فرنسا واللّغة العربية: عودة المكبوت*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لينا كنوش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تشهد الساحة السياسية والإعلامية في فرنسا انقساماً حادّاً حول قضية تعليم اللغة العربية في المدارس الحكومية، يُشبه إلى حدّ بعيد النقاش المتشنّج الذي شهدته البلاد مطلع سبعينيات القرن الماضي حول القضية نفسها. في حينها (2 شباط 1973)، صدر مرسوم يقرّ التنوّع اللّغوي، ويقضي بإدراج تعليم اللغة العربية ضمن المناهج الرسمية للمدارس الابتدائية.
كانت الفكرة السائدة في تلك الفترة أنّ تعليم اللغة العربيّة في المدارس الحكومية للأطفال المهاجرين يمكن أن تمثّل عاملاً مساعداً لإجادة اللغة الفرنسيّة، و«تساهم في إيجاد توازن نفسي وتماسك عاطفي واجتماعي مع العائلة والمحيط الأصلي».
لكن انطلاقاً من الثمانينيات، تشدّد المنطق الاستعماري في «إدارة الهجرة» بهدف تغيير المحيط الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي، ما نقل النقاش الذي كان متركّزاً حتّى ذلك الحين حول مفهوم «الاندماج» نحو «إشكاليّة الهويّة الثقافيّة»، وهو ما حوّل النظرة تجاه ظاهرة الهجرة من «مورد» إلى «أمر مدان»، باعتبارها «السبب العميق لشقاء المجتمع الفرنسي»!
في شهر أيلول الفائت، وفي سياق تنقيبه عن «الوسائل المناسبة لمحاربة الأصولية»، نشر «معهد مونتاني» دراسةً للباحث حكيم القروي، تحت عنوان «محاربة الإسلام المتطرّف» أوصى في خلاصاتها بتطوير تعليم اللغة العربيّة لوقف صعود الحركات السياسية الإسلامية في فرنسا، أو ما سمّاه القروي «الإسلامويّة« بين صفوف الشباب. ويبرّر «خبير الإسلامويّة» استنتاجه المفارق في أنّه «كلّما تأخّرت فرنسا في تعليم اللغة العربية في المدارس، كلّما زاد عدد المتعلّمين في المساجد والمعاهد الإسلامية، وهي تُعتبرَ مصدراً لإنتاج عقول متطرّفة تميل إلى الإرهاب والجهاد»!
ويبدو أن وزير التعليم، جان ميشال بلانكي، من مؤيّدي هذه الفكرة، حيث اعتبر أن اللغة العربية «شديدة الأهميّة، ويجب تطويرها، وإعطاؤها هيبة».
تصريحات «بلانكي» أثارت ردود فعلٍ عنصرية من قبل الجماعات القومية المتطرّفة التي تنظر إلى اللغة العربية على أنها «حامل أساسي لأسلمة فرنسا». فقد أعرب نيكولا دوبون إينيون زعيم حركة «فرنسا واقفة» عن رأيه بفجاجة صاخبة: «نحن نحضّر لبداية أسلَمة فرنسا، بحجّة مقاومة الأصوليّة، وأرى أنّ ذلك غير صحيّ. أنا معادٍ بشكل كامل لتعريب فرنسا وأسلَمة البلاد«.
وفي الخلاصة، يدور النقاش بين فريقين: دعاةِ «الاندماج» على ناصية، ويجابههم «حُرّاس الهويّة الفرنسية»، دائمو الارتياب المصرّون على أنّ الإسلام هو العائق دون اندماج المهاجرين، مثالهم الدائم في ذلك: قضية الحجاب في المدارس والمؤسّسات العامّة.
يبقى أن ثمّة حجّة مبتذلة، تتخفّى وراء مظاهر الخطاب العلمي، وهي أنّ العربيّة لغة متخلّفة ...مع العلم أنّها مرتبطة بشدّة بتاريخ المجتمعات العربيّة وتطوّرها باستمرار، أما أسباب «إعاقات» هذه اللغة التي احتلّت لمدة طويلة مكانة اللغة العلميّة السائدة -قبل أن تُبعد لمصلحة اللغات الأوروبية التي صارت مهيمنة- فهي خارجيّة وتعكس تبعيّة المجتمعات العربيّة التي هُرست لمدة طويلة تحت ثقل الاستعمار والإمبرياليّة الغربيّين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* صحيفة الأخبار اللبنانية (العدد 3596) - بتصرّف