نَفْسُ
المصطفى
«مَن
أنكرَ إمامتك فقد أنكر نبوّتي»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ حسين كوراني* ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في ذكرى شهادة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام نقدّم العزاء إلى صاحب العزاء؛ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله
وسلّم، وإلى الصدّيقة الكبرى عليها السلام، والإمامين الحسنين عليهما السلام، وإلى
التسعة المعصومين من ذريّة الحسين، لا سيّما إلى الطالب بذحول الأنبياء وأبناء
الأنبياء، مولانا الإمام المهديّ صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
***
في الكعبة وُلد،
وفي محراب بيت الله استُشهد. وهو الكعبةُ والمحراب، ونَفْسُ سيّد أهل بيت الله،
نَفْسُ سيّدِ الأنبياء والأولياء: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ
مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ
اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾. (آل عمران/66)
في آخر جمعةٍ
من شهر شعبان، وبعد أن فرغ رسول الله صلّى الله عليه وآله من خطبته في استقبال شهر
رمضان، قام أمير المؤمنين عليه السلام، فقال:
«يا
رسولَ الله، ما أفضلُ الأعمال في هذا الشهر؟
فقال: يا أبا
الحسن، أفضلُ الأعمالِ في هذا الشهر الورعُ عن محارمِ اللهِ عزّ وجلّ، ثمَ بكى».
فقال أمير المؤمنين: «يا رسولَ الله، ما يُبكيك؟
فقال: يا عليّ،
أبكي لما يُستَحَلُّ منكَ في هذا الشّهر، كأني بك وأنت تُصلّي لربّك، وقد انبعثَ
أشقى الأولين والآخِرين، شقيقُ عاقرِ ناقةِ ثمود، فضربَك ضربةً على قرنك فخضب منها
لحيتَك».
قال أمير المؤمنين عليه السلام: «فقلتُ: يا
رسولَ الله، وذلك في سلامةٍ من ديني؟
فقال: في
سلامةٍ من دينك. ثمّ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا عليّ، مَن قتلَك فقد قتلَني،
ومَن أبغضَك فقد أبغضَني، ومن سبَّك فقد سبَّني، لأنّك منّي كنفسي، روُحك من روحي،
وطِينتُك من طِينتي، إن اللهَ تبارك وتعالى خلقَني وإيّاك، واصطفاني وإيّاك،
فاختارني للنبوّة، واختارك للإمامة، فمَن أنكر إمامتَك فقد أنكر نبوّتي...».
لم يُبعث
نبيّ إلا بالاعتقاد بأمير المؤمنين عليه السلام، وهو الشاهدُ على الأنبياء، كما هو
المصطفى الشاهد عليهم.
كان مع
النبيين جميعاً سرّاً، وكان مع المصطفى سرّاً وجهراً.
قال عليه
السلام: «..ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ
عَلَيْه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه،
مَا هَذِه الرَّنَّةُ؟
فَقَالَ:
هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه. إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ
وتَرَى مَا أَرَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ،
وإِنَّكَ لَعَلَى خَير..».
وعن جابر بن
عبد الله، قال:
«لمّا قَدِمَ
عليٌّ عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بفتح خَيبر، قال له
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لولا أنْ تقولَ فيك طوائفُ من أمّتي ما
قالتِ النصارى للمسيح عيسى بن مريم، لقلتُ فيك اليوم قولاً لا تمرّ بملأٍ إلا
أخذوا الترابَ من تحت رِجلَيك ومن فضلِ طَهورك يستشفون به، ولكن حَسْبُكَ أن تكون
منّي وأنا منك، تَرِثُني وأَرِثُك... [ثمّ] قال النبيّ صلّى الله عليه وآله
وسلّم: لولا أنتَ، لم يُعرَفِ المؤمنونَ بعدي».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من إحدى المحاضرات في المركز الإسلامي – بيروت
تهدّمت أركان الهُدى
كان ابن ملجم لعنه الله نائماً في المسجد، فأيقظه
أمير المؤمنين عليه السلام، وقال له: لقد هممتَ بشيءٍ ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ
يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾
(مريم/90)، ولو شئتُ لأنبأتُك بما تحت ثيابك، ثم تركَه وعدلَ عنه إلى محرابه وقام
قائماً يصلّي.
وكان عليه السلام يُطيل الركوع والسجود في الصلاة
كعادته في الفرائض والنوافل حاضراً قلبُه، فلما أحسّ اللّعينُ به نهضَ مسرعاً،
فأقبلَ يمشي حتّى وقف بإزاء الأسطوانة التي كان الإمام عليه السلام يصلّي عليها،
فأمهله حتّى صلّى الركعة الأولى، وركع الثانية وسجد السجدة الثانية، فعند ذلك أخذ
السيف وهزه ثم ضربه على رأسه الشريف.
فوقعتِ الضربة على الضربة التي ضربَه عمرو بن ودّ
العامريّ، ثم أخذت الضربة من مفرق رأسِه إلى موضع السجود، فلما أحسّ عليه السلام
لم يتأوّه وصبر، فوقع على وجهه قائلاً:
«بسمِ اللهِ وبالله، وعلى مِلّةِ رسولِ الله، هذا
ما وعدَنا اللهُ ورسولُه، وصدقَ اللهُ ورسولُه».
ثم صاح وقال:
«قتلني ابنُ ملجَم، قتلني ابنُ اليهودية، فزتُ وربِّ
الكعبة، أيها الناس، لا يَفُوتنّكم ابن ملجم»...
وأحاط الناس بأمير المؤمنين وهو في محرابه يشدّ
الضربة، ويأخذ الترابَ ويضعُه عليها، ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ
وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾. (طه/55)
ثمّ قال عليه السلام: «جاءَ أمرُ الله وصدقَ
رسولُ الله صلّى اللهُ عَليه وآلِه وسلّم»...
قال الراوي: واصطفقت أبواب الجامع، وضجّت الملائكة
في السماء بالدعاء، وهبّت ريحٌ عاصفُ سوداءُ مظلمة، ونادى جبرئيل بين السماء
والأرض بصوتٍ يسمعه كلّ مستيقظ:
«تهدّمتْ واللهِ أركانُ الهُدى، وانطمستْ واللهِ
نجومُ السماء وأعلامُ التقى، وانفصمت واللهِ العروةُ الوثقى، قُتل ابنُ عمّ
المصطفى، قُتل الوصيّ المجتبى، قُتل عليٌّ المرتضى، قُتل واللهِ سيّدُ الأوصياء،
قتلَه أشقى الأشقياء»...
ثمّ وضع الإمام الحسن عليه السلام رأسَ أبيه في
حِجْرِه، وغَسَلَ الدّمَ عنه وشدّ الضربة وهي بعدها تَشخبُ دماً، ووجهه قد زاد
بياضاً بِصُفرة، وهو يَرمقُ السماءَ بِطَرْفِه ولسانه يُسبّح اللهَ ويُوَحِّده،
وهو يقول: «أسألُك يا ربّ الرّفيقَ الأعلى»، فأخذ الحسن عليه السلام رأسَه
في حِجْرِه فوَجَدَه مغشيّاً عليه، فعندها بكى بكاءً شديداً وجَعَل يُقبِّلُ وجهَ
أبيه وما بين عينَيه ومَوْضِعَ سجوده، فسَقَط مِن دُموعه قطراتٌ على وجهِ أمير
المؤمنين عليه السلام، ففتَح عينَيه فرآهُ باكياً، فقال له: يا بنيّ يا حسن، ما
هذا البُكاء؟ ".." يا بنيّ، أَتَجْزَعُ على أبيك وغداً تُقْتَلُ
بعدي مسموماً مظلوماً؟ ويُقتَلُ أخوكَ بالسَّيف هكذا، وتَلْحقان بِجدِّكُما
وأبيكُما وأُمِّكُما».
(انظر: بحار الأنوار:42/281)