بينهما رابطة لا تنفصم
شهر رمضان موسم الدعاء لتحديد المصير
الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي
نجد أنفسنا في سعيٍ دائم على مدار السنة وراء الفرصة التي نستطيع فيها أن نعيد النظر في حياتنا من بدايتها وحتّى آخرها، لكي نعيّن مسيراً يحدّد حياتنا الأبدية، لكننا قلّما نجد مثل هذه الفرصة، ولعلّ أفضل الأوقات التي يمكن الاستفادة منها لأجل هذا الأمر، هو شهر رمضان المبارك.
لقد وعدنا أنفسنا لمدّة طويلة أنّه إذا أقبل شهر رمضان فإنّنا سوف نؤدّي العبادات بصورة أفضل من سائر الأوقات، ونغضّ النظر عن هذه الدنيا وطلبها إلى حدّ ما، ونتّجه سائرين إلى الله ونتفكّر في حقيقتنا؛ من أين جئنا، وإلى أين نذهب، وما الذي ينبغي أن نفعله في هذه الدار.
وفي النهاية، ينتهي الانتظار ويأتي شهر رمضان، لكنّ الشيطان يسعى، كما في السابق، لئلّا يتمكّن الإنسان من الاستفادة من هذه الأوقات الشريفة واللحظات النفيسة، ولئلّا ينال فيها تلك التوفيقات الإلهيّة. فيدُ الشيطان الخفيّة والعلنيّة حاضرة في كل مكان من أجل أن تلوّث الدوافع الإنسانية بالأغراض النفسانيّة والدنيويّة، وتجعل أدعيتنا ومناجاتنا وعباداتنا مصحوبة بالكسل والتثاقل، فيسلب منّا حالة المناجاة والتضرّع.
وفي هذه الأزمة والتضادّ الذي يقع بين العناصر الإلهية والعوامل النفسانية والشيطانية، يجب على الإنسان أن يطلب التوفيق من الله تعالى، ويغتنم الفرص السانحة، ولا يسوّف في عبادته ودعائه فيكلهما إلى أوقات أخرى، وأن يسعى -مهما أمكن- للتحرّك بصورة ثابتة على طريق التكامل والتقرّب إلى الله. ومن الأعمال التي تمّ الحثّ عليها كثيراً في شهر رمضان المبارك الدعاءُ والمناجاة؛ فبَين شهر رمضان والدعاء رابطةٌ لا تنفصم أبداً.
كيف نغتنم شهر رمضان؟
لأجل أن نستفيد بأفضل صورة من أوقات هذا الشهر المليئ بالبركة، يجب:
أوّلاً: أن نستمدّ من الدعاء نفسه، أي ينبغي أن نطلب من الله منحنا توفيق المناجاة والتضرّع.
ثانياً: أن نسعى مهما أمكن لتحصيل الحالة المعنويّة المناسبة للعبادة والتوفيق لها، فنسعى في هذا الشهر إلى التقليل من مشاغلنا اليوميّة، وإلى تخصيص قسم من وقتنا للدعاء والعبادة.
ثالثاً: أن ندقّق في نومنا وأكلنا، فلا يكونا بحيث يؤدّيان إلى الكسل والتثاقل. يجب أن ننظّم برنامجنا الغذائيّ بحيث نقدر على الصيام، وفي الوقت نفسه نوفّق لأداء وظائف شهر رمضان والعبادة.
رابعاً: أن ننظّم أوقات نومنا بحيث نحصل على النشاط اللازم في أوقات العبادة، فلا ينبغي أن نتوقّع أنّنا إذا كنّا نقوم بمشاغلنا اليوميّة المعتادة، سنتمكّن في أوقات السحر من تحصيل الحالة المطلوبة للعبادة.
التوجّه إلى حقيقة الدعاء
من المناسب قبل قراءة الأدعية أن نتفكّر قليلاً في حقيقة أنفسنا، وفي من نتوجّه إليه، وفي حقيقة الدعاء. وأيّ مقام عظيم هو هذا الذي يُوفّق فيه الإنسان للتكلّم مع ربّه ومناجاته!
يجب أن ندقّق في مضامين الدعاء، وإذا لم نكن نعرف معاني كلماته، فلنتعرّف إليها قبل البدء بالقراءة، لكي نكون على اطّلاع إجماليّ على هذه المضامين، فلا يكون دعاؤنا مجرّد نطق بألفاظ عربيّة لا نفهم منها ما نقول وما نقصد. يوجد في الأدعية المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام مضامين عالية ورفيعة، يُعدّ الاطّلاع عليها أمراً مهمّاً جدّاً، حتّى لو لم نكن نقرأها بحالة متناسبة مع الدعاء والمناجاة.
بناءً عليه، من المهمّ أن نطالع معاني الكلمات والجُمل، ونتعرّف إلى مضامين الأدعية قبل الشروع في قراءتها، لا سيّما الأدعية الواردة في شهر رمضان المبارك.
شهر رمضان والافتتاح
لقد ورد الكثير من الأدعية الخاصّة بشهر رمضان. ففي كتاب (مفاتيح الجنان)، باقة من الأدعية المرويّة عن المعصومين عليهم السلام، والأدعية التي قد لا نوفّق طوال عمرنا لقراءتها جميعاً، فضلاً عن الأدعية الأخرى المنقولة في الكتب الكبرى مثل كتاب (الإقبال) للسيّد ابن طاوس، وغيره.
على سبيل المثال، توجد أدعية طويلة للقراءة ما بين نوافل الظهر والعصر في شهر رمضان، ونحن قلّما نُوفّق لأداء تلك الصلوات، فما بالك بأدعيتها! ولو وفّقنا لقراءة الدعاء يوماً ما، فلا تكون فينا تلك الروحية المتناسبة مع الدعاء، وهي الحضور القلبيّ.
ومن الأدعية المناسبة العميقة المضامين الواردة لليالي هذا الشهر الشريف، هو «دعاء الافتتاح»، المرويّ بسندٍ معتبَر عن الإمام صاحب الأمر عليه السلام، كما في (زاد المعاد) للعلامة المجلسي، حيث إنّ الإمام صلوات الله عليه، قد كتب إلى شيعته أن يقرأوا دعاء الافتتاح في كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان، لأنّ الملائكة تسمع هذا الافتتاح في هذا الشهر وتستغفر لصاحبه.
وقد أيّد المحدّث الشيخ عباس القمّي هذا الأمر في كتابه (هدية الزائرين)، كما أن السيّد ابن طاوس ذكر في (الإقبال) سند هذا الدعاء المتصّل بصاحب الأمر أرواحنا فداه، عن طريق السفير الثاني، أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد رضوان الله عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مختصر عن كتابه (على أعتاب الحبيب)
دعاء اليوم العشرين
«اللّهمّ افتَحْ لي فيهِ أبوابَ الجِنان، وأغلِقْ عنّي فيه أبوابَ النيران، ووَفِّقْني فيه لتلاوةِ القرآن، يا مُنزِلَ السكينةِ في قلوب المؤمنين».
- قال رسول الله صلّى الله عليه وآله، لمّا حضرَ شهرُ رمضان، وذلك في ثلاثٍ بقينَ من شعبان، قال لبلال: «نادِ في الناس»، فجمع الناس، ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيها الناس، إن هذا الشهر قد خصّكم اللهُ به، وهو سيّدُ الشهور، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهر، تُغلَق فيه أبوابُ النار وتفتَح فيه أبوابُ الجِنان، فمَن أدركه ولم يُغفر له فأَبعدَه الله...».
- وعنه صلّى الله عليه وآله: «ألا ومَن أحَبَّ عليّاً استغفرَ له الملائكة، وفُتحت له أبوابُ الجِنان، فدخلَ من أيّ بابٍ شاءَ بغيرِ حساب».