يصحّ القول إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام علّة غائيّة لخلق العباد
أجوبة
المرجع الشيخ جواد التبريزي على أسئلة عقائدية
ـــــــــــــــــــ
إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــ
لا ينظر
المكلّفون إلى مراجع التقليد باعتبارهم مصدراً للرأي الفقهي الواجب الالتزام به
فحسب، بل يرجعون إليهم في معرفة فروع العقيدة والتفاصيل التي لا يتوفّر العلم بها
إلّا لمن قضى عمرًا في تقليب صفحات الكتاب المجيد والسنة المطهرة.
وكتاب «صراط
النجاة في أجوبة الاستفتاءات» مؤلّف من ستّة مجلدات يحوي استفتاءات فقهية وأخرى
اعتقادية، أجاب عنها – في الأصل- المرجع الراحل السيد أبو القاسم الخوئي، ثم علّق
عليها المرجع الشيخ جواد التبريزي قدّس سرّهما (..).
وما يأتي من
أسئلة وأجوبة مستلّة من «فصل في العقائد» في نهاية المجلد الثالث من الكتاب.
س: هل يجوز الاعتقاد بأنّ النبيّ صلّى
الله عليه وآله وسلّم والأئمّة المعصومين عليهم السلام هم العلّة الغائية لجميع
الخلائق؟
ج: إنّ خلق الدنيا ومن فيها، وكذا خلق
الآخرة ومن فيها وما فيها كلّه من فعل الله عزّ وجلّ ومشيئته، وبما أنّ الله
سبحانه وتعالى حكيم لا يخلق شيئاً عبثاً، فالغرض من خلق الدنيا وما فيها هو أن
يعرف الناس ربّهم، ويصلوا إلى كمالاتهم بإطاعة الله سبحانه وتعالى، والتقرّب إليه،
وهذا يقتضي اللطف من الله بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ونصب الأوصياء والأئمّة عليهم
السلام ليأخذ الناس منهم سبيل الاهتداء. وبما أنّ الحكمة هي ما ذُكر في الخلق حيث
يفصح عنه قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
الذاريات:56، وبضميمة قوله سبحانه ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ
جَمِيعًا..﴾ البقرة:29، يُعلم أنّ الغاية من خلق الإنس والجنّ هي خلق الذين يعرفون
الله سبحانه ويعبدونه، ويهتدون بالهدى، والسابقون على ذلك في علم الله سبحانه،
الذين يعيشون في الدنيا وسيلة لكسب رضا ربهم، والتفاني في رضاه هم الأنبياء
والأوصياء والأئمّة سلام الله عليهم أجمعين، والسابقون في هذه المرتبة هم نبيّنا
محمّد والأئمّة الأطهار صلّى الله عليهم أجمعين من بعده. وبذلك يصحّ القول أنّهم
علّة غائية لخلق العباد، لا بمعنى أن الخالق يحتاج إلى الغاية، بل لأنّ إفاضة فيض الوجود
بسبب ما سبق في علمه أنّهم السابقون الكاملون في الغرض والغاية من الفيض، والله
العالم.
س: ما رأيكم في قول من يعتقد بأنّ النبيّ
وأهل بيته عليه وعليهم الصلاة والسلام كانوا موجودين بأرواحهم وأجسامهم المادّية
قبل وجود العالَم، وأنّهم كانوا مخلوقين قبل خلق آدم عليه السلام لا أنّ الله
تعالى جعل صورهم حول العرش؟
ج: كانوا عليهم السلام موجودين
بأشباحهم النورية قبل خلق آدم عليه السلام، وخِلقتهم المادّية متأخّرة عن خلقة آدم
كما هو واضح، والله العالم.
س: ما رأي سماحتكم في قول أنّ الرسول صلّى
الله عليه وآله وسلّم وأهل البيت عليهم السلام هم من خلق الخلق بإذن الله؟
ج: إنّ الله سبحانه هو الذي خلق
المخلوقات، يقول عز وجل: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾
الأنعام:102، والوكالة لا تجتمع مع الاستنابة في الخلق، وهذا ظاهر الآيات الكثيرة،
لا مجال لذكرها. وخلْق بعض الأشياء من بعض كخلق المضغة من العلقة، وخلق الجنين من
المضغة ليس معناه أن خالق الجنين هو المضغة، بل الله خلقه منها، ومن ذلك يظهر أنّ
ما في بعض الروايات من أنّ شيعتنا خُلقوا من فاضل طينتنا، أو أنّ الله خلق من
نورهم بعض الخلق، ليس معناه أنّ فاضل الطينة أو نورهم هو الخالق، بل الخالق هو
الله، كخلقة الانسان من الطين، والله العالم.
س: ما هو رأي سماحتكم بمن يدعي
الاتصال مع الإمام الحجّة عليه السلام ويأخذ علومه منه مباشرة، سواء كان باليقظة
أم المنام؟
ج: لا اعتبار بدعواه، ولا يكون قوله
مجزياً بالنسبة إلى أعمال نفسه فضلاً عن الغير، نعم يمكن التشرف بحضرته عليه
السلام لبعض الأوحديّ، ولكنّه لا يدّعي مثل هذه الأقوال، ويخفى أمره، والله العالم.
س: هل يجوز الاعتقاد بأنّ الصدّيقة
الطاهرة السيدة الزهراء عليها السلام تحضر بنفسها في مجالس النساء في مجالس متعدّدة
في آن واحد؟
ج: الحضور بصورتها النورية في أمكنة
متعدّدة في زمان واحد لا مانع منه، فإنّ صورتها النورية خارجة عن الزمان والمكان، وليست
جسماً عنصرياً ليحتاج إلى الزمان والمكان، والله العالم.
س: ما هو المراد بمصحف فاطمة عليها
السلام؟
ج: المراد بمصحف فاطمة عليها السلام
ما ورد في الروايات المعتبرة في (الكافي) أنّ ملَكاً من الملائكة كان ينزل على
الزهراء عليها السلام بعد وفاة أبيها، ويسلّيها، ويحدّثها بما يكون من الأمور،
وكان عليّ عليه السلام يكتب ذلك الحديث، فسمّي ما كتب مصحف فاطمة، فهو ليس قرآنا
كما توهّم، ولا كتاباً مشتملاً على الأحكام، فإنّ هذا التوهّم مخالف للنصوص. ولا غرابة
في حديث الملائكة مع الزهراء عليها السلام، فقد ذكر القرآن أنّ الملائكة حدّثت
مريم ابنة عمران ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ
اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ..﴾ آل عمران:42، ومن المعلوم أفضلية الزهراء على مريم ابنة
عمران، كما ورد في النصوص المعتبرة من أنّ مريم سيّدة نساء عالمِها، وأنّ فاطمة
سيدة نساء العالمين.
س: ما هو المراد بالقضاء والقدر؟
ج: إنّ القضاء والقدر على قسمين:
1 - ما كان معلّقاً على اختيار العبد،
كالخسارة والربح مثلاً، فهذا راجع لمشيئة الإنسان، وعلْم الله بوقوعه عن اختيار
العبد ليس سبباً لوقوع العبد في ذلك العمل.
2 - ما كان غير معلّق على مشيئة العبد،
فهذا قضاء حتمي كالغنى والفقر، والآجال، وليس بيد العبد، وهذا هو ظاهر القرآن
الكريم، نحو قوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا..﴾
التوبة:51، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ القدر:1، والمقصود
بليلة القدر كما في الروايات ليلة التقدير - تقدير الأرزاق والآجال ونحوها - والله
العالم.
س: ما هو المقصود من الصراط، وهل يصحّ
أن نقول بأنّه أمرٌ رمزيّ؟
ج: الواجب على المسلم الاعتقاد
بالصراط والميزان وغيرها من الأمور الراجعة للآخرة على ما هو عليه في الواقع إجمالاً،
وأنّها حقّ لا ريب فيه، وأمّا القول بأنّ الصراط أمر رمزيّ فهو قول بغير علم، بل ظاهر
بعض النصوص كون الصراط أمراً عينياً، والله العالم.
س: هل من الممكن أن يخطئ النبيّ صلّى
الله عليه وآله وسلّم في تبليغ آية، أو ينساها في وقت معيّن ثمّ يصحّح ما أخطأ به
بعد ذلك، وهل من الممكن أن يتصدّى لأمر من خلال أوضاعه الشخصية التي تكون متأثّرة
بضغوط داخلية أو خارجية أو... ثمّ يتراجع لمصلحة المبدأ؟ أفتونا مأجورين.
ج: إذا أمكن خطأ النبيّ في تبليغ آية
أو نسيانها جاء احتمال الخطأ والنسيان في تصحيحه بعد ذلك أيضاً، وهذا مستلزم
لبطلان النبوّة لاستلزامها العصمة، كما يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ
عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ النجم:3-4، وأمّا الشق الثاني من
السؤال فهو باطل، لأنّ مقتضى عصمة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن لا يتصدّى،
ولا يسعى لأيّ عمل إلّا إذا كان مطابقاً للوظيفة الشرعية، ولا يصدر منه أيّ أمر أو
نهي إلّا إذا كان مطابقاً للوحي، كما هو مفاد الآية المباركة: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ
عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ
لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ الحاقّة:44-46، والله العالم.
س: ما هي حقيقة العصمة؟
ج: إنّ العصمة عند الإمامية هي أن
يبلغ الإمام أو النبيّ حدّاً من العلم واليقين، بحيث لا تنقدح في نفسه إرادة
المعصية مع كونه قادراً عليها، وهذا أمر ممكن وواقع، فإنّ كثيراً من الناس معصوم
من بعض القبائح التي لا تليق بهم، ككشف العورة في الطريق، فإنّ الشخص الشريف معصوم
عن هذا الفعل القبيح، بمعنى أنّه لا ينقدح في نفسه الداعي لفعله، مع كونه قادرا
عليه.
س: ما هو المراد من قوله تعالى: ﴿..وَلَا
يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى..﴾؟ وهل يمكن اعتبار الشفاعة للنبيّ صلّى الله
عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام أمراً صوَرياً؟
ج: المراد من الشفاعة في الآية معناها
الظاهر، وهي أن يُطلب من صاحب الحقّ الإغماض عن تقصير المقصّر، وإذا كان للطالب
حرمةٌ وكرامة عند صاحب الحقّ فإغماضه عن تقصير المقصّر لكرامة الشفيع ووجاهته عنده
أمرٌ حسن عند العقل والعقلاء، فالشفاعة ليست أمراً صورياً. وحيث إنّ ظاهر الآية هو
ما ذكرنا فلا يصحّ رفع اليد عن هذا الظاهر إلّا بقرينة عقلية أو نقلية، والعقل لا
يرى من شمول الرحمة الإلهية للعصاة بشفاعة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام تكريماً
لهم -لإتعاب أنفسهم طول عمرهم في نشر الدين واعلاء كلمته- [مانعاً]، والمراد
بالارتضاء في الآية المذكورة هو ارتضاء دينه، فلا يعمّ العفو للمشرك، لقوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ..﴾ النساء:48، وليس المراد
بالارتضاء استحقاق دخول الجنّة كما قد يُتوهّم. وأمّا النقل فالروايات الواردة في
شفاعة أهل البيت كثيرة لا يُحتمل المناقشة فيها، وهذه عقيدة الشيعة المستفادة من
الآثار الصحيحة، وخلافها خلاف لعقيدة الشيعة، والله العالم.
س: ما هو رأيكم الشريف في المقصود من قوله
تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا..﴾ يوسف:24، هل يمكن حملها على
ظاهرها، فنقول: إنّ يوسف عليه السلام تحرّك بغريزية، وبما هو بشر نحو المعصية؟
ج: إنّ عصمة الأنبياء والأئمّة عليهم
السلام تعني أنّهم بلغوا من العلم واليقين حدّاً لا تنقدح في نفوسهم الدواعي، فضلاً
عن فعلها، وهذا لا ينافي قدرة الإنسان على المعصية "..". وأمّا الآية
المذكورة ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ
رَبِّهِ..﴾ فهي على عكس المطلوب أدلّ، لأنّ لفظ ﴿لَوْلَا﴾ دالٌّ على امتناع همّه بالمعصية
لرؤية برهان ربّه، وهذه هي عقيدة الشيعة المستفادة من الآيات والأخبار المعتبرة،
والله العالم.
س: هل إنّ دلالة قوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ
فِي السَّاجِدِينَ﴾ الشعراء:219، تامّة في أنّ آباء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
كانوا كلّهم موحِّدين؟
ج: من عموم «الساجدين» في الآية
المباركة يُستفاد أنّ آباء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كانوا كلّهم موحّدين،
والله العالم.