التربية والتعليم على هَدْي النبوّة
_____ مصطفى محمّد الطحان* _____
كنت أنظر في أحوال المسلمين، وفي أحوال أبناء الحركات الإسلامية على وجه الخصوص، التي تعمل لنشر دين الله، ووضعت لذلك البرامج والمناهج، ورصدت المعلّمين والمربّين، ومع ذلك فقد يبقى الأخ المسلم سنين طويلة في محاضن الحركة الإسلامية التربوية ولا يتحوّل إلى ذلك الإنسان الربّاني، الذي هو عدة النصر في معركة الحقّ والباطل. بينما كان الأعرابيّ يُقبل على رسول الله صلّى الله عليه وآله، يؤمن بما جاء به، ويدفعه رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى بعض أصحابه يعلمونه ويفقهونه، فيكون بتعاليم النبيّ، والتزوّد من زاده، والتخلّق بأخلاقه، والتأسّي بسلوكه، ذلك الإنسان الرّبانيّ يبني نفسه ومجتمعه، ويتهيّأ بتغيير حاضره لبناء مستقبله، وبتغيير نفسه لتغيير المجتمع.
لماذا فشلت الكثير من الهيئات والحركات الإسلامية في هذه المهمّة الهامّة والخطيرة؟ هل لضعفٍ في البرامج التربوية وقصورها؟ هل التطبيقات العملية ما زالت مهملة والتركيز ينحصر في الموضوعات النظرية؟
قد يكون الأمر يتعلّق نسبياً بكل هذه الأسباب.. ولكن السبب الرئيس (في نظرنا) هو غياب المربّي الربّاني الأخلاقي الذي يزرع الحبّ قبل الدرس، والذي يعتبر الطالب الذي يربّيه أخاه أو ابنه قبل أن يكون رئيسه.. وبكلمة واحدة، أن يتعرّف على شخصية النبيّ صلّى الله عليه وآله التربوية ويتأسى بها.
يقول النبيّ صلّى الله عليه وآله : «إنّما بُعثتُ معلّماً»، ولهذا فلم يكن غريباً أن ترافق التربيةُ الدعوةَ الإسلامية منذ لحظاتها الأولى.. وأن يكون رسول الله صلّى الله عليه وآله –وهو خرّيج المدرسة الإلهية– أوّل معلّم في الإسلام.. وبالتالي الأسوة الحسنة للمعلمين.
إنّ إستعراض حياة الرسول صلّى الله عليه وآله العملية، ودراسة طرائقه التربوية، التي غيّر بها سلوك أصحابه.. فنقلهم من ظلمات الجهل إلى أنوار المعرفة، ومن خشن الطباع إلى الأدب الرفيع.. ومن الأنانية الطاغية إلى الإنسانية الرحيمة، ومن جبروت القبلية والعصبية العمياء إلى الأخوّة الغامرة في الله.. ومن ضياع الحاضر إلى بناء الحاضر والمستقبل.. هذا الاستعراض يؤكّد لنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله هو المربّي العظيم لأجيال المسلمين.. ولكلّ مَن تأثّر بقوله أو فعله، أو إرشاده في الفكر والعاطفة والسلوك..
لقد كانت الرحمة عنده صلّى الله عليه وآله تعاليماً وسلوكاً.. والمربّي المحروم من الرحمة، الغليظ القلب، لا ينجح في عمله، ولا يُقبل الناس عليه.
لم يستخدم صلّى الله عليه وآله العنف والفظاظة وهو يواجه المواقف الصعبة. أخذ الناس بالرفق واللين؛ فهما الطريق الأقرب إلى القلوب. قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ..﴾ آل عمران:159.
وهذه آية شاملة لأهم الخصائص النفسية في شخصية المربي، مثل الرحمة الليّنة الواعية، بدل الشدّة أو الغلظة التي تحطم العلاقات السوية الإيجابية. وحتى إذا سبق من المتعلّم خطيئة.. فعلى العلاقات المتبادلة أن تظل قوية.. وقوتها إنّما تَفِد من العفو والسماح.
ثمّ لا بدّ من إشعار المتعلّم بكرامته وشخصيته وأهميته ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾، لأنّ المرء لا يتعلّم إلّا إذا أحبّ معلمه، وعلاقات المحبّة إنّما تنمو سعيدة بالاحترام المتبادل.
___________________________________
* أكاديمي لبناني، والنص نقلاً عن مدوّنته الإلكترونية