حوارات

حوارات

منذ 5 أيام

من إجابات العلامة الحلّي عن أسئلة المهنّا بن سنان

 

من إجابات العلامة الحلّي عن أسئلة المهنّا بن سنان

تمامُ الإيمان بمعرفة الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام

لا تبديلَ ولا تأخيرَ ولا تقديمَ في كتاب الله العزيز

ـــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــ

هذا «الحوار» مقتبس من كتاب (أجوبة المسائل المهنّائيّة) للعلامة الحلّي، الحسن بن يوسف بن المطهّر، المتوفّى سنة 726 للهجرة. ويتضمّن الكتاب، كما يلوح من عنوانه، أجوبة سؤالات أو استفتاءات كاتبه بها أحد العلويّين، وهو الفقيه السيد المهنّا بن سنان الحسيني المدني، المتوفّى سنة 754.

وفي (الدُّرر الكامنة) لابن حجر العسقلاني أنّ السيّد المهنّا «قاضي المدينة المنوّرة، ولأمراء المدينة فيه اعتقاد، وكانوا لا يقطعون أمراً دونه..».

وقد تنوّعت هذه الأسئلة بين العقائدي والفقهي والتاريخي، وسطّر العلامة الحلّي رضوان الله عليه الإجابات بخطّه الشريف، ثمّ قُرئت عليه بداره في الحلّة سنة 717 هجرية.

مع الإشارة إلى وجوب عمل المكلّف وفق فتوى مرجع تقليده في المسائل الفقهية الواردة في أجوبة العلّامة الحلي.

 

س: مَن يعتقدُ التوحيدَ والعدلَ والنبوّة والإمامة اعتقاداً جازماً لا يرجع عنه، ولكنه لا يقدر على إقامة الدليل على ذلك ولا يعرف الدليل أيّ شيءٍ هو - مع كونه قادراً على النَّظَر - هل يكون مؤمناً بهذا الاعتقاد ومثاباً عليه وعلى أعماله أم لا؟

وما قولكم في مَن لا يقدر على النظر ولا على البحث، وهو يعتقد ما يجب اعتقاده، فاعلٌ ما يجب فِعلُه، وذلك على جهة التقليد، فهل يكون مؤمناً مثاباً معذوراً بخلاف الأول، أم كلّ واحدٍ منهما لا يصحّ تقليده في هذا الباب؟

ج: لا يكفي التقليد في التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة، بل يجبُ النّظر والبحث. وأما مَن لا يقدر على البحث... يكون في حكم المؤمن، لأنّهم في سعةٍ من رحمة الله.

س: إذا فعل الإنسانُ طاعةً ثمّ ندم على فِعلها، هل يكون محبطاً لها أم لا، وكيف؟ وكذلك إذا فاتَته معصية ونَدِمَ على فواتها، فهل يكون ذلك معصية أم لا؟

ج: النّدمُ على فعل الطاعة الواجبة حرامٌ لكنّه لا يكون محبطاً، والنّدمُ على ترك المعصية حرامٌ أيضاً ويكون معصيةً.

س: مَن رأى في منامه رسولَ الله صلّى الله عليه وآله أو بعض الأئمّة عليهم السلام وهو يأمره بشيء أو ينهاه عن شيء، هل يجب عليه امتثال ما أمرَه به أو اجتناب ما ينهاه عنه أم لا يجب ذلك مع ما صحّ عن سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «مَنْ رَآنِي فِي مَنَامِهِ فَقَدْ رَآنِي، فَإنّ الشَّيطَانَ لَا يَتَمَثَّل بِي..» وغير ذلك من الأحاديث المرويّة عنه صلّى الله عليه وآله؟ وما قولكم لو كان ما أمر به أو نهى عنه على خلاف ما في أيدي الناس من ظاهر الشريعة، هل بين الحالين فرقٌ أم لا؟

ج: ما يخالف الظاهر فلا ينبغي المصير إليه، وأمّا ما يوافق الظاهر فالأولى المتابعة من غير وجوب، ورؤيتُه صلّى الله عليه وآله لا يُعطي وجوب اتّباع المنام.

س: ما القول في رواية الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وعن الأئمّة عليهم السلام، هل يجوز بالمعنى وإن لم يُورِد اللفظ بعينه، أو يجب مراعاة الألفاظ في رواية الحديث وهذا أمرٌ صعب، أم يجوز بالمعنى للعالم المطّلع على المعاني ولا يجوز للعامّيّ؟

ج: إذا كان الراوي عالماً جاز أن يروي الحديث بالمعنى، بشرط أن يذكر في روايته أنّه نقل المعنى دون اللفظ.

س: ما القولُ في الكتاب العزيز، هل يصحّ عند أصحابنا أنّه نقصَ منه شيءٌ أو زِيدَ فيه أو غُيّر ترتيبه أم لم يصحّ عندهم شيءٌ من ذلك؟

ج: الحقّ أنّه لا تبديلَ ولا تأخيرَ ولا تقديمَ فيه، وأنّه لم يَزِد ولم يَنقُص. ونعوذُ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يُوجب التطرّقَ إلى معجزة الرسول عليه السلام المنقولة بالتّواتر.

س: قولُه تعالى: ﴿قالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَولَوْ كُنَّا كارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله رَبُّنا..﴾ الأعراف:88-89.

فإنّ في الآية الكريمة إشكالين:

أحدُهما: ذِكرُ العَود، والعَودُ يقتضي الابتداء بشيء ثمّ يعودُ إليه، والرُّسُل عليهم السلام مُنزَّهون عن البدأة بمِلل الكفر والعود إليها.

والثّاني: قولُ الرسل: ﴿..إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا..﴾، والرّسُل لا يجوز عليهم الكفر ولا المعاصي، فما معنى هذا الاستثناء؟

ج: أمّا الإشكال الأوّل فالجواب عنه: إنّ الآية تتضمّن شُعَيباً عليه السلام ومَن آمن معه من قومه، لقوله تعالى: ﴿..لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا..﴾، ولا شكّ في أنّ هؤلاء المؤمنين من قومه كانوا كفّاراً، فكان الضمير عائداً إليهم معطوفاً على ضمير الذين دخلوا في الإيمان بعد الكفر وغلبوا الجماعة على ضمير الواحد، فكذا قول شعيب: ﴿..إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ..﴾ غَلب فيه ضمير الجماعة على ضميره.

وأما الإشكال الثاني فالجواب عنه: إنّ الله تعالى قادرٌ على القبائح وإنْ تنزّهَ عن فعلها، فهو من حيث إنّه قادرٌ يصحّ استنادُها إليه، وإنّما يمتنع استنادُها إليه باعتبار الحكمة والاستثناء عنها، فأتى شعيب عليه السلام بالاستثناء عنها نظراً إلى اندراج عَودِهم في الكفر إلى مشيّته تعالى من حيث قدرته، لا من حيث حِكمته.

س: هل يجب أن يعرف المكلّف جميعَ الأئمّة عليهم السلام بأسمائهم وترتيبهم في الإمامة واحداً بعد واحدٍ أم يكفيه معرفة أنّ له اثنَي عشر إماماً، وأنّ إمام زمانه هو صاحب الزمان عليه السلام المنتظَر، وإنْ لم يعرف أسماءَهم ولا ترتيبَهم في الإمامة؟

ج: يُشترط معرفتهم بأسمائهم وترتيبهم في الإمامة واحداً بعد واحدٍ، لأنّ الإيمان لا يتمّ إلا به، إذ الإمامة ركنٌ من الأركان الأربعة.

استفتاءات فقهيّة

س: ما القول في الكتاب العزيز؛ هل يجوز بيعُه وشراؤه أم ينزّه عن ذلك، فإذا أراد الإنسان بيعه أو شراءه نسبَ ذلك إلى الجلد والورق؟

ج: منعَ أصحابُنا من بيع المصحف الشريف، بل يجوز بيعُ الجِلد والورق، للنّقلِ عن أهل البيت عليهم السلام ولاشتماله على تعظيم كتاب الله العزيز، واشتمال بيعه على نوعٍ من إهانته، نعوذُ بالله من ذلك.

س: هل يحرم على المرأة النظر إلى الرجل الأجنبيّ سواء كان بتَلذُّذ أو ريبة أو بغيرهما، مع أنّ النساء لم يزَلنَ في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وبعدَ عصره وهلُّم جرّاً يخرجنَ في حوائجهنّ، ولا بدّ أن يقعَ نظرهنّ على الرجال؟

ج: لا يجوز لهنّ النظر إلى الرجال الأجانب مطلقاً كالرّجال، لقوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ..﴾ (النور:31)، ولِما رُوي أنّ عائشة وحفصة لم يَحتجِبا عن ابن أمّ مكتوم واعتذرتا بأنّه أعمى، فقال صلّى الله عليه وآله: «أَفَعَمياوَتانِ أنتما؟»، وهو نَصٌّ في الباب.

س: ما القول في سماع الغناء إذا كان بغير شبّابة ولا دفّ ولا هجاء لمسلم ولا تشبيب بامرأة معيّنة، هل فيه رُخصة أم هو حرام على كلّ حال قادح في العدالة، وكذلك تغنّي الإنسان لنفسه، هو كذلك أم لا؟

ج: لا يجوز سماع الغناء سواء كان بشبّابة أو لا، وسواء كان هجاءً لمسلم أو لا، أو تشبيب بامرأة معيّنة أو لا. ولا رُخصةَ في شيء من ذلك عند الإمامية، ويقدح في العدالة، وكذلك تَغنّي الإنسان لنفسه بغير خلافٍ عند الإماميّة.

س: ما القول في علم النحو، فإنّ مَن لا يعرفه يتعذّر عليه معرفة كلام الله وكلام رسول الله صلّى الله عليه وآله وكلام أهل البيت عليهم السلام، وقد جاء في الحديث: «إنَّ اللهَ لَا يَقْبَلُ دُعَاءً مَلْحُونَاً»، فهل قال أحدٌ بوجوب معرفته أم لا؟

ج: نعم، يجب معرفة النّحو على الكفاية، لأنّ معرفة الفقه واجبة على الكفاية، ولا تتمّ إلّا بمعرفته، فتكون واجبة. ولا يجب معرفة النحو بجميع مسائله، بل ما تتوقّف الأدلة الشرعيّة عليه.

س: ما القول في وضع الإنسان وجهه على الأرض عند أبواب المشاهد الشريفة، وتمريغ خدّه عليها، هل يكون ذلك الفعل حراماً لأنّ هذا يشبه السجود وهذا أمر مختصّ بالله تعالى، وقد بالغ المتصوّفون وأرباب الطريقيّة في النّهي عن هذا وغيره ممّا يقاربه، فهل يكون مكروهاً أو هو مستحبّ في هذه الأماكن المشرّفة؟

ج: إنْ قصدَ الفاعلُ أن يكون السجود لغير الله تعالى كان عاصياً، وإنْ قصدَ السجودَ لله تعالى والشّكرَ على وصوله إلى تلك البقعة المباركة الشريفة والتّذلّل للإمام بالتّقبيل لتُربته كان مثاباً على ذلك. ولا عبرةَ بنَهي الصوفيّة عن ذلك، فإنّه أَولى من اعتمادهم في الرقص والتّصفيق بالأيدي الذي نهى اللهُ عنه في كتابه العزيز.

س: مَن يصلّي الفريضة من غير إخلالٍ بشيءٍ منها لكنّه لا يعلمُ الواجب من ذلك من المندوب أو يعتقد وجوبَ الجميع، هل تصحّ صلاته والحال هذه أم لا؟ وهل العلمُ بواجبات الصلاة شرطٌ في صحّة الصلاة أم لا، وهل يجب معرفة الأركان من الواجبات أم يكفي معرفة الواجبات في شرط صحّة الصلاة؟...

 ج: لا بدّ أن يعرف الواجب لِيُوقعَه على وجه الوجوب، فإذا لم يعرف الواجب من المندوب لم تصحّ صلاته. ولو اعتقد وجوبَ الجميع بطلت صلاتُه أيضاً، لأنّ المندوب إذا أوقعَه على وجه الوجوب كان باطلاً ومُبطِلاً للصّلاة إنْ كان ذِكراً مطلقاً.... والعلم بواجبات الصلاة بالدليل أو بالتقليد ممّن له أهليّة التقليد شرطٌ في صحّة الصلاة. ويكفي في الأركان معرفة وجوبها.

س: ما القول في الفروع، هل يجوز التقليد فيها أم يجب على الإنسان معرفة ما يحتاج إليه من غير جهة التقليد؟ وهذا أمرٌ مُشكِل.

ج: معرفة الفروع بالدليل والتّفقُّه في الدين واجبٌ على الكفاية لقوله تعالى: ﴿..فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدينِ..﴾ (التوبة:122)، ويجوز التقليد فيها لكلّ أحدٍ بعد قيام مجتهدٍ في الزمان يرجعُ التقليد إليه ويعوّل الناس في معرفة أحكامهم عليه.

س: ما القول في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، هل يذهب مولانا إلى أنّه واجب على الأعيان، وهو إذا قام به البعض لم يسقط عن الباقين، أو هو واجبٌ على الكفاية؟

ج: اختلف الناس في هذه المسألة، فذهب قومٌ إلى وجوبه على الأعيان وهو مذهب ابن حمزة وقوّاه الشيخ الطوسيّ في بعض أقواله، وذهبَ السيد المرتضى وأبو الصلاح وابن إدريس وابن البرّاج إلى أنّه واجبٌ على الكفاية، بمعنى أنّه إذا قام به البعض سقطَ عن الباقين، وإنْ لم يَقُم به أحدٌ استحقّ كلُّ عالمٍ به متمكّنٍ من الأمر الإثمَ على الإخلال به، وإنْ لم يُمكن إيقاعه إلا بالكلّ وجبَ على الكلّ. وقد احتجّ لوجوبه بأمور:

الأوّل: قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ الأعراف:199، والتّأسّي واجبٌ على كلّ المكلّفين لقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ..﴾ الأحزاب:21.

الثاني: قولُه تعالى: ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ..﴾ المائدة:79.

الثالث: قولُ النبيّ صلّى الله عليه وآله: «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ..» الحديث.

واحتجّ الآخرون بوجهَين:

أ) قوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..﴾ آل عمران:104، ولم يعمّ.

ب) إنّ الغَرض المقصود من ذلك هو ارتفاع المنكر ووقوع المعروف، فإذا حصل من البعض لم يجب على الباقين، لاستحالة تحصيل الحاصل.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ يومين

إصدارات عربية

نفحات