الشهيد
الأوّل
شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي الجِزّيني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعداد: سليمان بيضون ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من
أكبر فقهاء الشيعة على مرّ التاريخ.
* ترك
آثاراً واضحة على الفقه الشيعي تجديداً وتطويراً وتنقيحاً.
*
لا تزال مؤلّفاته القيّمة محطَّاً لاستفادة العلماء
والفقهاء، وصار البعض منها مادّة دراسية في الحوزة العلمية.
* محدّث،
أديب، شاعر، ذو ذهنٍ سيّال، وعقليةٍ متفتّحة، ونظرٍ ثاقب.
* من دعاة بسط يد
الفقيه لإقامة الحدود الشرعية.
* ما يلي ملخّص –بشيء
من التصرّف- لترجمة وافية سطّرها العلامة الشيخ رضا مختاري وأدرجها في مقدمة
التحقيق لكتاب «غاية المراد في شرح نكت الإرشاد».
|
هو الشيخ أبو عبد الله
محمّد بن مكَّي بن محمّد بن حامد الجزّيني العاملي الملقّب بـ «شمس الدين»، والمشهور
بـ «الشهيد» على الإطلاق، و«الشهيد الأوّل».
كان والد الشهيد «جمال
الدين مكّي» من علماء عصره، وكان من تلامذة الشيخ العلّامة الفاضل نجم الدين طومان
بن أحمد العاملي.
كان أصل الشهيد - بلا شكّ
- من جزّين من قرى جبل عامل، قال الشيخ محمّد رضا شمس الدين: «وفي جزّين مسجد يعرف
بمسجد الإمام الشهيد الأوّل، وقد حُوّل حديثاً إلى كنيسة».
المشهور أنّ ولادته
كانت في سنة 734 للهجرة. ولمّا صار في عمر الصبا سافر إلى العراق في طلب العلم
الديني.
الثناء
عليه
* قال شيخه فخر الدين في إجازته له: «مولانا الإمام
العلّامة الأعظم، أفضل علماء العالَم، سيّد فضلاء بني آدم، مولانا شمس الحقّ والدين
محمّد بن مكّي بن محمّد بن حامد أدام الله أيّامه».
* وقال الشهيد الثاني:
«الشيخ الإمام الأعلم الأكمل، خاتمة المجتهدين وآية الله في العالمين، شمس الدين محمّد
بن مكّي، قدّس الله تعالى نفسه وطهّر رمسه».
* وقال الشيخ الحرّ العاملي في ترجمة الشهيد:
«كان عالماً ماهراً فقيهاً محدّثاً مدقّقاً متبحّراً كاملاً، جامعاً لفنون العقليات
والنقليات، زاهداً عابداً ورعاً شاعراً أديباً منشئاً، فريد دهره، عديم النظير في زمانه».
* وقال صاحب (الروضات) في ترجمته: «كان رحمه الله
بعد مولانا المحقّق على الإطلاق أفقه جميع فقهاء الآفاق، وأفضل مَن انعقد على كمال
خبرته... اتّفاقُ أهل الوفاق. وتوحّدُه في حدود الفقه وقواعد الأحكام مثل تفرّد شيخنا
الصدوق في نقل أحاديث أهل البيت الكرام عليهم السلام، ومثل تسلّم شيخنا المفيد وسيّدنا
المرتضى في الأصول والكلام وإلزام أهل الجدل والألد من الخصام...».
مكانته
العلمية
إنّ تعلّم الشهيد في حوزةٍ
عريقة - كحوزة الحلَّة في القرن الثامن - وتلمّذه على كبار العلماء والمتخصّصين في
كلّ فنّ من الفنون، وانفتاحه على المذاهب، وجدّه وسعيه وهمّته العالية وفضائله الروحية
والأخلاقيّة، كلّ ذلك قد صنع منه شخصية فريدة قلّ نظيرها.
يقول الشهيد: «معدود من
الخسران صرْف الزمان في المباح وإن قلّ، لأنّه ينقص من الثواب ويخفض من الدرجات، وناهيك
خسراناً بأن يتعجّل ما يفنى، ويخسر زيادة نعيمٍ يبقى».
وقال الشيخ سليمان الماحوزي
في رسالته (جواهر البحرين في علماء البحرين) في ترجمة جمال الدين أحمد بن عبد الله
بن متوّج البحراني: «سمعتُ جماعة من مشايخنا عطَّر الله مراقدهم، يحكون أنّه كان يقع
بينه وبين شيخنا السعيد أبي عبد الله الشهيد عطَّر الله مرقده ونوّر مشهده، مناظرات
ومشاجرات، وفي غالب الأحوال يكون الغالب الشيخ جمال الدين رحمه الله. فلمّا عاد إلى
جزيرة أوال من البحرين، وتولَّى الحكم والقضاء، وتصدّى للأمور الحسبية والمصالح الدينية
اشتغل ذهنه بذلك، فلمّا حجّ رحمه الله اجتمع في مكَّة زادها الله تعالى شرفاً بشيخنا
الشهيد طاب ثراه، فتناظرا في بعض المسائل، فغلبه شيخنا الشهيد قدّس الله روحه، وأفحمه.
فسأله الشيخ جمال الدين عن ذلك. فقال: «سهرنا وأضعتُم».
ويستفاد من هذه المطالب
أنّ الشهيد لم يترك لحظة من عمره إلَّا استفاد منها. وقد نقل بعض أساتذة الحوزة العلمية
بقمّ المقدّسة عن فقيه الطائفة المرحوم السيّد البروجردي قدّس سرّه، أنّه قال: «لقد
امتاز فقه خمسة من الفقهاء، لإحاطتهم بأقوال فقهاء العامّة والشيعة، وهم المحقّق، والعلامة
الحلّي، وفخر المحقّقين، والشهيدان». ونقل عنه قدّس سرّه أيضاً أنّ الشهيد الأوّل أفضلهم
في الفقه.
وقال العلّامة الأمين في
الموازنة بين الشهيدين: «الشهيد الأوّل أفقه وأدقّ نظراً وأبعد غوراً، وأكثر وأمتن
تحقيقاً وتدقيقاً، يظهر ذلك لكلّ من تأمّل تصانيفهما، مع الاعتراف بجلالة قدر الشهيد
الثاني وعظمة شأنه وعلوّ مقامه».
بعض
آرائه الفقهية
* يجوز للفقهاء حال الغَيبة إقامة الحدود مع الأمن،
والحكم بين الناس مع اتّصافهم بصفات المفتي. ويجب الترافع إليهم، ويأثم الرادّ عليهم.
* يعزَّر كلّ من ترك واجباً أو فعل محرّماً بما
يراه الحاكم. وسابُّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أو أحد الأئمّة عليهم السلام
يُقتل ولو من غير إذن الإمام، ما لم يخَفْ على نفسه أو ماله أو على مؤمن.
* الحدود والتعزيرات إلى الإمام ونائبه ولو عموماً،
فيجوز في حال الغَيبة للفقيه الموصوف بما يأتي في القضاء إقامتها مع المكنة، ويجب على
العامّة تقويته ومنع المتغلَّب عليه مع الإمكان، ويجب عليه الإفتاء مع الأمن، وعلى
العامّة المصير إليه والترافع في الأحكام، فيعصي مؤثر المخالف ويفسق.
* القضاء وظيفة الإمام
أو نائبه، وفي الغَيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء، فمن عدل عنه إلى قضاء
الجور كان عاصياً.
* في غيبة الإمام ينفذ قضاء الفقيه الجامع للشرائط،
ويجب الترافع إليه، وحكمه حكم المنصوب من قبل الإمام خصوصاً. ولو تعدّد فكتعدّد القضاة،
نعم، يتعيّن الترافع إلى الأعلم، فإن تساويا فالأورع.
مؤلَّفاته
وآثاره العلمية
غلبت صفة الفقه على آثار
الشهيد ومصنّفاته، تجد فيها سلامة التعبير وجمال البيان، تخلو من التعقيد والإسهاب
والإطناب، وربما أدّى التزامه بمنهج الإيجاز والابتعاد عن الحشو والزوائد إلى عدم وضوح
العبارة أحياناً. ومن كتبه ورسائله: (اللمعة الدمشقية)-(الدروس الشرعية في فقه الإمامية)-(ذكرى
الشيعة في أحكام الشريعة)-(البيان في الفقه)-(الرسالة الألفية في فقه الصلاة)-(الرسالة
النفلية)-(غاية المراد في شرح الإرشاد للعلَّامة الحلّي)-(القواعد والفوائد في الفقه)-(تفسير
الباقيات الصالحات)-(جامع البين من فوائد الشرحين في أُصول الفقه)-(الأربعون حديثاً)-(أجوبة
مسائل الفاضل المقداد)-(أجوبة مسائل الأطراوي)-(المزار).
أساتذته
ومشايخه في الرواية
لم يقتصر اتّصال الشهيد
بمشايخ الفكر في عصره على شخصٍ خاصّ، أو على قُطرٍ خاصّ، أو على نمط خاصّ من التفكير،
فإنّه اتّصل بألوان مختلفة من الفكر وارتاد مختلف مراكز الحركة العقلية في الوطن الإسلامي
في وقته، واتّصل بمختلف العلماء والمفكّرين، وعلى طريق هذا التفاعل الفكري والتلاقح
قدّر له أن يكوّن لنفسه شخصية ثقافية مرموقة. قال في إجازته لابن الخازن: «وأمّا مصنّفات
العامّة ومرويّاتهم، فإنّي أروي عن نحو من أربعين شيخاً من علمائهم بمكَّة، والمدينة،
ودار السلام بغداد، ومصر، ودمشق، وبيت المقدس، ومقام الخليل إبراهيم عليه السلام. فرويت
(صحيح) البخاري عن جماعة كثيرة بسندهم إلى البخاري، وكذا (صحيح) مسلم، و(مسند) أبي
داود، و(جامع) الترمذي، و(مسند) أحمد، و(موطَّأ) مالك، و(مسند) الدارقطني، و(مسند)
ابن ماجة، و(المستدرك على الصحيحين) للحاكم أبي عبد الله النيسابوري، إلى غير ذلك ممّا
لو ذكرته لطال الخطب».
ومن أساتذته ومشايخه:
1 - فخر المحقّقين محمّد بن الحسن بن يوسف ابن
العلامة الحلّي، وهو أجلّ مشايخه والأكثر دراسة عليه.
2 - السيّد عميد الدين عبد المطلب بن الأعرج الحسيني،
ابن أخت العلامة الحلّي.
3 - السيّد تاج الدين أبو عبد الله محمّد بن القاسم
المعروف بابن معيّة الديباجي الحلّي.
4 - السيّد الجليل أمين الدين أبو طالب أحمد بن
أبي إبراهيم محمّد بن زهرة الحلبي الحسيني.
5 - أبو محمّد الحسن بن
نماء الحلّي.
تلامذته
والراوون عنه
قرأ على الشهيد الأوّل
عددٌ كبير من العلماء في كثير من البلدان، وتخرّج عليه فقهاء كبار وعلماء عظام. قال
المحدّث النوري: «اعلم أنّ طرق إجازات علمائنا على كثرتها وتشتّتها تنتهي إلى هذا الشيخ
العظيم الشأن، ولم أعثر على طريق لا تمرّ عليه إلَّا على قليلٍ أشار إليه صاحب (المعالم)
في إجازته».
وقال المحدّث القمّي: «ومن
تأمّل إلى طرق إجازات علمائنا على كثرتها وتشتّتها وجد جلَّها أو كلَّها تنتهي إلى
هذا الشيخ المعظَّم».
وإليك أسماء بعض تلامذته
والمجازين منه:
1 - جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري الحلّي
المعروف بالفاضل المقداد.
2 - شمس الدين أبو جعفر محمّد بن تاج الدين أبي
محمّد عبد العلي بن نجدة الكركي.
3 - مزيّن الدين أبو الحسن
علي بن عزّ الدين الحسن بن محمّد الخازن الحائري.
4 - شمس الدين محمّد بن علي بن موسى بن الضحّاك
الشامي.
5 - الشيخ زين الدين أبو الحسن عليّ بن بشارة
العاملي الشقراوي الحنّاط.
6 - الشيخ عزّ الدين أبو عبد الله حسين بن عليّ
العاملي.
7 - الفقيه عزّ الدين الحسين بن محمّد بن هلال
الكركي.
8 - العالمة أمّ الحسن فاطمة الملقّبة بـ «ستّ
المشايخ» بنت الشهيد. قال الشيخ الحرّ العاملي في ترجمتها: «كانت عالمة فاضلة فقيهة
صالحة عابدة، سمعت من المشايخ مدحها والثناء عليها. تروي عن أبيها وعن ابن معيّة شيخه
إجازة. وكان أبوها يثني عليها ويأمر النساء بالاقتداء بها والرجوع إليها..».
استشهاده
تداخلت ظروف عدّة على شهادة
الشهيد: فمن جهة كان ارتباطه بـ «سربداران» ورئيسهم عليّ بن مؤيّد في خراسان، ونشره
فقه أهل البيت عليهم السلام في جبل عامل والشام من جهة أخرى، وسعيه لإقامة مركز ثقل
وقوّة للموالين في الشام كان له كبير الأثر في شهادته، لكنّ الأعداء افتروا عليه التُّهم،
واختلقوا الأكاذيب الكبيرة التي لا أساس لها من الصحّة، فتسبّبوا في سجن الشهيد ومحاكمته
ومن ثمَّ اعدامه.
قال الشيخ الحرّ العاملي:
«كانت وفاته سنة 786 للهجرة، اليوم التاسع من جمادى الأولى. قُتل بالسيف ثمَّ صلب ثمَّ
رجم ثمَّ أحرق بدمشق في دولة بَيدمر وسلطنة برقوق، بفتوى القاضي برهان الدين المالكي
وعبّاد بن جماعة الشافعي، بعدما حُبس سنة كاملة في قلعة الشام، وفي مدّة الحبس ألَّف
اللمعة الدمشقية في سبعة أيّام، وما كان يحضره من كتب الفقه غير (المختصر النافع).
وكان سبب حبسه وقتله أنّه
وشى به رجلٌ من أعدائه، وكتب محضراً يشتمل على مقالات شنيعة عند العامّة من مقالات
الشيعة وغيرهم، وشهد بذلك جماعة كثيرة، وكتبوا عليه شهاداتهم، وثبت ذلك عند قاضي صيدا،
ثمَّ أتوا به إلى قاضي الشام. فحُبس سنة ثمَّ أفتى الشافعي بتوبته والمالكي بقتله..».