التربية
إعداد: أسرة التحرير
وقفة مع مفردة «التربية» في اللغة والإصطلاح، تُطلُّ بالقارىء على موارد استعمالها –بصيغها المتعدّدة- في القرآن الكريم، الذي يعبِّر عنها بمفردة «التّزكية». تقدّم «شعائر» هذه المادة مختصرة من بحثٍ وافٍ حول المنهج التربوي لسماحة السيد منذر الحكيم.
التربية لغةً تعني: سياسةُ الشيء وإصلاحُه، أو تنميتُه وإيصاله إلى الأهداف المطلوبة. ويمكن أن نُرجع مصطلح «التربية» لغةً الى أحد مصدرين: (رَبَبَ) أو (رَبا – رَبَوَ).
قال في (مختار الصحاح): ربُّ كلِّ شيء مالكُه، و ربَّ وَلدَه أو ربَّبَه وتربَّبَه بمعنىً واحد، أي: ربّاه.
وفي (المُنجد): رَبَّ القومَ: ساسهم وكان فوقَهم، والمربوب: المملوك والعبد.
ورَبَّ الأمرَ: أصلحَه، وربَّ الولد تربيباً وتربيةً: رَبّاه حتى أدرك. والرّبُّ: المُصلح.
تعريفات عامة
اختُلف في تحديد مفهوم مصطلح التربية للإنسان بحسب تنوّع اهتمامات وتصوّرات المعرّفين عن كمال الإنسان ومجالات تكامله. قال أفلاطون: «التربية هي إعطاء الجسم والروح كلّ ما يُمكن من الجمال، وكلّ ما يُمكن من الكمال».
وقيل إنّها –التربية- إعداد الإنسان ليحيا حياة كاملة، أو أنّها تهذيبٌ للقوى الطبيعية عند الطفل كي يكون قادراً على أن يقود خليّةً سعيدةً، أو أنّها متى كمُلت صار المُتحلّي بها صالحاً لأداء أيّ عمل، وتمكّن من السيطرة على قواه العقليّة والجسميّة، وزادت سرعة إدراكه وحدّة ذكائه، إلى غير ذلك من التعريفات التي تتقاطع عند أنّ التربية عمليّة إعداد وتكوين وتنمية.
في القرآن الكريم
وردت كلمة «ربّ» بشكل متكرّر في القرآن الكريم، وأُرِيدَ بها السيّد والمالك والسائس، وكثُر استعمالها في ربوبيّة الله سبحانه وتعالى، ولكنّها استُعملت مضافة إلى: العالمين، السماوات السبع، العرش، العزّة، الفلق، الناس، وإلى الضمائر المشار بها إلى الناس وإلى الرّسول صلّى الله عليه وآله مثل: ربّهم، ربّكم، ربّك، ربّنا، ربّي.
وجاءت أيضاً بمعنى السيّد من البشر كما في قوله تعالى: ﴿..إنّه ربّي أحسن مثواي..﴾ يوسف: 23.
وجاءت مشتقّات الفعل (رَبَوَ) كما يلي:
﴿..فاحتمل السيلُ زَبَداً رابياً..﴾ الرعد:17.
﴿..أن تكون أمّة هي أربى من أمّة..﴾ النحل:92.
﴿..فاذا أنزلنا عليها الماء اهتزّتْ ورَبَتْ وأنبتت من كلّ زوجٍ بهيجٍ﴾ الحج:5.
﴿يمحقُ اللّه الرِبا ويُربي الصدقات..﴾ البقرة:276.
﴿وما آتيتم من رِبا لِيَرْبُوا في أموال الناسِ فلا يربوا عند اللّه..﴾ الروم:39.
هذا في ما يخصّ مصادر اشتقاق مصطلح «التربية»، ولكنّ القرآن الكريم قد استعمل ما يُرادف مصطلح التربية بمعنى الإصلاح والتنمية الموصلة إلى الأهداف المطلوبة واصطلح على ذلك بـ «التزكية».
قال تعالى: ﴿خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها..﴾ التوبة:103.
﴿قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربّه فصلّى﴾ الأعلى:14- 15.
﴿قد أفلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها﴾ الشمس:9-10.
لقد بُعِث رسول صلى الله عليه وآله لتزكية الأنفُس، فالصدقة -مثلاً- اعتُبرت عاملاً لتطهير النفوس من مرض الشُحِ و البخل، وبعد تطهيرها من موانع النموّ والصلاح تتهيّأ للنموّ باتجاه الأهداف المطلوبة، من خلال العمل بمجموعة الأحكام والقوانين التي سنّها الله لتربيتها وتنميتها في المجالات التي أُريد للانسان أن يتكامل فيها عقلاً وعاطفةً وسلوكاً.
فالتربية تكون باتّجاه الكمال دائماً، والكمال هو الذي يحدّد مجالات التكامل ومصاديقها، كما يحدّد لنا المفهوم الخاصّ لتربية الإنسان بالذات. وعلى هذا الأساس تكون تربية كلّ شيءٍ بحسب الكمال المتوقّع له والتكامل المتَصوَّر بالنسبة إليه.