حوارات

حوارات

منذ 6 أيام

ممّا أجمعت عليه الإمامية من الاعتقادات

 

ممّا أجمعت عليه الإمامية من الاعتقادات

رأي الشيخ المفيد في عصمة النبيّ صلّى الله عليه وآله والرَّجعة والشفاعة وغيرها

ـــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــ

(أوائل المقالات في المذاهب والمختارات) واحدٌ من الكتب النفيسة للشيخ الجليل محمّد بن محمّد بن النعمان (ت: 413 هجريّة) المعروف بالشيخ المفيد. وهو كتابٌ – كما يشير عنوانه – يذكر فيه مسائل كلامية مبيّناً أقوال المذاهب المختلفة فيها، ومشيراً إلى أدلّة الرأي الذي يتبنّاه المؤلّف.

ما يأتي، مختارات من مسائل الكتاب اقتصرنا على نقل رأي الإمامية فيها، نعرضها بصيغة السؤال والجواب.

 



س: ما هو رأي الشيعة الإمامية في إيمان آباء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؟

ج: اتّفقت الإمامية على أن آباء رسول الله صلّى الله عليه وآله من لدن آدم عليه السلام إلى عبد الله بن عبد المطّلب مؤمنون بالله عزّ وجلّ، موحّدون له. واحتجّوا في ذلك بالقرآن والأخبار، قال الله عزّ وجلّ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾. (الشعراء:218-219)، وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «لَمْ يَزَلْ يَنقلني من أصلابِ الطّاهرين، إلى أرحام المطَهَّرات حتّى أخرَجَني في عالَمِكم هذا». وأجمعوا [الشيعة] على أنّ عمّه أبا طالب رحمه الله مات مؤمناً، وأنّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد، وأنّها تُحشَر في جملة المؤمنين.

س: في القرآن الكريم وعيدٌ بنار جهنّم والخلود فيها لأصنافٍ من الناس، هل المسلمون العصاة من هؤلاء؟

ج: اتّفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في النار متوجّهٌ إلى الكفّار خاصّة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة "..". وأنّ من عُذّب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة والصلاة لم يُخلَّد في العذاب، وأُخرج من النار إلى الجنّة فيُنَعَّم فيها على الدوام..

س: ما تقولون في الشفاعة للمذنبين يوم القيامة؟

ج: اتّفقت الإمامية على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله يشفع يوم القيامة لجماعة من مرتكبي الكبائر من أمّته، وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته، وأنّ أئمة آل محمّدٍ عليهم السلام يشفعون كذلك، وينجي الله بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين..

س: هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ على كلّ أحد؟

ج: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بـ«اللسان» فرضٌ على الكفاية بشرط الحاجة إليه، لقيام الحجّة على مَن لا عِلم لديه إلّا بذكره، أو حصول العلم بالمصلحة به، أو غَلَبة الظّنّ بذلك. فأمّا بسط اليد فيه فهو متعلّق بالسلطان، وإيجابه على مَن يندبه له وإذنه فيه..

س: كيف يتجلّى عدل الله تعالى في معاملته لعباده؟

ج: إنّ الله عزّ وجلّ عدلٌ كريم، خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وعمّهم بهدايته، بدأهم بالنِّعم، وتفضّل عليهم بالإحسان، لم يكلّف أحداً إلّا دون الطاقة، ولم يأمره إلّا بما جعل له عليه الاستطاعة. لا عبَثَ في صُنعه، ولا تفاوت في خَلْقه، ولا قبيحَ في فِعله، جلّ عن مشاركة عباده في الأفعال، وتعالى عن اضطرارهم إلى الأعمال. لا يعذّب أحداً إلّا على ذنبٍ فعلَه، ولا يلومُ عبداً إلّا على قبيحٍ صنَعه. لا يظلِم مثقالَ ذرّة، فإنْ تَكُ حسنةٌ يُضاعفها ويؤتِ من لدنه أجراً عظيماً. وعلى هذا القول جمهور أهل الإمامية، وبه تواترت الآثار عن آل محمّدٍ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

س: إذاً، ما تقولون في اختلاف حالات البشر وتفاضلهم في النِّعَم؟

ج: إنّ الله تعالى لا يفعل بعباده ما داموا مكلّفين إلّا أصلحَ الأشياء لهم في دينهم ودنياهم، وإنّه لا يدّخرهم صلاحاً ولا نفعاً، وإنّ من أغناه فقد فعل به الأصلحَ في التدبير، وكذلك مَن أفقره ومن أصحّه ومَن أمرضَه، فالقولُ فيه كذلك.

س: ما هو معتقدُكم في عصمة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل بعثته الشريفة وبعدها؟

ج: إنّ نبينا محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم ممّن لم يعصِ الله عزّ وجلّ منذ خلقه الله إلى أن قبضه، ولا تعمّد له خلافاً ولا أذنب ذنباً على التعمّد ولا النسيان، وبذلك نطق القرآن، وتواتر الخبر عن آل محمّدٍ عليهم السلام، وهو مذهب جمهور الإمامية "..". وأمّا ما يتعلّق به أهل الخلاف من قول الله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ..﴾ (الفتح:2)، وأشباه ذلك في القرآن ويعتمدونه في الحجّة على خلاف ما ذكرناه، فإنّه تأويلٌ بضدّ ما توهّموه، والبرهان يعضده على البيان، وقد نطق الفرقان بما قد وصفناه فقال جلّ اسمه: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾، فنفى بذلك عنه كلّ معصيةٍ ونسيان.

س: هل ثبت لديكم أنّ المعصومين عليهم السلام يراهم المحتضر قبل مفارقته الدنيا؟

ج: رؤيةُ المحتضرين رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأميرَ المؤمنين عليه السلام عند الوفاة بابٌ قد أجمع عليه أهل الإمامة، وتواتر الخبر به عن الصادقِين من الأئمّة عليهم السلام ".." غير أنّي أقول فيه إنّ معنى رؤية المحتضر لهما عليهما السلام هو العلم بثمرة ولايتهما، أو الشكّ فيهما والعداوة لهما، أو التقصير في حقوقهما على اليقين بعلاماتٍ يَجِدُها في نفسه وأمارات، ومشاهدة أحوالٍ ومعاينة مدركاتٍ لا يرتاب معها بما ذكرناه، دون رؤية البصر لأعيانهما ومشاهدة النواظر لأجسادهما باتّصال الشعاع، وقد قال الله عزّ وجلّ: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾، وإنما أراد جلّ شأنه بالرؤية هيهنا معرفة ثمرة الأعمال على اليقين الذي لا يشوبه ارتياب. وقال سبحانه: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ..﴾. (العنكبوت:5)

س: هل حضور الملَكَين عند الميت في قبره ممّا ينبغي الاعتقاد به؟ وعن أيّ شيءٍ يسألانه؟

ج: إنّ ذلك صحيحٌ وعليه إجماع الشيعة وأصحابُ الحديث، وتفسيرُ مجمله أنّ الله تعالى يُنزل على مَن يريد تنعيمه بعد الموت ملَكين اسمهما «مبشّر»، و«بشير» فيسألان عن ربّه جلّت عظمتُه، وعن نبيّه ووليه، فيُجيبهما بالحقّ الذي فارق الدنيا على اعتقاده والصواب، ويكون الغرض في مساءلتهما استخراج العلامة بما يستحقّه من النعيم، فيجدانها في الجواب.

ويُنزل جلّ جلاله على من يريد تعذيبه في البرزخ ملَكين اسماهما «ناكر» و«نكير»، فيوكلهما بعذابه، ويكون الغرض من مساءلتهما له استخراج علامة استحقاقه العذاب بما يظهر من جوابه من التلجلُج عن الحقّ أو الخبر عن سوء الاعتقاد، أو إبلاسه وعجزه عن الجواب. وليس ينزل الملكان من أصحاب القبور إلا على من ذكرناه..

س: ما حقيقة «الرجعة» التي يُنسب للإمامية الاعتقاد بها؟

ج: إنّ الله تعالى يردّ قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزّ منهم فريقاً ويذلّ فريقاً ويُديل المُحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهديّ آل محمّدٍ عليهم وعليه السلام.

وأقول: إنّ الراجعين إلى الدنيا فريقان: أحدهما من علَت درجته في الإيمان، وكثُرت أعماله الصالحات، وخرج من الدنيا على اجتناب الكبائر الموبقات، فيريه الله عزّ وجلّ دولة الحق ويعزّه بها ويُعطيه من الدنيا ما كان يتمنّاه.

والآخر مَن بلغ الغاية في الفساد وانتهى في خلاف المحقّين إلى أقصى الغايات، وكثر ظلمه لأولياء الله واقترافه السيئات، فينتصر الله تعالى لمن تعدّى عليه قبل الممات، ويشفي غيظهم منه بما يحلّه من النّقمات، ثمّ يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقّونه من دوام الثواب والعقاب، وقد جاء القرآن بصحّة ذلك وتظاهرت به الأخبار. والامامية بأجمعها عليه إلّا شذّاذاً منهم تأوّلوا ما ورد فيه ممّا ذكرناه على وجهٍ يخالف ما وصفناه.

س: هل يكون الحساب يوم القيامة للمؤمنين والكافرين كليهما؟ ومَن الذي يتولّى ذلك؟

ج: إنّ الحساب هو موافقة العبد على ما أُمر به في دار الدنيا، وإنه يختصّ بأصحاب المعاصي من أهل الإيمان، وأمّا الكفّار فحسابهم جزاؤهم بالاستحقاق، والمؤمنون الصالحون يوفَّون أجورهم بغير حساب.

وإنّ المتولّي لحساب مَن ذكرتُ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأميرُ المؤمنين عليه السلام، والأئمّة من ذرّيتهما عليهم السلام بأمرِ الله تعالى لهم بذلك، وجعْلِه إليهم، تكرمةً لهم وإجلالاً لمقاماتهم، وتعظيماً على سائر العباد، وبذلك جاءت الأخبار المستفيضة عن الصادقين عليهم السلام، عن الله تعالى، وقد قال عزّ وجلّ: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..﴾، (التوبة:105) يعني الأئمّة عليهم السلام على ما جاء في التفسير الذي لا شكّ في صحّته ولا ارتياب.

س: كيف للمكلّف أن يتحلّل ممّا ارتكبه من تعدّي على حقوق الناس المادّية منها والمعنوية، وكيف يُبرئ ذمّته حالَ عجزِه عن الوصول اليهم؟

ج: إنّ من شرط التوبة إلى الله سبحانه من مظالم العباد:

- فمَن عُدم منهم صاحب المظلمة وفقَده خرج إلى أوليائه من ظلامته، أو استحلّهم منها...

- ومَن عُدم الأولياء حقّق العزمَ على الخروج إليهم متى وجدَهم، واستفرغ الوسع في ذلك بالطلب في حياته والوصية له بعد وفاته.

- ومَن جهل أعيان المظلومين أو مواضعهم حقّق العزمَ والنيّة في الخروج من الظلامة إليهم متى عرفهم، وجَهِدَ وأجهدَ نفسه في التماسهم، فإذا خاف فوتَ ذلك بحضور أجَلِه وصّى به على ما قدّمناه.

- ومن لم يجد طَولاً (الطَّول: القدرة المالية) لردّ المظالم سألَ الناسَ الصِّلةَ له والمعونة على ما يمكّنه من ردّها، أو آجر نفسه إنْ نفعَه ذلك وكان طريقاً إلى استفادة ما يخرج به من المظالم إلى أهلها.

- والجملة في هذا الباب أنه يجب على الظالمين استفراغُ الجهد مع التوبة في الخروج من مظالم العباد، فإنه إذا علم اللهُ ذلك منهم قَبِلَ توبتَهم وعوّض المظلومين عنهم إذا عجز التائبون عن ردّ ظلاماتهم.

- وإن قصّر التائبون من الظلم في ما ذكرناه كان أمرهم إلى الله عزّ وجلّ، فإنْ شاء عاقبهم وإن شاء تفضّل عليهم بالعفو والغفران، وعلى هذا إجماع أهل الصلاة من المتكلّمين والفقهاء.

 

اخبار مرتبطة

  تقرير

تقرير

منذ 6 أيام

تقرير

  اصدارات عربية

اصدارات عربية

منذ 6 أيام

اصدارات عربية

نفحات