انتبهوا، لا تتكبّروا
من الممكن القول إنّ جوهر الدين وروحه يكمن في تجاوز الإنسان لنفسه وأهوائه وأغراضه، وإن زعم شخص أنّ هذا هو معنى التديّن، فلن يكون كلامه عبثاً.
المقصود من تخلّص الإنسان من [أسر]نفسه هو أن لا يجعل لها أيّ شأن مطلقاً أمام إرادة الله وعظمته وأمره ونهيه. والشخص الذي يصل إلى هذه المنزلة، هو المتديّن الحقيقي.
إنّ صلاة المرء وصدقته وحجّه وسائر عباداته لا قيمة لها إن كان يرى لنفسه شأناً ومقاماً أمام الله. فأعمال المتكبّرين غير مقبولة ولا فائدة منها. والذين يرون لأنفسهم مقاماً أعلى من الآخرين ويحسبون لأنفسهم وأنانيتهم حساباً دون اعتبار لشؤون غيرهم من الناس، هؤلاء ستكون عبادتهم ضئيلة الأثر، وإن كانوا في الظاهر من أهل الزهد والطاعة والتقوى، ذلك لأن المتّقي حقاً لا يمكن أن يتّصف بمثل هذه الصفات. المتكبّر، ولو قرأ القرآن وذكر الأذكار وجاهد فإنّ كل هذه الحسنات لن تترك فيه أثرها الكامل.".."
كان خلفاء بين أميّة وبني العبّاس في منتهى السوء والظلم والخبث، ولكنهم كانوا في نفس الوقت يصلّون ويصومون ويبكون ويتهجّدون. ويحكى عن هارون الرشيد أنّه بكى بكاءً ابتلّت لحيته منه عندما نصحه أحد زهّاد عصره. هل كان لبكائه أثر؟! في الواقع إنّ البكاء على النفس هو المطلوب وهو المؤثّر. وطوبى لمَن يبكي على نفسه. لكنّ بكاء هارون لم يكن كذلك، فأنانية هارون هي الأساس في بكائه، هو يريد كلّ شيء لنفسه، حتى الله يريده لنفسه. هارون كان يعبد نفسه، وهذا هو التكبّر.
انتبهوا، لا تتكبّروا. لا تغرّوا أنفسكم بأنّ لديكم منصب أو إمكانات أو مستوى علمي أو ميزة وأفضلية معينة. عند محاسبة النفس يجب أن لا يرى الإنسان نفسه فوق الآخرين. وإذا صلّينا وبكينا وتصدقّنا وعملنا في طريق الإسلام، فإنّ ذلك لا يعطينا الأفضلية على هذه المجموعة أو تلك. إن حسّ الأفضلية مضرّ للغاية. ... يجب أن يتواضع الإنسان أمام أولياء الله وأمام المؤمنين، وإلاّ فالتكبّر سيؤدي به نحو الهاوية، والقصص كثيرة حول أحوال المتكبّرين.