أسير الكثرات ليس موحّداً، ولا يمكن أن يكون مخلصاً
أيها العزيز، إنّ جميع العلوم عَملية، حتى علم التوحيد، فله أيضاً
أعمالٌ قلبية وقالبية.
التوحيد من باب التفعيل، وهو عبارة عن إرجاع
الكثرة إلى الوحدة، وهذا من الأعمال الروحية والقلبية.
***
ما دمت واقعاً في الكثرات الأفعالية
ولم تعرف السبب الحقيقيّ، ولم
تكن عينك مشاهدةً للحقّ، و(لم ترَ) الحقَّ في الطبيعة، والجهات والكثرات
الطبيعية فانيةً في الحقّ، ولم ترفرف على قلبك راية سلطان وحدة فاعلية الحقّ، فأنت
بعيدٌ عن الخلوص والإخلاص والصفاء والتصفية بالكلية، ومهجورٌ عن التوحيد.
فالرياءات الأفعالية بأجمعها والرياءات
القلبية أكثرها من نقصان التوحيد الأفعاليّ. فمَن يرى المخلوق الضعيف المسكين المستكين مؤثّراً
في دار التحقّق ويعدّه متصرّفاً في مملكة الحقّ، كيف يستطيع أن يرى نفسه غنيّاً عن
جلب قلوب المخلوقين، ويُخلص عملَه ويصفّيه من شرك الشيطان؟ ".."
فأنت إذا علمتَ أنّ قلوب عباد الله تحت
تصرّف الحقّ، وأذقتَ ذائقة القلب معنى «يا
مقلِّبَ القلوب..»،
وأسمعتَ سامعته ذلك، فلا تصير مع ما فيك من الضعف والمسكنة في صدد صيد القلوب، وإذا
أفهمتَ القلب حقيقة ﴿بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، و﴿لَهُ المُلْكُ﴾، و﴿بِيَدِهِ المُلْكُ﴾ لاستغنيتَ عن جلب
القلوب، ولما رأيتَ نفسك محتاجة إلى القلوب الضعيفة (لهؤلاء المخلوقين الضعاف)، فيحصلُ لك الغنى القلبي.
لكنّك أحسستَ في نفسك الحاجة، و(عددتَ الناس أهلاً لحلّ مشاكلك)، فاحتجتَ إلى جلب القلوب، ولمّا ظننتَ
نفسك متصرّفةً في القلوب بإظهار (القداسة) فاحتجت إلى الرياء. ولو كنتَ ترى أن حلاّل العُقد هو الحقّ،
ولم ترَ نفسك متصرّفةً أيضاً في الكون، لما احتجتَ إلى هذه الأنواع
من الشرك. ".."
فاستيقظ من النوم الثقيل، وأوصِل إلى
قلبك آيات الكتاب الإلهيّ والصحيفة النورانية الربوبية. فإنّ هذه الآيات العظيمة قد أُنزلت لإيقاظي وإيقاظك،
ونحن حصرنا جميع حظوظنا في تجويدها وصورتها وغفلنا عن معارفها، حتى حكم الشيطان
فينا ووقعنا تحت سلطته...
(الآداب
المعنوية للصلاة)