﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ
فَتَرْضَى﴾
موجز في تفسير سورة الضحى
ـــــــــــــــــ
إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــ
* السورة
الثالثة والتسعون في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، نزلت بعد سورة «الفجر».
* سُمّيت بـ«الضحى»
لابتدائها بعد البسملة بقوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾. و«الضّحى»:
هو انبساطُ الشمس وامتدادُ النهار. أما سُجُوّ اللّيل: فسكونُه وغشيان
ظلمته.
* آياتها إحدى عشرة،
وهي مكيّة، وفي الحديث النبويّ الشريف أنّ «مَن قرأها كان ممّن يرضاه الله، ولِمحمّدٍ (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) أن يشفعَ له، وله عشرُ حسناتٍ بعددِ كلِّ يتيمٍ وسائل».
* ما يلي موجز في التعريف بهذه السورة المباركة
اخترناه من تفاسير: (نور الثّقلين)، و(الميزان)، و(الأمثل).
|
تذكر
الروايات أنّ سورة (الضحى)، والتي تليها (الانشراح) سورة واحدة، ولذلك لا بدّ من قرائتهما
معاً بعد سورة (الحمد) في الصلاة، لوجوب قراءة سورة كاملة بعد (الفاتحة) في الصلاة،
ونظير ذلك في سورتي (الفيل) و(قريش).
ولو
أمعنّا النظر في سورتَي (الضحى) و(الانشراح) لَألفينا ارتباط موضوعاتهما ارتباطاً وثيقاً
يحتّم أن تكون الثانية استمراراً للأولى، وإنْ فصلتْ بينهما البسملة.
محتوى السورة
تبدأ
السورة بقَسَمَين، ثمّ تبشر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بأنّ الله تعالى لا يتركه
أبداً، ثمّ تبشّره بعطاء ربّاني تجعله راضياً، ثمّ تعرض له صوراً من حياته السابقة
تتجسّد فيها الرحمة الإلهية التي كانت تشمله دائماً، وتحميه، وتسنده في أشدّ اللحظات.
وفي
نهاية السورة تتكرّر الأوامر الإلهيّة برعاية اليتيم والسائل، وبإظهار النعم الإلهية
شكراً لله تعالى عليها.
فضيلتها
*
عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: «مَن قَرأها كان مِمّن يَرضاهُ اللهُ،
ولِمحمّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنْ يَشفَعَ له، ولهُ عشرُ حَسناتٍ بِعددِ كلّ
يتيمٍ وسائل».
*
وعن الإمام الصادق عليه السلام: «مَن أكثرَ قراءة (والشّمس)، و(واللّيل إذا يغشى)،
و(والضحى)، و(ألم نشرح) في يومٍ أو ليلةٍ لم يبقَ شيءٌ بِحضرتِه إلّا شَهدَ له يومَ
القيامةِ ".." ويقولُ الربُّ تباركَ وتَعالى: قَبِلتُ شَهادتَكُم لِعَبدي
وأَجزْتُها لهُ، انطلِقوا بِه إلى جِناني حتّى يَتَخيّرَ منها حيثُ ما أحَبّ..».
تفسير آيات من سورة الضّحى
قوله
تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ الآية:5.
* عن الإمام الصادق
عليه السلام في تفسير الآية: «يُعطيكَ مِن الجنّةِ حتّى تَرضى».
* وعنه عليه
السلام: «رِضى جدّي أنْ لا يَبقَى في النّارِ مُوَحِّدٌ».
قوله
تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى * وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ الآيات:6-8.
*
عن الإمام الرضا عليه السلام في تفسير الآيات: ألم يجدكَ «فَرداً لا مثلَ لكَ في
المَخلوقينَ فآوَى النّاسَ إليكَ، وَوَجَدَكَ ضالّاً في قَومٍ لا يَعرفونَ فَضلَكَ
فَهَداهُم إليك، وَوَجَدَكَ عائِلاً تَعُولُ أقواماً بِالعِلمِ فأَغناهُم اللهُ بكَ».
*
قال العلّامة الطباطبائي في قوله تعالى ﴿وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَى﴾: «المراد بكونه
صلّى الله عليه وآله وسلّم (ضالّاً) حالُه في نفسه مع قطع النظر عن هدايته تعالى...
وإنْ كانت الهداية الإلهية ملازمة لها منذ وُجدت... وقيل: المعنى: وجدك ضالّاً بين
الناس لا يعرفون حقّك فهداهم إليك ودلّهم عليك».
قوله
تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ الآية:9.
عن
الإمام زين العابدين عليه السلام: «الذّنوبُ التي تحبِسُ غيثَ السماء: جَورُ الحكّامِ
في القضاء ".." وظلمُ اليتيمِ والأرملة ..».
قوله
تعالى: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ الآية:10.
*
عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا تَقطعُوا على السّائلِ مسألتَه، فلولا
أنّ المَساكينَ يَكذبون ما أَفلَحَ مَن رَدّهم».
*
وعن الإمام الباقر عليه السلام: «لو يَعلم السائلُ ما في المسألةِ ما سألَ أحدٌ
أحداً، ولو يَعلم المُعطي ما في العطيّةِ ما ردَّ أحدٌ أحداً».
قوله
تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ الآية:11.
*
الإمام الحسين عليه السلام: «أمَرَهُ أنْ يُحدِّثَ بما أنعمَ اللهُ عليه من دِينِه».
*
الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أنعمَ اللهُ على عَبدِه بِنعمةٍ فظَهرَت عليه سُمّي
حبيبَ الله، محدِّثاً بنعمة الله، وإذا أنعمَ اللهُ على عبدِه بنعمةٍ فلمْ تَظهرْ عليه
سُمّي بَغيضَ الله، مكذِّباً بنعمة الله».
* وعنه عليه السلام:
«إنّني لَأكرهُ لِلرّجلِ أن يكونَ عليه من اللهِ نعمةٌ فلا يُظهرها».
سبب نزول السورة
روي
عن ابن عباس أنّه قال: «احتبس الوحي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خمسة عشر
يوماً، فقال المشركون: إنّ محمّداً قد ودّعه ربُّه وقلاه (أي أبغضَه) ولو كان أمرُه من الله لَتتابع عليه، فنزلتْ السورة».
وروي
أنّه لمّا نزلتْ قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لجبرئيل عليه السلام: «ما
جئتَ حتّى اشتقتُ إليك».
فقال
جبرائيل: «وأنا كنتُ أشدَّ إليك شوقاً، ولكنّي عبدٌ مأمور، وما نتنزّلُ إلّا بِأمرِ
ربّك».
واختلفت
الروايات في مدّة انقطاع الوحي، فقيل اثنا عشر يوماً، وقيل خمسة عشر، وقيل تسعة عشر،
وقيل خمسة وعشرون، وقيل أيضاً أربعون. وفي رواية أنّها ليلتان أو ثلاث.
وعن
جابر الأنصاريّ قال: «رأى النبيّ صلّى الله عليه وآله فاطمةَ عليها السلام وعليها كساءٌ...
وهي تطحن بيديها... فدمعت عينا
رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: (يا بِنتاهُ تعجّلي مرارةَ الدّنيا بِحلاوةِ
الآخرة).
فقالت:
(يا رسولَ الله، الحمدُ لله على نَعمائه والشّكرُ للهِ على آلائِه). فأنزل الله
عزّ وجلّ: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾».