إنّ الأرض لَتخبر يوم القيامة بكلّ ما عُمل
على ظهرها
موجز
في تفسير سورة الزلزلة
ـــــــــــــــــ إعداد: سليمان
بيضون ـــــــــــــــــ
* السورة
التاسعة والتسعون في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، نزلت بعد «النساء».
*
سُمّيت بـ«الزلزلة» لابتدائها بقوله تعالى بعد البسملة: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾.
*
آياتها ثماني، وهي مدنيّة، وجاء في الحديث النبويّ الشريف: «من قرأها فكأنّما
قرأ (البقرة)، وأُعطي من الأجر كمَن قرأ رُبعَ القرآن».
|
«وأمّا الزلزلة، فالتضعيف فيها يدلّ على
تكرار وشدّة كمّاً وكيفاً، وذكْر المصدر بعد الفعل [المفعول المطلق] يدلّ على تأكّد
وشدّة اضافيّة. ثمّ إنّ زلزلة الساعة مطلقة، تشمل الزلزلة الحادثة في أرض المادّة،
أو في الناس والمؤمنين بتحوّل الأوضاع والأحوال والظواهر والمقامات، فيتجلَّى ما في
القلوب والبواطن، ويكشف عنهم الحجب والأستار». (التحقيق في
كلمات القرآن: 4/341 - بتصرّف)
محتوى السورة
تدور مفاهيم السورة حول محاور رئيسية
ثلاثة: فتتحدّث أوّلاً عن علامات البعث ويوم القيامة، ثمّ عن شهادة الأرض على جميع
أعمال العباد، وبعد ذلك تَقسم الناس إلى مجموعتين: صالحة وطالحة، وتبيّن أنّ كلّ مجموعة
ترى ثمار عملها.
فضيلة السورة
* عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّه
قال: «مَن قرأها فكأنّما قَرأ (البقرة)، وأُعطي مِن الأَجرِ كمَن قَرأ رُبعَ القرآن».
* وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أنّه قال:
«لا تَملّوا مِن قراءةِ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾، فإنّه مَن كانت
قراءته بها في نوافله لم يُصبه الله عزّ وجلّ بَزلزلةٍ أبداً، ولم يمُت بها ولا بِصاعقةٍ
ولا بآفةٍ من آفات الدّنيا حتّى يموت...».
تفسير آيات منها
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا
لَهَا﴾ الآية:3.
أمير المؤمنين عليه السلام: «أنا الإنسانُ،
إيّاي تُحدّثُ أخبارَها».
قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾
الآية:4.
* النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنّ
الأرضَ لَتُخبر يومَ القيامةِ بِكُلّ ما عُمِل على ظَهرِها».
** وعنه صلّى الله عليه وآله: «حافِظوا
على الوضوءِ وخير أعمالكُم الصّلاة، وتَحفّظوا مِن الأرضِ، فإنّها أمُّكم، وليس فيها
أحدٌ يعملُ خيراً أو شرّاً إلّا وهي مُخْبِرةٌ به».
*** أمير المؤمنين عليه السلام: «صلُّوا
مِن المَساجِد في بِقاعٍ مُختلفةٍ، فإنّ كلَّ بقعةٍ تَشهدُ لِلمُصلّي عليها يومَ القِيامة».
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾
الآيتان:7-8.
* أمير المؤمنين عليه السلام: «واعلَمْ
يا ابنَ آدم أنّ وراءَ هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب: يوم القيامة، يومٌ لا تُقال فيه
عَثرةٌ، ولا يؤخَذُ مِن أحدٍ فِديَةٌ، ولا تُقبَل مِن أحدٍ معذِرَةٌ، ولا لِأحَدٍ فيهِ
مستقبَل توبة، ليس إلّا الجزاء بالسيّئات، فمَن كان من المؤمنينَ عمِل في هذه الدّنيا
مثقالَ ذرّةٍ مِن خيرٍ وَجَدَه، ومَن كان مِن المؤمنينَ عَمِلَ في هذه الدّنيا مِثقالَ
ذرّةٍ مِن شرٍّ وَجَدَه».
** الإمام الباقر عليه السلام: «..إنْ كان
من أهل النّار قد عَمِلَ مِثقالَ ذرّةٍ في الدّنيا خيراً يَرَه يوم القيامة حسرةً إنْ
كانَ عَملَهُ لِغَيرِ الله ".." وإنْ كانَ مِن أهلِ الجنّةِ رأى ذلك الشّرَّ
يومَ القيامةِ ثمّ غُفِر له».
قال المفسّرون
«تفسير الميزان»: قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾،
فتشهد على أعمال بني آدم كما تشهد بها أعضاؤهم وكتّاب الأعمال من الملائكة، وشهداء
الأعمال من البشر وغيرهم. وقوله: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾، اللام بمعنى «إلى»
لأنّ الإيحاء يتعدّى بـ«إلى»، والمعنى: تحدّث أخبارها بسبب أنّ ربّك أوحى إليها أن
تحدّث، فهي شاعرة بما يقع فيها من الأعمال خيرها وشرّها، متحمّلة لها، يؤذَن لها يوم
القيامة بالوحي أن تحدّث أخبارها وتشهد بما تحمّلت، وقد تقدّم في تفسير قوله تعالى:
﴿..وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..﴾
الإسراء:44، وقوله: ﴿..قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ..﴾
فصلّت:21، أنّ المستفاد من كلامه سبحانه أنّ الحياة والشعور ساريان في الأشياء وإن
كنّا في غفلة من ذلك.
* قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ
أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾، الصدور انصراف الإبل عن الماء بعد وروده، وأشتات
كـ«شتّى» جمع «شتيت» بمعنى المتفرّق، والمراد بصدور الناس متفرّقين يومئذٍ، انصرافهم
عن الموقف إلى منازلهم في الجنّة والنّار، وأهل السعادة والفلاح منهم متميّزون من أهل
الشقاء والهلاك، وإراءتُهم أعمالهم إراءتُهم جزاء أعمالهم بالحلول فيه، أو مشاهدتهم
نفس أعمالهم بناءً على «تجسّم الأعمال»...
* وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ تفريع على ما تقدّم
من إراءتهم أعمالهم، فيه تأكيد البيان في أنّه لا يُستثنى من الإراءة عملٌ خيراً كان
أو شرّاً، كبيراً أو صغيراً حتّى مثقال الذرّة من خير أو شرّ، وبيان حال كلّ مَن عمل
الخير والشرّ في جملة مستقلّة لغرض إعطاء الضابط وضرب القاعدة.
الآية الجامعة
* عن زيد بن أسلم أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ صلّى
الله عليه وآله وسلّم، فقال: «علِّمْني ما علّمك اللهُ، فدفعه صلّى الله عليه وآله
وسلّم إلى رجلٍ يعلّمه القرآن، فعلّمه ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ..﴾ حتّى بلغ ﴿فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا
يَرَهُ﴾ قال الرجل: حسبي. فأخبر بذلك النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: دعْهُ،
فقد فَقِهَ الرّجُل».
***
لا منافاة بين ما تدلّ عليه الآيتان ﴿فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا
يَرَهُ﴾ من العموم وبين الآيات الدالّة على حبط الأعمال، والدالّة على انتقال أعمال
الخير والشرّ من نفس إلى نفس كحسنات القاتل إلى المقتول وسيئات المقتول إلى القاتل،
والدالّة على تبديل السيّئات حسنات في بعض التائبين، وكذا في تفسير قوله: ﴿لِيَمِيزَ
اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ..﴾ الأنفال:37. وذلك لأنّ الآيات المذكورة حاكمةٌ
على هاتين الآيتين، فإن مَن حبط عملُه الخير محكوم بأنّه لم يعمل خيراً فلا عمل له
خيراً حتى يراه، وعلى هذا القياس في غيره.
(تفسير الميزان: 20/343)