تقرير

تقرير

15/01/2018

تقرير


حنين «الرجل الأبيض» إلى أسلافه

أميركا تسترجع إرثها العنصري

ـــــــــــــــــــــــــــ صبحي غندور* ـــــــــــــــــــــــــــ

هناك شرخ كبير موجود الآن داخل المجتمع الأميركي بين تيّار «الأصولية الأميركية» وتيّار «الحداثة الأميركية»، وأيضاً بين من تتجذّر فيهم العنصرية وبين الرافضين لها. فأميركا التي يعرفها العالم اليوم بأنّها قامت على أساس دستوري واتّحاد قوي بين الولايات، هي أيضاً أميركا التي تأسّست كمجتمع على ما يُعرف اختصاراً بأحرف (WASP) والتي تعني «الرجال البيض الأنجلوسكسون البروتستانت».

والدستور الأميركي الذي جرى إعداده منذ حوالي 230 سنة، كان معنيّاً به أولاً وأخيراً هؤلاء المهاجرون القادمون من أوروبا، والذين مارسوا العبودية بأعنف أشكالها ضدّ الأفارقة المستحضَرين إلى القارّة الجديدة.

وقد كانت الانتخابات العامّة في أميركا، قبل عقد العشرينات من القرن الماضي، محصورة فقط بالرجال، إلى أن حصلت المرأة الأميركية على حقّها بالتصويت. كذلك بالنسبة إلى أصحاب البشرة السوداء ذوي الأصول الأفريقية، حيث لم يحصلوا على حقوقهم المدنية إلا في عقد الستّينات من القرن الماضي. حتّى الشباب الأميركي، بين سنّ 18 و21، لم يأخذوا حقّهم بالتصويت في الانتخابات إلا بعد حرب فيتنام التي كان مَن ينتمون إلى هذه الفئة من العمر هم أكثر ضحاياها، فجرى منحهم حقّ اختيار من يقرّر مصير حياتهم.

وقد تعايشت «الأصولية الأميركية» مع كلّ هذه التطورات الدستورية والاجتماعية الهامّة وأُجبرت على تقبّل نتائجها، لكنّ ذلك لم يلغِ العنصرية الدفينة في المجتمع الأميركي، خاصّة في الولايات الجنوبية.

أيضاً، رغم أنّ النساء يشكّلن أكثر من نصف عدد السكان، فإنّ نسبة تمثيلهنّ في الكونغرس محدودة، وكذلك في مراكز القيادة بالمؤسّسات الحكومية والخاصّة، ولم تحصل المرأة الأميركية بعد، في كثير من المواقع المهنية العامّة والخاصّة، على المساواة مع الرجل في قيمة أجور العمل.

ومن المهمّ أيضاً الإشارة إلى ما شهدته نيويورك وأماكن أخرى، في مطلع القرن العشرين، من حوادث دموية بين الأصوليين الأميركيين «الواسب» وبين المهاجرين الأيرلنديين الكاثوليك، كانعكاس للصراع بين البروتستانت والكاثوليك في أوروبا.

فالمجتمع الأميركي قام أصلاً على العنصرية، والعنصرية الأميركية هي مشكلة كبيرة وعميقة، وعانى منها الأميركيون ذوو البشرة السوداء لقرون طويلة، وشاهدنا في السنوات الأخيرة ممارسات عنصرية كثيرة حدثت في أكثر من ولاية. وهي عنصرية متطوّرة ومتجدّدة الآن ضدّ كل أنواع المهاجرين الجدد من غير الأصول الأوروبية، وهي عنصرية شاملة حالياً للأقليات ذات الأصول الدينية الإسلامية، وقد ساهمت في إشعالها خطب دونالد ترامب وغيره من المرشّحين الجمهوريين خلال الحملات الانتخابية في العام الماضي.

ففوز ترامب بالانتخابات الرئاسية كان العامل الأساس فيه ليس شخصه، ولا طبعاً مؤهّلاته أو خبراته المعدومة في الحكم والسياسة، بل كان العامل الأساس هو الصراع الدفين الحاصل في المجتمع الأميركي بين المتمسّكين بأميركا الأصولية القديمة «الرجعية»، وبين أميركا الحديثة «التقدّمية» التي أكثر من ثلث عدد سكّانها الآن هم من المهاجرين من إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، والتي فيها التسامح الديني والثقافي والاجتماعي. لكن قوى «أميركا القديمة» نجحت أيضاً في إيصال ترامب إلى «البيت الأبيض» حتّى على حساب مرشّحين آخرين من «الحزب الجمهوري»، بسبب قيام حملته الانتخابية على مفاهيم ومعتقدات هذه القوى الأميركية «الرجعية».

المجتمع الأميركي يشهد الآن صراعاً مهمّاً حول كيفيّة رؤية مستقبل أميركا، وحول الاتّجاه الذي سيسير نحوه هذا المجتمع. وهو المجتمع الذي قام تاريخه أيضاً على استخدام العنف، وما زال عدد كبير من ولاياته يرفض التخلّي عن اقتناء الأسلحة الفردية وفكرة الميليشيات المسلّحة.

أميركا تزداد الآن فيها من جديد مشاعر التمييز العنصري والتفرقة على أساس اللون أو الدّين أو الثقافة، وهذه الظواهر السلبية هي التي تهدّد وحدة أيّ مجتمع، وتعطّل كلّ ممارسة ديمقراطية سليمة.

ربّما نشهد حالياً المعارك الأخيرة لجماعات «أميركا القديمة» وللقوى العنصرية الكامنة في المجتمع الأميركي، وهي وإن نجحت الآن في إيصال ترامب للرئاسة، فإنّها لن تستطيع مواجهة التغيير الديمغرافي الحاصل داخل المجتمع الأميركي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*  مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن

 

إرهاب البروتستانتي الأبيض

* «كو كلوكس كلان» (KKK)، جماعة عنصرية متطرّفة ومنظّمة؛ برزت عام 1866م بعد الحرب الأهلية بالولايات المتحدة، قامت على الإيمان بتفوّق العرق الأبيض، ونفّذت هجمات دامية ضد الأفارقة والمهاجرين والمسلمين على مدى 152 عاماً.

* تؤمن جماعة «كو كلوكس كلان» بتفوّق العرق البروتستانتي الأبيض على غيره من الأعراق والديانات، وتعارض تحرير ذوي البشرة الداكنة وحصولهم على الحقوق المدنية، كما تطالب بالقضاء على الأقليات الدينية والعرقية في الولايات المتحدة.

* على مدى 152 عاماً نشطت المنظمة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، ونفّذت هجمات دامية بلغ عدد ضحاياها 3450 شخصاً.

* تكوّنت المنظمة عند تأسيسها من صغار المزارعين، لكنّها استقطبت لاحقاً التجّار والمحامين، وحتّى ضباط الشرطة وبعض الوزراء والأطباء.

* أبرز الاعتداءات الإرهابية التي نفّذتها منظمة «كو كلوكس كلان» في السنوات الأخيرة، مهاجمة «كنيسة تشارلستون» الأفريقية بولاية كارولاينا الجنوبية في حزيران 2015م، ما أدّى إلى مقتل تسعة أشخاص وجرح ستة آخرين.

* بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة في تشرين الثاني 2016، ازدادت جرأة «كو كلوكس كلان» وغيرها من الجماعات اليمينية المتطرفة، وقد تضاعفت جرائم الكراهية ضد المسلمين والسود والمهاجرين بشكل عام.

* في 13 شباط 2017 عُثر على جثة فرانك أنكونا زعيم الجماعة عند ضفة نهر وقد أصيب بطلق ناري في رأسه.

* في 12 آب 2017 دهس أحد أعضاء الجماعة بسيارته حشداً يعارض مسيرة نظّمها اليمين المتطرّف في شارولت فيل بولاية فيرجينيا، ما أدّى لمقتل فتاة وإصابة آخرين بجروح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* المصدر: مواقع إلكترونية

اخبار مرتبطة

  اصدارات عربية

اصدارات عربية

نفحات