الوجدان أحقُّ بالاتّباع من البرهان
تحديد المراد من
العقل
ـــــــــــــــــــــ المرجع
الديني السيّد محمّد
سعيد الحكيم ـــــــــــــــــــــ
ورد
في الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّه قال: «لا دينَ لِمَن لا عَقلَ
له».
وفي
حديث الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام، الذي رواه الشيخ الكليني في
(الكافي) أنّ الدِّين والحياء أُمِرا بأنْ يلازما العقل حيثما كان.
وليس
المراد من العقل - في هاتين الروايتين ونظائرهما - الاستدلالات العقلية المعقّدة
المبنية على مقدّمات برهانية دقيقة، تحتاج إلى خبرة عالية يفقدها الكثيرون، بل
«العقل الجليّ»، بالرجوع إلى المرتكزات الوجدانية التي أودعها الله تعالى في
الإنسان بفطرته، والتي بها تحديد الحقّ من الباطل، وتحديد مدلول الكلام وما تقتضيه
مناسبات المقام، والتي هي المدار في العذر والمسؤولية عند عامّة العقلاء، والتي
يكون الخروج عنها مخالفة للوجدان حسبما يدركه الإنسان لو خُلّي وطبعه، حيث يستطيع
بسببها كلّ إنسان كامل الإدراك يهمّه الوصول للحقّ، استيضاح الحقيقة وتمييز الأدلّة
الصالحة للاستدلال عليها من أقصر الطرق وأيسرها..
ولا
سيّما أنّ الله تعالى حينما أنزل دينه وشرعه فرضه على الناس عامّة، وألزمهم به،
فلا بدّ من وضوح حجّته بحيث يدركها الكلّ، وذلك لا يكون إلّا بالرجوع للطريق
المذكور، الذي يملكه الكلّ، ويتيسّر لهم الرجوع إليه والاستعانة به على معرفة
الحقيقة، دون الاستدلالات العقلية المعقّدة التي لا يقدر عليها إلّا الخاصّة بعد
جهدٍ جهيد، وتارة: يوفَّقون فيها ويسدَّدون، وأخرى: يخطِئون فيها ويضلّون، لِخطأ
المقدّمات التي اعتمدوها، أو قصورها عن إفادة النتائج التي استنتجوها منه.
نعم،
لا بأس بالاستظهار لمعرفة الحقيقة وتأكيد الحجّة الواضحة عليها بالاستدلالات
العقلية المعقّدة، التي لا يقوى عليها إلّا ذوو المقام الرفيع في المعرفة
والتحقيق.
لكن
يلزم التثبّت والتروّي والحذر الشديد من مصادمتها للوجدان والخروج بها عنه، فإنّ مَن
يعتمد تلك الاستدلالات ويألفها قد يعتزّ بها ويتفاعل معها، حتّى لو صادمت الوجدان
وخالفت المرتكزات العامّة التي أودعها الله تعالى في الإنسان، وبها يحتجّ عليه،
وهو خطأ فادح لا يصلح عذراً بمقتضى الفطرة السليمة، التي عليها المدار في استحقاق
المدح والثواب، واللّوم والعقاب.
والحقيقة
أنّه لا بدّ من التوافق بين العقل الوجداني والبرهان العقلي مهما تعقّد. أمّا لو اصطدم
البرهان بالوجدان وخرج عن مقتضاه، فلا بدّ من التوفيق بينهما، وكثيراً ما يتيسّر
ذلك للناقد المتبصِّر، ولو تعذّر التوفيق بينهما تعيّن الإعراض عن البرهان، لكونه
شبهة في مقابل البديهة، ومرجع ذلك للعلم بخلَلٍ في الاستدلال، وقصورٍ في بعض مقدّماته
إجمالاً، وإن تعذّر تمييزه تفصيلاً.
___________________________
* مختصر عن كتابه (أصول العقيدة)