صِنو الإمام الحسين عليه السلام
سيرة النبيّ الشهيد يحيى بن زكريّا
الشيخ أحمد التميمي
* النبيّ يحيى بن زكريّا عليهما السلام من أنبياء الله العِظام، وأحدُ أنبياء بني إسرائيل.
* كان معاصراً للنبيّ عيسى عليه السلام، وهو ابن خالة والدته السيدة مريم صلوات الله عليها.
* ذُكِرَ اسمه عليه السلام في القرآن الكريم خمس مرّات، وذلك في سوَر (آل عمران)، و(الأنعام)، و(مريم)، و(الأنبياء).
* ارتبط ذِكْرُ النبيّ يحيى بذِكْر والده النبيّ زكريّا عليهما السلام في القرآن الكريم، وأكثرُ الآيات تفصيلاً لجوانب من قصّتيهما هي: الآيات (2 - 15) من سورة مريم، والآيات (37 - 41) من سورة آل عمران.
* قُتل ظلماً وعدواناً، فذُبخ وطِيف برأسه في البلدان، ودُفن في دمشق، ومزاره اليوم معروف بالقرب من مرقد السيدة رقية عليها السلام.
كانت ولادةُ النبيّ يحيى عليه السلام لأبويه مُعجِزَة، فقد كان أبوه زكريّا عليه السلام شيخاً هرماً وأمه عاقراً، فرزقهما الله عزّ وجل يحيى وهما يائسان من الولد، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ (مريم:8).
إنّ حقيقة المُعجِزَة: «هي خرق العادة، حيث يتحقّق بها ما لا يتحقّق عادةً، ويتلازم خَرْق العادة مع التحدّي، فالمُعجِزَة خَرْق عادةٍ على سبيل التحدّي».
إنّ مُعجِزَة ولادة يحيى عليه السلام كانت تستهدفُ بشكل رئيس تربية الانسان على الإيمان بالقدرة الإلهية المطلقة.
ولم تكن مُعجِزَة الولادة هي الوحيدة، فنبوّته في طفولته مُعجِزَة أخرى، قال تعالى: ﴿..وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (مريم:12). ومُعجِزَة النبوّة هذه تستهدفُ تعزيز الإيمانِ بالغيب.
يقول سماحة الشيخ حسين كوراني: «أصلُ مبدأ ﴿..وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾، لُطفٌ إلهيّ، من تجلّياته تعزيز الإيمان بالغَيْب، وتثبيتُه في القرآن الكريم لُطفٌ آخر، وتكراره في الأنبياء لمزيد تثبيته كأصل عقائديّ مُسلَّم، فيضُ لطفٍ خاصّ، وكذلك هو شأن تكرّره في أكثر من إمام» (شعائر: العدد78 ص41).
ومن خلال التنبُّه جيداً إلى العلاقة الجذريّة بين معاجز الأنبياء ومعاجز الأئمة عليهم السلام يتضح عدم صحّة الإشكال القائل: كيف تَسلَّم بعضُ أئمةِ أهل البيت عليهم السلام أمورَ الإمامةِ في صِغَرِهم؟
روى الشيخ الكليني في (أصول الكافي: 1 / 448) بسنده عن عليّ بن أسباط قال: «رأيت أبا جعفر عليه السلام - أي الإمام الجواد عليه السلام - وقد خرج عَليَّ، فأخذتُ النظر إليه، وجعلتُ أنظُر إلى رأسه ورجليه لأصِفَ قامتَهُ لأصحابنا بِمصرَ، فبينا أنا كذلك حتّى قَعدَ، فقال: يا عليّ: إنّ الله احتجَّ في الإمامة بمثل ما احتجَّ به في النُبوّة، فقال: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾؛ فقد يجوزُ أن يُؤتى الحِكمةَ وهو صبيٌّ، ويجوزُ أن يُؤتاها وهو ابنُ أربعينَ سنة».
صفاته عليه السلام
أشار القرآن الكريم إلى صفاتٍ منحها الله تعالى لـ«يحيى» عليه السلام في الآيات التالية:
﴿... مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ (آل عمران:39).
﴿... لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا﴾ (مريم:7).
﴿... وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ (مريم:12-15).
وقد ختمَ القرآنُ الكريم هذه الصفات بالسّلام على يحيى عليه السلام في ثلاثةِ أيّام هي أصعبُ ما يكون في حياة الإنسان وانتقالهِ من عَالَم إلى عَالَم آخر، وهذا ما توضّحهُ الرواية التي يَذكُرها الشيخ الصّدوق في (الخصال: 133) بسنده عن ياسر الخادم قال: «سَمعتُ أبا الحسن الرّضا عليه السلام يقول: إنّ أوحشَ ما يكون هذا الخلق في ثلاثةِ مَواطن: يوم يُولد ويخرج من بطن أمّه فيرى الدّنيا، ويوم يموت فيرى الآخرةَ وأهلها، ويوم يُبعَثُ فيرى أحكاماً لم يرَها في دار الدّنيا، وقد سَلّمَ الله عزّ وجلّ على يحيى عليه السلام في هذه الثلاثةِ المَواطن وآمَنَ روعته، فقال: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾، وقد سلّم عيسى بن مريم عليه السلام على نفسه في هذه الثلاثة مواطن، فقال: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾» (مريم:33).
مواعظ من حياته عليه السلام
* في (مكارم الأخلاق: 2/ 95) للطبرسيّ، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «بكى يحيى بن زكريّا عليهما السلام حتى ذهبَ لحمُ خدّيه من الدموع، فوضع على العظام لبوداً تجري عليها الدّموع، فقال له أبوه: يا بنيّ إنّي سألت الله تعالى أن يهبك لي لتقرّ عيني بك، فقال: يا أبتِ إنّ على نيران ربّنا معاثر لا يجوزها إلاّ البكّاؤون من خشية الله، وأتخوّف أن آتيه فيه فأزلّ. فبكى زكريّا عليه السلام حتى غُشي عليه من البكاء».
* وفي (بحار الانوار: 14/ 173) للمجلسي، بسنده عن الإمام الرّضا عليه السلام أنّه قال: «..قال يحيى عليه السلام (لإبليس): فهل ظفرتَ بي ساعة قطّ؟
قال: لا، ولكن فيك خصلة تعجبني.
قال يحيى عليه السلام: فما هي؟
قال: أنت رجلٌ أكُول، فإذا أفطرتَ أكلتَ وشبعتَ فيمنعك ذلك من بعض صلاتك وقيامك بالليل.
قال يحيى عليه السلام : فإنّي اُعطي الله عهداً ألاّ أشبعَ من الطعام حتى ألقاه.
قال له إبليس: وأنا أُعطي الله عهداً أنّي لا أنصح مسلماً حتى ألقاه.
ثم خرج فما عاد إليه بعد ذلك».
* وفي كتاب (مَن لا يحضره الفقيه: 4 / 33) للصدوق، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «..فدنا منه يحيى عليه السلام فقال له: يا مُذنبُ عِظني.
فقال له: لا تخلّينَّ بين نفسك وبين هواها فتُردي. قال: زِدْني.
قال: لا تعيّرنّ خاطئاً بخطيئة. قال: زِدْني.
قال: لا تَغضبْ.قال: حسبي».
* وفي (المحجة البيضاء: 6 / 77) للفيض الكاشاني، قال: «لقيَ يحيى بن زكريّا عليهما السلام إبليس في صورته، فقال له: يا إبليس أخبرني بأحبّ الناس إليك وأبغض الناس إليك؟
قال: أحبُّ الناس إليّ المؤمن البخيل وأبغضُ الناس إليّ الفاسق السخيّ.
قال له: لِمَ؟
قال: (لأنّ البخيل قد كفاني بُخله، والفاسق السخي أخافُ أن يطّلع الله عليه في سخائه فيُقيله)، ثم ولّى وهو يقول: لولا أنّك يحيى لما أخبرتك».
* وايضاً في (المحجة البيضاء: 8/ 167) للفيض الكاشاني، قال: «وروي عن يحيى بن زكريّا عليهما السلام أنّه كان يفكر في طول الليل في أمر الجنّة والنّار، فيسهرُ ليلته ولا يأخذه النّوم، ثم يقول عندَ الصّباح: اللّهمّ أينَ المفرّ وأين المستقرّ اللّهمّ إلاّ إليك».
الحسين و يحيى عليهما السلام
هنالك جهات اشتراك بين الإمام الحسين والنبيّ يحيى عليهما السلام، وهذا ما يُوضّحه المرجع الدّيني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في (تفسير الامثل: 8/18) قائلاً: «يُستفاد من الروايات الاسلاميّة، أنّ بين الحسين عليه السلام ويحيى عليه السلام جهات مشتركة، ولذلك فقد رُويَ عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام أنّه قال: (خرجنا معَ الحسين بن علي عليه السلام ، فما نَزلَ منزلاً ولا رَحلَ منه إلاّ ذَكرَ يحيى بن زكريّا وقتله، وقال: ومِنْ هَوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا اُهدي إلى بغيّ مِنْ بَغايا بني إسرائيل)، كما أنّ شهادة الحسين عليه السلام تشبه شهادة يحيى عليه السلام من عدّة جهات أيضاً، وكذلك فإنّ اسمَ الحسين عليه السلام كاسم يحيى عليه السلام لم يسبقه به أحد، ومُدّة حملهما كانت أقلّ من المُعتاد.
ومن الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام بخصوص تشابه شهادة الحسين و يحيى عليهما السلام، ما رواه العلامة المجلسي في (بحار الانوار:14/182) بسنده عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «إنّ عاقرَ ناقة صالح كانَ أزرق ابن بغيّ، وإنّ قاتِلَ يحيى بن زكريّا عليه السلام ابن بغيّ، وإنّ قاتِلَ عليّ عليه السلام ابن بغيّ، وكانتْ مراد تقول: ما نَعرف لهُ فينا أباً ولا نسباً، وإنّ قاتلَ الحسين بن عليّ عليه السلام ابن بغيّ، وإنّه لمْ يقتُل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلاّ أولادُ البغايا».
وروى ابن شهر آشوب في (مناقب آل أبي طالب: 4/ 61) بسنده عن زرارة بن أعين عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «بكتِ السّماء على يحيى بن زكريّا وعلى الحسين بن عليّ عليهما السلام أربعين صباحاً ولم تَبكِ إلاّ عليهما.
قلت: فما بكاؤها؟ قال: كانت الشمس تطلعُ حمراء وتغيبُ حمراء».
شهادته عليه السلام
بالرّغم من الولادة و النبوّة المعجزتان لـ يحيى عليه السلام وما اتّصف به من الأوصاف الإلهية، فإنّ بني إسرائيل لم يستجيبوا لنُصحِهِ ودعوتهِ، بل عَصَوْهُ وتمرّدوا عليه، وأخيراً قتلوهُ لا لشيء إلاّ لنهيه عن المنكر.
يقول الشيخ محمد جواد مغنية في (التفسير الكاشف: 5/ 173): وفي قصص الأنبياء أنّ هيرودس حاكم فلسطين آنذاك عشِقَ امرأة من محارمه لجمالها، وعزم على الزواج منها، ولمّا أنكر ذلك يحيى عليه السلام سخِطَتْ عليه المرأة، واشترَطتْ على الحاكم أنْ يكونَ رأسُ يحيى عليه السلام مهراً لها، فذبحهُ وأهداها الرأس... واشتهرت الرواية عن عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السلام: أنّ أباه حين توجه إلى العراق كان يُكثِرُ من ذِكْر يحيى ويقول: «من هوان الدّنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا اُهديَ إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل».
وهكذا مضى النبيّ يحيى عليه السلام إلى الله عزّ وجل شهيداً مظلوماً محتسباً على يد شرار خلقه من بني إسرائيل، ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾. مريم: 15.