الاختلاط والخُلوة المحرّمة
الحدود والضوابط الشرعية
____ إعداد: «شعائر» ____
«الاختلاط» بالمعنى الفقهي هو اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، وقد حرّمت الشريعة المقدّسة صنفاً منه؛ وهو ما بلغ حدّ الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبيّين، مع عدم الأمن من الوقوع في الفساد، ولو كان بمقدار النظرة المحرّمة.
وحيث إن الاختلاط، بشكل عامّ، أرض خصبة للوقوع في الكثير من الانحرافات السلوكيّة والنفسيّة، توجّب معرفة الحدود الشرعية التي تحقّق صيانة الرجل والمرأة من الوقوع في شَرَك إبليس، وهو ثالثهما في خلوتهما، بنصّ الحديث الشريف.
المقالة التالية مختصرة عن أحد فصول كتاب (مكانة المرأة ودورها)، إصدار «جمعية المعارف الإسلامية الثقافية».
المقصود من «الاختلاط» هو اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، سواء في بيت أو سوق أو طريق... فكلّ لقاء لأحد الجنسين مع الآخر هو نوع من أنواع الاختلاط. وإذا أمكن اجتناب الاختلاط، بمعناه المتقدّم، على مستوى الأفراد، فهو غير متيسّر بالنسبة للمجتمع عموماً، لأنّ الإنسان يعيش في مجتمع مختلط، ولأفراده حاجات متبادلة يعسُر معها فرض عزلة الرجال عن النساء بشكل كامل، بل نجد الاختلاط موجوداً حتّى في بعض الأمور الشرعيّة الأساسيّة، كالحجّ...إلا أن ضروراته في بعض الجوانب، لا تعني الاستسلام له وقبوله على كلّ حال، لأنّ الضرورات تُقدّر بمقدارها، لذلك ينبغي تقليل الاختلاط إلى أقلّ حدّ ممكن، كما أرشدنا القرآن الكريم إلى ذلك في قصّة كليم الله موسى عليه السلام، وابنتَي نبيّه شعيب عليه السلام، يقول تعالى: ﴿..قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء..﴾. [القصص:23]
تجنّب الاختلاط من شروط مبايعة النبيّ
حرّمت الشريعة المقدّسة نوعاً من الاختلاط، وهو الذي يبلغ حدّ الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبيّين، ضمن شروطٍ يذكرها الإمام الخميني قدّس سرّه بقوله: «إذا اجتمع الرجل والمرأة في محلّة خلوة، بحيث لم يوجد أحدٌ هناك، ولا يتمكّن الغير من الدخول، فإنْ كانا يخافان الوقوع في الحرام، فيجب أن يتركا المكان».
ويكفي أن يكون الحرام بمقدار النظرة المحرّمة، فمثل هذه الخلوة محرّمة بنفسها، وفي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لا يَخلو بامرأةٍ رجلٌ؛ فما مِن رجلٍ خلا بامرأةٍ إلّا كان الشّيطانُ ثالثَهُما». [مستدرك الوسائل:14/265]
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّ من جملة الأمور التي ألزم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، النساءَ بها عندما كنّ يبايعنه، هي أن «..لا يقعدنَ مع الرجال في الخلاء». [الكافي:5/519]
المحرّمات والضوابط الشرعية
إذا لم تحصل «الخلوة» فالاختلاط ليس محرّماً بنفسه، ولكن هذا لا يعني عدم وجود ضوابط شرعيّة. فهناك العديد من الحدود التي يجب الالتفات إليها واجتنابها عند اختلاط الرجل بالمرأة، نشير إلى بعضها:
1)التبرّج والزينة: وهما من الأمور التي يحرم على المرأة إظهارها للرجل الأجنبيّ، وفي حديث المناهي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «..ونهى أن تتزيّن لغير زوجها، فإنْ فعلت كان حقّاً على اللهِ عزّ وجلّ أنْ يحرقَها بالنّار». [الفقيه للصدوق:4/6]
2) الرائحة والطِّيب: التبرّج تدركه حاسّة البصر، وأمّا الطِّيب، أي العطر، فتدركه حاسّة الشّم، لذلك فمع وجود المفسدة يحرم الخروجُ بالطِّيب والاختلاط فيه. رُوي عن الإمام الباقر عليه السلام: «.. ولا يجوزُ لها أن تتطيّب إذا خَرجَت من بيتِها». [خصال الصدوق: ص 587]
والخروج هنا مثال لما يحقّق الاختلاط، لذا فالحرمة لا تختصّ بالخروج، بل تشمل مطلق الاختلاط حتّى لو حصل في البيت.
3)اللمس والمصافحة: يحرم لمسُ بشرة الأجنبيّ، والحُرمة من طرفَي الرجل والمرأة. ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن صافحَ امرأةً حراماً جاء يوم القيامة مغلولاً، ثمّ يؤمَر به إلى النّار..». [وسائل الشيعة:20/198]
وعن الإمام الباقر عليه السلام: «ولا يجوزُ للمرأةِ أنْ تصافِحَ غيرَ ذي مَحرمٍ..». [المصدر: ص 222]
4) الخضوع في القول: بمعنى تجميل الصوت وترقيقه عند الكلام، وقد نهى الله تعالى عن ذلك في قوله تعالى: ﴿..فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ..﴾ الأحزاب:32.
فعلى المرأة المسلمة أن تتحدّث بأسلوب مُتّزن بعيداً عن الأساليب التي تتسبّب بفتنة المُستمع من الرجال، خصوصا الذين في قلوبهم مرض.
5) الإمعان في النظر: يقول تعالى:﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ..﴾، ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ...﴾ النور:30-31.
فعلى المؤمنين والمؤمنات أن يغضّوا من أبصارهم، ومعنى «الغضّ» في اللغة: الخفض والنقصان من الطَّرف، وغضّ البصر يعني عدم التحديق والإمعان في الشيء.
عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: «اشتدّ غضبُ اللهِ على امرأةٍ ذاتِ بعلٍ ملأتْ عَينَها من غيرِ زوجِها أو غير ذي محرَمٍ منها، فإنّها إنْ فعلتْ أحبَطَ اللهُ عزّ وجلّ كلّ عملٍ عَملتْه...». [وسائل الشيعة:14/172]
وعن الإمام الصادق عليه السلام: «النظرةُ بعد النظرةِ تزرعُ في القلبِ الشّهوة، وكفى بها لِصاحبها فتنة». [المصدر:20/192]
وأمّا إن كانت النظرة بشهوة فتحرم حتّى النظرة الأولى.
6) المزاح وكثرة الضحك: المزاح يرفع الحواجز النفسيّة ويمهّد الطريق أمام أيّ انزلاقٍ محتمل. لذلك، ينبغي أن تحافظ المرأة على رصانتها عند الاختلاط ولا تطلق العنان لنفسها لتظهر وكأنّها ذات شخصيّة خفيفة تميل مع الأهواء بسهولة، فكثرة المزاح والضحك هو من أكثر الأمور التي تُظهر خفّة المرأة وعدم رصانتها في المجتمع المختلط، وفي الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «..ومَن فاكَه امرأةً لا يَملكُها، حَبَسه اللهُ بكلّ كلمةٍ في الدّنيا ألفَ عام». [المصدر: ص 198]
قال أبو بصير: «كنت أُقرئ امرأةً كنت أعلّمها القرآن فمازحتُها بشيءٍ، فقدمتُ على أبي جعفر (الباقر) عليه السلام، فقال لي: أيّ شيءٍ قلتَ للمرأة؟ فغطّيتُ وجهي.
فقال عليه السلام: لا تَعودنّ إليها». [المصدر]