كلامٌ
في تعقيب الصلاة
«ما عُبد الله بشيءٍ أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام...»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفقيه الكبير الشيخ رضا الهمداني قدّس سرّه ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من
مسنونات الصلاة التعقيب، وقد أجمع العلماء كافّة على استحبابه؛ كما صرّح به السيّد
العاملي في (المدارك) وغيره. والأخبار الدالة عليه فوق حدّ الإحصاء، وقد فسِّر به
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ في كلمات
كثيرٍ من المفسّرين وبعض الأخبار المروية عن أهل البيت عليهم السلام. (الإنشراح:7-8)
ففي
(مجمع البيان) لثقة الإسلام الطبرسيّ، قال: «معناه: فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة
فانصَب إلى ربك في الدعاء وارغبْ إليه في المسألة يُعطِك... وهو المرويّ عن أبي
جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام. ومعنى انصَب، من النُّصْب، وهو التعب؛ أي لا
تشتغل بالراحة... وقال الصادق عليه السلام: هو الدعاءُ في دُبر الصلاةِ وأنت
جالس»...
وعن
أبي عبد الله الصادق عليه السلام، في تفسير الآية، قال: «.. إذا قضيتَ الصلاةَ بعدَ
أن تسلِّم وأنت جالس، فانصَب في الدعاء من أمر الدنيا والآخرة. فإذا فرغتَ من
الدعاء فارغبْ إلى الله عزّ وجلّ أن يتقبّلها منك».
ويظهر
من هذه الرواية، وكذا المرسل السابق، اعتبار الجلوس فيه، كما حُكي القول به عن
ظاهر الشيخ (الطوسي) وجماعة من الأصحاب... وربما يؤيّده المستفيضة الواردة في الحثّ
على الجلوس في مصلّاه بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس للتعقيب؛ كخبر السكونيّ عن
أبي عبد الله، عن أبيه، عن الحسن بن عليٍّ عليهما السلام أنه قال: «مَن صلّى
فجلسَ في مصلّاه إلى طلوع الشمس كان له سِتراً من النار».
ولكن
الأظهر أنه من شرائط إكماله لا من مقوّمات مفهومه... نعم، في بعضها الأمرُ بفعله
قبل أن يُثني رِجليه؛ كما في تسبيحة الزهراء سلام الله عليها، وغيرها. ولكنّه بحسب
الظاهر من باب تعدّد المطلوب، وكونه مع الجلوس أفضل، كما يشهد له إطلاق ما عداه.
ويدلّ
عليه أيضاً صحيحة هشام بن سالم، قال: «قلت لأبي عبد الله: إنّي أخرجُ في الحاجة
وأحبّ ان أكون معقِّباً.
فقال:
إنْ كنتَ على وضوء، فأنتَ مُعَقِّب».
وخبرُ
حمّاد بن عثمان البصريّ، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «جلوسُ الرجلِ
في دبرِ صلاة الفجرِ إلى طلوعِ الشمس أنفَذُ في طلب الرزق من ركوب البحر.
فقلت:
للرجل الحاجةُ يخافُ فوتَها.
فقال:
يُدلِجُ فيها، وَلْيَذْكُرِ اللهَ عزّ وجلّ، فإنّه مُعَقِّبٌ ما دام على وضوئه».
نعم،
يُعتبر عُرفاً في صدق اسم التعقيب الإتيانُ به عقيب الصلاة بلا فصلٍ يُعتَدُّ به،
أو حصول بعض المنافيات الموجبة لانقطاع العلاقة العرفية المخرِجة له عن كونه من
لواحق هذه الصلاة....
ثمّ
إنّ الظاهر عدم اختصاص استحباب التعقيب بالفريضة، وان اختصّت بالذكر في أغلب
الأخبار الواردة في التعقيب، ولكن ورد في كثيرٍ من الروايات أيضاً الأمر بالدعاء إما
على الإطلاق أو بالأدعية الخاصة التي تضمّنتها الأخبار عقيب كلّ صلاة؛ مثل خبر محمّد
الواسطي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لا تدعْ في دبرِ كلّ صلاة:
أُعيذ نفسي وما رزقني ربّي بالله الواحد الصمد - حتّى تختمها - وأُعيذ نفسي وما
رزقني ربّي بربّ الفلق - حتى تختمها - وأُعيذ نفسي وما رزقني ربّي بربّ الناس - حتّى
تختمها».
والظاهر
أن المراد بقوله: «حتّى تختمها» ختم السورة، فأريد بالأولى ختم سورة التوحيد
وبالأخيرين ختم المعوّذتين.
والمرسلِ
المرويّ عن (ارشاد) الديلميّ، قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «يقولُ
اللهُ تعالى: مَن أحدثَ ولم يتوضّأ فقد جَفاني، ومَن أحدثَ وتوضّأ ولم يصلِّ
ركعتين فقد جفاني، ومَن أحدثَ وتوضّأ وصلّى ركعتين ودعاني ولم أُجبه في ما سألني
من أمر دينه ودنياه فقد جَفوتُه، ولستُ بربّ جافٍ». إلى غير ذلك من الروايات
الكثيرة التي يقف عليها المتتبّع.
نعم،
في الفرائض أفضل منه في النوافل كما يدلّ عليه خبر الحسن بن المغيرة أنه سمع أبا
عبد الله عليه السلام يقول: «إنّ فضلَ الدعاء بعدَ الفريضة على الدعاء بعد
النافلة، كفضلِ الفريضة على النافلة».
وأفضلُه تسبيح الزهراء عليها السلام، كما صرّح
به في المتن (شرائع الإسلام) وغيره. بل ربّما يظهر من كلمات بعضهم كونه مفروغاً
عنه لديهم، فكأنّهم فهموا أفضليّته من تظافر الأخبار الواردة فيه؛ فإنّه لم يرِد
في شيء من الأذكار والأدعية الواردة في التعقيب بخصوصه مثل ما ورد في خصوص هذا
التسبيح من الأخبار المتظافرة المتكاثرة الواردة في فضله والحثّ على المواظبة عليه
في دبر كلّ صلاة وعند النوم وتعليمه للأطفال.
ففي
خبر صالح بن عقبة، عن أبي جعفرٍ (الباقر) عليه السلام أنه قال: «ما عُبِدَ اللهُ
بشيءٍ أفضلَ من تسبيحِ فاطمهَ عليها السلام، ولو كان شيءٌ أفضلَ منه لَنَحَلَهُ
رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فاطمةَ عليها السلام». إلى غير ذلك من
الروايات الواردة فيه...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
مختصر عن (مصباح الفقيه: ج 2، ق2، ص 395 – 396)