الفتى
العَجول يُذيب «مُدن الملح»
خفايا الصراع الدموي داخل أروقة القصور السعودية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. رفعت سيد أحمد* ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل كان مفاجئاً ما قام
به محمّد بن سلمان حين أطاح بأبرز منافسيه السياسيين والاقتصاديين، بضربة استباقية
(11 أميراً و38 وزيراً ونائب وزير ورجال أعمال كبار) ليخلو له الطريق إلى العرش؟
الإجابة وباختصار: لم
يكن الأمر مفاجئاً للمراقبيين المتابعين بعمق لتطوّرات الأوضاع في مملكة آل سعود
منذ توليّ الملك سلمان للحُكم في (23/1/2015)، لقد كانت الخطوات واضحة لدى الأب
والابن الطموح في جعل الأمر كله في «آل سلمان»، ومع مرض الملك والذي أُشيع أنه قد
وصل إلى حد التأثير العقلي، كانت قفزات الجنون والنهم العَجول للفتى ناقص الخبرة، لكنه
عوّض هذا النقص بالاستناد في كل ما يفعل إلى شرعية والده (الغائب تقريباً عن الوعي
ويتردّد أنه مصاب بداء الزهايمر)، وإلى سطوة الأجهزة الأمنية، وثقافة الخوف التي
أشاعتها ضرباته المتتالية ضد من توّهم أنهم خصومه أو ضد خصومه ومنافسيه الفعليين
داخل الأسرة الحاكمة؛ تلك الأسرة التي شاخت على مقاعد الحُكم منذ تولّته بالدم
والمجازر الداعشية (الوثائق تؤكّد إنها نفس الفكر والآليات الداعشية!) على يد
المؤسّس عبد العزيز آل سعود عام 1932م.
مصيره
القتل!
الأمر إذاً، لم يكن
مفاجئاً وكان متوقعاً، إلا أن طريقة إخراج هذة الحفلة من صراع السلطة ربما كان هو
المفاجئ لشدّتها واتّساع أطرافها. وهو ما يُنبئ بأن مصير الفتى الطموح العجول (بن
سلمان) ربما سيكون شبيهاً بمصير عمّه الراحل الملك فيصل الذي اغتيل على يد ابن
أخيه واسمه – أيضاً - فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود في (25 /3/1975).
كان صراع الدم والسلطة
والثروة يقف خلف مشهد الاغتيال وقتها، وهو ما نحسبه يتشابه تمام الشبه مع مناخ
الرعب والجنون (بل والدّم، فحادث سقوط أو إسقاط طائرة الأمير منصور بن مقرن بن عبد
العزيز وموته ومجموعة من أنصاره الكبار في نفس وقت سجن المعارضين. تثير علامات
استفهام قاتلة).
إن هذا المناخ الدامي الداخلي
والاقليمي - وبالذات في اليمن - الذي أشاعه محمّد بن سلمان في مملكة أجداده هذه
الأيام يدفعنا وغالب المتابعين بعمق للشأن السعودي؛ توقّع أن يكون مصيره مشابهاً
لمصير الملك فيصل، وربما لن يتمتع بحُكم مملكة أجداده لفترة طويلة؛ وقد يكون آخر
حكّام هذة الدولة التي قد تتمزّق وتصبح ثلاث دويلات وفقاً لمخططات غربية قديمة -
ولهذا الحديث مقام آخر - لكن سيكون محمّد بن سلمان هو آخر حكّام آل سعود، وصراعات
الدّم كما ينبئنا التاريخ لا تولّد استقراراً.. لكنها تولّد دماً وثأراً دائمين!
ولمزيد من التفاصيل حول هذه النتيجة دعونا نفصّل قليلاً:
أولاً:
وفقاً لما نُشر سعودياً فإن أبرز الأمراء والوزراء ورجال الأعمال الموقوفين في
السعودية، للتحقيق معهم، في ما سُمّي بحملة التطهير، (والأدق القول حملة إجهاض
الانقلاب على الملك سلمان وابنه) من بينهم الملياردير السعودى الوليد بن طلال،
والأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني، الذي أُعفي من منصبه، قبل أن يُلقى
القبض عليه (يعني من القصر إلى السجن مباشرة لأنه كان أكثرهم تهديداً لطموح الفتى
المجنون!)، وقالت الصحافة السعودية إنه تم إيقاف 11 أميراً و38 وزيراً ونائب وزير
حالي وسابق على إثر تورّطهم في قضايا فساد، وضمّت القائمة اثنين من أبناء الملك
السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وذكر العديد من المواقع
السعودية أن أبرز الاتهامات الموجّهة إلى الموقوفين هي: توقيع صفقات سلاح غير
نظامية، وقضايا غسيل للأموال، وتُهَم اختلاسات، وصفقات وهمية وترسية عقود على
شركات، وقبول رشاوى في توسعة الحرم المكّي الشريف، وسوء استغلال السلطة...
وتعليقاً على هذه
المعلومات نقول: إن هؤلاء ليسوا هم فقط الفاسدين، وإن تاريخ فسادهم كان معروفاً
وطويلاً وموثّقاً ولم يتم اتّخاذ إجراءات ضدّهم، فلماذا الآن؟ الإجابة لأن محمّد
بن سلمان قرّر أن يشقّ طريقه وبسرعة إلى العرش قبل أن ينقلبوا عليه، خاصة مع توارد
أخبار تؤكّد أنهم – جميعاً - كانوا يجهّزون للانقلاب عليه وعلى أبيه، فأراد وفق
المثل الشعبي المصري البليغ «يتغدّى بيهم قبل أن يتعشّوا به!!»، فهل هذا صحيح؟
ثانياً:
وفقاً لما تسرّب من معلومات دولية وإقليمية، فإنّ صراع السلطة والثروة بين محمّد
بن سلمان وأغلب أجنحة الأسرة السعودية ومناصريها من رجال المال، كان قد وصل إلى حد
الغليان خاصة بعد الإطاحة بوليّ العهد السابق الأمير محمّد بن نايف وتزايدت الرغبة
في الانقلاب على الملك وابنه، وكانت ساعة الصفر للتنفيذ هي يوم 5/11 وفقاً لما
نشرته بعض المصادر، لذلك سبقهم الأمير الطموح وضرب ضربته. وفي هذا السياق قال موقع
«سبوتنيك» الروسي إن وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان تمكّن من إحباط محاولة
انقلابية كبيرة على حكمه ووالده بقيادة الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني
وأمراء آخرين وضباط ورجال أعمال.
وذكر الموقع نقلاً عن
مصادر دبلوماسية غربية في الرياض إن محاولة الانقلاب التي تم اكتشافها كان مقرّراً
لها أن تُنفّذ فجر الأحد 5 تشرين ثاني/ نوفمبر، إلا أن معلومات استخباراتية لم
تسمّها أبلغت وليّ العهد السعودي بخطة الانقلاب قبل يومين من بدء تنفيذه، وقامت
السلطات السعودية التابعة للأمير الطموح على الفور وألقت القبض على قائد الانقلاب
الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني وعدد كبير من الضباط في الجيش والحرس
الوطني.
ويبدو أن (بن سلمان) قد
تلقّى نصائح من أطراف خارجية بعدم الكشف والإعلان عن المحاولة الانقلابية حتى لا
يثير حفيظة المعارضين له، وقد يؤدّي ذلك إلى موجة من التعاطف مع الانقلابيين من
قِبَل الشعب وبعض التيارات الوهّابية التي آذتها مؤخّراً سياسات وقفزات بن سلمان
التي كان ينافق بها واشنطن والغرب للإيهام بأنه رجل متحرّر وعلماني!
ويتردّد أن بعض
المسؤولين الأميركيين كانوا في الرياض قبل الأزمه بساعات وأنهم - هم - من نصحوا محمّد بن سلمان بأن يتم الإعلان
عن اعتقال الانقلابيين بتهم فساد وليس بتهمة الانقلاب، مؤكّدين أن ذلك سيخدم بن
سلمان وسيظهره أمام الشعب بمظهر المُحارِب للفساد، وهو تقريباً ما جرى!
الفصل
الأخير من حكاية «السعودية»
لكن السؤال الأخير
والدائم والمُقلق: هل بهذه الخطوات العجولة والمندفعة ضَمِنَ محمّد بن سلمان
...عرشه؟ أم اقترب من حتفه؟ إننا نظن أنّ الأمير الطموح لن يستطيع أن يستمر طويلاً
في قفزاته ومفاجآته، فالشواهد في اليمن وسوريا وداخل المملكة ذاتها تؤشّر إلى أن
مملكة أجداده بدأت تترنّح، وأن الضمانة الأميركية بل والإسرائيلية (التي قيل أنه
زارها سرّاً قبل أيام!) المسانِدة له لم تعد كافية؛ لأن الصراع الآن بات داخل
القصر.. (فعلاً القصر الملكي) ولم يعد خارجه، وأي محاولات للإفلات منه وبالهروب
للأمام وعبر سياسة الصدمات أو الابتزاز الاقليمي (نموذج إجبار سعد الحريري على
الاستقالة ومن قبله ابتزاز مصر في قضية الجزيرتين!) هذه السياسات للأمير الطموح،
ستوقعه أكثر في شرك النهاية.. ولن يحول دون هذا الشرك أحلام التنمية المزعومة لعام
2030 ولا أوهام مدينة «نيوم» ولا عواصف حزم جديدة ضد اليمن أو سوريا أو حتّى
لبنان.. ونحسب أن الأيام القادمة ستشهد بالفعل مفاجآت، هذه المرة ستكون حقيقية؛
وغير متوقّعة وبإيقاع دراماتيكي، سيحدّد مصير ومسار مملكة، طال حُكمها بغير حقّ أو
عدل أو حُسن جوار، وطالت شرارات فكرها الوهّابي التكفيري ملايين الضحايا في مشرق
الأرض ومغربها. ربما قد نشاهد جميعاً النهايات المُفاجئة لـ«مدن الملح» كما أبدع
في تسميتها الروائي الرائع الراحل عبد الرحمن منيف! وقد تأتي تلك النهايات على يد
الحفيد العجول والطموح.. ساعتها ربما لن يستطيع أحد أن يمنع واحداً من ملايين
ضحايا مملكة النفط من أن يعلو صوته قائلاً: «شكراً محمّد بن سلمان»!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رئيس مركز يافا
للدراسات والأبحاث - القاهرة