الملف

الملف

منذ 5 أيام

الهجرة مع الإمام الحسين إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله



يوم عاشوراء

الهجرة مع الإمام الحسين إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله

استهلال                                                       .. وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه

محرّم وعاشوراء في فكر الإمام الخميني قدّس سرّه                       إعداد: «شعائر»

وجوب لَعْن أعداء الإمام الحسين عليه السلام                   العلامة الشيخ مصباح يزدي

صلاةٌ ودعاء في يوم عاشوراء                                  رواية الشيخ الطوسي قدّس سرُّه   

زيارة عاشوراء، ضمانُ الله تعالى                                     الشيخ حسين كوراني

 

 

استهلال

.. وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه

«.. لَمَّا عَزَمَ (الإمام الحسين عليه السلام) عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْعِرَاقِ (من مكّة) قَامَ خَطِيباً فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ، ما شاءَ اللهُ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ.

خُطَّ الْمَوْتُ‏ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ.

وَمَا أَوْلَهَنِي إِلَى أَسْلَافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إِلَى يُوسُفَ.

وَخِيْرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ. كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تَتَقَطَّعُهَا عُسلَانُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَكَرْبَلَاء، فَيَمْلَأْنَ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً وَأَجْرِبَةً سُغْباً.

لَا مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ.

رِضَى اللهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ وَيُوَفِّينَا أَجْرَ الصَّابِرِينَ.

لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وآله وسلّم لُحْمَتُهُ، وَهِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ، تَقَرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ وَيُنْجَزُ بِهِمْ وَعْدُهُ.

مَنْ كَانَ بَاذِلًا فِينَا مُهْجَتَهُ وَمُوَطِّناً عَلَى لِقَاءِ اللهِ نَفْسَهُ؛ فَلْيَرْحَلْ مَعَنَا فَإِنَّنِي رَاحِلٌ مُصْبِحاً إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى‏.

(السيد ابن طاوس، اللهوف)

 

 

محرّم وعاشوراء في فكر الإمام الخميني قدّس سرّه

منهجٌ حيّ لكلِّ زمانٍ ومكان

§        إعداد: «شعائر»

* «إنّ كلّ ما لدينا من محرّم وعاشوراء»، بهذه الكلمات عبّر الإمام الخميني قدّس سرّه، عن سرّ حفظ الإسلام وانتصارات الأمّة إلى يومنا هذا، وذلك من خلال إحياء ذكرى النهضة الحسينية والتذكير بأهدافها، وإقامة المجالس والمآتم، وحرقة ذلك البكاء الذي لا يزال يستنهض الهمم جيلاً بعد جيل، إلى ظهور الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

ما يلي، مقتطفات من ثلاث خطب ألقاها الإمام الراحل في منزلة محرّم وعاشوراء مبيّناً أهداف الثورة الحسينيّة وأبعادها العقائدية والسياسية.

«شعائر»

 

خوف الظالمين من البكاء على سيد الشهداء عليه السلام

* إنّ الذي صان الإسلام وأبقاه حيّاً حتى وصل إلينا نحن المجتمعين هنا، هو الإمام الحسين عليه السلام.

* نحن السائرون على نهجه والمقتفون لآثاره، والمقيمون لمجالس العزاء التي أمرَنا بها الإمام جعفر الصادق عليه السلام، وأئمّة الهدى عليهم السلام، إنّما نكرّر عين ما كان، ونقول ما كان يقوله الإمام ويروم تحقيقه، ألَا وهو مكافحة الظلم والظالمين.

* ما ورد في الروايات مِن أنّ مَن بكى، أو تباكى، أو تظاهر بالحزن، فإنّ أجره الجنّة، إنّما يُفسَّر بكون هذا الشخص يساهم في صيانة نهضة الإمام الحسين سلام الله عليه.

* رضا خان لم يكن ليبادر هو بنفسه إلى معارضة إقامة هذه المجالس، بل إنّه كان ينفّذ توجيهات وأوامر أولئك الخبراء الذين كانوا يعدّون الدراسات، ويرصدون هذه الأمور. فأعداؤنا كانوا قد درسوا أوضاع الشعوب، وأمعنوا النظر في أحوال الشيعة، فتوصّلوا إلى حقيقة عدم تمكّنهم من بلوغ غاياتهم وتحقيق مقاصدهم الخبيثة، ما دامت هذه المجالس موجودة، وما دامت هذه المراثي تُقرأ بحقّ المظلوم، وما دام يجري من خلالها فضح الظالم وممارساته، ولذلك فقد ضيّقوا الخناق في عهد رضا خان على إقامة المواكب والمجالس الحسينية في إيران، (وقيّدوا حريّات) الخطباء والعلماء في ارتقاء المنبر وممارسة الخطابة والتبليغ، وشنّوا حملة تبليغٍ شعواء، فأعادونا القهقرى، ونهبوا كلّ ثرواتنا.

* ظهرت الآن فئة تقول: لنترك المجالس وقراءة المراثي. إنّهم يجهلون أبعاد ومرامي المجالس الحسينية، ولا يعلمون أنّ ثورتنا هي امتداد لنهضة الحسين عليه السلام، وإنّها تبعٌ لتلك النهضة وشعاع من أشعتها، إنّهم لا يعون أنّ البكاء على الحسين يعني إحياءً لنهضته، وإحياءً لقضية إمكانية نهوض ثلّة قليلة بوجه إمبراطورية كبرى، إنّ هذه القضية منهج حيّ لكلّ زمان ومكان.

 * .. فلا يتصوّر أبناؤنا وشبّاننا أنّ القضية بكاء شعب لا غير! وأنّنا «شعبٌ بكّاء»! على ما يريد الآخرون أن يوحوا لكم به. إنّهم يخافون من هذا البكاء بالذات، لأنّه بكاءٌ على المظلوم، وصرخة بوجه الظالم، وهذه المواكب التي تجوب الشوارع للعزاء إنّما تواجه الظّلمَ وتتحدّى الظالمين، وهو ما ينبغي المحافظة عليه، إنّها شعائرنا الدينية التي ينبغي أن تُصان، وهي شعائر سياسية يلزم التمسّك بها. حذار من أن يخدعكم هؤلاء الكتّاب الذين يهدفون إلى تجريدكم من كلّ شيءٍ، وذلك تحت أسماء ومرامي منحرفة مختلفة.

* هؤلاء الذين يطالبوننا بالكفّ عن المآتم والمجالس الحسينية، لا يعلمون أنّ هؤلاء المقيمين لهذه الشعائر إنّما يقدمون لهذا البلد وللإسلام أسمى الخدمات، وعلى شبّاننا أن لا ينخدعوا بتخرّصات هؤلاء وادّعاءاتهم، إنّهم ــ أيُّها الشبان ــ أناسٌ خوَنة، هؤلاء الذين يوحون إليكم بأنّكم «شعب بكّاء» فأسيادهم وكبراؤهم يخشون هذا البكاء.

* ينبغي أن لا يتصوّر شبّاننا بأنّهم (يقومون بعملٍ جيّد) عندما يغادرون المجلس حينما يتعرّض الخطيب لذكر المصيبة، هذا تصرّف خاطئ جداً، ينبغي أن تستمرّ المجالس بإقامة العزاء، ينبغي أن تذكر المظالم كي يفهم الناس ماذا جرى، بل إنّ هذا يجب أن يقام كلّ يوم، فإنّ لذلك أبعاداً سياسية واجتماعية غاية في الأهمية.

(حديث الإمام في جمع من علماء طهران:21/9/1979)

التضحية في ساحة المعركة والتبليغ خارجها

* ما هو واجبنا ونحن على أعتاب شهر محرّم الحرام؟ وما هو تكليف العلماء والخطباء الكرام في هذا الشهر؟ وما هي وظيفة سائر شرائح الشعب وفئاته؟ لقد حدّد سيّد الشهداء عليه السلام، وأنصاره، وأهل بيته، تكليفنا وهو التضحية في الميدان، والتبليغ في خارجه.

* نفس القيمة التي تمتلكها تضحية الحسين عليه السلام عند الله تبارك وتعالى، ونفس الدور الذي أدّته في تأجيج نهضته، تملكها ــ أو تقاربها ــ خُطَب السجّاد عليه السلام، وزينب عليها السلام أيضاً... فتأثيرها يعادل أو يقرب من تأثير تضحية الحسين عليه السلام بدمه.

* لقد أفهمنا سيّد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، إنّ على النساء والرجال ألّا يخافوا في مواجهة حكومة الجَور. فقد وقفت زينب سلام الله عليها، في مقابل يزيد -وفي مجلسه- وصرخت بوجهه وأهانته وأشبعته تحقيراً، بما لم يتعرّض له جميع بني أمية طُرّاً في حياتهم. كما أنّها عليها السلام، والسجّاد عليه السلام، تحدّثا وخطبا في الناس أثناء الطريق وفي الكوفة والشام.

(خطاب الإمام قدّس سرّه، في جمع من خطباء وعلماء قمّ، وطهران، وآذربيجان: 17/10/1982)

مجالس العزاء تعبئة في صراط التوحيد

* طوال التاريخ، كانت مجالس العزاء ــ هذه الوسائل التنظيمية ــ منتشرة في أرجاء البلدان الإسلامية، وفي إيران التي صارت مهداً للإسلام والتشيّع، أخذت هذه المجالس تتحوّل إلى وسيلة لمواجهة الحكومات التي توالت على سدّة الحكم، ساعية لاستئصال الإسلام وقلعه من جذوره، والقضاء على العلماء، فهذه المجالس والمواكب هي التي تمكّنت من الوقوف بوجهها وإخافتها.

* في المرة الأولى التي اعتقلتني سلطات النظام الملكي، وجيء بي من قمّ إلى طهران، قال لي بعض رجال أمنهم الذين اصطحبوني في السيارة: لقد جئنا لإلقاء القبض عليك والخشية تملأنا من أن يطّلع على أمرنا أولئك الموجودون في تلك الخيَم والتكايا بمدينة قمّ، فنعجز حينذاك عن أداء مهمتنا. وخوف هؤلاء ليس بشيء، لكنّ القوى الكبرى تخشى هذه المواكب والمآتم، القوى الكبرى تخشى هذا التنظيم الذي لا يستند إلى يدٍ واحدة تحرّكه، فالشعب يجتمع في هذه المجالس طواعيةً، وتنعقد هذه المجالس في كلّ أنحاء البلاد، في بلدٍ مترامي الأطراف، في أيام عاشوراء، وخلال شهري محرّم وصفر، وفي شهر رمضان المبارك، فهذه المواكب والمآتم هي التي تجمع الناس.

* قد يسمّينا المتغرّبون بــ«الشعب البكّاء»، ولعلّ البعض منا لا يتمكّن من قبول أنّ دمعة واحدة لها كل هذا الثواب العظيم، لا يمكن إدراك عظمة الثواب المترتّب على إقامة مجلس للعزاء، والجزاء المعدّ لقراءة الأدعية، والثواب المعدّ لمن يقرأ دعاءً ذا سطرين مثلاً.

* إنّ المهمّ في الأمر هو البعد السياسي لهذه الأدعية وهذه الشعائر، المهمّ هو ذلك التوجّه إلى الله وتمركز أنظار الناس إلى نقطة واحدة وهدف واحد، وهذا هو الذي يعبّئ الشعب باتجاه هدف وغاية إسلامية...

(حديث الإمام مع علماء قم وطهران:21/6/1986)

 

توجيهات الإمام الخامنئي لمحبّي الإمام الحسين عليه السلام

لا بدّ من التركيز على تعزيز الاهتمام بالصلاة في يوم عاشوراء بعد إقامة مراسم العزاء، أكثر من أيّ وقت مضى، ونحمد الله أنّ هذه الشعيرة تقام الآن منذ عدّة سنوات.

من الأمور التي يجب الاهتمام بها هي تلاوة القرآن الكريم ونشر المعارف القرآنية، ومن المطلوب أيضاً إدراج المفاهيم القرآنية في الأشعار الحسينية؛ حيث إنّ هذه المفاهيم تشعل في النفوس نبراس الثورة الحسينية التي جاءت من أجل الإسلام، وعودته إلى الحياة.

إنّ مواكب الحسين عليه السلام لا يمكن لها أن تنفصل عن السياسة، وكلّ من يحبّ هذا الإمام العظيم لا يستطيع أن يغضّ الطرف عنها، حيث إنّ الذي يحبّ الإمام عليه السلام، يعني أنّه يحبّ الإسلام السياسي، والإسلام المجاهد، والإسلام المقاتل، والإسلام الذي يضحّي بالدم والنفس من أجل العقيدة والدين. ولا يمكن للإنسان أن يأتي إلى مراسم عزاء الحسين عليه السلام، ولا يتدخّل في السياسة، ولا يهتم بأمور المسلمين.

إنّ أفضل العناصر التي يجب أن تشارك في هذه المراسم هم المجاهدون في سبيل الله، أبطال الإسلام الذين دافعوا عن كيان الوطن الإسلامي بكلّ ما لديهم من قوّة. فمثل هؤلاء يجب أن يتمّ الاعتماد عليهم في إقامة مراسم الإمام الحسين عليه السلام.

إنّ مسألة تربية (وإعداد) الخطباء الذين يَرثون الإمام الشهيد وعدم وقوعهم في الخطأ من الأمور المهمّة؛ حيث يجب على الخطيب والراثي مراقبة ما يقوله وعدم التفوّه بشيءٍ خاطئ قد يرسم صورة خاطئة عن الدين لدى الحاضرين. فمثلاً عندما يتحدّث شخصان في مكانٍ ليس فيه ثالث لا يضرّ شيئاً، إلّا أنّه عندما يتكلّم شخص أمام العشرات أو المئات يختلف الأمر، حيث يتناقل الحاضرون الكلام الخاطئ ويبني عليه آخرون، فيصبح الأمر مشكلة؛ ألا وهي امتعاض الناس من الدين، والابتعاد عنه بسبب عدم وجود تفهّم صحيح لواقعة عاشوراء.

(وكالة تسنيم للأنباء: 2015/10/16)

 

 

﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا..﴾

وجوب لعن أعداء الإمام الحسين عليه السلام

§        العلامة الشيخ محمد تقي مصباح يزدي

 

* قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ الأحزاب:57، ولعلّ هذه الآية هي الأوضح والأتمّ للدلالة على جواز اللعن، لجهة دفعها الشبهات وتصريحها بأنّ لعنة الله قائمة على مَن آذى الله ورسوله في الدنيا والآخرة، فضلاً عن الوعيد بعذابٍ مهين. وإذا كان اللعن من المفاهيم القرآنية، ويجب التخلّق بأخلاق الله، يصبح الالتزام به واجباً في موارده.

ما يلي مختصر بحث للشيخ محمّد تقي مصباح يزدي يبيّن فيه مشروعية لعن أعداء الإمام الحسين عليه السلام بالخصوص، وأعداء الإسلام بشكلٍ عام، بل يستدلّ على وجوبه بلحاظ وجوب التبرّي ثمّ التولّي.

«شعائر»

 

لماذا لا بدّ من صبّ اللعن على أعداء الإمام الحسين عليه السلام؟

وثمّة سؤال آخر يثيره «دعاة تذويب الشخصية الإسلامية بالمفاهيم الغربية» غالباً في هذه الأيام، إذ قد يقال: سلّمنا بأنّ تاريخ الإمام الحسين عليه السلام مؤثِّر ومحرِّك، وعرفنا أنّه لا بدّ من إحيائه بعمق وإقامة العزاء في ذكراه، ولكنّكم تقومون بشيءٍ آخر في مراسم العزاء، فلا تكتفون بالذكر الحسن والثناء العطر للإمام الحسين عليه السلام، والبكاء على ما جرى من أحداث مؤلمة في استشهاده، وإنّما تصبّون اللعنات على أعداء الإمام الحسين عليه السلام، فلماذا هذا الفعل؟

ولماذا هذا اللعن لأعداء الحسين عليه السلام؟

إنّ هذا الفعل يعتبر لوناً من العنف والتشاؤم، إنّها مشاعر سلبية ولا تنسجم مع عقلية «الإنسان المتحضّر»! فعندما تستثار مشاعركم حاولوا أن تشبعوها بالبكاء والعزاء، ولكن لا تتلفّظوا بألفاظ اللعن، ولا تقولوا: «أتقرّب إلى الله بالبراءة من أعدائك»، لماذا ترسلون اللّعن مائة مرة إلى أعداء الإمام الحسين عليه السلام، في زيارة عاشوراء؟

استبدلوا بهذا اللعن السلام على الحسين مائة مرة، لماذا هذه اللعنات التي تسمّم الأجواء وتخلق في الناس رؤية تشاؤمية بالنسبة للآخرين؟

دفع شُبهة قُبح اللّعن

إنّ هذا السؤال لو كان مطروحاً عن جهل فإنّ جوابه سهلٌ يسير، لكنّنا نحتمل بقوة أنّ كثيراً ممّن يتحدّث بهذه الطريقة إنّما يحمل أفكاراً أخرى وتدور في مخيّلته أغراض خاصة، ومن المحتمل جداً أنّه يقتفي أثر سياسات أخرى، أو أنّه ينفذ خططاً قد رسمها آخرون، وعلى كلّ حال فنحن نفترض أنّ هذا السؤال كان بدافع عقليّ وعلميّ، وهو بحاجة إلى جواب علمي.

والجواب العلمي لمثل هذا السؤال هو:

ليس هناك ضررٌ أبلغ وأشدّ على الإنسان من هدم دينه؛ إذ إنّ الأضرار المادية الدنيوية لا أهمية لها عند المؤمن؛ لأنّ الدنيا برمّتها لا قيمة لها عنده، فالعدوّ الحقيقي للإنسان هو من يحاول أن يسرق من الإنسان دينه، والعدوّ الذي لا يدّخر جهداً في أن يسلب من الإنسان سعادته الأبدّية هل يمكن السكوت عنه؟ يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا..﴾ فاطر:6.

فهل يمكن الابتسام للشيطان؟ وهل يمكن الوئام والسلام معه؟ إذا تورّط الإنسان في ذلك فسيصبح شيطاناً مثله.

إذا كان من الضروري المحبة لأولياء الله، فإنّه من الضروري أيضاً العداوة لأعداء الله، هكذا هي فطرة الإنسان، وهذا هو عامل تكامل الإنسان وسعادته، إذا لم تتحقّق «العداوة» مع أعداء الله فإنّ سلوك الإنسان معهم يرقّ تدريجياً وتنشأ الصداقة فيما بينه وبينهم، ونتيجة لمعاشرته لهم سيتأثّر بسلوكهم وسيفتح قلبه وعقله لأقوالهم، ويغدو - شيئاً فشيئاً - شيطاناً مثلهم.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ..﴾ الأنعام:68، اذا رأيت أناساً يتحدّثون عن الدين بصورة السخرية والاستهزاء وبطريقة مهينة، فلا تقترب إليهم، ولا تُصغِ إلى ما يقولون حتى ينتقلوا إلى موضوع آخر.

وفي آية كريمة أخرى يقول الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً﴾ النساء:140.

فمن يحبّ الذين يستهزئون بالدين ويبتسم في وجوههم، فإنّ كلامهم سيؤثر فيه تدريجياً ويخلق الشكّ في نفسه، وعندئذٍ يُصبح إظهاره للإيمان نفاقاً؛ إذ إنّ النفاق هو أن لا يكون الإيمان في قلب الإنسان ولكنّه في الظاهر يدّعي أنّه مؤمن، فواحدة من النتائج التي تُلحِق المرء بركب المنافقين هو الوئام معهم، وإذا أصبح المرء منافقاً في الدنيا بسبب مجالسته ومعاشرته للكافرين، فإنّه في الآخرة سوف يكون رفيقهم في جهنم: ﴿..إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً﴾.

وبعبارة أخرى: إنّ العداوة مع الأعداء هي نظام دفاعي في مقابل الأضرار والمخاطر، فكما أنّ جسم الإنسان مزوّد بعاملٍ يجذب المواد النافعة، فإنّه مزوّدٌ أيضاً بنظامٍ دفاعي يطرد السموم والجراثيم، ويقاومها ويقضي عليها، وهذه هي مهمة الكريات البيض في الدم، أمّا إذا أصيب النظام الدفاعي للبدن بالضعف فإنّ الجراثيم تنمو وتستفحل، ويؤدّي ذلك إلى إصابة الإنسان بالأمراض، ولعلّه بالتالي يواجه الموت.

فلا بدّ من إظهار المحبة للناس الطيبين الذين هم منشأٌ للكمال، ولهم تأثيرٌ ضخم في تقدّم المجتمع وازدهاره.

وفي المقابل لا بدّ من إظهار العداوة عملياً لمن يلحقون الضرر بمصير المجتمع، قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ..﴾ الممتحنة:4.

ونحن، إذ نعلن العداوة والبغضاء للشيطان الأكبر وأعداء الإسلام، فهذا إنّما هو تأسٍّ بإبراهيم عليه السلام، فقد أمرنا القرآن الكريم بالتأسّي بإبراهيم عليه السلام، بعداوتنا لأعداء الدين، فالإنسان العاقل لا يوزّع الابتسامات في كلّ آنٍ ومكانٍ، بل لا بدّ له أن يعبس في وجوه البعض، ويقولها صريحةً له: أنا عدوّك وليس بيني وبينك سلام، إلّا إذا كففتَ عن خيانتك، هذا هو أمر القرآن.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ فروع الدين عشرة، فبعد «الأمر بالمعروف» و«النهي عن المنكر» يعدّ من فروع الدين أيضاً: «التولّي» و«التبرّي»، أي من جملة الواجبات التي لا بدّ أن يهتم بها جميع المسلمين ويعملوا بمضمونها هو أن نحبّ أولياء الله وأن نعادي أعداء الله أيضاً. ولا يكفي محبة أولياء الله، فإذا لم تكن العداوة لأعداء الله فإنّ المحبة للأولياء سوف تزول وتضمحلّ، فلو انعدم النظام الدفاعي للبدن فإنّ نظام الجذب سوف يتعطّل أيضاً.

والشيء المهم هو أن نعرف بدقة مجالات الجذب والطرد، فقد تختلط الأمور في كثيرٍ من الأحيان، إذ في المورد الذي لا بدّ أن نقوم فيه بالجذب، فإنّنا قد نخطئ ونستخدم الطرد، فمثلاً لا ينبغي معاداة الشخص الذي أخطأ في القول عن جهل، وزلّت قدمه ثمّ ندم واعترف بخطئه عند بيانه له، إنّ مثل هذا الشخص لا ينبغي معاداته ولا ينبغي طرده من المجتمع، بل لا بدّ من التصدّي لإصلاحه، فهو مريضٌ لا بدّ من معالجته، وفي مثل هذا المورد لا يتم اللجوء إلى العداوة، نعم إذا كان الشخص متعمّداً، ويشيع المعصية في المجتمع بشكل علني، إنّ هذه خيانة لا بدّ من التصدي لها وإعلان العداوة لصاحبها، أمّا إذا ارتكب الشخص الذنب خطأ فلا بدّ من التعامل معه برفق ومودّة، ولا يجوز هتك حرمته وإسقاط شخصيته، بل لا بدّ من السعي لإصلاحه، لأنّه يعاني من مشكلة ويجب حلّ مشكلته.

أمّا أعداء الدين، فيجب علينا أن نتعامل معهم بكلّ غضب وعنف، وأن نعبس في وجوههم.

وخلاصة كلامنا هو: إنّ إحياء ذكرى سيّد الشهداء هي إعادة لصياغة الحياة الحسينية، وذلك لننتفع بتلك الحياة الكريمة على أحسن نحو، ولا ينبغي الاكتفاء بالدراسات العلمية، لأنّ الإنسان بحاجة إلى استثارة عواطفه ومشاعره، ولا ينبغي الاقتصار أيضاً على العواطف الإيجابية كالفرح والسرور والضحك والابتسام، وذلك لأنّ إحياء ذكرى سيّد الشهداء عليه السلام ومظلوميته لا يتيسّر إلّا عن طريق مشاعر الحماس والحزن والبكاء والحداد.

ومع إرسالنا لآلاف التحية والسلام للإمام الحسين عليه السلام، ولتراب قبره الطاهر، فإنّنا نرسل آلاف اللعن لأعداء الحسين عليه السلام؛ أعداء الله والإسلام، والسلام وحده لا يحلّ المشكلة، لأنّنا لا نستطيع أن ننتفع من بركات الحسين عليه السلام، إلّا إذا قمنا باللعن أولاً لأعدائه، ثمّ نرسل إليه التحية والسلام. والقرآن يذكر - أولاً - في صفات المؤمنين من أصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ﴾ الفتح:29، ثمّ يقول: ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾، فلا بدّ من وجود اللعن إلى جانب السلام، ولا بدّ من إظهار التبرّي والعداوة لأعداء الإسلام إلى جانب التولّي لأولياء الله، إذا كنّا بهذه الصورة فنحن حسينيون، وإلّا فإنّه لا ينبغي أن نلصق أنفسنا بالحسين عليه السلام من دون استحقاق.

عشرُ خصالٍ من الله تعالى لمُصَلّيها

صلاةٌ ودعاء في يوم عاشوراء

________ رواية الشيخ الطوسي قدّس سرّه________

* برواية عبد الله بن سنان، عن الإمام الصّادق عليه السلام، أوردَ الشيخ الطُّوسي قدّس سرّه في (مصباح المتهجِّد)، ضمن أعمال شهر محرَّم، عملاً يؤتى به يوم عاشوراء، وهو عبارة عن صلاة من أربع ركعات بصفةٍ خاصّة، يليها دعاءٌ جليل، ذاكراً في آخره جزيلَ ثوابه.

«شعائر»

«روى عبد الله بن سِنان قال: دخلتُ على سيِّدي أبي عبد الله جعفر بن محمّد (الصادق) عليهما السلام في يوم عاشوراء، فأَلْفَيْتُه كاسفَ اللَّون، ظاهرَ الحزن، ودموعه تنحدرُ من عينَيه كاللُّؤلؤ المتساقط.

فقلت: يا ابنَ رسول الله، ممَّ بكاؤك؟ لا أبكى اللهُ عينيك.

فقال لي: أوَ في غَفْلَةٍ أَنْتَ؟ أَما عَلِمْتَ أَنَّ الحُسَيْنَ بْنَ عَليٍّ أُصيبَ في مِثْلِ هَذا اليَوْمِ؟

فقلت: يا سيّدي فما قَوْلك في صومه؟

فقال لي: صُمْهُ مِنْ غَيْرِ تَبْييتٍ، وَأَفْطِرْهُ مِنْ غَيْرِ تَشْميتٍ، وَلا تَجْعَلْهُ يَوْمَ صَوْمٍ كَمَلاً، وَلْيَكُنْ إِفْطارُكَ بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ بِسَاعَةٍ عَلى شَرْبَةٍ مِنْ ماءٍ، فَإِنَّهُ في مِثْلِ ذَلِكَ الوَقْتِ مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ تَجَلَّتِ الهَيْجاءُ عَنْ آلِ رَسولِ اللهِ وَانْكَشَفَتِ المَلْحَمَةُ عَنْهُمْ، وَفي الأَرْضِ مِنْهُمْ ثَلاثونَ صَريعاً في مَواليهِمْ، يَعِزُّ عَلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ مَصْرَعُهُمْ، وَلَوْ كانَ في الدُّنْيا يَوْمَئِذٍ حَيّاً، لَكانَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ هُوَ المُعَزَّى بِهِمْ.

قال: وبكى أبو عبد الله عليه السلام حتى اخضلَّت لحيتُه بدموعِه، ثمَّ قال: ".."

يا عَبْدَ اللهِ بْنَ سنانٍ، إِنَّ أَفْضَلَ ما تَأْتي بِهِ في هَذا اليَوْمِ أَنْ تَعْمَدَ إِلى ثِيابٍ طاهِرَةٍ فَتَلْبَسَها وَتَتَسَلَّبَ.

قُلْتُ: وَما التَّسَلُّبُ؟

قالَ: تُحَلِّل أَزْرارَكَ (إِزارَكَ)، وَتَكْشِفُ عَنْ ذِراعَيْكَ كَهَيْئَةِ أَصْحابِ المَصائِبِ، ثُمَّ تَخْرُجُ إِلى أَرْضٍ مُقْفِرَةٍ أَوْ مَكانٍ لا يَراكَ بِهِ أَحَدٌ، أَوْ تَعْمدُ إلى مَنْزِلٍ لَكَ خالٍ، أَوْ في خَلْوَةٍ مُنْذُ حينَ يَرْتَفِعُ النَّهارُ، فَتُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعاتٍ تُحْسِنُ رُكوعَها وَسُجودَها وَخُشوعَها، وَتُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ:

تَقْرَأُ في الأُولى: سورَةَ (الحَمْدِ)، وَ(قُلْ يا أَيٌّها الكافِرونَ).

وَفي الثّانِيَةِ: (الحَمْدَ)، وَ(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).

ثُمَّ تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، تَقْرَأُ في الأولى: (الحَمْدَ) وَسورَةَ (الأَحْزابِ).

وَفي الثّانِيَةِ: (الحَمْدَ) وَ(إِذا جاءَك المُنافِقونَ)، أَوْ ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ تُسَلِّمُ وَتُحَوِّلُ وَجْهَكَ نَحْوَ قَبْرِ الحُسَيْنِ عليه السلام وَمَضْجَعِهِ، فَتُمَثِّلُ لِنَفْسِكَ مَصْرَعَهُ وَمَنْ كانَ مَعَهُ مِنْ وُلْدِهِ وَأَهْلِهِ، وَتُسَلِّمُ وَتُصَلِّي عَلَيْهِ، وَتَلْعَنُ قاتِليهِ وَتَبْرَأُ مِنْ أَفْعالِهِمْ، يَرْفَعُ اللهُ، عزَّ وجلَّ، لَكَ بِذَلِكَ في الجَنَّةِ مِنَ الدَّرَجاتِ وَيَحُطُّ عَنْكَ مِنَ السَّيِّئاتِ.

ثُمَّ تَسْعى مِنَ المَوْضِعِ الّذي أَنْتَ فيهِ إِنْ كانَ صَحْراءَ أَوْ فَضاءً - أَوْ أَيّ شَيْءٍ كانَ - خُطُواتٍ، تَقولُ في ذَلِكَ: (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ، رِضًى بِقَضاءِ اللهِ وَتَسْليماً لِأَمْرِهِ)، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ في ذَلِكَ الكآبَةُ وَالحُزْنُ؛ وَأَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ سُبْحانَهُ وَالاسْتِرْجاعِ [إنّا لله وإنّا إليه راجعون] في ذَلِكَ اليَوْمِ.

فَإذا فَرغْتَ مِنْ سَعْيك وَفِعْلِكَ هَذا، فَقِفْ في مَوْضِعِكَ الّذي صَلَّيْتَ فيهِ، ثُمَّ قُل:

اللَّهُمَّ عَذِّبِ الفَجَرَةَ الَّذينَ شاقُّوا رَسولَكَ وَحارَبُوا أَوْلِياءَكَ وَعَبَدُوا غَيْرَكَ وَاسْتَحَلُّوا مَحارِمَكَ، وَالْعَنِ القادَةَ وَالأَتْباعَ وَمَنْ كانَ مِنْهُمْ فَخَبَّ وأَوْضَعَ مَعَهُم أَوْ رَضِيَ بِفِعْلِهِمْ لَعْناً كَثيراً.

اللَّهُمَّ وَعَجِّلْ فرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْ صَلَواتِكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَاسْتَنْقِذْهُمْ مِنْ أَيْدي المُنافقينَ المُضِلِّينَ وَالكَفَرَةِ الجاحِدِينَ، وَافْتَحْ لَهُمْ فَتْحاً يَسيراً وَأَتِحْ لَهُمْ رَوْحاً وَفَرَجاً قَريباً، وَاجْعَلْ لَهُمْ مِنْ لَدُنْكَ عَلى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ سُلْطَاناً نَصِيراً.

ثُمَّ ارْفَعْ يَدَيْكَ وَاقْنُتْ بِهَذا الدُّعاءِ، وَقُلْ وَأَنْتَ تومِئُ إِلى أَعْداءِ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ:

اللَّهُمَّ إنَّ كَثيراً مِنَ الأُمَّةِ ناصَبَتِ المُسْتَحْفَظِينَ مِنَ الأَئِمَّةِ، وَكَفَرَتْ بِالكَلِمَةِ، وَعَكَفَتْ عَلى القادَةِ الظَّلَمَةِ، وَهَجَرَتِ الكتابَ وَالسُّنَّةَ، وَعَدَلَتْ عَنِ الحَبْلَيْنِ اللَّذَينِ أمَرْتَ بِطاعَتِهِما وَالتَّمَسُّكِ بِهِما، فَأَماتَتِ الحَقَّ وَجارَتْ عَنِ القَصْدِ وَمَالَأَتِ الأَحْزابَ، وَحَرَّفَتِ الكِتابَ، وَكَفَرَتْ بِالحَقِّ لمَّا جاءَها، وَتَمَسَّكَتْ بِالباطِلِ لمَّا اعْتَرَضَها، وَضَيَّعَتْ حَقَّكَ وَأَضَلَّتْ خَلْقَكَ، وَقَتَلَتْ أَوْلادَ نَبِيِّكَ وَخِيَرَةَ عِبادِكَ، وَحَمَلَةَ عِلْمِكَ وَوَرَثَةَ حِكمَتِكَ وَوَحْيِكَ.

اللَّهُمَّ فَزَلْزِلْ أَقْدامَ أَعْدائِكَ وَأَعْداءِ رَسُولِكَ وَأَهْلِ بَيْتِ رَسولِكَ، اللَّهُمَّ وَأَخْرِبْ دِيارَهُم وَافْلُلْ سِلاحَهُم، وَخالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِم وَفُتَّ في أَعْضادِهِم وَأَوْهِنْ كَيْدَهُم، وَاضْرِبْهُمْ بِسَيْفِكَ القاطِعِ وَارْمِهِم بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ، وَطُمَّهُمْ بِالبَلاءِ طَمّاً، وَقُمَّهُمْ بِالعَذابِ قَمّاً وَعَذِّبْهُم عَذاباً نُكْراً، وَخُذْهُمْ بِالسِّنينَ وَالمَثُلاتِ الَّتي أَهْلَكْتَ بِها أَعْداءَكَ، إِنَّكَ ذو نَقِمَةٍ مِنَ المُجرمينَ، اللَّهُمَّ إنَّ سُنَّتَكَ ضائِعَةٌ وَأَحكامَكَ مُعَطَّلةٌ وَعِتْرَةَ نَبِيِّكَ في الأَرْضِ هائِمَةٌ، اللَّهُمَّ فأَعِزَّ الحَقَّ وَأَهْلَهُ وَاقْمَعِ الباطِلَ وَأَهْلَهُ، وَمُنَّ عَلَيْنا بِالنَّجاةِ وَاهْدِنا إِلى الإيمانِ، وَعَجِّلْ فَرَجَنا وَانْظِمْهُ بِفَرَجِ أوْليائِكَ، وَاجْعَلْهُمْ لنَا وُدَّاً وَاجْعَلْنا لَهُمْ وَفْداً.

اللَّهُمَّ وَأَهْلِكْ مَنْ جَعَلَ يَوْمَ قَتْلِ ابْنِ نَبِيِّكَ وَخِيَرَتِكَ عِيداً وَاسْتَهَلَّ بِهِ فَرَحاً وَمَرَحاً، وَخُذْ آخِرَهُم كَمَا أَخَذْتَ أوَّلَهُمْ، وَأضْعِفِ اللَّهُمَّ العَذابَ وَالتَّنْكِيلَ على ظَالِمِي أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ، وَأَهْلِكْ أَشْياعَهُمْ وَقادَتَهُمْ، وَأَبِرْ حُماتَهُمْ وَجَماعَتَهُم.

اللَّهُمَّ وَضاعِفْ صَلواتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكاتِكَ على عِتْرَةِ نَبِيِّكَ؛ العِتْرَةِ الضَّائِعَةِ الخائِفَةِ المُسْتَذَلَّةِ (المستقلّة)، بَقِيَّةِ الشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ الزَّاكِيَةِ المُبارَكَةِ، وَأَعْلِ اللَّهُمَّ كَلِمَتَهُم وَأَفْلِجْ حُجَّتَهُم وَاكْشِفِ البَلاءَ وَاللَّأْواءَ [الشّدّة] وَحَنادِسَ الأَباطِيلِ وَالعَمَى عَنْهُمْ، وَثَبِّتْ قُلُوبَ شيعَتِهِمْ وَحِزْبِكَ عَلى طَاعَتِهِمْ وَوِلايَتِهِم وَنُصْرَتِهِم وَمُوالاتِهِم، وَأَعِنْهُمْ وَامْنَحْهُمُ الصَّبْرَ على الأَذَى فِيكَ، وَاجْعَلْ لهُم أَيّاماً مَشْهودَةً وَأوْقاتاً مَحْمُودَةً مَسْعُودَةً تُوشِكُ فيها فَرَجَهُمْ وَتُوجِبُ فيها تَمْكِينَهُم وَنَصْرَهُم، كَما ضَمِنْتَ لِأَوْلِيائِكَ في كِتابِكَ المُنْزَلِ، فإنَّكَ قُلْتَ وَقولُكَ الحَقُّ: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا.. النور:55.

اللَّهُمَّ فاكْشِفْ غُمَّتَهُمْ، يا مَنْ لا يَمْلِكُ كَشْفَ الضُّرِّ إلَّا هُوَ، يا أَحَدُ يا حَيُّ يا قَيُّومُ. وَأَنَا يَا إلَهِي عَبْدُكَ الخَائِفُ مِنْكَ وَالرَّاجِعُ إِلَيْكَ، السَّائِلُ لَكَ المُقْبِلُ عَلَيْكَ، اللَّاجِئُ إِلى فِنائِكَ العالِمُ بَأَنَّهُ لا مَلْجَأَ مِنْكَ إلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ فَتَقَبَّلْ دُعَائِي وَاسْمَعْ يا إِلَهي عَلانِيَتِي وَنَجْوايَ، وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ رَضِيتَ عَمَلَهُ وَقَبِلْتَ نُسُكَهُ وَنَجَّيْتَهُ بِرَحْمَتِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ العَزيزُ الكَريمُ.

اللَّهُمَّ وَصَلِّ أوَّلاً وَآخِراً على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَبارِكْ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَارْحَمْ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ بأكْمَلِ وَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ على أَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَمَلائِكَتِكَ وَحَمَلَةِ عَرْشِكَ، بِلا إِلَهَ إلَّا أَنْتَ. اللَّهُمَّ وَلا تُفَرِّقْ بَيْني وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَاجْعَلْنِي يا مَوْلايَ مِن شِيعَةِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ وَذُرِّيَّتِهِمُ الطَّاهِرَةِ المُنْتَجَبَةِ، وَهَبْ لِيَ التَّمَسُّكَ بِحَبْلِهِم وَالرِّضا بِسَبيلِهِمْ وَالأَخْذَ بِطَرِيقَتِهِمْ، إِنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ.

ثُمَّ عَفِّرْ وَجْهَكَ في الأَرْضِ، وَقُلْ:

يا مَنْ يَحْكُمُ ما يَشاءُ ويَفْعَلُ ما يُريدُ، أنتَ حَكَمْتَ فلَكَ الحَمْدُ مَحْمُوداً مَشْكُوراً، فَعَجِّلْ يا مَوْلايَ فَرَجَهُمْ وَفَرَجَنا بِهِمْ، فَإِنَّكَ ضَمِنْتَ إعْزازَهُم بَعْدَ الذِّلَّةِ وتَكْثِيرَهُمْ بَعْدَ القِلَّةِ وَإظْهارَهُمْ بَعْدَ الخُمُولِ، يا أَصْدَقَ الصَّادِقِينَ وَيا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ.

فَأَسْأَلُكَ يَا إِلَهي وَسَيِّدي مُتَضَرِّعاً إِلَيْكَ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ بَسْطَ أَمَلي، وَالتَّجَاوُزَ عَنِّي، وَقَبُولَ قَليلِ عَمَلِي وكَثيرِهِ، وَالزِّيادَةَ في أَيَّامي وَتَبْليغي ذَلِكَ المَشْهَدَ، وَأَنْ تَجْعَلَنِي مِمَّنْ يُدْعَى فَيُجِيبُ إِلى طاعَتِهِمْ وَمُوالاتِهِمْ وَنَصْرِهِمْ، وَتُرِيَني ذلكَ قَريباً سَرِيعَاً في عافِيَةٍ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ.

ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ إِلى السَّماءِ وَقُلْ:

أَعوذُ بِكَ أَنْ أَكونَ مِنَ الَّذينَ لا يَرجُونَ أيَّامَكَ، فأَعِذْنِي يا إِلَهي بِرَحْمَتِكَ مِنْ ذَلِكَ.

(ثمّ قال عليه السلام): فَإنَّ هَذا أَفْضَلُ يا ابْنَ سِنانٍ مِنْ كَذا وَكَذا حِجَّةٍ، وَكذا وَكذا عُمْرَةٍ تَتَطَوَّعُها وَتُنْفِقُ فيها مالَكَ، وَتُنْصِبُ فيها بَدَنَكَ، وَتُفارِقُ فيها أَهْلَكَ وَوُلْدَكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ تَعالى يُعْطي مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلاةَ في هَذا اليَوْمِ، وَدَعا بِهَذا الدُّعاءِ مُخْلِصاً، وَعَمِلَ هَذا العَمَلَ موقِناً مُصَدِّقاً عَشْرَ خِصالٍ، مِنْها: أَنْ يَقِيَهُ اللهُ مِيْتَةَ السُّوء، وَيؤمِنَهُ مِنَ المَكارِهِ وَالفَقْرِ، وَلا يُظْهِرَ عَلَيْهِ عَدُوّاً إِلى أَنْ يَموتَ، وَيوقِيهُ اللهُ مِنَ الجُنونِ وَالجُذامِ وَالبَرَصِ في نَفْسِهِ وَوُلْدِهِ إِلى أَرْبَعَةِ أَعْقابٍ لَهُ، وَلا يَجْعَلُ للشَّيْطانِ وَلِأَوْلِيائِهِ عَلَيْهِ وَلا عَلى نَسْلِهِ إِلى أَرْبَعَةِ أَعْقابٍ سَبيلاً.

قال ابنُ سِنان: فانصرفتُ وأنا أقول: الحمدُ للهِ الذي مَنَّ عليَّ بمعرفتِكم وحبِّكم، وأسأله المعونةَ على المفترَضِ عليَّ من طاعتكم بمنِّه ورحمتِه».

 

وِردُ المحمّديّين على مرّ القرون

زيارة عاشوراء، ضمان الله تعالى

§        الشيخ حسين كوراني

* «إنِ استطعتَ أنْ تزورَه بها في كلّ يومٍ من دهرك فافعَل، هذا هو العنوان العام الذي حدّده الإمام الباقر عليه السلام، لعلاقة المحمّديّ بزيارة عاشوراء. ولم يرِد مثل هذا الحثّ اليومي، أبد الدهر، على أيّ زيارة غير زيارة عاشوراء».

ما يلي، فقرات منتخبة من محاضرات للعلامة الشيخ حسين كوراني ألقاها خلال شهري محرّم وصفر في «المركز الإسلامي» في بيروت.

«شعائر»

 

قبل بدء الخلق كان محمّدٌ صلّى الله عليه وآله سرَّ الخلق، وكان الحسين سرَّ السرّ. وكان أبرز ما في البعثة النبوية الأعظم في المدى العمليّ: التخطيط لعاشوراء في كربلاء.

والحسينُ من رسول الله صلّى الله عليه وآله، ورسول الله صلّى الله عليه وآله من الحسين، فهي عاشوراء رسول الله صلّى الله عليه وآله.

محمّديّة الحسين جوهر حسينيّة كلّ محمّديّ.

قبل بدء الخلق كان محمّدٌ صلّى الله عليه وآله سرَّ الخلق، وكان الحسينُ سرَّ السر.

وكان التسعة المعوَّض بهم من شهادته، سائر أقمار الحقيقة المحمّدية بعدَ عليٍّ والزهراء والحسنَين عليهم السلام.

لولا محمّدٌ صلّى الله عليه وآله لم يخلق الله آدمَ عليه السلام. ولولا الحقيقة المحمّدية لطُمست أعلام النبوّة.

ولولا الحسين لضاعت جهود الحقيقة المحمّدية، كما ضاعت جهود الأنبياء الذين تعرّضت رسالاتهم للتحريف.

حفظ اللهُ تعالى بالحسين توحيد الناس لربّ العالمين. لولا دمُ الحسين لارتدّ الناس إلى عبادة اللات وعُزَّى وهُبل.

شاء الله أن يحفظ الذّكر بالحسين. والمعنى: حفظ اللهُ بالحسين القرآنَ والإنجيل والتوراة والزبور. ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ الأنبياء:105. وهم الحسين والحسينيّون. أولاد الحسين، وأصحاب الحسين. إنهم مهديُّ الحسين وجندُه، تحت شعار: يا لثارات الحسين؛ ليتحقّق بالحسين والحسينيين - بإذن الله تعالى - وعد مَن لا يُخلف الميعاد: ﴿..لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ التوبة:33.

**

قبل بدء الخلق كان محمّد صلّى الله عليه وآله سرّ الخلق، وكان الحسين سرَّ السر.

وكان أبرز ما في البعثة النبوية الأعظم في المدى العمليّ: التخطيط لعاشوراء في كربلاء!

من محطات هذا التخطيط النبوي بأمرٍ من الله تعالى:

* قبل ولادة الحسين تحدّث سيّد النبيّين عن عاشوراء. ويوم ولادة الحسين كنّاه بعبد الله الرضيع، وبكى، وقال: «ما لي وليزيد؟ عزيز عليَّ أبا عبد الله».

* وتوافدَ كبارُ سادات الملائكة، ومنهم جبريل وملك القَطْر، وأفواج الملائكة يزفّون التهاني بالولادة والشهادة! ويقدّمون لرسول الله صلّى الله عليه وآله، تربةً حمراء؛ هي تربة كربلاء.

* وفي موسم التبريك الإلهي وفَوْجٌ من الملائك يصعد، وفوجٌ يتبرّك، تمّ تثبيت الهدف الذي يتحقّق بعاشوراء رسول الله صلّى الله عليه وآله بالحسين، عندما «عاذ فُطرس بمهده» فالفطرة التي فطر الله الناس عليها هي التوحيد، أي التعقّل: «بكَ أُثيب وبك أُعاقِب» وهي مهدّدة بالاستلاب لولا دمُ الحسين.

* «ابناي هذان إمامان، قاما، أو قعدا» تظهيرٌ لحقيقة عاشوراء. تحفُّزٌ وإعداد، ثم القيام. وذكر القيام أولاً يشير إلى الهدف. ثم إنّ القيام – بعدُ - يُنسب إلى الحسنَين، وقد شارك الحسين إمام زمانه الحسنَ الإعداد في مرحلته.

* وكما استدعى التخطيط المحمّديّ لعاشوراء: تعيين القيادة، وتحديد المهمّة: «حفظ إمكانيّة سلامة الفطرة» و«حفظ الذّكر»، فقد استدعى أن يكون حديث عاشوراء حاضراً دائماً في البلاغ النبويّ كما تُجمع عليه الأمّة:  ثناءً على الحسين، من خصائصه: «حسينٌ منّي وأنا من حسين». وحثّاً للصحابة عموماً ولأفراد محدّدين منهم على نصرة الحسين، وبكاءً على الحسين، وإبكاءً، ونشيجاً، ونحيباً، في اللقاءت الخاصة، والمجالس العامة، وعلى المنبر!

ما أكثر التفاصيل الكربلائية التي عني بها رسول الله صلّى الله عليه وآله. ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ النجم:3.

تفاصيل لكنّها مفصلية، كحديث تكنية الحسين بأبي عبد الله، أو حديث «قاطع السدرة».

* واستدعى اكتمال التخطيط المحمّديّ - بأمر الله تعالى - لعاشوراء، استدرار دمعة الأجيال على الحسين، فهو قتيل العبرة. ثار الله. ولقتله في «قلوب المؤمنين حرارةٌ لن تبردَ أبداً». «مَن بَكى أو تَباكى عليه فلهُ الجنّة». الدمعة ثمرة مخاضٍ فكريّ وروحيّ، والتباكي – بصدق - سفرٌ في النفس والآفاق للوصول إلى التوحيد. ﴿..فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا..﴾ الروم:30.

* روى الشيعة والسنة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، أنّه قال لعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام - واللفظ هنا للترمذيّ - «أنا سِلْمٌ لمَن سالمتُم، وحربٌ لمَن حاربتُم».

فهل ندرك أنّ هذا تأصيلٌ نبويّ إلهيّ لِكُفر مَن حارب أهل البيت، وخصوصاً في كربلاء؟

* ولأجل العِبرة والعَبرة، كان لا بدّ من الحثّ على المجالس ورسم إطارها باستثناء كلِّ جزع على الحسين عليه السلام من الجزع المذموم.

* جميع ما سلف تمّ بيانه المحمّدي في سياق انتظار «قائم آل محمّد الطالب بِدَم المقتول بكربلاء»، فإذا الدنيا كلّها – بمحمّديّة الحسين - حسينيّة. «كلّ أرضٍ كربلاء وكلُّ يومٍ عاشوراء».

ولتكتمل منظومة ثقافة عاشوراء رسول الله صلّى الله عليه وآله، كان لا بدّ من العناية النبويّة بزيارة الحسين جيلاً بعد جيل. أوفد رسول الله صلّى الله عليه وآله، الصحابيّ الظاهرة جابر بن عبد الله الأنصاري إلى كربلاء في أربعين الحسين ليزوره، ويعلّم الأجيال زيارة الأربعين، التي ظلّت الزيارة الوحيدة للحسين في الأربعين إلى عصر الإمام الصادق عليه السلام، فأضاف إليها الزيارة الثانية في الأربعين.

وقد تجلّت العناية النبويّة - وعناية الحقيقة المحمّدية كلّها نبويّة - بإطلاق الإمامين الباقر والصادق ورد المحمديّين الأول في عالم الزيارات: «زيارة عاشوراء».

* مَن قرأ زيارة عاشوراء، فقد دخل في ضمان الله تعالى في عنوانٍ عظيم هو: ثواب المقرَّبين.

* ومَن دعا بعدها بدعاء «صَفْوان» المعروف بدعاء عَلْقمة، دخل – بالإضافة إلى ثواب المقرّبين - في عنوانٍ عظيم هو «قضاءُ الحوائج بالغاً ما بلغ» في طلبها.

* ضمان الله تعالى، نقله جبرئيل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، وحدَّث به الإمام الصادق عليه السلام، نقلاً عن آبائه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، عن جبرئيل، عن الباري جلّ جلاله.

«إنِ استطعتَ أنْ تزورَه بها في كلّ يومٍ من دهرك فافعَل»، هذا هو العنوان العام الذي حدّده الإمام الباقر عليه السلام، لعلاقة المحمّدي بزيارة عاشوراء.

ولم يرِد مثل هذا الحثّ اليومي، أبدَ الدهر، على أيّ زيارة غير زيارة عاشوراء.

 وبعد مدّة من صدور هذا التوجيه النبويّ، أصدر الإمام الصادق عليه السلام، توجيهاً نبويّاً آخر حول قراءة زيارة عاشوراء لقضاء الحوائج، لتوجيه الأجيال عبر القرون إلى حلّ مشاكلهم بالتوجّه إلى الله تعالى من باب سرِّ سرّ الخلق، الحسين عليه السلام، عبر زيارة عاشوراء.

الروايتان الأبرز لزيارة عاشوراء

الأولى: مرويّة عن الإمام الباقر عليه السلام، وليس فيها حديثٌ عن قضاء الحوائج، بل يتركّز الحديث فيها عن ثوابٍ يُبهر العقول، هو ثواب يُعطيه الله تعالى لأقرب الخلق إليه سبحانه.

الثانية: مرويّة عن الإمام الصادق عليه السلام، وهي خاصّة بقضاء الحوائج.

والروايتان كما يلي:

* عن الإمام الباقر عليه السلام: قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة: «شرحُ زيارة أبي عبد الله عليه السلام في يوم عاشوراء من قرب أو بُعد: روى محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

مَن زار الحسين بن عليّ عليهما السلام في يوم عاشوراء من المُحرّم، حتى يظلّ عنده باكياً، لقيَ اللهَ عزّ وجلّ يومَ يلقاه بثواب ألفَي حِجَّة، وألفَي عُمرة، وألفَي غزوة، ثوابُ كلّ غَزْوَةٍ وحِجّةٍ وعُمرة، كَثوابِ مَن حجَّ واعتمرّ وغزا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومع الأئمّة الراشدين.

 قال: قلت: جُعلت فداك، فما لمَن كان في بعيد البلاد وأقاصيها، ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟

 قال: إذا كان كذلك برزَ إلى الصّحراء، أو صعدَ سطحاً مرتفعاً في داره، وأوْمَأ إليه بالسلام واجتَهدَ في الدّعاء على قاتلِيه، وصلّى من بعدُ ركعتَين، وليكُن ذلك في صدرِ النّهار قبلَ أنْ تزولّ الشمسُ، ثمّ لِيَندب الحسينَ عليه السلام ويَبكيه، ويَأمر مَن في دارِه ممّن لا يتّقيه بالبكاءِ عليه، ويُقيم في دارِه المصيبة بإظهارِ الجَزَع عليه، ولْيُعَزِّ بعضُهم بعضاً بِمصابِهم بالحسين عليه السلام، وأنا الضامنُ لهم إذا فعلوا ذلك - على الله تعالى - جميع ذلك.

 قلت: جعلتُ فداك أنت الضّامن ذلك لهم والزعيم؟

 قال: أنا الضّامن وأنا الزّعيم لمَن فعل ذلك.

 قلت: فكيف يعزّي بعضُنا بعضاً؟

قال: تقولون: (أعظَمَ اللهُ أجورَنا بِمصابِنا بالحسين، وجَعلَنا وإيّاكم من الطّالِبين بثارِه مع وليَّه الإمام المهديّ من آلِ محمّدٍ عليهم السلام).

وإنِ استَطعتَ أنْ لا تَنتشرَ يومك في حاجةٍ فافعلْ، فإنّه يوم نحسٍ لا تُقضى فيه حاجةُ مؤمنٍ، فإنْ قُضيت لم يُبارَك ولم يرَ فيها رشداً، ولا يَدَّخِرَنَّ أحدكُم لِمنزلِه فيه شيئاً، فمنِ ادّخَرَ في ذلك اليوم شيئاً لم يُبارَك له في ما ادّخَره ولم يُبارَك له في أهلِه. فإذا فعلوا ذلك كَتبَ اللهُ تعالى لهم ثوابَ ألفِ حِجّةٍ، وألفِ عُمرةٍ، وألفِ غزوةِ كلّها مع رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان لهُ أجرُ وثوابُ مصيبةِ كلِّ نبيٍّ ورسولٍ ووصيٍّ وصدّيقٍ وشهيدٍ، ماتَ أو قُتل منذ خَلقَ اللهُ الدّنيا إلى أنْ تقومَ الساعة.

قال صالح بن عقبة وسيف بن عميرة: قال علقمة بن محمّد الحضرميّ: قلت لأبي جعفر عليه السلام: علِّمني دعاءً أدعو به ذلك اليوم إذا أنا زرتُه من قُربٍ، ودعاءً أدعو به إذا لم أزره من قُربٍ وأَوْمأتُ من بُعد البلاد ومن داري بالسلام إليه. قال: فقال لي:

يا علقمة، إذا أنتَ صلَّيتَ الركعتَين بعد أنْ تومي إليه بالسلام، فَقُل بعد الإيماءِ إليه من بعدِ التكبير هذا القول، فإنّك إذا قلتَ ذلكَ فقد دَعوتَ بما يدعو به زُوَارُه من الملائكة، وكَتبَ اللهُ لك مائةَ ألفِ ألف درجة، وكنتَ كمَن استُشهدَ مع الحسين عليه السلام، حتى تُشاركَهم في درجاتِهم ولا تُعرف إلّا في الشّهداء الذين استُشهِدوا معه، وكُتب لك ثواب زيارة كلِّ نبيٍّ وكلِّ رسولٍ، وزيارةِ كلّ مَن زار الحسينَ عليه السلام، منذُ يوم قُتل عليه السلام وعلى أهل بيتِه».

ثمّ أورد الشيخ الطوسي زيارة عاشوراء، التي عَلَّمها الإمام الباقر عليه السلام لعلقمة.

وبعد أن أورد الشيخ الطوسي الزيارة بتمامها، أورد ما يلي:

«قال علقمة: قال أبو جعفر عليه السلام: إنِ استطعتَ أنْ تَزورَه في كلِّ يومٍ بهذه الزيارة من دارِك فافْعَلْ، ولكَ ثوابُ جميع ذلك».

 

* الرواية الثانية عن الإمام الصادق عليه السلام

قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة: «.. وروى محمّد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة، قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال، وعندنا جماعة من أصحابنا إلى الغريّ بعد ما خرج أبو عبد الله (الصادق) عليه السلام، فسرنا من الحِيرة إلى المدينة، فلمّا فرغْنا من الزيارة صرف صفوان وجهَه إلى ناحية أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فقال لنا: تزورون الحسين عليه السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام من هاهنا؛ أومأ إليه أبو عبد الله الصادق عليه السلام وأنا معه، قال: فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام في يوم عاشوراء، (أي الزيارة التي تقدّم أنّ الإمام الباقر علّمها لعلقمة)، ثمّ صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام وودّع في دبرها أمير المؤمنين، وأومأ إلى الحسين بالسلام منصرفاً وجهُه نحوَه، وودّع، وكان في ما دعا في دُبُرِها : يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ يا مجيبَ دعوة المضطرّين (وأورد تمام الدعاء الذي يدعى به بعد الزيارة وقد اشتهر خطأ بدعاء علقمة، والصحيح: دعاء صفوان).

قال سيف بن عميرة: فسألت صفوان، فقلت له: إنّ علقمة بن محمّد الحضرمي، لم يأتنا بهذا عن أبي جعفر عليه السلام، إنّما أتانا بدعاء الزيارة، فقال صفوان: وَرَدْتُ مع سيّدي أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام إلى هذا المكان، ففَعلَ مثل الذي فعلناه في زيارتنا، ودعا بهذا الدّعاء عند الوداع بعد أنْ صلّى كما صلّينا، وودّع كما ودّعنا».

ضمان الله تعالى

ثمّ قال لي صفوان: قال لي أبو عبد الله (الصادق) عليه السلام : تعاهدْ هذه الزيارة، وادعُ بهذا الدعاء، وزُرْ به، فإنّي ضامنٌ على الله تعالى لكلِّ مَن زارَ بهذه الزيارةِ ودعا بهذا الدّعاء مِن قُربٍ أو بُعدٍ، أنّ زيارتَه مقبولةٌ، وسعيَه مشكورٌ، وسلامَه واصلٌ غير محجوب، وحاجتَه مقضيّةٌ من الله بالغاً ما بلغتْ ولا يخيّبه. يا صفوان وجدتُ هذه الزيارة مضمونةً بهذا الضمان عن أبي، وأبي عن أبيه عليّ بن الحسين عليهم السلام، مضموناً بهذا الضمان، والحسين عن أخيه الحسن مضموناً بهذا الضمان، والحسن عن أبيه أمير المؤمنين مضموناً بهذا الضمان، وأمير المؤمنين عن رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مضموناً بهذا الضمان، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن جبرئيل عليه السلام مضموناً بهذا الضمان، وجبرئيل عن الله عزّ وجلّ مضموناً بهذا الضمان، قد آلى اللهُ على نفسِه عزّ وجلّ، أنّ مَن زار الحسين عليه السلام بهذه الزيارة من قُربٍ أو بُعدٍ ودعا بهذا الدعاء، قبلتُ منه زيارتَه، وشفَّعته في مسألته بالغاً ما بلغ (بلغتْ)، وأعطيتُه سؤلَه، ثمّ لا ينقلب عنّي خائباً، وأَقلبه مسروراً قريراً عينُه بقضاء حاجته، والفوزِ بالجنّة، والعتقِ من النّار، وشفَّعته في كلِّ مَن شفَع - خلا ناصبٍ لنا أهلَ البيت- آلى اللهُ تعالى بذلك على نفسه، وأشهَدَنا بما شهدَت به ملائكةُ ملكوته على ذلك. ثمّ قال جبرئيل: يا رسول الله أرسلَني إليك سروراً وبشرىً لك، وسروراً وبشرى لعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين وإلى الأئمّة من وُلدِك إلى يوم القيامة، فدامَ يا محمّد سرورُك وسرورُ عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة وشيعتِكم إلى يوم البعث.

ثمّ قال صفوان: قال لي أبو عبد الله (الصادق) عليه السلام: يا صفوان، إذا حدَث لكَ إلى الله حاجةً فزُر بهذه الزيارة من حيثُ كنتَ، وادعُ بهذا الدعاء وسَلْ ربَّك حاجتك تأتِك من الله، واللهُ غيرُ مخلفٍ وعدَه ورسولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم بمنِّه والحمد لله.

**

زيارة عاشوراء – إذاً - هي من كلام الله تعالى؛ فهي في صفّ الأحاديث القدسيّة كما يصرّح بعض العلماء، وقد تمّ التخطيط لها في فترة نزول الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلّا أنّ إعلانها كان على مرحلتين: الأولى: على يد الإمام الباقر عليه السلام. والثانية: بإضافة عنوان «قضاء الحوائج» كانت على يد الإمام الصادق عليه السلام، فلا عجبَ أن تكون هذه الزيارة الإلهية، الزيارة الأشهر عبر الأجيال، وأن تكون وِرد المحمّديين عبر القرون.

 

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 5 أيام

أرشيفو

نفحات