لا
يُمكن إدراك منزلة الزهراء الظاهرية... فضلاً عن مقاماتها المعنوية
الادّعاءات
المناصرة لـ«حقوق المرأة» زائفة وتنتقص من قدرها
§
الإمام الخامنئي دام ظلّه
* يؤكّد الإمام الخامنئي –دائماً- في حديثه عن السيّدة فاطمة الزهراء
سلام الله عليها، البُعدَ العمليّ من خلال الاستلهام من سيرتها العطرة مواقفَ
العزّة في مواجهة الأعداء، وآليات بناء الإنسان الخليفة من خلال قيامها برعاية
الأُسرة، وذلك في عين الوقت الذي يصرّح فيه سماحته بعدم إمكانية إدراك الجوانب
المعنوية لتلك الشخصية الإلهيّة.
في ما يلي، مختصر عن
الخطاب الذي ألقاه الإمام الخامنئي دام ظلّه (آذار 2017) في جمعٍ من الشعراء
والمدّاحين في ذكرى الصدّيقة الكبرى عليها السلام.
«شعائر»
اللّهم صلّ علی فاطمةَ وأبیها، وبَعلها، وبنیها، بعددِ ما أحاطَ به
عِلمُك.
...بالنسبة إلى الكلام عن سيّدة نساء
العالمين من الأوّلين والآخرين، فإنّ حديث أمثالي (عاجزٌ) عن بيان (منزلتها).
فبالإضافة إلى المقامات المعنوية والملكوتية والإلهية - التي لا يمكن لأحدٍ غير
المعصومين عليهم السلام أن يدركها، فضلاً عن أن يتمكّن من وصفها - فإنّ لسيّدة
نساء العالمين، الصدّيقة الكبرى سلام الله عليها وفق المعايير الظاهرية والعقلانية
أيضاً، أبعاداً وآفاقاً لا يمكن لنا تصوّرها.
نحن نقول إنّ هذه السيدة الجليلة دافعت عن الولاية، وبذلت مهجتها
في هذا السبيل، وتحدّثت بكلّ فصاحةٍ وبلاغة، وأمثال ذلك، إلّا أنّ كلامنا هذا يُقال
باللسان فقط، ولا يمكننا بالأصل أن نتصوّر تلك المواقف.
إذا توضّحت لنا الظروف التي سادت المدينة، والأوضاع التي تلت رحيل
النبيّ صلّى الله عليه وآله، وتصوّرنا الأمر بشكلٍ صحيح، عندها سنفهم أيّ حركة
عظيمة قامت بها فاطمة الزهراء. كانت الظروف بالغة الصعوبة، ولا يمكن شرحها حتّى
للخواصّ. من بين كلّ أصحاب النبيّ، لم يقم في المسجد سوى عشرة أو اثني عشر شخصاً
للدفاع عن أمير المؤمنين... كلّ أولئك الأصحاب، كلّ أولئك الأجلّاء والفضلاء، كلّ
أولئك الحفّاظ التالين للقرآن، وكلّ أولئك المجاهدين في بدرٍ وحنين؛ ليس الأمر
أنّهم كانوا كلّهم من المعاندين؛ كلا، بل لم يكن الوضع واضحاً وبيّناً حتّى
للخواصّ لكي يفهموه بشكلٍ صحيح. إنّما كان يتطلّب شخصاً كعمّار وأبي ذرّ... هؤلاء
هم الذين قاموا بالدفاع عن حقّ أمير المؤمنين من على المنبر؛ ولم يتجاوز عددهم
عشرة أو اثني عشر شخصاً، وقد سُجّلت أسماؤهم في التاريخ... انتبهوا بدقة وتذكّروا
هذا الوضع.
هكذا كانت الظروف؛ وإذا ببنتِ النبيّ صلّى الله عليه وآله تأتي
إلى المسجد في هذه الظروف، وتُلقي تلك الخطبة الغرّاء والبيانَ العجيب، وتتصدّى
لتبيين الحقائق، أو تلك الخطبة التي خاطبت بها نساء المدينة وهي على فراش المرض،
وكلّها موثّقة وموجودة.
هذه المواقف ليست من الأبعاد المعنوية، وإنما هي من الأبعاد التي
يُمكننا فهمها وإدراكها بهذه النظرة العادية والعقلائية، ولكنّ فيها من العظمة ما
لا يمكن أن يُقدَّرَ ويُقاس؛ أي إنّه لا يمكن مقارنتها بأيّ تضحية أخرى. هذا كأنْ
يقال، على سبيل الفرض مثلًا: هذه المجرّات كم هو طولها وعرضها بالأمتار؟ نعم، يمكن
تقدير ذلك ويمكن تحديد مساحتها بالمتر والسنتيمتر، ولكن من الذي يستطيع ذلك، ومن
الذي يفهم، ومن هو قادرٌ على ذلك؟ هذا ليس عن الجوانب الإلهية والمعنوية
والملكوتية والعرشية، بل جوانب فرشية (دنيوية) مُلكية، لكنها ذات عظمة فائقة بحيث
لا يمكن للناس العاديّين إدراكها. نحن نتحدّث حول هذا، ونقرأ مجالس العزاء لها،
وتحترق قلوبنا عليها، وتسيل دموعنا من أجلها، ولكن ليس بوسعنا إدراك مدى عظَمة ما
جرى بشكلٍ صحيح، وعظَمة هذه الحركة التي قامت بها السيّدة الزهراء سلام الله
عليها.
قامت السيّدة فاطمة الطاهرة سلام الله عليها بدور قائدٍ حقيقيّ؛
كما قال إمامنا الخميني العظيم: «لو كانت الزهراء رجلاً لكانت نبيّاً»،
وهذا كلام عجيب وعظيم جداً، لا يمكن أن يُسمع إلّا من لسان شخص كالإمام العظيم
الذي كان عالماً وفقيهاً أيضاً وعارفاً كذلك. ولقد قال هذا الكلام. هذه هي
الزهراء؛ قائدة بكلّ ما تنطوي عليه الكلمة من معنى، مثل نبيّ، مثل هادٍ للبشرية
جمعاء. تظهر الزهراء المَرْضِيّة... بهذه المرتبة والمنزلة....
الأمومة
على هَدْي الزهراء عليها السلام
إنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها... تبلغ من حيث الفضائل
والمناقب والحدّ الوجوديّ ما يؤهّلها لأن تكون نبيّاً، هذه المرأة نفسها تؤدّي دور
الأم، ودور الزوجة، ودور ربّة البيت، انتبهوا!... هذا ما يجب فهمه. ومع ذلك نرى
أولئك المخدوعين الغافلين المنبهرين بأقاويل الغرب الزائفة - وماذا عسى المرء أن
يقول! - [فهؤلاء] عليهم ألّا يحقّروا مهمة إدارة المنزل هكذا! أن تكون المرأة ربّة
بيت فمعناه تربية الإنسان، ومعناه إنتاج أعلى وأسمى نتاجٍ ومحصول في عالم الوجود،
أي الإنسان. هذا هو معنى ربّة البيت.
حريٌّ بنا في يوم ولادة فاطمة الزهراء سلام الله عليها أن نعرّف
المرأة المسلمة ونوضّح حدودها بشكلٍ صحيح.... مجتمعنا يحتاج اليوم إلى أن يعرف ما
معنى الأمومة؟ وما هو معنى إدارة البيت؟ وما هو معنى سيّدة الدار؟
إنّ فاطمة الزهراء عليها السلام، بكلّ ما تتحلّى به من جلالة قدر
وشأن رفيع ومنزلة عظيمة، كانت ربّة منزل... فهل بالإمكان تحقير هذه العظَمة
والاستخفاف بها؟ هذه العظمة محفوظة في محلّها، إلّا أنّ أحد شؤون ومهامّ هذه
العظمة عبارة عن كونها زوجة، أو أمّاً وربّة منزل، فلننظر إلى هذه المفاهيم بهذا
المنظار.
بعض الناس يُطلقون كلاماً دفاعاً عن حقوق المرأة وهذا الكلام ليس
عدم احترام للمرأة وحسب، بل هو انتقاص من قدرها؛ وأقصد هنا جماعة في داخل البلد،
وإلّا فهذه الأعمال في الثقافة الغربية الأوروبية، على ما يحتمل احتمالاً يقارب
اليقين، هي من مؤامرات الصهاينة الذين يهدفون إلى تخريب المجتمع البشري والقضاء
عليه؛ حيث يجعلون المرأة متاعاً ووسيلة لتلذّذ الرجل، فإنّ هذه هي مؤامرتهم، ولا
شأن لنا بهم، وقضيّتهم قضيّة أخرى. ولكن في بيئتنا الإسلامية - سواء في داخل
البلد، أم في بعض الأجواء الإسلامية الأخرى – وباسم الدفاع عن المرأة، يطرحون بشأن
المرأة أموراً وواجبات وتوقّعات، تُعدّ احتقاراً واستصغاراً لها، قائلين: «لماذا
لا تسمحون للمرأة بالعمل في خارج المنزل؟»!
أوّلاً، من الذي لا يسمح بذلك؟ وما هو الإشكال في هذا الأمر؟
ثانياً، هل يعتبر العمل في خارج المنزل، كالعمل المكتبيّ وأمانة
السرّ في الإدارة الفلانية، شأناً للمرأة حتى نفتعل المشاكل لأجله؟ هل هذا هو معنى
العدالة؟ العدالة تعني أن نتعرّف إلى ما أودعه الله سبحانه وتعالى وجعله كامناً في
ذات كلّ مخلوق، وأن نعرف قدره وقيمته، وأن نعمل على تربيته وتنميته؛ هذه هي
العدالة.
لقد جعل الله تعالى الرجل مثل المرأة، من نواحٍ عديدة، فلا فرق
بينهما من حيث العروج إلى المقامات المعنوية، ونموذجه فاطمة الزهراء سلام الله
عليها، ولا فرق بينهما من حيث القدرة على القيادة، ونموذجه فاطمة الزهراء سلام
الله عليها، ولا فرق بينهما من حيث القدرة على هداية البشر، ونموذجه فاطمة الزهراء
سلام الله عليها، ولكن هناك فرق بينهما من حيث واجباتهما في إدارة الحياة، ومثاله
أيضاً فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
هؤلاء الذين يريدون الدفاع عن حقوق المرأة، إنّما ينفخون في البوق
من الجهة الواسعة المعاكسة! – كما يقال - ولا يفهمون ماذا يقولون، وعن أيّ شيء في
المرأة يدافعون. قائلين: لماذا لا تتولّى المرأة مهمّة الإدارة؟... ويسمّون ذلك
بالعدالة بين الجنسَين، هل هذه عدالة؟ أولئك الذين كانوا يطرحون في العالم
المساواة الجنسية ويسعون وراءها، باتوا يعانون اليوم من الشقاء والتعاسة والفساد
إلى درجة ندموا عليها، وبالطبع فإنّ كثيراً منهم لا يصرّحون بذلك ولا يعترفون،
وكثير منهم قد تربّوا ونشأوا على هذه الثقافة، ولا يدركون ما الذي يجري، غير أنّ
مفكّريهم يعرفون ويتحدّثون ويعبّرون عن قلقهم حيال ذلك.
نأمل ألّا يقصد هؤلاء - إن شاء الله - الذين هم في الداخل، من
العدالة الجنسية، ذلك الأمر الذي يُطرح باسم المساواة بين الجنسَين.
نأمل أن نوفّق جميعاً إن شاء الله للانتفاع بفيوضات هذا اليوم، ومن
اسم فاطمة الزهراء سلام الله عليها.