أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش
_________الشيخ حسين أحمد شحادة*_________
ما الفرق بين أمَّة تؤسِّس هويَّتها على قاعدة التَّمركز حول الذّات، وأُخرى تَبني هويَّتها على أساس التَّمركز حول القِيَم الأخلاقيّة؟
في ضوء الإجابة عن هذا السُّؤال، ربّما نَقِف على جانب مهمّ مِن جوانب جَدَل العلاقة بين الإسلام والغرب، ذلك أنَّ الغرب المُستعمِر قد نَزَع في تكوين هويَّته إلى نزعة التَّمركُز حول ذاته المُتعالية على الشُّعوب الأخرى.
وبِمُقتضى فلسفة هذا الخيال المُنتصِر، سَيَتمّ تَسْفيه الهويَّات الأخرى تمهيداً لتبرير السَّيطرة عليها واحتلالها، منذ أوّل الحروب الصليبيّة التي كانت مسبوقة بحملة إعلاميّة عنيفة من الإفتراءات والأكاذيب ضدّ الإسلام عقيدةً، وحضارةً، وأمّة.
ولم يَكتفِ هذا الغرب بصناعة صورته المتفوِّقة، ولكنَّه عَمد إلى تشكيل الصُّورة الإسلاميّة في مناخ الكراهية السَّوداء التي دَفَعَت العقل الغربي بعصبيَّته الدِّينيّة والعنصريّة إلى ربط نهوضه وِفْق ما نَصطلح عليه اليوم «بالإمبرياليّة الغربّية».
وبوسع الباحثين في فصول علاقة الإسلام بالغرب مراجعة آلاف الكُتُب والمصادر التي تنال من الإسلام ديناً وثقافةً وشعوباً، بأكاذيب لا تزال تُدرَّس في المعاهد والجامعات، لِتَضخّ إلى مراكز الأبحاث الإستراتيجيّة وغُرَفها المغلقة مسوِّغات مشروعات الغزو والإحتلال.
وإذا كان المثل الأعلى للغرب قد نشأ في أحضان الوثنيّة اليونانيّة القائمة على تَأْلِيه الأَنفة والقوَّة والإستكبار، فقد قام المثل الأعلى في الإسلام على عقيدة التَّوحيد، ونَبذ العصبيّة، وتقديس الأخلاق والقِيَم التي تمحوَرَت عليها رحابة الهويّة الإسلاميّة عقيدة، ونظاماً، وشريعة، حيث قِيَم المساواة والحرِّية والعدالة وتعارف الأُمم والشُّعوب هي من نواتج الإيمان بالتوحيد، التي تميَّزت بها دعوة القرآن المنزل من الله سبحانه بمنهاجٍ غير ذي عِوَج، رحمةً للعالمين.
وقد عَبَّر الإسلام عن هذه الحقيقة بتوصيفه لِعالَم التَّمييز العنصري والعبوديّة والظُّلم والعداوات والقطع الحضاري، بعالم الجاهليّة والظُّلمات وتعطيل إنتاج الوعي المعرفي بكتاب الكَوْن والوجود.
كذلك ومنذ الفجر الإسلامي، إرتَبَطت مسألة العِلم بجوهرة قرآنيّة هي الحكمة؛ ولم تنتقل عدوى محاكم التّفتيش في سلوك قلّةٍ من المسلمين إلَّا بعد استشرائها في مناهج التَّديُّن الغربي ومؤسَّساته. فقد تشكَّلَت العلوم الإسلاميّة في مناخات التَّعدُّد والتَّنوُّع والإختلاف بالرّأي بوصفه مرآةً لإيمان المسلم القرآني بحقائق آيات التَّمايُز في الألسنة والألوان.
ولأوّل مرّة، ستظهر نظريّة الإعتراف بحقِّ الآخَر في الإختلاف محسومة بثقافة التَّنافس على الخير، واستباق الخيرات، والإحتكام إلى آية: ﴿..إِلَىَ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ المائدة:48.
وما يَفتأ القرآن الكريم يشدُّ الوعي البشري إلى وحدة الدِّين ووحدة الإنسان برباط الأخوُّة الموصولة بالتّنبيه القرآني إلى تكريم بني آدم، ومن هنا يَجيء مصطلح آدم في القرآن باعتباره بوّابة المرور من الوحدة إلى تجلِّيات التَّعدُّد المضيء بثمرات الشّجرة الطّيِّبة والكلمة الطّيِّبة في واحة الأبوَّة الإبراهيميّة المزدهرة، بمعنى أن تصير عقيدة التَّوحيد مصدراً لإنجاز مطلب المساواة بين البشر.
كذلك تُرشد الهداية القرآنيّة إلى الإيمان الكامل بجميع الرسالات السَّماويّة، فيؤمن المسلم القرآني بأنبياء الله ورسله وملائكته ولا يفرِّق بين أحد منهم.
وفي مُصطلح «الزمن الدِّيني» في القرآن الكريم، أنَّ الزَّمن الإسلامي لم يبتدأ مِن بعثة النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله، وإنَّما هو خاتم الأنبياء، مُصدِّقٌ لما بين يدَيْه من التّوراة والإنجيل، وهو القائل صلّى الله عليه وآله: «نحن معاشر الأنبياء إخوة، أَصْلُنا واحد ودِيننا واحد».
".."
وهَهنا، فإنّ قصور بعض المسلمين أو تقصيرهم في إنتاج معرفتهم المتكاملة عن دِينهم لا يُمثِّل بالضرورة وثيقة لاختزال الإسلام ورسالته في حدود تلك الجهالات، التي لا تَمتُّ إلى القرآن بِصِلة.
ومن هنا نفهم معنى أن يَحتضن الغرب المُستعمِر ظاهرة التَّطرُّف الدِّيني والإرهاب الدِّيني، ليجعل من مخالبها أدواتٍ جاهزة لا لتبرير غزواته فحسب، وإنّما لاستخدام تلك الجهالات نفسها في برامج هَيْمَنته واحتلاله. وها سقطت أقنعة الغرب مرّة أخرى، فإنْ متُّ أو قُتِلتُ بسيوف الإرهاب، فأنا قتيلُ هذا الغرب البذيء، الكاذب، القاتل، المُتوَحِّش.
__________________
* رئيس منتدى المعارج لحوار الأديان