جوائز
العيد بين الجهادين الأكبر والأصغر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ حسين كوراني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيّدنا يا صاحب العصر والزّمان
عليك صلوات الرّحمن، ما معنى العيد في غيابك، وجدُّك الإمام الصّادق عليه السلام
يخاطبك قبل ولادتك فيقول: «سيّدي غيبتُكَ نفتْ رُقادي»!
طالتْ
علينا ليالي الانتظار، فهلْ * يا
ابنَ الزكيّ لليل الانتظار غدُ؟
***
ماذا يعني العيد، هل هو فرحٌ
بالتّحلّل من قيود الصّوم، وابتهاجٌ باستئناف دورة الحياة العاديّة؟
وما قيمة ذلك إذا كان الباطن
مظلماً مطروداً لم ينعم بالرّضى والقرب من المليك المقتدر؟...
العيد هو الفرحة بالطّاعة، والفوز
بالرّضوان. إنّه يوم توزيع الجوائز الإلهيّة على ضيوف الرّحمن.
من
كان صومه حقيقيّاً فجائزته التّقوى، ومن حافظ فيه على أوقات الصّلوات فجائزته
استجابة الله تعالى دعاءه، ومن حسّن فيه خُلُقه استحقّ جوائز المرور على الصّراط،
ومن أكرم فيه يتيماً استحقّ جائزة إكرام الله له يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحِمه
وصله الله تعالى برحمته، ومن أكثر فيه من الاستغفار وطول السّجود استحقّ جائزة
فكاك نفسه وحطّ الأوزار عن كاهله، ومن أكثر فيه الصّلاة على النّبيّ، صلّى الله
عليه وآله وسلّم، استحقّ جائزة رجحان كفّته وثقل ميزانه يوم تخفّ الموازين.
ومن الجوائز في يوم العيد الحجّ
المبرور الذي يغفَر معه الذّنب، وتكفّر السّيّئات، والتّوفيق للشّهادة في سبيل
الله تعالى، كما أنّ من ألحّ فيه على التّوبة وسعى أن تكون صادقة، منّ الله تعالى
عليه في يوم العيد بجائزة قبولها، وأكبر من ذلك أن يغفر الله ما سلف ويسدّد فيما
يأتي، ومن أعظم جوائز يوم العيد استحقاق إخراج حبّ الدّنيا من القلب.
وأعظم منها أن يمنّ الله تعالى
بحبّه، فيصبح القلب حرم الله عزَّ وجلّ.
أهل
هذه الجوائز وأمثالها هم أهل العيد، ومن عداهم المسيئون الذين إذا كُشِف لهم
الغطاء شُغلوا بإساءتهم «عن تصفيق أيدٍ وتصقيل ثيابٍ وترجيل شعر...».
ليس الهدف أيّها الأعزّاء من
التّركيز على هذا الجانب إدخال الحزن على النّاس في يوم عيدهم، وإنّما الهدف
الحفاظ على التوازن، فلا يصحّ أبداً أن يُفهم العيد تحلّلاً من العبادة، كما لا
يصحّ بطبيعة الحال أن تغلب الكآبة فيه، بل ينبغي أن يواجه المؤمن الناس بالبشاشة
والبهجة، إلّا أنّه يظلّ حريصاً في باطنه على صون ما أنجزه طيلة ضيافة الله تعالى،
فلا يضيّعه في الانجراف في تيّار المعاصي ويظلّ حريصاً من الشّياطين الذين طال
تقييدهم، وهاهم اليوم قد فُكَّت أغلالهم، يبذلون قصارى جهدهم في الإغواء والتّزيين
والتّلبيس، إلى حدّ أنّ بعضنا قد يخسر في يوم العيد كلّ ما حصل عليه طيلة شهر الله
تعالى.... من أجل هذا التّوازن كان هذا التّركيز.
إنّ الحرص على التّناسب بين ما
سلف وما نستأنف هو، إذاً، منشأ تأكيد أن لا يكون يوم العيد نشازاً لا يصل الماضي
بالمستقبل، فإذا اجتاز الصّائم يوم العيد دون أن يصاب بنكسة في إيمانه ومراقبته
لنفسه، كان أقدر على مواصلة ذلك في ما بعد.
وعندما
نتأمّل في مستحبّات يوم العيد نجد أنّها تركّز على صون ما أُنجز طيلة شهر رمضان
المبارك وتعزيزه ليكون المخزون الإيمانيّ والشّعوريّ الذي يمكّن من مواصلة رحلة
الحياة الشّاقّة بيُسر.
ورد عن رسول الله صلّى الله عليه
وآله: «زيّنوا أعيادكم بالتّكبير».
ورُوي «أنّه كان صلّى الله
عليه وآله وسلّم يخرج في العيدين رافعاً صوته بالتّهليل والتّكبير، وأنّه كان
يُكبِّر يوم الفطر حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلّى».
يوم العيد، إذاً، يوم عبادة، يوم
تكبير وتهليل، يوم تضرّع لنيل الجوائز القيّمة والفوز بالرّضوان، والتحلّي بمكارم
الأخلاق... إنّها جوائز الجهاد الأكبر التي ننطلق بها في ساحات الجهاد الأصغر
فنحمل هموم المسلمين والمستضعفين في الأرض بزخمٍ جديد وروحٍ تحنّ إلى الشّهادة،
فطالما ردّدنا في ليالي شهر رمضان المبارك: «وقتلاً في سبيلك فوفِّق لنا»...
(مناهل
الرجاء – أعمال شهر رمضان، مختصَر)
***
معايدة
المجاهدين في ساحات القتال
وأخيراً طرقنا باب شوال، دخلنا
منزله، نتجوّل في أرجائه... قيل: شوال، شهرٌ شالت فيه الذنوب، وزالت، ببركة ضيافة
الرحمن، وجوائز العيد.
أيها العزيز، إذا دعوتَ عزيزاً
لضيافتك، هل ترضى أن يخرج من ساحة كرمك صفر اليدين خاليَ الوفاض. فكيف إذا كنت
إنما دعوتَه لتكرمه، وتُجزل له العطاء.
وهَبْ أنك وجدت في تصرّفه معك
خللاً، ألا تحرص على جبر هذا الخلل، وتغضّ الطرف عنه، عملاً بمبدإ حُسن الضيافة
وأنت صاحب البيت؟
فكيف يا ترى بضيافة أكرم الأكرمين
المطلق، الخالق الأرأف، والأرحم. حاشَ لله أن نخرج من ضيافته كما دخلنا، لا
استحقاقاً منا، بل تفضّلاً منه وكرماً، وهو يعطي مَن سأله ومَن لم يسأله، بل يعطي
مَن لم يعرفه تحنّناً منه ورحمة.
أيها العزيز، يحقّ لك أن تظنّ بأن
حصيلتك من شهر رمضان، من ضيافة الرحمن، مميزة، وعيديّتك لا تضاهى، خاصةً إذا كنت
بذلتَ جهدك ما استطعت.
للمؤمنين الذين ليسوا في ساحات
الجهاد، أن يأملوا ويطمعوا، فكيف بك أنت وحبُّ الله تعالى للذين يقاتلون في سبيله
صفّاً كأنهم بنيان مرصوص، يضيف إلى أمَلِك
آمالاً.
وتَواجُدك في ساحات الجهاد جديرٌ
بتحصين صومك ليجعلَه الصوم الحقيقيّ، المنطلق من حصن الإرادة المستعصي على دوائر
جذب الشيطان وشباكه من بهارج الدنيا.
حاشا كرم الكريم أن ينسلخ عنّا
شهر رمضان، إلا وقد انسلخنا من ذنوبنا. بلى، حتى نحن أصحاب المعاصي، ولاشرط!... لم
يُشرَّع الصوم إلا ليلحقَ المقصِّرون، وليبلغَ العباد المشاكسون الذين فاتتهم
القافلة. وحاشا كرم الكريم أن يكون زادُك، أيها المجاهد، إلا خير الزاد.
(مقتطف
من برنامج إذاعي موجّه للمجاهدين)