الوحدة بين المسلمين اعتصامٌ بالكتاب والعِترة
أجوبة علمية عن تساؤلات عقائدية وفكرية
ـــــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــــ
«مركز الأبحاث العقائدية» مؤسّسة علميّة، مَقرّها مدينة قمّ المقدّسة، يُشرف عليها جمعٌ من أساتذة الحوزة وفضلائها، وتتصدّى للردّ على الأسئلة والإشكالات التي توجَّه إلى أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام في المجالات العقائدية، والفقهية، والتاريخية.
ترِد إلى الموقع الإلكتروني لـ«مركز الأبحاث العقائدية» مئات الأسئلة من مختلف البلدان والاتّجاهات المذهبية في مواضيع شتّى، فيُجيب عليها القائمون على المركز، ومنهم أصحاب السماحة: السيد علي الميلاني، والشيخ محمّد باقر الإيرواني، والشيخ محمّد السند، والشيخ محمّد رضا الجعفري. وقد نُشرت هذه الأسئلة في خمسة مجلّدات تحت عنوان: (موسوعة الأسئلة العقائدية).
ارتأت «شعائر» أن تختار باقة من تلك الأسئلة وأجوبتها – بتصرّف يسير- لـ باب«حوارات» من هذا العدد.
س: ما هي ضروريّات المذهب؟ وكيف يمكن تحديدها؟
ج: الضروريّات المذهبية هي ما دلّت عليها الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة، ودلّت على أنّ مَن أنكرها فهو يخرج من المذهب، فإمامة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، وإمامة الأئمّة الاثني عشر، وعصمتهم، وشفاعتهم في يوم القيامة، والاعتقاد بـ«الرّجعة»، وقضايا أُخَر (مقرّرة في محلّها)، تُعدّ من ضروريّات المذهب، بحيث مَن ينكر هذا الأمر، مع علمه بكونه ضروريّاً، يكون خارجاً عن المذهب.
وتحديد هذه الضروريّات من الأمور الاختصاصية التي يعلم بها العلماء على أثر التحصيل والتحقيق في الحوزة العلمية، وليست من الأمور التي يصل إليها كلّ أحد من الناس.
س: ما الدليل على جواز إقامة الاحتفالات في مولد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وسائر المعصومين عليهم السلام؟
ج: هناك استدلالات عديدة استدلّ بها علماء الفريقين ردّاً على الوهّابية، التي ترى أنّ الاحتفال بمولده صلّى الله عليه وآله بدعة، ومن هذه الأدلّة:
1- قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾، باعتبار أنّ شعائر الله تعالى هي أعلامُ دِينه، خصوصاً ما يرتبط منها بـ«الحجّ»، لأنّ أكثر أعمال الحجّ إنّما هي تكرار لعمل تاريخي، وتذكير بحادثة كانت قد وقعت في عهد إبراهيم عليه السلام، و«شعائر الله» مفهوم عامّ شامل للنبيّ صلّى الله عليه وآله، ولغيره، فتعظيمه صلّى الله عليه وآله لازم. ومن أساليب تعظيمه، إقامة الذكرى في يوم مولده، ونحو ذلك.
2- قوله تعالى: ﴿..وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ..﴾، فإنّ المقصود بأيّام الله، أيّام غلبة الحقّ على الباطل، وظهور الحقّ، وما نحن فيه من مصاديق الآية الشريفة، فإنّ إقامة الذكريات والمواسم فيها تذكير بأيّام الله سبحانه.
3- قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ..﴾، إذ من المصاديق الجليّة لرحمة الله سبحانه، هو ولادة النبيّ صلّى الله عليه وآله، الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، فالفرح بمناسبة ميلاده صلّى الله عليه وآله مطلوب ومراد.
4- قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، فإنّ الاحتفالات بميلاده صلّى الله عليه وآله، ما هي إلّا رفعٌ لذكره، وإعلاءٌ لمقامه.
وهناك آيات أُخر يمكن الاستدلال بها على مشروعية الاحتفال بمولد النبيّ صلّى الله عليه وآله، ومواليد المعصومين عليهم السلام، وسائر المناسبات العظيمة. وإنّ أكمل الأدلّة على جواز إقامة الاحتفال بمولد النبيّ صلّى الله عليه وآله هو «دليل الفطرة». والشرع منسجم تماماً مع مقتضيات الفطرة ومتطلّباتها، فقد اعتاد الناس انطلاقاً من احترامهم للمُثُل والقِيَم التي يؤمنون بها، على احترام الأشخاص الذين بشرّوا بها، وضحّوا في سبيلها، وارتبطوا بهم عاطفيّاً وروحيّاً.
س: ما الفرق بين الحديث القدسيّ والحديث النبويّ الشريف؟
ج: المقصود من الحديث النبويّ، هو الحديث الذي يحكي قول النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله، أو فعله، أو تقريره. أمّا الحديث القدسيّ، أو الإلهيّ، أو الربّاني، أو أسرار الوحي، فهو كلّ حديثٍ يُضيف فيه المعصوم عليه السلام قولاً إلى الله تعالى، ولم يرِدْ في القرآن الكريم.
أو قل: هو الكلام المنزَل بألفاظٍ بعثها الله تعالى في ترتيبها المعيّن لا لغرض الإعجاز، نظير قوله تعالى: «الصومُ لي وأنا أجزي به». وبِذا، افترق عن القرآن الذي هو الكلام المنزَل بألفاظه المعيّنة في ترتيبها المعيّن للإعجاز، كما أنّه بخلاف الحديث النبويّ الذي هو الوحي إليه صلّى الله عليه وآله، بمعناه لا بألفاظه.
س: ما هو السبيل للتوفيق للالتزام بصلاة الفجر في وقتها؟
ج: إنّ التوفيق لطاعة الله تعالى عموماً يحتاج إلى أن يصل العبد إلى منزلة خاصّة، وما يرتكبه العبد من أُمور لا يرتضيها الله تعالى يوجب الحرمان من هذه المنزلة، فلا يوفّقه حينئذٍ لطاعته، بل يخذله ويَكِله إلى نفسه. وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ الرجلَ لَيَكذِبُ الكذبةَ فيُحرم بها صلاة الليل، فإذا حُرم صلاة الليل حُرم بها الرّزق»، فكم من خطايا وذنوب حَرمت العبد من توفيق الطاعة، وكم من حسناتٍ زادته تقرّباً وتسديداً منه تعالى.
ونحن جميعاً في نِير عبوديته سبحانه، ثمّ نرتكب من المعاصي ما لا يعفو عنها إلاّ الندم والرجوع إليه تعالى، فإكثار الاستغفار للعفو عنّا يقرّبنا منزلةً لديه، ويفتح لنا آفاق الطاعة، ويُعيننا على عبادته، فعلينا أن نُكثِر من الاستغفار والتوسّل بأن يوفّقنا لصلاة الفجر، فإذا علم منّا الصدق وخلوص النية أخذ بأيدينا ووفّقنا إلى ما نحبّ.
ثمّ علينا أن نبحث عن السبب المادّي لذلك، فلعلّ السهر أكثر من المعتاد يجعلنا غير قادرين على النهوض، فتغيير برنامجنا اليومي، والنوم مبكراً، سيُعيننا في المرحلة الأولى على النهوض لصلاة الفجر، عندها سنقوى على ما نتعوّد عليه، والله يعيننا على طاعته ولزوم عبادته.
س: ما هو «السرّ» في دعاء «اللّهُمّ إنّي أسألك بحقّ فاطمةَ وأبيها والسرّ المستودع فيها»؟
ج: الذي يقوى في النظر أنّ «السرّ» المذكور هو الميزة الفريدة التي أودعها الله تعالى في نشأة سيّدة نساء العالمين الزهراء عليها السلام، وهي كونها الحلقة الوسيطة بين النبوّة والإمامة، فبما أنّها بضعة النبيّ صلّى الله عليه وآله تكويناً، وبتصريح الرسول صلّى الله عليه وآله -كما ورد في روايات كثيرة- تحمل في وجودها أسرار النبوّة ومميّزاتها.
ومن جانب آخر، أصبحت عليها السلام تحتضن الإمامة، بما أنّها كانت بجانب أمير المؤمنين عليه السلام، تربّي ولديها الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، فهي أصبحت أُمّاً للأئمّة المعصومين عليهم السلام.
وبالجملة: فهي بنت الرسول صلّى الله عليه وآله، وزوجة الإمام عليّ عليه السلام، وأُمّ الأئمّة عليهم السلام، وهذه صفة لا نظير لها في الخلق، وبهذا الاعتبار لا يبعد التوسّل والتمسّك بهذا السرّ المخزون في ذاتها، في التقرّب إلى الله تعالى، والعلم عنده عزّ وجلّ.
س: حكى القرآن الكريم خطاب الملائكة لله تعالى بعد أن علمت بالخليفة المجعول في الأرض: ﴿..أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء..﴾، فكيف علمت الملائكة بما سيقع؟ وما هو توجيه ظاهر الآية بأنّ الملائكة أبدت اعتراضاً على مشيئة الله عزّ وجلّ؟
ج: قال السيّد العلامة الطباطبائي في (تفسير الميزان)، ما ملخّصه: «إنّ الملائكة فهموا وقوع الإفساد وسفْك الدماء من قولـه سبحانه: ﴿..إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..﴾، حيث إنّ الموجود الأرضيّ بما أنّه مادّي مركّبٌ من القوى الغضبية والشهوية، والدار دارُ التزاحم، محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، مركّباتها في معرض الانحلال، وانتظاماتها وإصلاحاتها في مظنّة الفساد ومصبّ البطلان، لا تتمّ الحياة فيها إلاّ بالحياة النوعية، ولا يكمل البقاء فيها إلاّ بالاجتماع والتعاون، فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء...
وهذا الكلام من الملائكة هو في مقام تعرّف ما جهلوه، واستيضاح ما أشكل عليهم من أمر هذا الخليفة، وليس من الاعتراض والخصومة في شيء، والدليل على ذلك قولهم في ما حكاه الله تعالى عنهم: ﴿..إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾..».
س: دعا المولى تبارك وتعالى المسلمين للوحدة في ما بينهم من خلال التمسّك بـ«حبله» عزّ وجلّ، فما المقصود بهذا الحبل؟
ج: الآية القرآنية الواردة في الوحدة بين المسلمين هي قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ..﴾، ورد في تفسيرها عند الشيعة والسنّة أنّ المراد بحبل الله هو «الكتاب والعترة»، وذلك يفهم بوضوح عند مراجعة «حديث الثّقلين» المتواتر: «إنّي تاركٌ فيكم الثّقلين: كتابَ الله وعِترتي أهلَ بيتي، ما إنْ تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً. فإنّهما لن يَفترقا حتّى يرِدا عَلَيَّ الحوض».
فالوحدة الحقيقية تكون بالتمحور حول الكتاب والعترة، والتمسّك بهما، وأخذ معالم الدين منهما، ولا يمكن أن نفرّق بينهما، لقوله صلّى الله عليه وآله: «لن يفترقا». و«لن» تُفيد التأبيد، يعني إلى يوم يُبعثون.
ثمّ إنّ العقل يحتّم على جميع المسلمين أن يتركوا المنابزات بالألقاب، والسباب والشتائم، وكُلّ شيء يكون سبباً للنفرة، ويتّحدوا في قبال العدوّ المشترك، الذي لا يفتأ عن العمل للإحاطة بالمسلمين.
ومع كلّ هذا، فإنّ الاختلاف في الرأي حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها، ولكن كيف نتعامل مع هذا الاختلاف؟
إنّ على الجميع أن يجلسوا على طاولة الحوار الهادف الهادئ لبحث الاختلافات قربة إلى الله تعالى، متجنّبين كُلّ ما يسبّب النفرة، فإن توصّلوا إلى حلّ فهو المطلوب، وإلاّ فالاختلاف لا يفسد للودّ قضية.
س: نسمع بمصطلح «تجرّد الروح»، وأنّ الروح لا تفنى، لو أمكن بيان ذلك مشكورين.
ج: هذه المسألة طُرحت من زمن أفلاطون وأرسطو. فأفلاطون كان يقول: «إنّ الروح جاءت من عالم المجرّدات والمُثل، وما وراء الطبيعة، وحلّت في الإنسان، وهي كالطائر في القفص تريد الخلاص منه، وسبب حلولها في البدن معصيتها، فحبسَها الله في البدن..».
أمّا أرسطو فيخالف أفلاطون ويقول: «إنّها مع كونها مجرّدة، ولكنّها تُخلق مع البدن». هذا خلاصة ما قيل حولها عند الفلاسفة الأقدمين.
أما العرفاء، فقد ميّزوا بين ثلاثة أبعاد، فقالوا: «إنّ الإنسان له جسد، ونفس، وروح. أمّا الروح فهي إلهيّة، كما في قولـه تعالى: ﴿..وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي..﴾، وأمّا النفس فهي صاحبة الأهواء والغرائز، لكنّها تتكامل شيئاً فشيئاً، إلى أن تصل إلى مرحلة النفس المطمئنة، وتتّحد مع الروح».
وأمّا الحكماء والفلاسفة فلا يفرّقون بين الروح والنفس، وجعلوهما شيئاً واحداً، وهي، عندهم، مع كونها مجرّدة لكنّها ناقصة، وتتكامل شيئاً فشيئاً.
والمجرّدات لا تفنى، لأنّ الفناء خاصّ بالمادّيات، وما ليس بمادّي لا فناء له..