الحوار الديني

الحوار الديني

26/11/2011

الحوار الديني

الحوار الديني
الإدلاء بالشّهادة توخّياً للعدل
ـــــ د.محمّد الطالبي ـــــ

هل يستطيع المسلم من داخل دينه، أن يدخل في حوار حقيقي مع أتباع ديانات أخرى، وبعبارة أخرى هل يسمَح القرآن الكريم بالحوار؟
عن هذا السّؤال أجاب الأكاديمي الإسلامي المغربيّ د. محمّد الطالبي، في سياق حوار طويل معه تحت عنوان: «الإسلام والحوار الدِّيني». نقتطف هنا أبرز ما جاء فيه، بتصرّف.

القرآن الكريم هو حوار بذاته، من أوّله إلى آخره. نجد فيه على سبيل المثال فعلاً كثير الورود هو فعل «القول». وهو فعلٌ مُهيمن، تجده في كلِّ صفحة. ويَرِدُ أيضاً بصيغة «قال»، «قلت»، وفي كثير من الأحيان بصيغة الأمر «قُلْ».
ذلك يعني أوّلاً أنَّ القرآن، في ذاته حوار مع الإنسان، والإيمان يُكتَسَب عبر حوار الله تعالى مع الإنسان، مطلقاً.
إنّنا عادةً ما نقرأ في القرآن «وقالوا»، «وقال الكافرون»، «وقال الذين أشركوا»، فقد كان أغلب العرب في زمن النّبي صلّى الله عليه وآله مشركين مَلاحدة، وكان لهم معبدٌ للآلهة، وقد أشار القرآن الكريم إلى حوارهم مع رسول الله صلّى الله عليه وآله: ﴿وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر..﴾ الجاثية:24. كذلك أشار القرآن الى كلام سائر المِلَل المُنكِرة للبعث مع النّبي صلّى الله عليه وآله، وقدّم لكلٍّ منها الإجابة التي تدحض حُجَجها ومزاعَمها.
كذلك يحاور القرآن الكريم اليهود مستعملاً عادةً مصطلح «بنو إسرائيل»، مع العلم أنّه لم تَرِد فيه قطّ عبارة «بنو إبراهيم»، لأنّ العرب هم أيضاً أبناء إبراهيم.
ويمتاز هذا الحوار بكثافته، حيث تضمّنت معظم السُّور القرآنيّة فقراتٍ منه، وقد ورد ذكر نبيّ الله موسى على نبيِّنا وآله وعليه السلام مائة وستّة وثلاثين مرّة.
وهناك أيضاً الحوار مع المسيحيّين، الذين يسمِّيهم القرآن بالنّصارى، ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ آل عمران:52.
ومن أبرز مصاديق هذا الحوار، الآيات من سوة آل عمران والتي تشير إلى حادثة المباهلة بين رسول الله صلّى الله عليه وآله ونصارى نجران.
وقد ورد ذِكر نبيّ الله عيسى على نبيِّنا وآله وعليه السّلام خمسة وعشرين مرّة باستعمال الإسم «عيسى»، وإحدى وعشرين مرّة بتسمية «المسيح». أمّا الّسيّدة مريم عليها السلام، فقد ورد ذكرها أربعة وثلاثين مرّة، بعبارات قدسيّة تعكس الموقع الطّبيعي لسيّدة نساء العالمين في زمانها، وتختلف صورة السيّدة مريم في كتاب الله المجيد عن تلك التي في الأناجيل. فهذه الأخيرة قد خَصّصت لها في الحقيقة موقعاً محدوداً جداً.
ويمتاز الحوار القرآني مع اليهود والنّصارى، بأنّه حوار مفتوح على جميع الأسئلة، ليس فيه صدٌّ أو منع أو محرّمات لا يُستفسر عنها، إلّا أنّه في الوقت نفسه حوار صريح لا مكان فيه للمجاملة، ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ التوبة: 30.
كذلك سجَّل القرآن الكريم نماذج من «الحوار» بين اليهود والنّصارى أنفسهم، مبيّناً منسوب «الغِلّ» عند كلٍّ منهما تجاه الآخر: منها قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون﴾البقرة 113.
بناءً على ما تقدَّم، يمكن القول إنَّ حواراً حقيقيّاً يستلزم أن يأتي كلٌّ منّا للإدلاء بشهادةٍ عن عقيدته. ومُمكن لهذه الشّهادة في أقصى الحالات أن تُصبِح إعلاناً، ولكن بشرط أن لا تتحوّل إلى هدف للحوار. إنَّني أُصرّ على تنبيه شريكي المسيحي: لا تُعلن لي شيئاً، ولكن تعال وقُلْ لي ببساطة «سأُدلي بشهادة عن عقيدتي». إنْ تفعل فإنّك تترك لي حُريّتي، وعكس ذلك عندما تقرأ عليَّ الأناجيل، مهما كان ارتفاع درجة الإحترام في طريقة القراءة، لأنّك بذلك تدعوني بشكلٍ فاضحٍ إلى اعتِناق عقيدتك، وهو أمرٌ لا يُمكن أن أقبله، لنفسي وللآخرين.


 

اخبار مرتبطة

  أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

  القلب والحظوظ الدنيويّة

القلب والحظوظ الدنيويّة

  دورياات

دورياات

26/11/2011

دورياات

نفحات