يوم القدر الفلسطيني
الإمام الخميني: يوم القدس، يوم الفصل بين الحقّ
والباطل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يأتي
اختيار الإمام الخميني قدّس سرّه ليوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك،
وإعلانه «يومَ القدس العالميّ»، ليضيف حافزاً جديداً لتمتين وحدة
المسلمين، وتوظيف قوّتهم لصالح قضية الأمّة المركزية المتمثّلة
في استرداد المقدسات الإسلامية في فلسطين المحتلّة من نير الاحتلال الصهيوني - الغربي.
وتُعتبر
مبادرة الإمام الخميني تتويجاً عملياً لسلسلة من المواقف التي تبّناها علماء
المسلمين حيال القضية الفلسطينية منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين، كما أنها تضمّنت
جملة من الرسائل المفصلية الحاسمة، في مقدّمها أن القدس الشريف والمسجد الأقصى
المبارك، رمز وحدة المسلمين، وتحريرهما لن يتأتّى إلا بالتّكاتف والتعاون بين
أبناء أمة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ونبْذ الخلافات المذهبية والقُطرية.
التحقيق
التالي، مختصر من دراسة نُشرت في الموقع الإلكتروني «لمؤسسة الفكر الإسلامي»، وتناولت نماذج من مواقف علماء
الإسلام منذ ثلاثينات القرن الماضي تجاه الدعم البريطاني للاحتلال اليهودي لأرض
فلسطين.
بإعلانه «يوم القدس العالميّ»، رسم الإمام الخميني قدّس سرّه - بصفته قائد الثورة الإسلامية ومؤسّس
الجمهورية الإسلامية الإيرانية - أحد المحاور الإستراتيجية في السياسة
الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ومن جانبٍ آخر، فإنّ مبادرة الإمام الخميني جاءت تتويجاً
لموقف علماء المسلمين الشيعة من القضية الفلسطينية منذ النكبة وتأسيس الاستعمار
الغربي للكيان الصهيوني الغاصب في قلب فلسطين. فتاريخ علماء المسلمين الشيعة بما يتميزون به من الاستقلال عن كلّ أجنبيّ حافلٌ
بمواقف شجاعة ضد الظالمين ودعماً للمظلومين، اقتداءً منهم بسيرة أئمّتهم المعصومين
عليهم السلام، وعلى هَدْي فكر أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
موقف الشيخ كاشف الغطاء من بيع الأراضي
لليهود
ثمة وثيقة في أرشيف الوثائق الأجنبية في وزارة الخارجية للجمهورية
الإسلامية في إيران، وهي رسالة العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، من أبرز علماء النجف الأشرف (ت:
1952م)، رداً على استفتاء محمد صبري عابدين،
معلّم الحرم القدسيّ الشريف، جاء فيها: «يقول الله جلّ شأنه: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا
أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾. فأيُّ ظلمٍ أكبرُ من أن يفرّط الإنسان
بحقوق أجداده وأحفاده، بل يمكن القول: أيّ ظلمٍ أكبر من أن يفرّط الإنسان
بمقدّساته ودينه وأن يتجاهل قرآنه وقِيمه».
ثم يتطرق العلامة إلى موضوع بيع الأراضي الفلسطينية لليهود والحكم
الشرعي بشأن الأشخاص الذين يشاركون في إنجاز مثل هذه المعاملات ويقول:
«... ألا
يدركون أن هذا البيع هو حربٌ ضدّ الإسلام؟ وهل يشكّ أحدٌ في أنَّ هذا البيع أو المساعدة فيه أو
السعي إليه أو السمسرة به هو حربٌ على الله والنبيّ صلّى الله عليه وآله، ومخالفة
صريحة للإسلام؟
أخرجوا هؤلاء من الدين وساحة الإسلام وعاملوهم كالكفّار، وأبعِدوهم
عن أيّ عمل، ولا تتزوّجوا منهم ولا تُعاشِروهم ولا تتعاملوا معهم، ولا تسلِّموا
عليهم ولا تُحادثوهم، ولا تشيِّعوا موتاهم ولا تدفنوهم في مقابر المسلمين. أسماء هؤلاء يجب أن تُعلَّق في جميع
المحافل والنوادي وتنشر في الصحف والمجلات تحت عنوان: الخارجون من الدين».
الموقف من تقسيم فلسطين
مع طرح مشروع تقسيم فلسطين في عصبة الأمم، بدأت المواجهة بين علماء
الدين والغرب، وقد رفع علماء المسلمين الشيعة في النجف الأشرف راية هذه المواجهة،
إذ قام هؤلاء بدعوة علماء المسلمين إلى اتخاذ موقف صريح وواضح من هذا الموضوع.
السفارة الإيرانية في بغداد أرسلت تقريراً عن تحرك العلماء بتاريخ 2/8/1937م جاء فيه: «قام السادة هبة الدين الشهرستاني، ومحمد مهدي الصدر،
ومحمد مهدي الأصفهاني، ومحمد مهدي الخراساني، وهم من العلماء الإيرانيين الساكنين
في بغداد والكاظمية، والشيخ راضي آل ياسين وهو من علماء الشيعة العرب، ومعهم
الشيخ يوسف عطا مفتي بغداد، وحبيب العبيدي مفتي الموصل، وإبراهيم الراوي، وهؤلاء
الثلاثة هم من علماء الطراز الأول في الموصل وبغداد، هؤلاء جميعاً قاموا بتوجيه
برقية إلى عصبة الأمم ووزارة الخارجية البريطانية جاء فيها: نحن الممثّلين الروحيّين للمذاهب
الإسلامية نعلن عدم رضانا واعتراضنا على قرار اللجنة الملكية بشأن تقسيم فلسطين
البلد الإسلامي والعربي العزيز، ونعتبر ذلك ضربة موجهة إلى قلب الإسلام والعرب».
إعلان الجهاد
في شهر محرّم من سنة 1357 هجرية (1938
ميلادية) وجه المرجع الديني السيد أبو الحسن
الأصفهاني رسالة إلى السفارة الإيرانية في بغداد أعرب فيها عن أمله بأن تبذل
الحكومة الإيرانية جهودها في عصبة الأمم لإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
كذلك أقدم العلامة كاشف الغطاء على خطوة مماثلة فوجه رسالة إلى غازي
ملك العراق وطلب منه العمل في عصبة الأمم للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. السفارة الإيرانية أرسلت تقريراً عن
هذه التحركات إلى وزارة الخارجية الإيرانية، جاء فيه «قام العلماء العرب الشيعة في النجف
مجدداً بإرسال برقيات إلى الملك غازي والمفوض السامي البريطاني شكوا فيها مظالم الإنجليز
في فلسطين. الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي هو من مشاهير
العلماء العرب في النجف، بعث هو الآخر برقية مماثلة إلى المفوض السامي البريطاني
واللجنة الفنية البريطانية وأضاف عليها أنَّ الشعب يطلب من العلماء إصدار فتوى
الجهاد».
حسب قسم آخر من هذا التقرير، أكدت السفارة الإيرانية أنَّ صحيفة «النهار» التي كانت تصدر في بغداد نشرت خبراً
جاء فيه «أنَّ علماء الإسلام سيجتمعون تحت قبَّة
أميرالمؤمنين عليه السلام في النجف للتباحث في إصدار حكم بالجهاد وسيصدر الحكم
موقَّعاً من قبل جميع السادة العلماء وسيترأس الاجتماع الشيخ كاشف الغطاء».
ولهذا الغرض «وجَّه علماء الشيعة دعوة إلى علماء
سوريا ولبنان والأردن ومصر واليمن والإمارات في الخليج الفارسي وتركيا وأفغانستان
وإيران للمشاركة في هذا الاجتماع»، حسب خبر صحيفة القبس الدمشقية العدد 1496 والمؤرخ 12/9/1938م.
بعد هذه الجلسة أصدر العلامة كاشف الغطاء حكم الجهاد، وجاء فيه:
«أيها المسلمون، أيها العرب، أيها الأخوة، أيها
البشر، الوضع الذي آلتْ إليه فلسطين المذبوحة بات واضحاً للعيان، وكما قلنا
ونكرِّر فإن قضية فلسطين لا تخصّ فلسطين وحدها . . .
أيها العرب،
أيها المسلمون، أيها البشر، إن الجهاد في فلسطين بات واجباً على كل إنسان وليس على
العرب والمسلمين وحدهم. إنها دعوة ونداء عام أوجّهه إلى العرب
والمسلمين، ويعلم الله أنني تجاوزت عقدي السادس من عمري، ولولا تكالب الأمراض التي
هشّمت عظامي، لكنت أول الملبّين لهذه الدعوة».
تلكّؤ الوهابية السعودية وتوابعها
مع الأسف هذا التحرك العلمائي وهذا الموقف الصارم والريادي من
العلماء لم يلق تجاوباً يليق بالأمة الإسلامية، الأمر الذي كان ينذر بمرض في جسم
العالم الإسلامي والذي أشار إليه صراحة العلامة كاشف الغطاء في رسالة أخرى بتاريخ 18/12/1938م نقلتها صحيفة القبس الدمشقية في
عددها 1565 المؤرخ 25/12/1938م جاء فيها:
«يقولون أنّ هناك أربعمائة مليون مسلم على سطح
الكرة الأرضية. فما الذي يحدث لو أنَّ واحداً من كل عشرة من
هؤلاء يتحرّك مدفوعاً بالغيرة لأداء واجبه حيال فلسطين ودعم المجاهدين هناك؟ لو
يحدث هذا فستحلّ عقدة فلسطين بالتأكيد وستنتهي مشكلتها. . .
فوَالله إننا
متأخرون عن المرحلة كثيراً وحتى الآن لم نقل ما يجب أن نقوله. مؤتمرات تعقد وقرارات تصدر ووفود تذهب
إلى لندن، ومع ذلك فإن قوات الانجليز تقوم بقتل النساء الحوامل في فلسطين وتسفك
دماء الأبرياء وتواصل هذه الممارسات بكل صلافة وتحدٍّ.
أما الحجاز والأردن فإنهما يريان ويسمعان كلّ شيء، ومع ذلك فإنهم
يتجولون بكل متعة وسرور، ولَيَتَهم اكتفوا بهذا وكفّوا شرَّهم عن فلسطين وتوقفوا
عن مساعدة الظالمين. أما عموم المسلمين في أقطار الأرض فليس بيدهم
سوى الاحتجاج والخطابة والضجيج والمقالات والشعر وبعض المساعدات المادية القليلة
جداً فيما يملك الكثير من المسلمين الآلاف بل الملايين من الليرات. فهل سمع أحد أنَّ أحد هؤلاء تبرَّع
بألف ليرة إنجليزية لفلسطين كما يفعل اليهود في العالم لجماعتهم رغم قلّة عددهم
وسوء سلوكهم؟».
العلامة كاشف الغطاء يشير في نهاية رسالته هذه إلى مكمن المرض في
العالم الإسلامي ويقول «ليت المسلمون يعترفون بالحقيقة
ويعلنونها دون أيّ غطاء. حقيقة أن بلاء المسلمين يكمن فيهم وهو
أكبر بكثير من بلاء الصهيونية والإنجليز. هذه الحقائق الواضحة يعلمها الجميع لكن
لا أحد يعلنها».
هذا الوضع المأساوي تفاقم أكثر فأكثر بعد تأسيس الكيان الصهيوني
وحدوث النكبة، رغم شعارات الوحدة والاتحاد والمشاريع الرنَّانة، ما جعل الصهاينة
يسخرون من العرب وشعاراتهم في مواجهة الصهيونية، فتجرّأوا على شنّ الحروب على الدول
المجاورة لاغتصاب أراضٍ جديدة.
في مثل هذه الأجواء المشؤومة وبعد انتصار الثورة الإسلامية، بادر
الإمام الخميني قدّس سرّه بتسمية يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان في كلّ سنة، «يومَ القدس العالميّ» وأعلنه يوماً للاتحاد والتضامن بين
المسلمين، ومما جاء في ندائه بتاريخ 7/8/1979م «لقد حذَّرت المسلمين على مدى سنوات
طويلة من خطر إسرائيل الغاصبة التي صعّدت هذه الأيام من حملاتها الوحشية ضد الإخوة
والأخوات الفلسطينيين، وخصوصاً في جنوب لبنان، وهي تقوم بقصف بيوتهم ومساكنهم بشكل
مستمرّ للقضاء على المناضلين الفلسطينيين.
إنني أدعو مسلمي العالم عامة والحكومات الإسلامية إلى التضامن
والاتحاد لقطع يد هذا الغاصب وحماته. كما أدعو مسلمي العالم كافة إلى إعلان
آخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي هي من أيام القدر (ويمكن أن تكون حاسمة أيضاً في تعميق
مصير الشعب الفلسطيني) يوماً للقدس، وأن يعبروا من خلال المراسم عن
تضامن المسلمين الدولي في الدفاع عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم».