاد
المطالعة في الليل قبل النوم؛ مطالعة خفيفة غير مطالعته المكثّفة لتحضير درس بحث
الخارج في الفقه، أو التحضير لإلقاء خطاب. مطالعته في آخر الليل هي في الواقع
عبارة عن ترويح واستئناس بالنصوص الفكرية.
ومن الأمور التي يمتاز بها القائد أيضاً، هي مطالعته الفعّالة، إذ أنّه
يدوّن بعض الأفكار في حواشي الكتاب أثناء
قراءته. وكان المرحوم الشهيد مطهّري يعتمد نفس هذا الأسلوب، وحواشيه على ديوان
حافظ هي إحدى نماذج هذا النوع من المطالعة. وهكذا بعد أن يقرأ القائد كتاباً، يقوم
مكتبه باستطلاع هذا الكتاب، ويدوّن ويضبط ما كتبه سماحته عليه.
في إحدى المرات ذهبتُ
للقائه، فقلت: «لقد قرأتُ مؤخراً كتاباً عنوانه (رسائل من لندن) لمؤلّفه تقي زادة،
وهذا الكتاب يستحقّ القراءة واقعاً». ثم كنت قد حملت إليه نسختي من الكتاب،
فأعطيته إيّاها.
أجابني سماحته: «إذا
أخذتُ كتابك لن أستطيع ردّه إليك، لأنّي سأكتب في حاشيته، وسيحتفظ المكتب به».
فقلت: «إقرأه، ولا مشكلة».
وأعطيته الكتاب. وبعد مدّة، تلطّف وأرسل إليّ صوراً عن الصفحات التي كنتُ قد دوّنتُ
عليها بعض الأمور. وأعتقد أنّ بعض حواشيه كانت إلى جانب حواشيَّ، وهي الآن في
مكتبتي أحتفظ بها.
تنوّع مجالات المطالعة
* ما هي المجالات الفكرية والعلمية التي يهتمّ سماحة القائد
بمطالعتها؟
المجالات التي يهتمّ
القائد بالمطالعة فيها ليست جدّ رسميّة ومتطابقة مع المطالعات المعهودة بين رجال
الدين، فرجال الدين يهتمّون بالمطالعة في مجال خاصّ حسب ما يقتضيه جوّ الحوزة،
ممّا يشتغلون به من الدراسة والبحث. وهكذا كلّ صنف آخر أيضاً؛ المهندسون، الأطباء،
وغيرهم. في النهاية يهتم كلّ شخص بالمطالعة في مجال محدّد وخاص.
أمّا القائد، ففضلاً عن
مطالعته المقرّرة والدراسيّة، ومطالعاته البحثيّة في سياق دراسته التقليديّة في
مجال الفقه والأصول والمعارف الإسلاميّة، فقد وضع نصب عينيه مجالاً واسعاً
للمطالعة منذ بداية حياته؛ ويشكّل هذا المجال الواسع الجزء الأساسي من مكتبته
الشخصيّة.
* فالأدب، على سبيل
المثال، قسم من مطالعاته، خصوصاً الشعر، حيث يوليه أهميّة كبيرة، والقائد – كما هو
معروف - أستاذ في فهم لطائف وظرائف الشعر، وله إلمام بفنّ نقد الشعر. منذ الشباب وهو
يشارك في مجالس قراءة الشعر ونقده، لا سيما تلك الجلسات التي كان يديرها أدباء
وشعراء من الطراز الأوّل في خراسان، وكبار السنّ المعروفون باهتمامهم بالأدب؛ فقد
كان الإمام الخامنئي مرتبطاً بهذه المحافل الأدبيّة، وبالتالي من الطبيعي أن تعثر
في مكتبته على الكثير من دواوين الشعر، القديم منها والحديث.
* والمجال الثاني الذي
يطالع فيه القائد هو أدب القصص، الإيرانيّة منها والأجنبيّة؛ سواء الطويلة أم
القصيرة. ولعلّه من غير المسبوق وممّا قد لا تجد له نظيراً، أن ترى مجتهداً
ومرجعاً قرأ الأعمال الروائيّة العالمية الكبيرى من قبيل «الدون الهادئ» لشولوخوف،
أو عمل رومن رولان «الروح المفتونة»، وأن يكون لديه تقييم دقيق لها. ولا زال حتى
الآن يقرأ الروايات الأجنبيّة.
* وممّا يمتاز به القائد
هو أنّه يدوّن بعض الملاحظات بشكل مختصر في نهاية الكتاب، وفي هذه الملاحظات نرى
تحليل القائد دام ظلّه لهذه الروايات، وما هي الظروف التي كُتبت فيها، وما هدف
الكاتب من كتابتها، وما هي الطريقة التي عبّر بها لبلوغ مقصوده...
* أمّا المجال الآخر
الذي يطالع فيه فهو أعمال المفكّرين المعاصرين؛ على الرغم من وجود طيف واسع من
الفكر، من أولئك الذين لديهم رأي سلبي حول الدين والمذهب والثورة، إلى المقرّبين
والمؤيّدين لها.
وفي الواقع تعتبر معرفته
الجيّدة بالتيّار الفكري المعاصر في إيران، وقبل الثورة خاصّة، إحدى مميّزات القراءة
لديه. وقد قرأ أعمال رموز هذه الحقبة. فالسيّد القائد مطّلع على جيل المفكّرين
المعاصرين الذين يشكّلون إجمالاً كتّاب ومفكّري عصر الثورة الدستورية (المشروطة).
* كذلك يهتم االقائد
بالدراسات التاريخية، وتاريخ إيران بشكل خاصّ. ولديه اهتمام بالغ بمطالعة تاريخ
وسيرة الشخصيّات والشعوب، وهو يستفيد منها استفادات خاصّة وجيّدة. ولدى القائد
الخامنئي معرفة لافتة للنظر في الرجال والشخصيّات، والأشخاص المؤثّرين في
التحوّلات المعاصرة، في زمن الملوك القاجاريّين وما بعدهم إلى يومنا هذا.
* ومن بين المطالعات
أيضاً، مواكبة التاريخ الشفهي، خاصّة الآثار المنبثقة عن الثورة الإسلاميّة؛ سواء
تلك التي تتحدّث عن الثورة أم عن الدفاع المقدّس أم غيره.
* وإلى ذلك كلّه يتابع آخر
إصدارات الكتب في العلوم السياسيّة، حيث يعتني اعتناءً خاصّاً بالكتب العلميّة
والإسلاميّة، ولا سيّما منها كُتب السيرة والفلسفة، كما أنّه يقرأ المجلّات
المختلفة، العلميّة والثقافيّة والفكريّة في مختلف المجالات بجدّية واهتمام.
مكتبة خاصة بالمصاحف
* كيف تصل الكتب المختلفة الى سماحة القائد؟
كثيرٌ من الأشخاص الذين
يؤلّفون كتاباً، يرسلون نسخةً إلى سماحته. وأحياناً يكون هذا الكتاب، بحسب المعهود
رسميّا، مصحوباً برسالة إلى مكتب القائد يطلب فيها تسليمه إليه.
كما يرسل أحياناً بعض
الناشرين منشوراتهم إليه، سواء في ذلك الناشرون الذين يطبعون تلك الكتب على نفقة
الدولة ويعتبرون جزءاً من الجهاز الثقافي العامل في البلد تحت إشراف القائد، فيرسلون
هذه الكتب إلى سماحته كجزء من جدول أعمالهم، أو الكتب التي يرسلها الناشرون
لمحبّتهم للقائد، ولأنّهم يريدون أن يطّلع القائد على طبيعة عملهم.
هناك بعض الناشرين عندما
يريدون أن يرسلوا إليّ كتاباً يرسلون نسختين، وأنا أعلم أنّ الهدف من النسخة
الثانية إيصالُها إلى سماحته. يقول لي القائد أحياناً: «من أين علمتَ أنّهم
أرسلوها لي؟».
فأقول: «لديّ حدس قويّ
يقرب من اليقين أنّهم يعرفون أنّي أزورك، وهم أرسلوه من أجلكم».
في إحدى المرات قال لي: «ممّا
لا شكّ فيه أنّ هذه الكتب هي ملكٌ لك، فاعتبر إذاً أنّ هذه الكتب هي لك، ثمّ أعطني
إيّاها هدية».
فقلت: «لا بأس، إذا كنتم
تحتاطون إلى هذا الحدّ».
بعدها، عندما رأيتُ ذلك
الناشر سألته: «لماذا أرسلتم نسختين من الكتاب الفلاني؟».
فقال: «إحداها لتعطوها
لسماحة القائد».
وهناك الكثيرون الذين
يطلبون منّي، عندما يأتون لزيارتي، أن أقدّم نسخة من آخر أعمالهم للقائد. وأنا
بدوري عندما أرتئي أنّ كتاباً ما يمكن أن يحظى باهتمامه أو أن يكون له رأيٌ فيه،
أو يمكن أن يُسعده نشره لسبب من الأسباب، أقوم بتسليمه إيّاه.
* لا بد وأنكم رأيتم المكتبة الشخصية لسماحة القائد، كيف
هي؟
يوجد في هذه المكتبة قسم
لحفظ جميع نُسَخ القرآن الكريم التي تصل إلى يد القائد من الداخل والخارج، فيودعونها
هناك. وهكذا، فهناك مجموعة من المصاحف المتنوّعة، التي لعلّها تملأ خزانتين للكتب.
والقائد يقرأ في هذه المصاحف واحداً بعد الآخر، وذلك مراعاةً لبعض الروايات التي
تقول إنّ القرآن إذا وُضع في البيت من دون أن يُقرأ فيه، فسيشكو إلى الله تعالى الإهمالَ
يوم القيامة.
يمتلك القائد مكتبة
كبيرة، تضمّ حوالي الثلاثين ألف مجلّد وقد تكوّنت بشكل تدريجي. يوجد قسم منها في
بيت سماحته، ويساعد أبناء القائد في إدارة هذه المكتبة بشكل جيّد.
الإنصاف ثمرة سعة الاطّلاع
* هل يمكن أن تبيّنوا لنا جانباً من شخصيّة سماحة القائد
من خلال مكتبته ومجالات مطالعاته؟
إذا أردت ذلك فلا بدّ لي
من أن أقول: إنّ الإمام الخامنئي رجل عالِم وأديب، وشخصيّة قديرة في العالمَين
النظري والعملي، قد واءم بين العلم والعمل.
الصورة التي في ذهني عن
سماحته هي أنّه إنسان متحضّر مثقّف، وملتزم؛ فهو صاحب معتقدات يتمسّك بها، ومجاهد
في سبيل ما يؤمن به. ولذا لا يقف على الحياد في عالم صراع القِيم مع الرذائل، واتّجاهه
واضح وشفّاف تماماً. قلّما تجد مثيله في سعة الأفق، إذ إنّ سماحته صاحب رأي ونقد
فيما يتعلق بالشخصيّات والتيّارات المختلفة.
ويعلم القائد الكثير حول
إيران والعالم، ولديه اطّلاع على الشخصيّات وأفكارها، وسعة اطلاعه هذه، هي التي
ترفده بنوع من الإنصاف والاعتدال قلّ نظيرهما.
لدى القائد معرفة
إجمالية بالأهميّة التي يحوزها كل مفكّر وتيّار، والمخزون الفكري والعلمي لدى
الشخصيّات المختلفة. لذا ترى أن لكلّ واحدة من الشخصيّات والتيّارات نوع ارتباط
وعلاقة به.
تراه أحياناً يسرد لك
بدقّة سيرة جدّ إحدى الشخصيّات المعروفة والمعاصرة، وكيف أنّه بارع في الفنّ
الفلاني. وعندما يتحدث مع نفس الشخصيّة يذكر له أنّي سمعت عن جدّك المحترم كذا أو
رأيته، وأنّه كان في النجف كذا، أو في مشهد... وهذا ما يخلق له منزلة في قلب كلّ
شخص...
وهكذا، فالقائد يتمتّع
بذهن غنيّ ومنظار واسع للأمور ببركة مطالعته الدائمة الواسعة، وحضوره في المحافل
الأدبيّة، والحماسة والحيوية التي رافقت كلّ نشاطاته وتحرّكاته الاجتماعية
والسياسية؛ وهذا شيء ثمين جدّاً لمن يريد قيادة بلد كبير، ذي تاريخٍ عريق، وله
سابقة قديمة كإيران، ومع شعب كالشعب الإيراني؛ موهوب، حماسيّ، صاحب ذوق، وغنيّ
بالقوميّات المتعدّدة.
* كيف ينعكس اهتمام القائد بالمطالعة على مستوى توجيهاته
للمسؤولين؟
إنّه يوصي المسؤولين
دائماً بتقديم المكان والإمكانات المناسبة للمكتبات، كما يوصي المؤسّسات الثقافيّة
باستمرار أن يعملوا أكثر وبشكل أفضل، فيؤلّفوا الكتب ويقدّموها للنّاس، وذلك بما
يتناسب مع طبيعة مهمّتهم. كما أنّه يوصي الشعب بشراء الكتب أكثر، وقراءتها؛ الكتب
الجيّدة والمفيدة طبعاً. فسماحة القائد السيّد الخامنئي يريد إيران الإسلاميّة،
التي يكون شعبها من العلماء ومن محبّي العلم، ومن القرّاء ومن أهل الفكر والثقافة.