..دَفْنَاً دَفْنا
قال المطرّف بن المغيرة بن شعبة: دخلتُ مع أبي على معاوية، وكان أبي يأتيه فيتحدّث معه ثمّ ينصرف إليّ، فيذكرُ معاويةَ وعقلَه، ويُعجَب بما يرى منه. إذ جاء ذات ليلة فأمسكَ عن العشاء، ورأيتُه مُغتمّاً فانتظرتُه ساعة، وظننتُ أنّه لِأَمرٍ حدثَ فينا.
فقلت: ما لي أراك مغتمّاً منذ الليلة؟ فقال: يا بُنيّ جئتُ من عند أكفرِ النّاسِ وَأَخْبَثِهم، قلت: وما ذاك؟، قال: قلتُ له [لمعاوية] وقد خلوتُ به: إنّك قد بلغتَ سنّاً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرتَ عدلاً وبسطتَ خيراً، فإنّك قد كبرت، ولو نظرتَ إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلتَ أرحامَهم، فوالله ما عندَهم اليومَ شيءٌ تخافه، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكرُه وثوابُه.
فقال: هيهاتَ هيهات، أيّ ذكرٍ أرجو بقاءَه؟ مَلكَ أخو تَيْمٍ فَعدَل، وفعلَ ما فعل، فما عدا أنْ هلكَ حتّى هلكَ ذِكرُه، إلّا أن يقولَ قائل: أبوبكر، ثمّ ملك أخو عديّ، فاجتهد وشمّر عشرَ سنين، فما عدا أنْ هلكَ حتّى هلكَ ذِكرُه، إلّا أن يقولَ قائل: عمر، وإنّ [محمّداً] ليُصاح به كلّ يوم خمسَ مرّات [الأذان]، فأيُّ عملٍ يبقى وأيُّ ذِكرٍ يدوم بعدَ هذا لا أباً لك، لا واللهِ إلّا دَفناً دَفناً!
(شرح النهج، إبن أبي الحديد)
حِمْص
حِمْص: بالكسر ثمّ السُّكون، والصّاد مهملة: بلد مشهور قديم كبير مُسوَّر، وهي بين دمشق وحلب في نصف الطّريق، قال أهل السِّيَر: حمص بناها اليونانيُّون، وزيتونُ فلسطين من غرسِهم.
حاصرها خيلٌ من المسلمين بدايةً وأقاموا على الأرنط، وهو النهر المسمّى بالعاصي، فلمّا فتح أبو عبيدة ابن الجراح مدينة دمشق، قدم حمص على طريق بعلبك، فنزل بباب الرّستن فصالحه أهل حمص على أنْ أمَّنهم على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم. وبحمص من المزارات والمشاهد مشهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ومشهد أبي ذر الغفاري، وقبر سفينة مولى رسول الله، واسمه مهران، وبها قبر قنبر مولى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قتله الحجّاج وقتل ابنَه، وبها قبورٌ لأولاد جعفر بن أبي طالب، وهو جعفر الطيّار.
وحِمْص أيضاً بالأندلس، هكذا يسمّون مدينة إشبيلية، وذلك أنّ جنداً من حِمص دخلوها فسُمّيت بهم.
(معجم البلدان، الحَموي) بتصرّف