الفقيه العارف الشّيخ جعفر التُّستري

الفقيه العارف الشّيخ جعفر التُّستري

منذ يوم

الفقيه العارف الشّيخ جعفر التُّستري

صاحب «الخصائص الحسينيّة» و«الأيّام الحسينيّة»
الفقيه العارف الشّيخ جعفر التُّستري

____________ إعداد: أكرم زيدان___________


العالِم الربّاني آية الله الشيخ جعفر التُّسْتَري رضوان الله تعالى عليه فقيهٌ من الطِّراز الأوّل، ومدرّسٌ تتلمذ عليه العديدون، ومُصلحٌ مِن المُصلحين، وخطيب بارع يُهيمن في نطقه على الجماهير، وأخلاقيّ ذو قوّة في الدِّين وصلابة في تعظيم شعائر الله تعالى، ومُرَبٍّ لكثير من العلماء والمتعلّمين، ومؤلّفٌ تشهد مؤلّفاته بوضوح المنهج وبالعمق والصِّدق.
إلّا أنّ المعلَم الأبرز في شخصيّته قدّس سرّه هذا اللّهيب الباطني المتميِّز في علاقته بسيِّد الشّهداء عليه السلام، وهو ما مكّنه من قدرة على التحليل، والتقاط الأُسُس، وروعة رسم المشاهد بوفرة غنيّة لا تكاد توجد في نتاج غيره من الفقهاء الأعلام.


من أعلام القرن الثالث عشر الهجري، ومِن خدّام المنبر الحسيني المتميّزين، لم تحُل الفقاهة والوجاهة الإجتماعيّة دون ارتقائه المنبر للوعظ والإرشاد، والتَّذكير بمصائب سيّد الشهداء عليه السلام، وقد واظب على ذلك إلى نهاية حياته الشّريفة.

نَسَبُه ومولدُه

هو جعفر بن الحسين بن الحسن التُّسْتَري، نسبة إلى مدينة تُسْتَر (بالفارسيّة شوشتر) في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران. كانت ولادته عام 1230 للهجرة الموافق لـ 1810م.
يتحدّر رضوان الله عليه من أسرة آل النّجّار العلميّة، والتي أنجبت العديد من الصُّلحاء والعُبَّاد وأهل الوعظ، ومن بينهم والده المُلقَّب بالشّيخ حسين الواعظ، من تلامذة السيّد المجاهد محمد بن علي الطباطبائي صاحب (مفاتيح الأصول).


دراسته

صَحِب والدَه الشّيخ حسين في رحلته إلى العراق، فأقام في مدينة الكاظميّة على نهر دجلة شماليّ بغداد، حيث عكف على الدَّرس العلميّ فيها، ثمّ تحوّل إلى مدينة النّجف الحاضرة العلميّة العريقة.
وفي المدينتَين تتلمذ الشّيخ جعفر على طائفة من كبار العلماء، منهم: الشّيخ مرتضى الأنصاري، والشّيخ محمّد حسن النجفي، مؤلّف الموسوعة الفقهيّة الكبيرة (جواهر الكلام)، والشّيخ عليّ بن الشّيخ جعفر كاشف الغطاء، وأخوه الشّيخ حسن كاشف الغطاء، والشّيخ راضي النجفي، والشّيخ شريف العلماء المازندراني، فبلغ درجة الإجتهاد وهو في الخامسة والعشرين من عمره.
ومن تلامذته: السيّد سلطان عليّ الفلكي المرعشي، الميرزا الشّيخ محمّد الهمداني الكاظمي، السيّد صالح الأردبيلي، الشّيخ محمّد الطّالقاني، والشّيخ يعقوب الحلّي.

نشاطه الدِّيني والإجتماعي

عام 1255 للهجرة، عاد إلى مسقط رأسه تُسْتَر لِيُمارس نشاطه العلمي والإجتماعي، وكان مرجعاً للنّاس في الإفتاء وفي ما يهمّهم من القضايا، وبنى هنالك «حُسينيّة» كانت مركزاً لِذِكر ملحمة سيّد الشهداء عليه السّلام، ومقرّاً للتّبليغ وإمامة النّاس في صلاة الجماعة، وهنالك أيضاً ألّف رسالته الفقهيّة العمليّة (منهج الرَّشاد)، التي افتتحها ببحث موجز في العقائد الإسلاميّة. وقد لفتت هذه الرِّسالة نظرَ فقهاء كبار من قبيل الشيخ ضياء العراقي والشيخ عبدالكريم الحائري.
وبعد سنوات قضاها في تُسْتر، هاجر من جديد إلى مدينة النّجف، وأقام فيها عالِماً كبيراً، ومدرِّساً، وواعظاً متميّزاً ذائع الصِّيت، وكان يحضر مجلسَه جمٌّ غفير من العلماء والفضلاء وطَلَبة العلوم الإسلاميّة، إلى جوار عامّة الناس.


أقوال العلماء فيه
* السيّد علي أصغر البروجردي في (طرائف المقال): «الشّيخ جعفر التُّستري أدام الله بقاه، مشهور في العلم والزَّهادة، سلمان زمانه ووحيد أوانه، ولكن لم يساعدني الدَّهر للوصول إلى خدمته، وقد بلغ في العلم والعمل إلى النهاية».

* الشّيخ حبيب الله الكاشاني في (لباب الألقاب): «..فهو مِمَّن عاصرناه، وكان عالِماً فاضلاً مقدّساً، زاهداً تقيّاً، واعظاً متّعظاً، مؤثّرةٌ مواعظُه في قلوب الغافلين».
* السيّد محسن الأمين في (أعيان الشيعة): «كان عالِماً من أعلام العلماء، فقيهاً واعظاً، له شهرة واسعة، واشتهر بالوعظ والخطابة، وكانت تجتمع الأُلوف تحت منبره لسماع مواعظه».


من مؤلفاته
1 ـ (منهج الرَّشاد)، وهو رسالته العمليّة في الفقه، تُرجمت إلى العربيّة، وظهر مختصر لها.
2 ـ (رسالة في أصول الدِّين)، لعلّها هي ما كتبه مقدّمةً لرسالته العمليّة.
3 ـ (روضات الجنّات)، في القرآن الكريم، في عدّة أجزاء.
4 ـ (الخصائص الحسينيّة)، وقد كتبه بالعربيّة، يقول عنه تلميذه الميرزا محمّد الهمداني: «له كتاب في المراثي فيه فوائد سَنيّة، سمّاه (الخصائص الحسينيّة)، لم نَرَ مَن سلك منهاجه». وقد تُرجم إلى الفارسيّة ستَّ ترجمات.
ولعلّ سرّ التوفيق في كتابه هذا، هو عمق النيّة التي انطلق منها المؤلّف، يعضدها طول سنيّ الخدمة مِن على منبر سيّد الشهداء عليه السلام، إذ يُصرِّح بأنّه كتبه بعد تجاوزه الستّين من عمره، وكان ذلك بعد مراجعةٍ له مع نفسه، يتأمّل في إيمانه وسلوكه، فيرى أنّه أقرب إلى الهلاك، ثمّ ينظر في ما جعله الله تعالى من الوسائل إليه ببركة سيّد الشهداء عليه السلام، وذِكْر مصائبه والبكاء عليه، فيغمره الأمل بالنَّجاة.
وعلى هذا، فقد عزم على تدوين تلك الخصائص الحسينيّة في كتاب سمّاه (خصائص الحسين عليه السلام ومزايا المظلوم) وجعله على مقدّمة، ومقاصد، منها:
-  وجود الإمام الحسين عليه السلام من بدء خلق نوره إلى بعد يوم الجزاء.
-  خصائص صفاته وأخلاقه وعباداته يوم عاشوراء.
-  بيان اللُّطف الربّاني الخاصّ به.
-  خصائصه المتعلّقة بالقرآن المجيد والكلام العزيز.
-  خصوصيّاته المتعلّقة ببيت الله الحرام.
-  خصوصيّاته المتعلِّقة بأفضل الأنبياء صلّى الله عليه وآله.

5 ـ (فوائد المَشاهد)، فيه تقرير 60 مجلساً من مجالس وعظه التي كان يُلقيها أواخر حياته في كربلاء والنّجف والكاظمين. تُرجم إلى العربيّة عام 1416 للهجرة.
6 ـ (مجالس الوعظ)، تُرجم إلى العربيّة عام 1413 للهجرة بعنوان (الأيّام الحسينيّة)، وهو مجموعة مجالس كان ألقاها الشيخ التُّستري في العراق في شهر محرّم سنة 1298 للهجرة، وقد تولّى أحد تلامذته تحريرها على الورق، وهي تكشف عن نمطٍ خاصٍّ في تاريخ الخطابة الحسينيّة، من مميّزاته:
- متانة الرِّوايات والأخبار التي يُوردها في مصاب سيّد الشُّهداء عليه السلام، كونه عالماً مدقِّقاً.
- مزجه الموعظة الدِّينيّة بسياق المناحات الحسينيّة.
- استفادته من فجائع الطّفّ للتّصفية الباطنيّة والتهّذيب الرُّوحي لسامعيه.


مظاهر شخصيّته


تَنوَّعت الأبعاد في شخصيّة الشّيخ جعفر التُّستري رضوان الله تعالى عليه، فهو فقيه من الطّراز الأوّل، ومدرِّس تتلمذ على يديه العديدون، ومُصلح من المصلحين، وخطيب بارع يُهيمن في نُطقه على الجماهير، وأخلاقيّ ذو قوّةٍ في الدِّين وصلابة في تعظيم شعائر الدِّين، ومُرَبٍّ لكثير من العلماء والمتعلِّمين، ومؤلِّف تشهد مؤلّفاته بوضوح المنهج وبالعمق والصّدق. وهو إلى جوار هذا كلّه رجل «حسيني» العقل والقلب والضّمير، تعيش «قضيّة كربلاء» من حياته في الصّميم.
نشير هنا إلى ملامح من هذه الأبعاد المتنوِّعة:

الحسيني بألطاف سيّد الشُّهداء
العناية بالمعاني الحسينيّة -والتّذكير بهذه المعاني- قديمة في سيرة الشيخ التستري، إذ هي تمتدّ إلى أيّام شبابه.
وقد اتّخذت هذه العناية طابعها المنبري «الرّسمي» لدى عودته من العراق إلى بلدته بعد أن أتمّ دراسته الفقهيّة وعَزم على أن يُنذر قومه إذا رجع إليهم.
وكان منبره -منذ أيّامه الأولى- يقوم على التّعريف بمعاني القرآن الكريم وأحاديث المعصومين عليهم السلام، ثمّ يختتم مجلسه بالتّذكير بفصل من أحزان واقعة الطّفّ، تتخلّل هذا كلّه نبرة واعظة وإقبال على التّوعية والإرشاد.
بَيْد أنَّ مشكلة كانت تواجه الشّيخ الشّابّ في تحقيق ما يطمح إليه من التّبليغ؛ إذ لم تكن له قدرةٌ تسعفُه على الخطابة والإرتجال، فكان مضطرّاً إلى قراءة المعاني القرآنيّة والحديثيّة من خلال كتاب يحمله بيده على المنبر، وحتّى عندما كان يصعد المنبر في أيّام المحرّم ليحكي للنّاس عن مآسي عاشوراء، فإنّه كان يقرأ من كتاب (روضة الشّهداء).
الشيخ نفسه حكى هذه المعاناة التي كان يعيشها، وكيف تحوّل بِلُطفٍ خاصّ من سيّد الشّهداء عليه السلام إلى خطيبٍ مقتدِر، تَفتَّح أمام بصيرته غيرُ قليل من أسرار يوم الحسين عليه السلام.
يقول الشيخ -كما جاء في كتاب (دار السلام) للمحدِّث الميرزا حسين النّوري-: «لمّا فرغتُ من تحصيل العلوم الدِّينيّة في المشهد الغَرَوي [نسبةً إلى الغريّ من أرض النّجف]، وآن أوان النّشر ووجوب الإنذار، رجعتُ إلى وطني، وقمتُ بأداء ما كان عليّ من هداية النّاس على تفاوت مراتبهم.
ولِعدم تضلُّعي بالآثار المتعلِّقة بالمواعظ والمصائب، كنتُ مكتفياً بأخذ (تفسير الصّافي) بيدي على المنبر والقراءة منه في شهر رمضان والجُمُعات، و(روضة الشّهداء) للمولى حسين الكاشفي في أيّام عاشوراء، ولم أكن مِمَّن يمكنه الإنذار والإبكاء بما أَوْدَعَه في صدره، إلى أن مضى عليَّ عام، وقرُب شهر محرّم الحرام، فقلتُ في نفسي ليلة: إلى متى أكون صُحُفيّاً [أعتمد على صحائف الكتب] لا أفارق الكتاب؟!
فقمتُ أتفكَّر في الإستغناء عنه والإستقلال في الخطاب، وسرّحتُ بريد فكري في أطراف هذا المقام إلى أن سئمتُ منه وأخذني المنام، فرأيتُ كأنّي بأرض كربلاء في أيّام نزول المواكب الحسينيّة فيها، وخِيَمُهم مضروبة، وعساكر الأعداء في مواجهتهم كما جاء في الرّواية، فدخلتُ إلى فسطاط سيّد الأنام أبي عبدالله عليه السلام، فسلَّمتُ عليه، فقرَّبني وأدناني، وقال عليه السلام لحبيب بن مظاهر: إنّ فلاناً (وأشار إليّ) ضيفُنا، أمّا الماء فلا يوجد عندنا منه شيء، وإنّما يوجد عندنا دقيق وسمن، فقُم واصنع له منهما طعاماً وأحضره لديه. فقام وصَنَع منه شيئاً ووضعه عندي، وكان معه ملعقة، فأكلتُ منه لقيمات، وانتَبَهت.
وإذا أنا أهتدي إلى دقائق وإشارات في المصائب، ولطائف وكنايات في آثار الأطايب ما لم يسبقْني إليها أحد، وزاد كلّ يوم، إلى أن أتى شهر الصِّيام، وبلغتُ في مقام الوعظ والبيان غاية المرام».
وقد أثمرت هذه المجالس الحسينيّة وما كان يُفاض عليه فيها وفي غيرها من المعاني الخاصّة، أنْ ألَّف كتاباً مستقلّاً في المعاني والخصائص التي تفرّد بها سيّد الشّهداء عليه السلام، وهو كتاب (الخصائص الحسينيّة) كما تقدّم.


الفقيه المُحتاط
كتب الشّيخ جعفر في إجازة الإجتهاد لتلميذه الميرزا محمّد الهمداني: «ووصيّتي إليه أدام الله توفيقه سلوك الإحتياط، وعدم التّسرُّع في الفتوى، فإنّ الأمر صَعْب مُستصعَب، وعدم الحكم بمقتضى القواعد والعمومات قبل التّتبُّع التّامّ المُبرئ للذّمّة بينه وبين الله تعالى، يقول [تعالى] بالنّسبة لأشرف مخلوقاته: ﴿ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين* ثمّ لقطعنا منه الوتين﴾ الحاقّة:44-46.
بل أقول: إنّه لا يُكتفى في الحكم بملاحظة القواعد والعُمومات إلّا بعد ملاحظة ما ورد في جميع أبواب الفقه؛ فلقد أوصاني أستاذي الأعظم صاحب (جواهر الكلام) في هذا المقام فقال: يا ولدي! رُبَّ حكم من أحكام الطّهارة والصّلاة قد ظهر لي من ملاحظة روايات الحدود والدِّيّات. ولا يُنبِّئك مِثْلُ خبير».


الواعظ البليغ
يُنقل عن الميرزا أسد الله المجتهد التبريزي قوله: «إنَّ أثر الأنفاس القدسيّة للحاج الشّيخ جعفر الشوشتري وفعل مواعظه، كان من القوّة بحيث يَنخرط العلماء والمجتهدون والمستمعون -خلال مجلسه- في حالة من البكاء والنّحيب، كما لو كانوا في مجلس عزاء. وفي أحد الأيّام كان يقرأ الآية من سورة يس: ﴿وامتازوا اليوم أيّها المجرمون﴾ يس:59، فارتفعت أصوات الحاضرين بالصّراخ والعويل».

ويقول حفيده العلّامة الشّيخ محمّد تقي التّستري: «سمعتُ أبي الشيخ محمّد كاظم بن محمّد علي بن جعفر التّستري يقول: كان الرّسميّون العثمانيّون يحضرون مجالس الشيخ في الكاظميّة وكربلاء والنّجف، وما أن يَستهلّ الشّيخ مجلسه بتلاوة آيات من القرآن الكريم حتّى تأخذهم حالة من البكاء ويقولون: كأنّنا لم نسمع هذه الآيات إلّا السّاعة، وكأنّ جبريل قد نزل بها الآن لأوّل مرّة! ويقول أبي: كان علاء الدّولة القاجاري يقول: سمعتُ مجالس العزاء التي كان يُقيمها الشّيخ خلال سفره في أخريات حياته، فكنتُ أرى دموع عينَيه لا تَنْضب».

العالم التّقي
يقول أحد أحفاد الشّيخ جعفر أنّه: «في سفرته إلى البقعة الرّضويّة المقدّسة، على ساكنها آلاف التّحيّة والثّناء، قيل لأحد أعيان الدّولة: إنّ الشّيخ لم يأكل طيلة حياته لقمة واحدة من الحرام.
إستبعد الرّجل هذه القضيّة، ومال إلى إثبات كذبها، فأمر أحد خَدَمه أن يسرق شاةً، ثمّ يدعو الشّيخ إلى طعام، فيأكل من لحمها.
وسرق الخادم الشّاة، ودُعي الشّيخ إلى تناول الغداء، فحضر.
وقُبيل الظّهر إرتفع من فِناء الدّار صوت رجل يصيح: سرقوا شاتي، وجاؤوا بي إلى هنا! الشّاة كنتُ أعددتها لوليمة أدعو إليها الشّيخ!
أَدهشت هذه الواقعة المُضيف، فلم يجد بُدّاً من إخبار الشّيخ بما حدث. وسُرَّ صاحب الشّاة حين علم بهذه الواقعة العجيبة».


وفاته
عام 1302 للهجرة، غادر الشّيخ التُّستري قدّس سرّه النجف الأشرف إلى إيران، قاصداً زيارة مرقد الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السّلام، وفي طريق سفره نزل في مدينة طهران، فكان له استقبال عُلَمائي ورسمي وشعبي كبير جدّاً.
وكان قد اقترب حلول شهر رمضان، فقرّر الإقامة هناك، ولمّا أبى أن يزور الملك ناصر الدّين شاه القاجاري في قصره، حَضَر الملك لزيارته، وفي أثناء اللّقاء حذّره الشّيخ من التَّراخي تجاه مظاهر الحياة الغربيّة التي كانت قد بدأت تغزو عاصمة البلاد في تلك الفترة.
من جهته، طلب الملك القاجاري من الشّيخ أن يؤمّ الصَّلاة في مسجد «سِپَهْسالار» أعظم مساجد طهران، وكان قد شُيّد حديثاً، فكان الشّيخ أوّل مَن أمّ الصَّلاة فيه، وكان يحضر صلاتَه ما يَقرُب من أربعين ألفاً من مختلف فئات النّاس، فكان يّرتقي المنبر واعظاً، مُنذِراً من عاقبة التَّخاذل أمام المفاسد الغربيّة، منادياً بالإستمساك بالدِّين الحقّ.
وفي مطلع شهر شوّال من تلك السَّنة، أكمل الشّيخ طريقه إلى خراسان، وهناك أصابه المرض أثناء إقامته في جوار مشهد الإمام الرضا عليه السلام، ولكنّه لم يَتَخلَّ عن إمامة الصلاة، وعن ارتقاء المنبر للوعظ والتَّذكير بمصائب سيِّد الشُّهداء عليه السلام.
ثمَّ عزم على العودة إلى العراق مارّاً بطهران، حيث طلب منه ناصر الدّين شاه الإقامة معه في العاصمة، فأظهر الشّيخ رغبة وشوقاً لمجاورة مشهد أمير المؤمنين عليه السلام، قائلاً للملك: «أودّ لو تُدفن قبضة العظام هذه [يقصد نفسه] في التُّراب إلى جوار مرقد أبي تراب».
وقفل قاصداً النَّجف، وحين بلغ منطقة «كِرِند» أو «إكرِنْت» قرب الحدود العراقيّة، نزل به القضاء وتوفّي في العشرين من صفر عام 1303 للهجرة، ذكرى أربعين إستشهاد الإمام الحسين عليه السّلام، أو في الثّامن والعشرين منه ذكرى رحيل رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى.. وصعدت روحه الطّاهرة إلى بارئها، وكان له من العمر في حينها ثلاث وسبعون سنة.
وكان لنبأ وفاة الشّيخ جعفر طيّب الله ثراه وقعُه المدوّي عُلَمائيّاً وشعبيّاً في العراق وإيران، فحُمل جثمانه الطَّاهر إلى النّجف الأشرف، ودُفِن بعد تشييع مهيب إلى جوار سيّده أبي تراب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.



اخبار مرتبطة

  أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

  القلب والحظوظ الدنيويّة

القلب والحظوظ الدنيويّة

  دورياات

دورياات

منذ يوم

دورياات

نفحات