أحكام وآداب «التّحية» و«الضيافة»
ــــــــــــــــــ
الفيض الكاشاني* ــــــــــــــــــ
(النخبة
في الحكمة العملية والأحكام الشرعية ) - للفقيه والمحدّث والفيلسوف الجليل محمّد
بن المرتضى المعروف بـ «الفيض الكاشاني»، والمتوفّى سنة 1091 هجرية - خلاصة لأبواب
الفقه كلّها من الآداب والسنن، ظاهراً وباطناً وأصول الأخلاق، كما وصفها رحمه الله
في فهرس تصانيفه، ونظراً لمتانتها العلمية، لها عدة شروح وعليها أكثر من حاشية.
تتضمّن
المقالة التالية آداب وسُنن «التَّحِيّة» و«الضّيافة»، نوردها
مختصرة نقلاً عن (النخبة) المذكورة.
«شعائر»
باب التّحية
التحيّة:
وحقّها أن يسلِّم على كلّ مسلم وإنْ لقيه مراراً... ناوياً تجديد عهد الإسلام، وأن
لا يؤذيه في عِرضه وماله مبتدئاً به.
والأولى بالبدأة
الداخلُ والماشي والراكُب والصغير والقليل، وورد: «إذا سلَّم واحدٌ من القوم
أجزأَ عنهم». وكذا ورد في الردّ.
ويجب الردّ بالأحسن أو
المثل كما في آية التّحية: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا
بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا...﴾ (النساء:86)، والأحسن أن يزيد: «ورحمة
الله»، فإنْ قاله المسلِّم، زادَ «وبركاته»، فإنْ زاده فله الاكتفاء
بقوله: «وعليك».
ولو كان المسلِّم
ذمّياً اقتصر على ذلك مطلقاً، كذا جرتِ السنّة، ولا يسلِّم عليه، ولا على عابد
الوثن، ولا على موائد الخمر، ولا على صاحب الشطرنج (المقصود ما كان من آلات
القمار) والنَّرْد، ولا على المخنّث، ولا على الشاعر الذي يقذف المحصَنات، ولا على
آكل الرّبا، ولا على الفاسق المعلِن بفِسقه، ولا على المصلِّي لعدم تمكُّنه من
الردّ، ولا في الحمّام لمَن لا مِئزَر عليه، ولا على جمعِ النساء، ويردّ عليهنّ،
ولا عند تلاوة القرآن والأذان، وقضاء الحاجة ونحوها، فلا يكلّم فيها.
ولا يردّ بالإصبع ولا
الكفّ، فهو عادة الكفّار. ولا يخصّ المعارف؛ فهو من أشراط الساعة. ولا يبدأ بـ«عليك
السلام» فهو تحية الميّت.
ويصافح، لا سيّما
الكبراء في الدّين، فهو من تمام التحيّة، وورد: «فيها قسمةُ مائة مغفرة؛ تسعة
وتسعون لأحسنهما بِشراً»، و«إنّ الذنوبَ تتساقطُ عنهما كما يتساقطُ الورقُ
من الشَّجَر». ويجعل الأصابع في الأصابع، ولا يدَع حتّى يُدفَع؛ فهو من
السنّة، ولا (يصافح) من وراء الثوب، فهو جفاءٌ من عادة الكفّار.
ويعانقُ القادمَ، فقد
ورد: «إنّ مِن تَمام التحيّة للمُقيم المصافحة، وتمام التّسليم على المسافر
المعانقة».
ويأخذ ركاب العلماء
للتوقير، ويوسّع المجلس، ويُكرم الداخلَ فيبسط له الثوب، ويخفّف الصلاة، ويشتغل به
ثمّ يعاود فيها.
ويوقِّر الكبراءَ
كالعلماء والصّلحاء والسادات والشيوخ، ويقدّمهم في المشي والكلام والجلوس، فقد ورد:
«ليسَ منّا مَن لم يُوقِّر كبيرنا، ويَرحَم صغيرَنا». وأُوعد في التقدّم
على الكبير بالفقر...
ويتكفّل اليتيم، فقد ورد:
«أنا وكافلُ اليتيمِ كهاتَين في الجنّة»، أي المسبّحة والوسطى.
ويُظهر البشاشة، فقد ورد:
«إنّ اللهَ يحبّ السَّهْلَ الطَّلْقَ». (أي طَلْق الوجه)
ويُسَمِّتُ العاطس
بدعاء الرحمة والمغفرة، ويُجيب بدعاء الهداية والصلاح، ففيه فضلٌ كثير، إلّا إذا
زاد على الثلاث، فورد فيه: «أنّه زكام».
وردُّ جواب الكتاب
واجبٌ كوجوب ردِّ السّلام، كذا ورد، ويفتتح في الكتاب بالتسمية... ويُتربه فهو سبب
النّجاح. (في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: أترِبوا الكتاب، فإنه
أنجحُ للحاجة)
باب الضيافة
عن النبي صلّى الله
عليه وآله وسلّم، قال: «الضّيفُ يَجيءُ برزقه ويذهبُ بذنوبِ أهله».
وعنه صلّى الله عليه وآله: «لا خيرَ فيمن لا
يُضِيف»
ويبتدئ المُضيف بوضع
اليد، ويتأخّر برفعها، ولا يستخدم الضيف فإنّه من الجفاء... ولا يتكلَّف له
بالاستقراض، أو تقديم ما يحتاج إليه العيال، أو ما لا تُسامح النفس به؛ فإنّه يُورث
الانقطاع والوحشة.
ولا يحتقر ما حضرَه،
ولا الضيفُ ما قُدِّم إليه، وورد: «إذا أتاك أخوك فأْته ممّا عندك، وإذا دعوتَه
فتكلَّفْ له».
ويقدّم ما يشتهي، فورد:
«مَن صادف من أخيه شهوةً فقضاها غُفِر له».
و(يقدّم) ما يكفي؛
فالنَّقصُ تَرْكُ المروءة والزيادة رياء، إلّا أن يُجيز الذهاب به.
ويميّز أوّلاً نصيبَ
العيال تحامياً عن اهتمامهم به.
ولا يرفعه الضيفُ إلّا
أن يعلم بسروره، ولا يستتبع ولدَه إذا دُعي، فقد ورد: «مَنْ أكلَ طعاماً لم يُدْعَ
إليه، فإنّما أكلَ قطعةً من النّار».
وإذا بات يُريه القبلة
والمتوضّأ ويُكرمه، فقد ورد: «مَن كان يؤمنُ باللهِ واليوم الآخر، فليُكرم ضيفَه»،
وهو بإظهار الانبساط والسّرور، وصبّ الماء على اليد، والتشييع إلى الباب، وأخذ
الرّكاب للركوب.
ويرجع الضيف فرحاً وإن
قصّر في حقّه، ويخرج برضى المضيف فهو حُسن الخُلق، ولا يكون أكثر من ثلاثة أيّام،
فما زاد فصدقة، وهو حينئذٍ من أهل البيت، يأكلُ ما أدرك، وقد ورد: «إذا دخلَ
رجلٌ بلدةً فهو ضيفٌ على مَن بها مِن إخوانه وأهل دينِه حتّى يرحلَ عنهم». ويعدّ
فراشه وخلاله، ويستأذن كلٌّ صاحبَه في صوم التطوّع، وورد: «إذا دخلَ عليك أخوك
فاعرضْ عليه الطعام، فإنْ لم يأكل فاعرضْ عليه الماء، فإنْ لم يشربْ فاعرضْ عليه
الوضوء».
وأمّا الولائم فـأربع،
لما ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «الوَلِيمَةُ فِي أَرْبَعٍ: العُرْسِ
وَالخُرْسِ: وَهُوَ المَولُودُ يُعَقُّ عَنْهُ وَيُطْعَمُ لَهُ. وَإِعْذَارٍ: وَهُوَ
خِتَانُ الغُلَامِ. وَالإِيَابِ: وَهُوَ الرَّجُلُ يَدْعُو إِخْوَانَهُ إِذَا آبَ مِنْ
غَيْبَة». وزِيد في رواية «التّوكير» وهو بناء الدار وشراؤها. وورد:
النّهيُ «عن طعام وليمةٍ يخصّ بها الأغنياء، ويترك الفقراء».