(معاوية فرعون هذه الأمّة) للباحث حسن بن فرحان المالكي
بحث معمّق في فهم التاريخ والحديث النبوي الشريف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قراءة: إبراهيم موسى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب: معاوية فرعون هذه الأمة
المؤلّف: حسن بن فرحان المالكي
الناشر: «دار المودّة»، بيروت 2018م
لا يختلف المسلمون، باستثناء القلّة منهم، على كون الحقبة الأمويّة التي أسّس لها معاوية بن أبي سفيان، هي لحظة انعطافية في تاريخ الإسلام. فقد كان من أبرز سِماتها الانحراف عن صراط الوحي النبويّ، وبداية الملك العَضوض. وهو ما أنذر به النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، قبل حجّة الوداع. والمدوّنات الإسلامية على الجملة، سواء تلك التي صدرت عن علماء الإمامية، أو عن علماء ومحدّثي أهل السنّة والجماعة، تؤكّد هذه الحقيقة. بل إنّ كثيراً من المحدّثين وكُتّاب السيرة والمؤرّخين، ضَمَّنوا مصنّفاتهم روايات وأحاديث وأخبار تُشير إلى دور معاوية في تحويل الإسلام بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أداةٍ لتثبيت استبداده بمقدّرات الأمّة.
الكتاب الذي بين أيدينا، محاولة جادّة لاستقراء هذه الشخصية، والدور الذي لعبتْه في التاريخ الأوّل للإسلام. والانطباعُ الأوّليّ الذي يمكن للقارئ أن يستنتجه من هذا العمل البحثيّ، هو أنّ مؤلّفه الباحث حسن بن فرحان المالكي استند إلى قواعد البحث العلمي في مقاربة موضوعية، وذلك رغم الأحكام التي يُصدرها استناداً إلى الوثائق والروايات المعتمدة في الأدبيات التاريخية الإسلامية.
بدايةً، يؤسّس مؤلّف الكتاب دراستَه على ما جاء في الأخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتحديداً ما ذُكر في (صحيح مسلم) عن عَمرو بن أخطب، قال: «صلّى بنا رسولُ الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم الفجر، وصعدَ المنبر، فَخَطَبنَا حتّى حضرتِ الظّهر، فنزل فصلّى. ثمّ صعد المنبر، فخطبنا حتّى حضرتِ العصر، ثمّ نزل فصلّى، ثمّ صعد المنبر، ففخطبنا حتّى غربتِ الشّمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن...».
يعلّق المؤلف على هذه الرواية بالقول: «وهذا الإخبار بما هو كائن لا بدّ أن يكون أهمّه ما سيجري بعده صلّى الله عليه وآله من فِتن وأحداث. ومن كمال النصيحة أن يذكر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أسماء الأشخاص أو صفاتهم؛ ليكون الناس على بيِّنة، والنبيّ هو صاحب (البلاغ المبين)، فلن يترك الأمّة لا تعرف مخرجاً، بل لا بدّ من أن يرشدها إلى أصحاب الهداية، ورؤوس أهل الضلالة. هذا ما تقتضيه هذه الأحاديث التي قالوا فيها أنّه حذّر الأمّة، وأخبرها بما هو كائن، ﴿..لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ..)..». [الأنفال:42]
وبحسب المؤلّف فرحان المالكي: «فإنّ من أولئك الرموز التي حذّر منها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، معاوية بن أبي سفيان، سواء أكان التحذير من فئته الباغية، أم بخصوص سنّة النبيّ، لكونه (أوّلَ من بدّل السنة)، أم بخصوص شخصه، كما في حديث (يموت معاوية على غير ملّتي)، وسندُه صحيح، وقد خرّجناه في كتاب مستقلّ- أو حديث أبي برزة الأسلميّ الذي أخرجه الإمام أحمد وغيره».
يضيف المالكي: «فقد أتت الأحاديث السنّية برجلين، وردت في كلّ منهما أحاديث بأنّه (فرعون هذه الأمّة)، وهما أبو جهل، ومعاوية، إلّا أنّ الغريب بل المفاجأة أنّ الحديث في أبي جهل ضعيف منقطع، ولا واقع له من حيث السلطة، والجنود، وتفريق الأمّة شِيَعاً إلخ، والأكثر مفاجأة أنّ الحديث في معاوية صحيح الإسناد، ويدعمه الواقع من حيث المُلك والجنود، والسّحَرة، والاضطهاد، وتفريق الأمّة شيعاً، إلخ».
مرحلة المتوكّل وجلاء الحقيقة
لعلّ ما يثير دهشة المؤلّف واستغرابه أنّه وجد حديث «معاوية فرعون هذه الأمّة» متداولاً عند أهل الحديث المتقدّمين (سلفية السلفية)، «وهو ما يعرفه خواصّ أهل العلم في الوسط السنّي، ولا ينكرونه، إلّا أنّ شهرته بدأت تذبل مع مرور الزمن، حتى كانت النكبة الثقافية الحنبلية في عهد المتوكّل العباسي (234-247 هـ)، فأضاعت كثيراً من الأحاديث والأحداث المتداولة قبلها، حتّى أصبح مشهورُها غريباً، وغريُبها مُشْهَراً. ولا شكّ بأنّ هذه الحقبة بالذات هي حقبة حسّاسة جداً وتستحقّ المزيد من البحث والدراسة، حيث إنّ أكثر الناس لا يعرفون الفرق بين أهل الحديث قبل تلك الفترة، وأهل الحديث أثناءها وبعدها إلى اليوم».
والمعروف – بحسب المؤلّف: «أنّ المرحلة المتوكّلية نصرتِ الشقّ الناصبّي في أهل السنّة -وكان قليلاً- إلى أبلغ حدّ ممكن، وكانت نتيجة هذه المرحلة المتوكّلية أنْ قادت السلفية المُحدَثة أهل السنّة الى الانغلاق، والتقوقع، والتعصّب الشديد، والتكفير، والتصنيف، مع عمليات هائلة من العبث بالحديث، من إخفاء غير المرغوب بها، وبترها، وتحريفها، وتقوية ما يضادّها ولو كان موضوعاً، وتضعيف الثقات من الفرق الإسلامية، وتوثيق الضعفاء من أهل المذهب. وقد كان ذلك أشبه بـ (الجنون المذهبي) بكلّ تجليّاته، بل إنّه انقلاب مذهبي، وهو أشدّ من الانقلاب السياسي».
يبيّن المؤلّف جملة من الحقائق استناداً إلى مرجعية العقل والقرآن الكريم، ليطرح مجموعة من الأسئلة المحورية: «هل نستطيع من القرآن الكريم أو العقل أو التاريخ أو من هذا كلّه، أن نعرف أقرب الرجلين مصداقاً للحديث؟ وبعيداً عن دراسة الإسنادين، فمَن منهما أقرب إلى سلوك فرعون؟ وما هي خصائص فرعون في القرآن الكريم حتى ننظر إلى أيّ الرجلين تقترب هذه الصفات؟ وهل كان الحديث في معاوية مشهوراً قبل السلفية المحدَثة، ثمّ اشتهر حديث أبي جهل بعد ذلك، أم العكس؟».
فصول الكتاب
ينقسم الكتاب إلى خمسة مباحث رئيسة، وهي على الترتيب التالي:
الفصل الأول: الأحاديث التي تنصّ على أنّ «معاوية فرعون هذه الأمّة».
الفصل الثاني: الممانعات الناصبية والسلفية المحدَثة: من أحاديث وآراء مضادّة.
الفصل الثالث: شهادات بعض الصحابة والتابعين في «فرعونية معاوية».
الفصل الرابع: معارضة الحديث في معاوية بحديث «أبو جهل فرعون هذه الأمّة».
الفصل الخامس: الحاضنات القرآنية على قوّة الحديث في معاوية، ومصاديقها التاريخية.
***
كتاب جدير بالقراءة من جانب المسلمين جميعاً وإن كان لا يُرضي البعض بسببٍ من تراكم ثقافة التجهيل على امتداد نحو خمسة عشر قرناً من التاريخ الإسلامي.
ضحايا الحقد الوهّابي
حسن فرحان المالكي ونجله عبّاس في الأسر
حسن فرحان المالكي مفكّر وباحث من الحجاز، ولد في مدينة جازان عام 1970م، اشتهر بنقاشاته الدينية والفكرية على الساحة السعودية والعربية والإسلامية، وخاصة فيما يتعلق بمبدأ عدالة الصحابة ومعارضته الشديدة لهذا المبدأ.
للمفكر والباحث الاسلامي المالكي الكثير من البحوث والنقاشات الفكرية التي تتعلق بمعاوية بن أبي سفيان وولده يزيد وخلافتهما وخروجهما على سنّة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله؛ نذكر منها: (هل مات معاوية على دين الإسلام؟) دراسة موسعة لحديث «يموت معاوية على غير ملّتي»، و(ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﺜﺎﻟﺐ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ) وغيرها. وله أيضاً العديد من المؤلفات العقائدية والتاريخية والرسائل والنقاشات والحوارات مع أقطاب الوهابية والسلفية وشيوخهم.
وكانت السلطات السعودية قد اعتقلت المالكي يوم 11 أيلول 2017، وهو معروف بآرائه الدينية المعتدلة، ونبذه للتكفير والطائفية، ونقده للفكر الوهابي السلفي. كما تعتقل السلطات عباس، نجل حسن المالكي، وذلك بعد نشره تغريدات تطالب بالإفراج عن والده.
وقد وجهت النيابة السعودية عدة تهم للمالكي، منها: انتقاده الصحابة، ولعنه معاوية بن أبي سفيان، وتأييد حزب الله وتمجيد قادته، وتمجيد الثورة التي ينتمي إليها، وتعاطفه مع أنصار الله وتخطئة حكومة المملكة في موقفها، وتحريضه على المظاهرات والاعتصامات في دولة البحرين، ونحو 14 تهمة أخرى.
وقد أرسل الشيخ حسن فرحان المالكي من داخل معتقله رسالة اطمئنان على صحته، مؤكّداً على الثبات في الموقف واستعداده للتضحية.
وقال في رسالة صوتية بعثها من سجن الحائر، أكبر سجون السعودية الخمسة وأكثرها تحصيناً، إنّ ما يتعرّض له يعتبر «شيء قليل مقارنة لما وجده المصلحون»، وبيّن «إنّنا لم ندفع بعد كما دفع أهل بيت رسول الله ولا حتى المصلحون»، مطالباً أهله والمدافعين عنه بالاطمئنان وعدم القلق عليه.
وأكّد الشيخ المالكي أنّه بخير، ولا ينظر إلا إلى المستقبل الذي لا يتزحزح إلا بمثل هذه التضحيات، فمن كان يلبس الساعة في الماضي كان يجلد، كما إنّ مَن كان يعتقد بإسلام أبي طالب كان يصدر بحقّه الإعدام. وأوضح أنّه أخذ حقه للنقد وإبداء الرأي، وانتقد الغلو ومعاوية أفكار ابن تيمية والوهابية وفكر داعش، واعتبر السجن «فرصة لالتقاء أصدقاءه في الحائر»، قائلاً إنّها «تضحية يسيرة جداً».