الإيمان هو العمل بما أدركه العقل
اعلم أنّ الإيمان غيرُ العِلم بالله ووحدانيتِه... والعلمِ
بالملائكة والرسُل والكُتب ويوم القيامة. وما أكثر مَن يكون له هذا العلم ولكنّه
ليس بمؤمن. الشيطان عالمٌ بجميع هذه المراتب بقَدْر علمنا وعلمكم، ولكنّه كافر.
***
إنّ الإيمان عملٌ قلبيّ، وما لم يكن كذلك فليس هناك إيمان.
فعلى الشخص الذي علم بشيءٍ عن طريق الدليل العقليّ أو ضروريات الأديان، أن يسلّم
لذلك قلبه أيضاً، وأن يؤدّي العمل القلبيّ الذي هو نحوٌ من التسليم والخضوع، ونوعٌ
من التقبُّل والاستسلام، لكي يصبح مؤمناً.
وكمال الإيمان هو الاطمئنان. فإذا قوِيَ نور الإيمان تبعَه
حصولُ الاطمئنان في القلب، وجميعُ هذه الأمور هي غير العلم. فمن الممكن أن يدرك
العقل بالدليل شيئاً لكنّ القلب لم يسلّم بعد، فيكون العلم بلا فائدة. ".."
من الممكن أن يبرهن إنسانٌ بالدليل العقليّ على وجود الخالق
تعالى والتوحيد والمعاد وباقي العقائد الحقّة، ولكن هذه العقائد لا تُسمّى إيماناً،
ولا تجعل الإنسان مؤمناً، وإنّما هو من جملة الكفّار أو المنافقين أو المشركين.
فاليوم العيون مغشّاة، والبصيرة الملكوتية غير موجودة، والعين المُلْكِيّة لا تُدرك،
ولكن عند كشف السرائر، وظهور السلطة الإلهية الحقّة، وخراب الطبيعة وانجلاء
الحقيقة، سيعرف ويلتفت بأنّ الكثيرين لم يكونوا مؤمنين بالله حقّاً، وأنّ حكم
العقل لم يكن مرتبطاً بالإيمان.
فما لم تُكتَب عبارة
«لا إله إلّا الله» بقلم العقل على لوح القلب الصافي، لن يكون الإنسان مؤمناً
بوحدانيّة الله.
وعندما تَرِد هذه العبارة النورانية الإلهية على القلب،
تصبح السلطةُ على القلب لذات الحقّ تعالى، فلا يعرف الإنسان بعدها شخصاً آخَر مؤثّراً
في مملكة الحقّ، ولا يتوقّع من شخصٍ آخر جاهاً ولا جلالاً، ولا يبحث عن المنزلة والشهرة
عند الآخرين. ولا يصبح القلب مرائياً ولا مخادعاً حينئذٍ. وإذا رأيتم رياءً في
قلوبكم، فاعلموا أنّ قلوبكم لم تُسلِّم للعقل، وأنّ الإيمان لم يقذف نورَه فيها،
وأنكم تعدّون شخصاً آخر إلهاً ومؤثّراً في هذا العالم...